أبو الفداء اسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن ايوب: الملك المؤيد، صاحب حماة. مؤرخ جغرافي، قرأ التاريخ والادب واصول الدين، واطلع على كتب كثيرة في الفلسفة والطب، وعلم الهيأة، ونظم الشعر - وليس بشاعر - واجاد الموشحات. له (المختصر في اخبار البشر - ط) ويعرف بتاريخ أبي الفداء، ترجم إلى الفرنسية واللاتينية وقسم منه إلى الانكليزية، وله (تقويم البلدان - ط) في مجلدين، ترجمة إلى الفرنسية المستشرق رينو Reinaud، و (تاريخ الدولة الخوارزمية - ط) و (نوادر العلم) مجلدان، و (الكناش - خ) في النحو والصرف، و (الموازين) وغير ذلك. ولد ونشأ في دمشق، ورحل إلى مصر فأتصل بالملك الناصر (من دولة المماليك) فأحبه الناصر واقامه سلطانا مستقلا في (حماة) ليس لاحد ان ينازعه السلطة، واركبه بشعار لملك، فأنصرف إلى حماة، فقرب العلماء ورتب لبعضهم المرتبات، وحسنت سيرته، واستمر إلى ان توفي بها.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 319

المؤيد صاحب حماة إسماعيل بن علي الإمام الفاضل السلطان الملك المؤيد عماد الدين أبو الفداء ابن الأفضل بن الملك المظفر ابن الملك المنصور صاحب حماة تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شادي، مات في الكهولة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، وتملك بعده ولده الملك الأفضل محمد -وقد تقدم ذكره في المحمدين-. كان أميرا بدمشق وخدم السلطان الملك الناصر ابن المنصور لما كان في الكرك وبالغ في ذلك، فوعده بحماة ووفى له بذلك وأعطاه حماة لما أمر لأسندمر بحلب بعد موت نائبها قبجق وجعله صاحبها سلطانا يفعل فيها ما يختار من إقطاع وغيره ليس لأحد من الدولة بمصر من نائب ووزير معه فيها حكم، اللهم إلا إن جرد عسكر من مصر والشأم جرد منها. وأركبه في القاهرة بشعار الملك وأبهة السلطنة ومشى الأمراء والناس في خدمته حتى الأمير سيف الدين أرغون النائب، وقام له القاضي كريم الدين بكل ما يحتاج إليه في ذلك المهم من التشاريف والإنعامات على وجوه الدولة وغيرهم، ولقبه الملك الصالح، ثم بعد قليل لقبه الملك المؤيد. وكان في كل سنة يتوجه إلى مصر بأنواع من الخيل والرقيق والجواهر وسائر الأصناف الغريبة، هذا إلى ما هو مستمر في طول السنة مما يهديه من التحف والطرف. وتقدم السلطان الملك الناصر إلى نوابه بأن يكتبوا إليه يقبل الأرض، وكان الأمير سيف الدين تنكز رحمه الله تعالى يكتب إليه يقبل الأرض بالمقام الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي العمادي وفي العنوان صاحب حماة، ويكتب السلطان إليه أخوه محمد بن قلاوون، أعز الله أنصار المقام الشريف العالي السلطاني الملكي المؤيدي العمادي بلا مولوي. وكان الملك المؤيد فيه مكارم وفضيلة تامة من فقه وطب وحكمة وغير ذلك، وأجود ما كان يعرفه الهيئة لأنه أتقنه وإن كان قد شارك في سائر العلوم مشاركة جيدة، وكان محبا لأهل العلم مقربا لهم: أوى إليه أمين الدين الأبهري وأقام عنده ورتب له ما يكفيه، وكان قد رتب لجمال الدين محمد بن نباتة كل سنة عليه ستمائة درهم. -وهو مقيم بدمشق-. غير ما يتحفه به. ونظم الحاوي في الفقه ولو لم يعرفه معرفة جيدة ما نظمه، وله تاريخ مليح وكتاب الكناش مجلدات كثيرة وكتاب تقويم البلدان هذبه وجدوله وأجاد ما شاء، وله كتاب الموازين جوده وهو صغير. ومات وهو في الستين. وله شعر ومحاسنه كثيرة، ولما مات رثاه جمال الدين محمد بن نباتة بقصيدة أولها:

منها:
منها:
ومنها يخاطب ابنه:
وتوجه في بعض السنين إلى مصر ومعه ولده الملك الأفضل محمد، فمرض فجهز السلطان إليه جمال الدين إبراهيم ابن المغربي رئيس الأطباء، فكان يجيء إليه بكرة وعشيا فيراه ويبحث معه في مرضه ويقرر الدواء ويطبخ الشراب بيده في دست فضة، فقال: يا خوند، أنت والله ما تحتاج إلي وما أجيء إلا امتثالا لأمر السلطان. ولما عوفي أعطاه بغلة بسرج ولجام وكنبوش زركش وتعبئة قماش وأظن -فيما قيل لي- عشرة آلاف درهم، وقال: يا مولانا، اعذرني فإني لما خرجت من حماة ما حسبت مرض هذا الابن فأمهلني حتى أتوجه إلى حماة! ومدحه شعراء زمانه وأجازهم. ولما مات فرق كتبه على أصحابه ووقف منها جملة. ومن شعر الملك المؤيد:
ومنه:
ومنه أيضا:
وأنشدني جمال الدين محمد بن نباتة شاعره قال: أنشدني معز الدين محمود بن حماد الحموي كاتب السر بحماة لمخدومه السلطان الملك المؤيد ونحن بين يديه وهو أحسن ما سمعت في معناه:
قال: وأنشدني له هذا الموشح أيضا:
قال: ومن الغريب أن السلطان كان يقول: ما أظن أني أستكمل من العمر ستين سنة فما في أهلي -يعني بيت تقي الدين- من استكملها، وفي أوائل الستين من عمره قال هذا الموشح ومات في بقية السنة رحمه الله تعالى. قلت: وهذه الموشحة جيدة في بابها منيعة على طلابها، وقد عارض بوزنها موشحة لابن سناء الملك رحمه الله تعالى أولها:
وموشحة السلطان رحمه الله نقصت عن موشحة ابن سناء الملك ما التزمه من القافيتين في الخرجة وهي الذال في كذا والعين في معي، وخرجة ابن سناء الملك أحر من خرجة السلطان.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 9- ص: 0

أبو الفضل اليحصبي: عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض بن محمد بن موسى بن عياض القاضي أبو الفضل اليحصبي السبتي: أحد الأعلام ولد بسبته نصف شعبان سنة ست وسبعين وأربعمائة. وتوفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة.
استقضى بسبتة مدة طويلة، ثم نقل إلى قضاء غرناطة، وعمره لما ولي القضاء خمس وثلاثون سنة.
أخذ بقرطبة عن جماعة، وجمع من الحديث كثيرا، وكان له عناية كبيرة به، وبالاهتمام بجمعه وتقييده.
وهو من أهل التفنن والذكاء واليقظة والفهم.
ومدحه أبو الحسن ابن هارون المالقي الفقيه (المشاور) بقوله:

ومن تصافيه: كتاب ’’الشفا في شرف المصطفى’’، و ’’ترتيب المدارك’’ و ’’تقريب المسالك في ذكر فقهاء مذهب مالك’’، و’’العقيدة’’، وكتاب ’’شرح حديث أم زرع’’، وكتاب ’’جامع التاريخ’’ الذي أربى به على جميع المؤلفات، وكتاب ’’مشارق الأنوار في اقتفاء صحيح الآثار’’ من، ’’الموطأ’’ والبخاري’’ و ’’مسلم’’ وله: ’’الإكمال في شرح مسلم’’، كمل به كتاب: ’’المعلم للمازري’’، وكتاب ’’التنبيهات’’ وله عدة تواليف صغار. ودفن بمراكش.
قرأت على الحافظ فتح الدين محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس بالقاهرة في شهر رمضان سنة تسع وعشرين وسبعمائة كتاب ’’الشفاء’’ للقاضي عياض رحمه الله.
وأخبرني به بحق سماعه له من الشيخ الإمام علم الدين أبي الحسن محمد بن الإمام جمال الدين أبي محمد الحسن بن عتيق بن رشيق المالكي بمصر سنة سبع وسبعين وستمائة بقراءة والدي رحمه الله.
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن جبير الكناني: قراءة عليه، وأنا أسمع.
قال: أنا أبو عبد الله محمد بن عيسى التميمي قراءة عليه، وأنا أسمع قال: أنا القاضي عياض رحمه الله تعالى إجازة.
ومن شعره رحمه الله تعالى:
ومنه:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 23- ص: 0

