الجمني إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم الجمني ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل المقداد بن الأسود الكندي، الفقيه الزاهد.
كان أحد أجداده معين الدين نازلا بالجديدة قرية من قرى المدينة المشرفة فانتقل إلى جمنة من قرى نفزاوة (ما يسمى بقبلي الآن من ولاية قابس).
رحل إلى الجزائر، وأخذ عن الشيخ عبد الله بن أبي القاسم الجلالي، ثم دخل زواوة فأقام بها ست سنين، وقرأ بها على جماعة منهم محمد السعدي، ومحمد المغربي، وأبو القاسم القاضي.
رحل إلى مصر باشارة من شيخه علي الوحيشي القيرواني، قيل إنه رحل إليها من بلاد زواوة، فدخلها إثر وفاة الشيخ علي الأجهوري سنة 1066/ 1656 وقيل إنه دخلها سنة 1075، وأقام بالقاهرة تسع سنوات قرأ فيها على اجلاء مشايخ الأزهر فأخذ القراءات عن سلطان المزاحي، كما قرأ علي إبراهيم الشبراخيتي، وأحمد الشبيبي، وقرأ على عبد الباقي الزرقاني، وأجازه في النحو، والبيان، وأصول الفقه، والتوحيد والمنطق، ومن شيوخه بالأزهر ياسين الحمصي، وعلي اللقاني، ولازم الشيخ محمد الخرشي طويلا، وأجازه في الحديث، وله شيوخ غيرهم، وأدى فريضة الحج وهو ما زال طالبا بالأزهر.
ولما أشبع نهمه من طلب العلم، وتحصل على الاجازات من مشايخه كر راجعا إلى وطنه وركب البحر من الاسكندرية، فغرقت السفينة ونجا إلى البر من كان بالسفينة سوى المترجم فقد رسب في قعر البحر فانتشله غواص ماهر فأخرجه مغمى عليه فلما أفاق سأل عن مصير كتبه، وكانت كثيرة، فسلي بسلامة نفسه، فعاد إلى القاهرة، وجمع كتبا غيرها، ثم عاد سالما إلى بلدته جمنة، واستقر أولا بزاوية الحمارنة قرب قابس لبث العلم وإفادة الناس، ثم انتقل إلى جزيرة جربة فعلم الناس بجامع الغرباء، وبعد مدة منعه إمام الجامع من الاقراء بغيا وحسدا فانتقل الى الاقراء في موضع آخر لا تصل إليه يد إمام الجامع المذكور، وكان يسكن هو وطلبته في هذه الفترة في أخواص من جريد، وقدم جربة وكيل مراد بن حمودة باشا المرادي، وكان يعرف المترجم له فسأل عنه فوجده على تلك الحالة، فلما رجع لتونس أمره مراد باشا بالحج نيابة عنه، فقال له يا سيدي إذا أردت أجرا خيرا من الحج فابن مدرسة للشيخ الجمني، وحكى له أمره فأذنه بالتوجه لبناء المدرسة المرادية بجربة ونصب له محراب مسجدها الشيخ بوراوي حفيد الولي الصالح الشيخ عبد السلام الأسمر المقبور هناك، وكمل بناء المدرسة سنة 1115/ 1714، وبنيت فيها دار لسكناه، وجعل له النظر في حبس المدرسة، وبث العلم بتلك المدرسة، وقصده الناس من كل فج، فبذل جهده في نشر مذهب مالك، فكان يختم مختصر خليل في كل عام مرتين في ظرف تسعة أشهر، ويقرئ الحديث النبوي في بقية السنة ومن المنتفعين به ابن أخيه إبراهيم بن محمد الجمني، وعلي الشاهد، وعلي الفرجاني، ومحمد الغرياني.
واعتنى بهذه المدرسة الأمير علي بن حسين باي، فمد طلبتها والمقيمين بها بالطعام والقوت، وأسقط عنهم أنواعا من الضرائب، وحبس على المدرسة بعض الضياع لفائدة الطلبة، كما بنى للمدرسة وكالتين، وكان
ملازما للصيام والقيام من قبل صلاة الفجر لإفاقة الساكنين بالمدرسة للقراءة والمطالعة والصلاة، وكان قوته يأتيه من تمر بلده مما ورثه عن آبائه محترزا عن الأكل من حبس المدرسة.
توفي ليلة الجمعة 15 ربيع الأول، ودفن بالمدرسة.
له شرح على مختصر خليل لم يكمل.
المصادر والمراجع:
- ذيل بشائر أهل الإيمان 130 - 132.
- شجرة النور الزكية 244.
مؤنس الأحبة في تاريخ جربة لمحمد بوراس 95 - 96.
- نزهة الأنظار 2/ 204 - 208.
دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان-ط 2( 1994) , ج: 2- ص: 56