الأذري الحسين بن عبد الله بن حاتم الأذري، أبو عبد الله، نزيل القيروان، المتكلم الأشعري وتلميذ القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني.
والأذري بفتح الهمزة في أوله وفتح الذال المعجمة، نسبة إلى أذربيجان وهو إقليم واسع من مدنه المشهورة تبريز، وقيل في النسبة إليه أذري (بسكون الذال) لأنه عند النحويين مركب من أذر وبيجان، فالنسبة إلى الشطر الأول وقيل في النسبة إليه أذربي (فتح الهمزة والذال وسكون الراء) وكل قد جاء.
وقد تحرفت نسبته إلى «الأزدي» لدى الكتاب قديما وحديثا. ورد ذكره ثلاث مرات في كتاب «تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري» تأليف حافظ دمشق ومؤرخها أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر (ت سنة 571/ 1176) المرة الأولى جاء نسبه محرفا إلى «الأزدي». «وقرأت فيما رواه الشيخ الزاهد أبو محمد عبد القادر بن محمد الصدفي القيرواني المعروف بابن الخياط قال: «أنا الشيخ الفقيه أبو بكر عبد الله بن محمد القرشي القيرواني قال: أنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن حاتم الأزدي (كذا) صاحب القاضي الجليل أبي بكر بن الباقلاني ».
وفي المرة الثانية جاء نسبه على الوجه الصحيح «الأذري» ونقل المؤلف ترجمته بالإسناد المتصل عن الفقيه أبي عبد الله محمد بن موسى بن عمار الميورقي «إلا أنه (أي الباقلاني) خلف من بعده من تلاميذه جماعة كثيرة تفرقوا في البلاد، أكثرهم بالعراق وخراسان، ونزل منهم إلى المغرب رجلان أحدهما أبو عبد الله الأذري - رضي الله عنه - وبه انتفع أهل القيروان، وترك بها من تلاميذه مبرزين مشاهير جماعة أدركت أكثرهم. وكان رجلا ذا علم وأدب، أخبرني بعض شيوخنا عنه - رحمه الله - أنه قال: لي خمسون عاما متغربا عن أهلي ووطني، ولم أكن فيها إلا على كور جمل أو بيت فندق أطلب العلم آخذا له أو مأخوذا عني.
وقال لي غيره من شيوخنا: ما قدر أحد من تلاميذه أن يعطيه على تعليمه شيئا من عرض الدنيا وكان يقول تعليم هذا العلم أوثق أعمالي عندي، وأخاف أن تدخله داخلة إن أخذت عليه أجرا، ولا أحتسب أجري إلا على الله. ولقد كان يتركنا في بيته ونحن جماعة، ثم يذهب إلى السوق فيشتري غداءه أو عشاءه، ثم ينصرف به في يده فكنا نقول له: «يا سيدنا الشيخ نحن شباب جماعة كلنا نرغب في قضاء حاجتك، نسألك بالله العظيم إلا ما تركتنا وقضاء حاجتك في المهم العظيم فكيف في هذا الأمر اليسير؟ ! نسألك بالله العظيم ألا تركتنا وقضاء حوائجك فإن هذا من العار العظيم علينا».
فكان يقول لنا: «بارك الله فيكم! ما يخفى علي أنكم تسارعون لهذا الأمر، ولكن قد علمتم عذري، وأخاف أن يكون هذا من بعض أجري على تعليمي».
وتوفي بالقيروان غريبا، رحمة الله تعالى عليه ورضوانه.
والمرة الثالثة ورد ذكره في أواخر ترجمة أبي الحسن علي بن داود الداراني الدمشقي المقرئ (ت سنة 402/ 1011) «وسمعت الشيخ الفقيه الإمام أبا الحسن علي بن المسلم بن محمد بن علي بن الفتح السلمي يحكي عن بعض شيوخه أن أبا الحسن بن داود لما كان يصلي بجامع دمشق تكلم فيه بعض الحشوية ، فكتب إلى القاضي أبي بكر محمد بن الطيب بن الباقلاني إلى بغداد يعرفه بذلك ويسأله أن يرسل إلى دمشق من أصحابه من يوضح لهم الحق بالحجة، فبعث القاضي تلميذه أبا عبد الله الحسين بن حاتم الأذري، فعقد مجلس التذكير في جامع دمشق في حلقة أبي الحسن بن داود، فذكر التوحيد، ونزه المعبود، ونفى عنه التشبيه والتحديد، فخرج أهل دمشق من مجلسه وهم يقولون: «أحد أحد! ».هذا معنى ما ذكره لي رحمه الله».