إسماعيل بن علي السلطان الإمام والعالم الفاضل الفريد المفنن الملك المؤيد عماد الدين أبو الفداء بن الأفضل بن الملك المظفر بن الملك المنصور صاحب حماة تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شاذي.
وكان أولا أميرا بدمشق، وخدم السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون لما كان في الكرك آخر مرة، وبالغ في ذلك، فوعده بحماة، ووفى له بذلك، وأعطاه حماة لما أمر لأسندمر بنيابة حلب بعد موت نائبها قبجق، وجماله صاحبها سلطانا يفعل فيها ما يشاء من إقطاع وغيره، ليس لأحد معه كلام فيها، ولا يرد عليه مرسوم من مصر بأمر ولا نهي لأحد من نائب أو وزير اللهم إلا إن جرد عسكر من مصر والشام جرد منها.
وتوجه من دمشق إليها في جمادى الآخرة سنة عشر وسبع مئة، وأركبه في القاهرة بشعار الملك، وأبهة السلطنة، ومشى الأمراء والناس في خدمته حتى الأمير سيف الدين أرغون النائب، وقام له كريم الدين بكل ما يحتاج إليه في ذلك المهم من التشاريف والإنعامات على وجوه الدولة وغيرهم، ولقبه بالملك الصالح، ثم إنه بعد قليل لقبه بالملك المؤيد، وذلك لما حج معه في سنة تسع عشرة وسبع مئة، وعاد معه إلى القاهرة، وأذن له أن يخطب له بحماة وأعمالها على ما كان عليه عمه المنصور، وكان في كل سنة يتوجه إلى مصر ومعه أنواع من الرقيق والجواهر والخيول المسومة وسائر الأصناف الغريبة، هذا إلى ما هو مستمر في طول السنة مما يهديه من التحف والطرف.
وتقدم السلطان إلى نوابه بالشام بان يكتبوا: يقبل الأرض، وكان الأمير سيف الدين تنكر رحمه الله تعالى يكتب إليه: يقبل الأرض بالمقام الشريف العالي المولي السطلاني الملكي المؤيد العمادي، وفي العنوان صاحب حماة، ويكتب السلطان إليه أخوه محمد بن قلاوون أعز الله تعالى أنصار المقام الشريف العالي السلطاني الملكي المؤيدي العمادي، بلا مولوي. وكان الملك المؤيد يقول: ما أظن أني أكمل من العمر ستين سنة فما في أهل بيتي، يعني بيت تقي الدين من كملها.
وكان الملك المؤيد رحمه الله تعالى قد نزل في مكان المكارم، وعمر في الشجاعة بيتا في اقنا والصوارم، يتصبب جودا سماحه، ويتضبب بالبأس ذبله وصفاحه، له حنو زائد على أهل الفضائل، وتطلع إلى إنشاء الفوائد وإثارة ذبله وصفاحه، له حنو زائد على أهل الفضائل، وتطلع إلى إنشاء الفوائد وإثارة المسائل، آوى إليه أمين الدين الأبهري فبهره جوده، وغمره نائله وعمته وفوده، وتصدر في مجلسه قاعدا، ووقفت لديه جنوده، ولوى الحظ المدبر جيده إليه، ونشرت بروده، ومدحه شعراء عصر، وحملوا أبكار أفكارهم إلى قصره، ففازوا بالمهور الغالية، وحازوا الأجور العالية، ورتب لجماعة منهم في كل سنة شيئا قرره، وبذلا رتبه في ديوانه وحرره، منهم شاعره الشيخ جمال الدين محمد بن نباتة، وكان رابته في السنة عيه مبلغ ست مئة درهم لا بد من وصوله ودخوله في حوزته وحصوله، غير ما يهديه إليه في أثناء السنة، وتتضاعف فيه الحسنة، ورتب لأسد اليهودي الذي تقدم ذكره راتبا كفاه، وملأ كف رجائه وسد فاه.
وكان قد امتزج من العلوم بفنونها، وأخذ منها نخبة فوائدها وحاسن عيونها، فنظم الحاوي في الفقه، ولو لم يعرفه جيدا ما تصرف معه في نظمه، ولا اقتدر على تسيير نجمة. وله تاريخ جوده، وبيض به وجه الزمان لما سوده. وكتاب الكناش مجلدات، وفوائد العلم فيه مخلدات، وكتاب تقومي البلدان، قال الإحسان بقوله فيه ودان، وجدوله وهذبه، وجد له فأتقنه لما وضعه ورتبه، وقد أجاد فيه ما شاء، ونزل تجويده في الأفاضل في صميم الأحشاء. وله كتاب الموازين وهو صغير، وصوب إفادته غزير، وله غير ذلك.
ونظم القريض والموشح، واستخدم المعاني وأهلها ورشح. وكان يعرف علوما جمة، وفضائل يستعير البدر منها كماله وتمه، وأجود ما يعرفه الهيئة، فإذا اشتبك الجدال عليه فره إليها وفيئه.
وكانت عنده كتب نفيسة ملوكية قد حوتها خزانته، وأمده على اقتنائها انتقاؤه وفطانته، فملك منها الجواهر اليتيمة، والزواهر التي هي في أفقه مقيمة، وعلى كل حال فكان لسوق الفضل عنده نفاق، وللعلم عنده تحقيق وصدق دون نفاق، وللزمان به جملة جمال انساقت باقيا، وبدر لا يزال في مطالع السعود راقيا، وسلف سلافه من الجود يطوب بها إحسانه على العفاة ساقيا، وفضلات فضل طالما أنشدها مؤملوه:

ولم يزل في ملكه ومسير فلكه إلى أن أصبح المؤيد وقد تخذل، ورئي في معرك المنايا، وقد تجدل.
وتوفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين وسبع مئة، سحر يوم الخميس الثالث والعشرين من المحرم، ودفن ضحوة النهار عند تربة والده ظاهر البلد، في الكهولة، ولم يكمل الستين.
ولما مات رحمه الله تعالى فرق كتبه على أصحابه، ووقف منها، ورثاه الشعراء.
أنشدني من لفظه لنفسه الشيخ جمال الدين محمد بن محمد بن نباتة:
ومن شعره، وقد غنى الناس به مدة:
ومنه أيضا:
ومنه:
وأنشدني من لفظه جمال الدين محمد بن نباتة، قال: أنشدني معزا لدين محمود بن حماد الحوي كاتب السر بحماة لمخدومه السلطان الملك المؤيد، ونحن بني يديه، وهو مليح غاية:
قال: وأنشدني له هذا الموشح أيضا له:
قلت: وهذه الموشحة جيدة في بابها، ومتحيدة عن طلابها، وقد عارض بوزنها موشحة لابن سناء الملك رحمه الله تعالى وأولها:
وموشحة السلطان رحمه الله نقصت عن الموشحة ابن سناء الملك قافيتين، وهي الذال في كذا، والعين في معي، وخرجة ابن سناء الملك أحر من خرجة السلطان وأحلى.
وشيخا العلامة شهاب الدين محمود فيه أمداح طنانة، فمنها ما أنشدنيه إجازة:
#وقسم الوجد غرامي كما شاد أعضائي على ما أراد

  • دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 1- ص: 502

المؤيد صاحب حماة إسماعيل بن علي.

  • دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 5- ص: 494

إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب الملك المؤيد عماد الدين ابن الأفضل بن المظفر بن المنصور تقي الدين الأيوبي السلطان عماد الدين صاحب حماة ولد سنة بضع وسبعين وبخط المؤرخ بحلب سنة اثنتين وأمر بدمشق فخدم الناصر لما كان بالكرك فبالغ فلما عاد إلى السلطنة وعده بسلطنة حماة ثم سلطنه بعد مدة يفعل فيها ما شاء من إقطاع وغيره ولا يؤمر ولا ينهى إلا أن جرد من الشام ومصر عسكر فإنه يجرد من مدينته وأركب في القاهرة بشعار المملكة والأبهة ومشى الناس في خدمته حتى أرغون النائب فمن دونه وجهزه كريم الدين بجميع ما يحتاج إليه ولقب أولا الصالح ثم المؤيد وأذن أن يخطب له بحماة وأعمالها وقدم سنة 16 فأنزل الكبش وأجريت عليه الرواتب وبالغ السلطان في إكرامه إلى أن سافر وقدم مرة أخرى ثم حج مع السلطان سنة 19 فلما عاد عظم في عين السلطان لما رآه من آدابه وفضائله وأركبه في المحرم سنة 20 عشرين بعد العود من المنصورية بين القصرين بشعار السلطنة وبين يديه قجليس السلاح دار بالسلاح والدوادار الكبير بالدواة والغاشية والعصائب وجميع دست السلطنة فطلع إلى السلطان وجلس رأس الميمنة ولقبه السلطان يومئذ المؤيد وكان جملة ما وصل إلى أهل الدولة بسببه في هذا اليوم مائة وثلاثين تشريفا منها ثلاثة عشر أطلس وتوجه في سنة 22 مع السلطان إلى الصعيد وكان يزوره بمصر كل سنة غالبا ومعه الهدايا والتحف وأمر السلطان جميع النواب أن يكتبوا له يقبل الأرض وكان السلطان يكتب إليه أمره وكان جوادا شجاعا عالما في عدة فنون نظم الحاوي في الفقه وصنف تاريخه المشهور تقويم البلدان ونظم الشعر والموشحات وفاق في معرفة علم الهيئة واقتنى كتبا نفيسة ولم يزل على ذلك إلى أن مات في المحرم سنة 732 ولم يكمل الستين ورثاه ابن نباتة وغيره ومن شعره ما أنشدنا أبو اليسر ابن الصائغ إجازة أنشدنا خليل ابن أيبك أنشدنا جمال الدين ابن نباتة أنشدنا المقرئ محمود بن حماد أنشدنا الملك المؤيد لنفسه في وصف فرس

