بيرم الرابع محمد بيرم الرابع ابن محمد بيرم الثالث ابن محمد بيرم الثاني ابن محمد بيرم الأول فقيه محدث، أديب، ذو اعتناء بالتراجم ولد في آخر جمادى الثانية سنة 1220/ 20 سبتمبر 1805 اعتنى بتربية جده محمد بيرم الثاني حتى أنه كان يلقنه المسائل وهو مضطجع معه في فراشه وقرأ على جده هذا ووالده الفقه وأصوله، وأخذ عن الشيخ إبراهيم الرياحي في جامع صاحب الطابع وعن أحمد الأبي، ومحمد بن ملوكة، وعبد الرحمن الكامل، وأجازه المحدث المسند الطبيب الرحال محمد الصالح الرضوي البخاري ثم المدني عند إقامته بتونس.
تولى التدريس وله من العمر 18 سنة، فدرس بالمدرسة العنقية، والمدرسة الباشية، وجامع
الزيتونة، ثم سمي مفتيا مرءوسا بوالده بعد وفاة جده في غرة جمادي الأولى سنة 1247/ 23 أكتوبر 1831 وعارض أباه في مجلس الحكم بما أوتي من حدة الفهم.
ولما مات والده عن رئاسة الفتوى الحنفية، وكان المترشح لها غيره ممن تقدمه في الفتوى، أولاه الأمير أحمد باشا باي رئاسة الفتوى الحنفية في 28 ربيع الأول 1259/ 28 أفريل 1832 ونقابة الأشراف خلفا لوالده.
وهو أول من لقب بشيخ الإسلام في تونس، لأن هذا اللقب لم يكن موجودا بها حتى فخم الأمير أحمد باشا باي المشير الأول الألقاب محاكيا للسلطنة العثمانية، واستدعى يوما صاحب الترجمة والبسة كركا وسمورا وسماه شيخ الإسلام.
تولى خطابة جامع صاحب الطابع ثم الجامع اليوسفي.
وكان الأمير أحمد باشا يقربه ويستشيره في المهام ويصله بأسنى العطايا، ولما ولي الأمير محمد باشا قربه وجعل أمر الخطط الدينية إليه فلا يتولى أحد منها شيئا إلا بانتخابه فكان يؤثر عنه الانصاف، فتأتي المستحقين أوامر الخطط من غير علم منهم. وكان صهرا للأمير محمد باشا تزوج الأمير بأخته. وهو مستشار الأمير يعمل بإشارته غالبا في الجهاز الإداري والقضائي، وفي القضايا السياسية، وكان له تأثير كبير بين النخبة العلمية والإدارية. وكان كاتبا وشاعرا يستنجد بقلمه الأمير محمد باشا عند المهام. ولما ورد مكتوب السلطنة المغربية في تهنئة محمد باشا بأي أحجم الشيخ ابن أبي الضياف عن الجواب، وأشار على الأمير أن يكلف صاحب الترجمة بالجواب، فأجاب عن المكتوب نثرا ونظما.
وعند ما اتخذ السلطان محمود خان الثاني الزي الأوروبي سنة 1246/ 1831 أصدر أمره لولاة الولايات العثمانية ولأمراء البلاد المختارة ومنها تونس بإجراء العمل في بلادهم بالأنظمة الجديدة، ومن جملتها اللباس الأوروبي والعسكر النظامي، فكان حسين باي أول من لبس من البايات الزي الأوروبي اقتداء بالسلطان التركي، وشاع النكير عليه في أوساط المتزمتين، حتى أنه وقع العثور في مجلس حكمه على قصيدة لمجهول مطلعها:

وكان المترجم له من فريق المؤيدين للباي، وهنأه على إصلاحاته بقصيدة من عيون شعره:
ومن أحداث حياته انتخاب الشهود (الموثقين). قال ابن أبي الضياف: «وامتحن في آخر أمره بما امتحن به جده، وهو انتخاب عدد معين من الشهود فسخط كثير من أهل البلاد وسلقته الألسن الحداد، وأنى للمخلوق وإرضاء العباد».
وذلك أن أبا عبد الله محمد باي كان ينكر كثرة الشهود ويراها مفسدة ولما دالت الدولة له تكلم مع الشيخ في ذلك وقال له: «إن الحاضرة لا يكون فيها أكثر من مائتي شاهد، وبلدانها على حسب اتساعها».وأمره بانتخاب المائتين في الحاضرة فثقل عليه ذلك وقال له:
«الأولى أن نقيد سائر من في الحاضرة من الشهود، وتعطى نسخة من ذلك التقييد لكل واحد من أهل المجلس الشرعي ينتخب منها مائتين بمقتضى ما يدين الله به، ثم تجمع تلك النسخ فمن وقع عليه اتفاق الأكثر يبقى، إلى تمام المائتين».