قال الذهبي كان محبا للفضيلة وأهلها له محاسن كثيرة وله تاريخ علقت منه أشياء انتهى ولا أعرف في أحد من الملوك من المدائح ما لابن نباتة والشهاب محمود وغيرهما فيه إلا سيف الدولة وقد مدح الناس غيرهما من الملوك كثيرا ولكن اجتمع لهذين من الكثرة والإجادة من الفحول ما لم يتفق لغيرهما ولما بلغ السلطان موته أسف عليه جدا وحزن عليه وقرر ولده الأفضل محمدا في مكان أبيه وكان المؤيد كريما فاضلا عارفا بالفقه والطب والفلسفة وله يد طولى في الهيئة ومشاركة في عدة علوم وكان يحب أهل العلم ويقربهم ويؤويهم وانقطع إليه الأثير الأبهري عبد الرحمن ابن عمر فأجرى له ما يكفيه وكان لابن نباتة عليه راتب في كل سنة يصل إليه سوى ما يتحفه به إذا قدم عليه وكان الناصر يكتب إليه أخوه محمد ابن قلاون أعز الله أنصار المقام الشريف العالي السلطاني الملكي المؤيدي العمادي وكان تنكز يكتب إليه يقبل الأرض بالمقام الشريف العالي المولوي وأما غير تنكز فيكاتبه يقبل الأرض وينهى وقدم مرة القاهرة ومعه ولده فمرض فأمر السلطان جمال الدين ابن المغربي رئيس الأطباء بملازمته فحكى أنه لازمه بكرة وعشيا فكان المؤيد يبحث معه في تشخيص ذلك المرض ويقدر معه الدواء ويباشر طبخه بيده حتى كان ابن المغربي يقول والله لولا أمر السلطان ما لازمته فإنه لا يحتاج إلي ثم عوفي الولد فأفرط المؤيد في الإحسان لابن المغربي وأعطاه فرسا بكنبوش زركش وعشرة آلاف واعتذر إليه مع ذلك ووعده أنه إذا توجه إلى حماة يكافيه ولما مرض فرق كثيرا من كتبه ووقف بعضها وله وقف على جامع ابن طولون وهو خان كامل بحوانيته بدمشق رحمه الله

  • مجلس دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/ الهند-ط 2( 1972) , ج: 1- ص: 0

القاضي عياض هو أبو الفضل: عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى بن عياض بن محمد بن عبد الله بن موسى بن عياض اليحصبي الإمام العلامة يكنى أبا الفضل سبتي الدار والميلاد أندلسي الأصل.
قال ولده محمد: كان أجدادنا في القديم بالأندلس ثم انتقلوا إلى مدينة فاس وكان لهم استقرار بالقيروان لا أدري قبل حلولهم بالأندلس أو بعد ذلك وانتقل عمرون إلى سبتة بعد سكنى فاس.
كان القاضي أبو الفضل إمام وقته في الحديث وعلومه عالما بالتفسير وجميع علومه فقيها أصوليا عالما بالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم بصيرا بالأحكام عاقدا للشروط حافظا لمذهب مالك رحمه الله تعالى شاعرا مجيدا ربانا من الأدب خطيبا بليغا صبورا حليما جميل العشرة جوادا سمحا كثير الصدقة دءوبا على العمل صلبا في الحق.
رحل إلى الأندلس - سنة سبع وخمسمائة - طالبا للعلم فأخذ بقرطبة عن القاضي أبي عبد الله: محمد بن علي بن حمدين وأبي الحسين بن سراج وعن أبي محمد بن عتاب وغيرهم وأجاز له أبو علي الغساني وأخذ بالمشرق عن القاضي أبي علي: حسين بن محمد الصدفي وغيره وعني بلقاء الشيوخ والأخذ عنهم وأخذ عن أبي عبد الله المازري كتب إليه يستجيزه وأجاز له الشيخ أبو بكر الطرطوشي.
ومن شيوخه: القاضي أبو الوليد بن رشد قال صاحب الصلة البشكوالية: وأظنه سمع من ابن رشد وقد اجتمع له من الشيوخ - بين من سمع منه وبين من أجاز له: مائة شيخ.
وذكر ولده محمد منهم: أحمد بن بقي وأحمد بن محمد بن مكحول وأبو الطاهر: أحمد بن محمد السلفي والحسن بن محمد بن سكرة والقاضي أبو بكر بن العربي والحسن بن علي بن طريف وخلف بن إبراهيم بن النحاس
ومحمد بن أحمد بن الحاج القرطبي وعبد الله بن محمد الخشني وعبد الله بن محمد البطليوسي وعبد الرحمن بن بقي بن مخلد وعبد الرحمن بن العجوز وغيرهم ممن يطول ذكرهم.
قال صاحب الصلة: وجمع من الحديث كثيرا وله عناية كبيرة به واهتمام بجمعه وتقييده وهو من أهل التفنن في العلم واليقظة والفهم وبعد عوده من الأندلس أجلسه أهل سبتة للمناظرة عليه في المدونة وهو بن ثلاثين سنة أو ينيف عنها ثم أجلس للشورى ثم ولي قضاء بلده مدة طويلة حمدت سيرته فيها ثم نقل إلى قضاء غرناطة في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة ولم يطل أمره بها ثم ولي قضاء سبتة ثانيا.
قال صاحب الصلة: وقدم علينا قرطبة فأخذنا عنه بعض ما عنده. قال بن الخطيب: وبنى الزيادة الغربية في الجامع الأعظم وبنى في جبل المينا الراتبة الشهيرة وعظم صيته ولما ظهر أمر الموحدين بادر إلى المسابقة بالدخول في طاعتهم ورحل إلى لقاء أميرهم بمدينة سلا فأجزل صلته وأوجب بره - إلى أن اضطربت أمور الموحدين عام ثلاثة وأربعين وخمسمائة فتلاشت حاله ولحق بمراكش مشردا به عن وطنه فكانت بها وفاته.
وله التصانيف المفيدة البديعة منها: إكمال المعلم في شرح صحيح مسلم
ومنها: كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم أبدع فيه كل الإبداع وسلم له اكفاؤه كفايته فيه ولم ينازعه أحد من الانفراد به ولا أنكروا مزية السبق إليه بل تشوفوا للوقوف عليه وأنصفوا في الاستفادة منه وحمله الناس عنه وطارت نسخه شرقا وغربا وكتاب مشارق الأنوار في تفسير غريب حديث الموطأ والبخاري ومسلم وضبط الألفاظ والتنبيه على مواضع الأوهام والتصحيفات وضبط أسماء الرجال وهو كتاب لو كتب بالذهب أو وزن بالجوهر لكان قليلا في حقه وفيه أنشد بعضهم:

وكتاب التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة جمع فيه غرائب من ضبط الألفاظ وتحرير المسائل وكتاب ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك وكتاب الإعلام بحدود قواعد الإسلام وكتاب الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع وكتاب: بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد وكتاب الغنية في شيوخه وكتاب المعجم في شيوخ بن سكرة وكتاب نظم البرهان على حجة جزم الأذان وكتاب مسألة الأهل المشروط بينهم التزاور.
ومما لم يكمله: المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان وكتاب العيون الستة في أخبار سبتة وكتاب غنية الكاتب وبغية الطالب في الصدور والترسل
وكتاب الأجوبة المحبرة على الأسئلة المتخيرة وكتاب أجوبة القرطبيين وكتاب أجوبته عما نزل في أيام قضائه من نوازل الأحكام في سفر وكتاب: سر السراة في أدب القضاة وكتاب خطبه وكان لا يخطب إلا بإنشائه.
وله شعر كثير حسن رائق فمنه قوله:
وله رحمه الله تعالى:
وله من أبيات:
وله في خامات الزرع بينها شقائق النعمان هبت عليها رياح:
وله غير ذلك كثير.
كان مولد القاضي عياض بسبتة في شهر شعبان سنة ست وتسعين وأربعمائة وتوفي بمراكش في شهر جمادى الأخيرة وقيل في شهر رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة وقيل: إنه مات مسموما سمه يهودي ودفن رحمه الله تعالى بباب إيلان داخل المدينة.
وعياض بكسر العين المهملة وفتح الياء المثناة من تحت وبعد الألف ضاد معجمة. واليحصبي بفتح الياء المثناة من تحت وسكون الحاء المهملة وضم الصاد المهملة وفتحها وكسرها وبعدها ياء موحدة نسبة إلى يحصب بن مالك قبيلة من حمير. وسبتة مدينة مشهورة وغرناطة مدينة بالأندلس وهي بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة ثم نون مفتوحة بعدها ألف وبعد الألف طاء مهملة ثم هاء ويقال فيها إغرناطة بألف قبل الغين.