وكان في الحاضرة - يومئذ - أكثر من ستمائة شاهد، ولما تم الانتخاب ظهر للباي أن يثبت ما انتخبه الشيخ وحده ظنا منه أن ذلك من تعظيم الشيخ، فكتب له في ذلك جريدة انتخابه، وأمره أن يكتب في أمر كل واحد ممن انتخبهم خطه كما فعل جده فامتثل الشيخ لهذا الأمر من غير مراجعة ولا توقف حتى يظهر للعيان أنه مأمور بتنفيذه، وأنف أهل المجلس الشرعي من ذلك ورأوها ازدراء بهم وحطة، وتجرعوا مرارتها، وعاداه كل من لم ينتخبه وأطلق لسانه في مصون عرضه بالدعاء عليه وبغضه».
توفي لليلة الثلاثاء 3 جمادي الأولى سنة 1278/ 6 نوفمبر 1861.
نظم شعرا كثيرا جمع الشيخ محمد السنوسي قسما منه في تصنيفه «مجمع الدواوين التونسية».
مؤلفاته:
1 - التراجم المهمة للخطباء والأيمة، عرف فيه بمن تولى الإمامة والخطابة من الفقهاء بالجوامع الحنفية دون المالكية، لبث في جمع هذا التأليف سنوات عديدة على حسب ما توفر له من مواد ووقت فراغ، ويبدو أنه لم يواصل العمل فيه بعد منتصف رمضان سنة /1271 أول جوان 1855 وفي هذا التاريخ مات أحمد باي، وتولى محمد باي (1855 - 1859) وكان المترجم له صهره ومستشاره وفي عهد هذا الأمير إلى وفاة المؤلف لم يتوفر له الوقت لتخصيصه بأعمال البحث التاريخي لتراجم أيمة الجوامع الحنفية بتونس.
وهذا التأليف لا يخلو من الأهمية لأنه يحتوي على معلومات عن الجوامع لا توجد في المؤلفات السابقة له، وبعض المترجم لهم لا توجد تراجمهم في غيره. وهو المصدر الوحيد الذي فيه بعض التفاصيل في التراجم. وكان لديه وثائق نادرة منها نسخ من تآليف المترجم له أخذ منها تفصيلات لم تكن في متناول مؤلفين آخرين.
ولم يكتب منه إلا قطعة ما زالت في مسودتها بخطه موجودة في خزانة الشيخ البشير النيفر (ت 1974) ومما جاء في هذه القطعة ذكر خطباء جامعي القصر والقصبة (جامع الموحدين) ومن تولى الإمامة بهما، كل ذلك بسطه المؤلف بما يشفي الغليل، مع الإشباع في الترجمة لأولئك الخطباء والايمة، ولكنه أبقى خلالها بياضا بنية الزيادة والتوضيح - فيما يظهر - وصدر حديثه عن كل من الجامعين المذكورين بنبذة وجيزة في نشأتهما حسنة الإفادة، لكنها غير مستوفاة من الوجهة التاريخية وانتقل بعد ذينك الجامعين للتعريف بجامع حمودة باشا المرادي، ووقف في تحريره عند السطر السادس مما يدل أن هذا التأليف لم يتم كما سبقت الإشارة إليه، ولأن القطعة الموجودة بخط المؤلف هي مسودة التأليف وهي في 25 ورقة.
وتوجد منه نسخة بالمكتبة الوطنية.
2 - الجواهر السنية في شعراء الديار التونسية، طبع بتحقيق وتعليق د. الهادي حمودة الغزي نشر المكتبة العتيقة في تونس لصاحبها الشيخ الحاج علي العسلي، يولية 1973 بدون ذكر مكان الطبع.
وفي المقدمة التي كتبها محقق الكتاب عن عصر المؤلف وترجمته أبدى تشككا في نسبة الكتاب إلى بيرم الرابع، ولم ينفصل عن هذا التشكك بجواب حاسم يطمئن إليه فقال:
«وكتاب الجواهر السنية في شعراء الدولة الحسينية لم يشر إليه محمد السنوسي في «مجمع الدواوين» أين ترجم لصاحبه ترجمة مطولة، ولا في «مسامرات الظريف» غير أن ابن أبي الضياف قد أشار لهذا الكتاب بقوله: وله كتاب في شعراء المتأخرين سماه «الجواهر السنية »
لكنه لم يصفه لنا ولم يحدثنا عنه لذا لا يمكن أن نطمئن في إسناده لبيرم الرابع بصفة قطعية، خاصة إذا علمنا أنه وردت إشارة في كنش السنوسي وهو مخطوط بالمكتبة الوطنية تحت عدد 6631 ص 113 هذا نصها: «وكتبت للشيخ أبي سعيد سيدي الباجي المسعودي استعير منه ما أنجزه الشيخ سيدي محمد بيرم الثاني في التعريف بشعراء إفريقيا بعد أن أرسل إلي كراريس فيها شيء من شعره».