  • دار التراث للطبع والنشر - القاهرة-ط 1( 2005) , ج: 2- ص: 46

إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد ابن عمر بن شاهنشاه بن أيوب الملك المؤيد صاحب حماة
عماد الدين أبو الفداء ابن الأفضل بن الملك المظفر بن الملك المنصور بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شادي
كان من أمراء دمشق وخدم السلطان الملك الناصر لما كان في الكرك آخر أمره فوعده بحماة ووفى له بذلك
وكان المذكور رجلا فاضلا نظم الحاوي في الفقه وصنف تقويم البلدان وتاريخا حسنا وغير ذلك
توفي بحماة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وكان قد ملكها في سنة عشر وسبعمائة فأقام هذه المدة له شعر حسن ومن شعره

وكان جوادا ممدحا امتدحه الشيخ شهاب الدين محمود بقصيدته التي مطلعها
وبقصيدته التي مطلعها
وأكثر في مدحه شاعره الشيخ جمال الدين ابن نباتة شاعر الوقت ومن غرر قصائده فيه

  • دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 9- ص: 403

اسمعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب
الملك المؤيد صاحب حماه ولد سنة 672 اثنتين وسبعين وستمائة وأمره الناصر فخدمه لما كان بالكرك فبالغ فلما عاد الناصر إلى السلطنة وعده بسلطنة حماه ثم سلطنه بها يفعل فيها ما يشاء من إقطاع وغير ذلك ولا يؤمر ولا ينهى أركبه الناصر شعار الملكة والسلطنة ومشى في خدمته أكابر أمراء الناصر فمن بعدهم واستقر بحماه ثم قدم إلى مصر على السلطان الناصر في سنة 716 فبالغ السلطان في إكرامه ثم قدم مرة أخرى فحج مع السلطان سنة 719 فلما عاد عظم في عين السلطان لما رآه من آدابه وفضائله وألبسه بعد العود شعار السلطنة وبين يديه جميع خواص الناصر وسائر الناس ومشى السلحدار بالسلاح والدويدار الكبير بالدواة والغاشية والعصايب وجميع دست السلطان بين يديه وكان جملة ما وصل إلى أهل الدولة بسببه في هذا اليوم مائة وثلاثين تشريفاً منها ثلاثة عشر أطلس وكان يزور السلطان في كل سنة غالبا ومعه الهدايا والتحف وأمر السلطان جميع النواب أن يكتبوا إليه يقبل الأرض وهذا لفظ يختص بالسلطان الأعظم وكان الناصر نفسه يكتب إليه ذلك وكان جواداً شجاعاً عالما بفنون عدة لاسيما الأدب فله فيه يد طولى نظم الحاوي في الفقه وصنف تاريخه المشهور ونظم الشعر والموشحات وكان له معرفة بعلم الهيئة قال ابن حجر في الدرر الكامنة ولا أعرف في احد من الملوك من المدايح ما لابن نباته والشهاب محمود وغيرهما فيه إلا سيف الدولة وقد مدح الناس غيرهما من الملوك لكن اجتمع لهذين من الكثرة والإجادة من الفحول مالم يتفق لغيرهما وكان يحب أهل العلم ويقربهم وكان لابن نباته عليه راتب في كل سنة يصل إليه سوى ما يتحفه به إذا قدم عليه وكان الناصر يكتب إليه اعز الله أنصار المقام الشريف العالي السلطاني الملكى المؤيدي وهذا وهو نائب من نوابه وكان نائب الناصر في الشام وهو أكبر النواب يكتب إلى صاحب الترجمة يقبل الأرض وأما غير نائب الشام فيكتب إليه يقبل الأرض وينهى واستمر على حاله الجميل حتى مات في شهر محرم سنة 732 ومن نظمه