والسؤال الآن هل أن «الجواهر السنية» كان مسودة لبيرم الثاني نفض عليه (كذا) حفيده غبار النسيان ونسبه إلى نفسه تحت هذا الاسم؟ أم أن كراريس بيرم الثاني شيء وكتابنا هذا شيء آخر؟
وهذا التساؤل الأخير هو الأقرب إلى المعقول عندي إن ابن أبي الضياف معاصر لبيرم الرابع وهو أعرف به من محمد السنوسي، وشهادة المعاصر لها وزنها في الإثبات والنفي، وسكوت السنوسي عن ذكر الكتاب لا يكون كافيا في نفي نسبته إلى بيرم الرابع و «من حفظ حجة على من لم يحفظ» كما قال المتقدمون، ومن عادة ابن أبي الضياف أنه في تراجمه يكتفي بذكر أسماء تآليف المترجم له بدون وصف لها ولا تحليل موجز لمحتوياتها، فهل أن صنيعه هذا لا يطمئن إليه ولا يكفي في نسبة الكتب لأصحابها؟ أظن أن هذا شطط، ولو نعمل بما قاله المحقق الفاضل لأسقطنا أو على الأقل تشككنا في نسبة كثير من الكتب لأصحابها.
وإذا كان أصل الكتاب لمحمد بيرم الثاني ونفض عنه الغبار وأكمله حفيده بيرم الرابع فلماذا لم يشر إلى ذلك أدنى إشارة؟ إن صح هذا يكون صنيعه لبسا وتضليلا وعقوقا لجده، ونحن ننزه بيرم الرابع عن الاتصاف بهذه الأوصاف الذميمة، ولو كان مغمورا هابط المستوى لم نبرئه من الإغارة والانتحال، ولكنه له من المكانة العلمية والمنزلة الأدبية والآثار القلمية ما يغنيه عن التورط في مثل هذه الوصمة الشنعاء.
وبعد هذا قال في وصف مخطوطة الكتاب وما اشتمل عليه: «والمخطوط ناقص من آخره بحيث نجد نتيجة لذلك ترجمة الغراب ناقصة».
ويشتمل الكتاب بعد المقدمة على طبقة واحدة من شعراء تونس، ولا نجد أثرا للطبقات الموالية المشار إليها في المقدمة مما جعلنا نرجح أن المخطوط بداية مشروع علمي لم يكتمل، وهذا ما يؤكد لنا نقصه حيث إننا نجد في آخر صفحة منه (قد) إشعارا بأول كلمة في البيت الموالي في الصفحة الجديدة.
وعدم اكتمال الكتاب مما يرجح أنه لبيرم الرابع لأن مسئولياته في السنين الأخيرة صدته عن إتمام تآليفه مثل التراجم المهمة.
ويفتتح الكلام بترجمة وجيزة لكل شاعر مثقلة بأنواع البديع ثم يورد مجموعة من شعره بدون تحليل وجيز أو نقد بحيث أن الكتاب له مزية الجمع.
3 - نظم ذيل به على نظم جده في سلاطين آل عثمان المسمى «بعقد الدر والمرجان» وصل فيه إلى سلطان زمانه عبد المجيد.
4 - رسالة جمع فيها تقارير في الخلو والإنزال، توجد ضمن مجموع رسائل ترتيبها الخامس بالمكتبة الوطنية.
5 - رسالة في شرح قواعد عهد الأمان (القانون الدستوري الصادر في عهد محمد الصادق باي).
6 - رسالة في الشفعة.
7 - رسالة في الصلاة بالنيشان (الوسام) الصليبي.
8 - كنانيش كثيرة مشحونة بالأدب والفوائد، منها كناش ينسب له خطأ وهو لخليل الطواحني.
9 - مجموعة في مشايخه وإجازاتهم له.
المصادر والمراجع:
- إتحاف أهل الزمان 8/ 124.
- الأعلام 7/ 300.
- برنامج المكتبة الصادقية (العبدلية) 4/ 65.
- تاريخ معالم التوحيد 103 - عنوان الأريب 2/ 117 - 121.
- معجم المؤلفين 11/ 290.
- مقدمة د. الهادي الغزي لكتاب «الجواهر السنية».
- المؤرخون التونسيون ... (بالفرنسية) 296 - 299.
- محمد بن الخوجة: كيف دخل الزي الأوروبي في العادات التونسية.
- المجلة «الزيتونية» قعدة 1356، جانفي 1938 ص 31 - 32.
- عثمان الكعاك: حقبة ماجدة من الأدب التونسي:
- مجلة (المباحت) عدد 33 صفر 1366، سبتمبر 1946 ص 6 وعدد 39 شعبان 1366، ماي 1947 ص 9.
- مصطفى زبيس: من متفرقات الكنانيش التونسية:
- فهرس الفهارس 1/ 246 - 243 (دار الغرب الإسلامي، بيروت 1402/ 1982 ط 2/ باعتناء د. إحسان عباس).
- هدية العارفين 2/ 376.
* * *

  • دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان-ط 2( 1994) , ج: 1- ص: 137