  • دار المعرفة - بيروت-ط 1( 0) , ج: 1- ص: 151

القاضي عياض بن موسى بن عياض بن عمر بن موسى بن عياض العلامة عالم المغرب أبو الفضل اليحصبي السبتي الحافظ
ولد سنة ست وسبعين وأربعمائة
أجاز له أبو علي الغساني
وتفقه وصنف التصانيف التي سارت بها الركبان كالشفاء وطبقات المالكية وشرح مسلم والمشارق في الغريب وشرح حديث أم زرع والتاريخ وغير ذلك
وبعد صيته وكان إمام أهل الحديث في وقته وأعلم الناس بعلومه وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم
وولي قضاء سبتة ثم غرناطة مات ليلة الجمعة سنة أربع وأربعين وخمسمائة بمراكش

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1403) , ج: 1- ص: 470

القاضي عياض
ابن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض، الحافظ، العلامة، أبو الفضل، اليحصبي، السبتي.
ولد بسبتة في سنة ست وسبعين وأربع مئة.
وأخذ عن: محمد بن حمدين، وأبي علي بن سكرة، وأبي محمد بن عتاب، وهشام بن أحمد، وأبي بحر بن العاص، وخلق.
وأجاز له الحافظ أبو علي الغساني، وكان يمكنه السماع منه، وتفقه بأبي عبد الله محمد بن عيسى التميمي وغيره، وصنف التصانيف المشهورة.
روى عنه: أبو القاسم خلف بن بشكوال، وأبو محمد بن عبيد الله الحجري، ومحمد بن الحسن الجابري، وأبو جعفر بن القصير الغرناطي، وخلق.
قال ابن بشكوال: هو من أهل العلم والتفنن والذكاء والفهم، استقضي بسبتة مدة طويلة، حمدت سيرته فيها، ثم نقل عنها إلى قضاء غرناطة فلم يطول بها، وقدم علينا قرطبة فأخذنا عنه.
وقال الفقيه محمد بن حمادة السبتي: جلس القاضي للمناظرة وله نحوٌ من ثمانٍ وعشرين سنة، [وولي القضاء وله خمس وثلاثون سنة] ؛ فسار بأحسن سيرة، وكان هيناً من غير ضعف، صليباً في الحق، تفقه على أبي عبد الله التميمي، وصحب أبا إسحاق بن جعفر الفقيه، ولم يكن أحدٌ بسبتة في عصرٍ أكثر تواليف من تواليفه، له كتاب ’’الشفا في شرف المصطفى’’، وكتاب ’’ترتيب المدارك وتقريب المسالك في ذكر
فقهاء مذهب مالك’’، وكتاب ’’العقيدة’’، وكتاب ’’شرح حديث أم زرع’’، وكتاب ’’جامع التواريخ’’ الذي أربى على جميع المؤلفات؛ جمع فيه أخبار ملوك الأندلس والمغرب، واستوعب فيه أخبار سبتة وعلماءها، وله كتاب ’’مشارق الأنوار في اقتفاء صحيح الآثار: الموطأ والصحيحين، إلى أن قال: وحاز من الرياسة في بلده، ومن الرفعة ما لم يصل إليه أحدٌ قط من أهل بلده، وما زاده ذلك إلا تواضعاً وخشيةً لله.
وقال القاضي شمس الدين بن خلكان: هو إمام الحديث في وقته، وأعرف الناس بعلومه، وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم، قال: ومن تصانيفه: كتاب ’’الإكمال في شرح مسلم’’ كمل به كتاب ’’المعلم’’ للمازري، ومنها كتاب ’’مشارق الأنوار’’ في تفسير غريب
الحديث، وكتاب ’’التنبيهات’’ فيه فوائد وغرائب، وكل تواليفه بديعة، وله شعرٌ حسن.
قال ابن بشكوال: توفي القاضي عياض مغرباً عن وطنه في وسط سنة أربع وأربعين وخمس مئة.
وقال غيره: في جمادى الآخرة، ودفن بمراكش.
وفيها: مات العلامة أبو جعفرك أحمد بن علي بن أبي جعفر البيهقي؛ صاحب التصانيف. وقاضي تستر أبو بكر أحمد بن محمد بن حسين الأرجاني؛ شاعر وقته. والمسند أبو المحاسن سعد بن علي بن الموفق الهروي. والإمام أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد المرادي القرطبي؛ محدث حلب.

  • مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان-ط 2( 1996) , ج: 4- ص: 1