وأقام أبو عبد الله الأذري بدمشق، ثم توجه إلى المغرب فنشر العلم بتلك الناحية، واستوطن القيروان إلى أن مات رحمه الله.
ونستفيد من هذا النص أن الأذري كان داعية من الذين يعتمد عليهم القاضي أبو بكر الباقلاني في نشر مذهب الأشعري في العقائد في فترة حاسمة من الصراع النهائي بين المعتزلة والأشعرية وبين غيرها من الفرق المخالفة للأشعرية، وظروف قدوم الأذري إلى القيروان غامضة غير واضحة، هل كان بطلب من أهل القيروان أم أنه جاء تطوعا بإيعاز من شيخه الباقلاني؟
أسئلة لا نجد عنها جوابا مع العلم بأن مذهب الأشعري كان موجودا بالقيروان قبل قدوم الأذري، ومن ممثليه أعلام بارزون كأبي الحسن القابسي، وأبي عمران الفاسي (ولهما رحلة إلى الشرق اتصلا فيها بأبي ذر الهروي تلميذ القاضي الباقلاني، نزيل مكة) وابن أبي زيد القيرواني.
وقد وقفت على مخطوطة من كتاب «تبيين كذب المفتري» ترجع إلى القرن الثامن الهجري من مكتبة الشيخ علي النوري بصفاقس (نقلت إلى المكتبة الوطنية بتونس في صائفة عام 1969) وأصلها من أوقاف المدرسة القليجية بدمشق جاء بهامشها بخط ومداد مغايرين للنسخة معلومات مفيدة عن «الأذري» آثرت نقلها بنصها:
«حاشية: قال أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن علي بن خلف الرشاطي اللخمي في كتابه «اقتباس الأنوار في معرفة أنساب الصحابة ورواة الآثار»: الأذري منسوب إلى أذربيجان أبو عبد الله الحسين بن حاتم»: مؤلف كتاب «اللامع» في أصول الفقه، وهو مختصر مفيد في معناه. وكان - رحمه الله - حسن الأخلاق، مليح الدعابة، وكان مولعا بالحلواء، وكان أصحابه قد علموا ذلك منه فمتى حضر عندهم قدموا له في آخر الطعام الحلواء، وإن أحدهم أغفل ذلك في بعض الأحيان، فلما أخذوا في الانصراف قال الأذري: «أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم نصف الملائكة» فقيل له: إنما هو: وصلت عليكم الملائكة! «فقال: بقي النصف الثاني مع الحلواء! ».
مات - رحمه الله - بالقيروان سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة».
ومن تآليفه كتاب في مناقب القاضي أبي بكر الباقلاني ذكره أبو علي السكوني في «عيون المناظرات» تحقيق الأستاذ سعد غراب (ط تونس) ص 246 - 247، 236 - 244.
وكان أبو بكر عبد الله بن محمد القرشي القيرواني تلميذ الأذري ممن أخذ عنه كتاب «اللامع» في أصول الفقه. جاء في «ذيل اللباب» نصه: «علي بن عثمان بن الحسن الربعي الصقلي قدم قرطبة تاجرا روى عنه أبو علي الغساني كتاب «اللمع» (كذا) في أصول الفقه لأبي عبد الله الحسين بن حاتم الأذري، حدثه عن أبي بكر عبد الله بن محمد القرشي المالكي عن الأذري مؤلفه».
وكلمة الأذري الواردة في هذا النص قرأها الأستاذ هادي روجي إدريس «الأذري» هكذا بالألف المقصورة غافلا عن أنها ياء النسبة، وتصحح في نظره إلى الأزدي. وكلمة «الأذري» بياء النسبة صحيحة لا تحتاج إلى تصحيح هو عين التصحيف والتحريف.
وممن روى عن الأذري كتابه «اللامع» عبد الجليل الديباجي القيرواني (كما في الغنية للقاضي عياض ص 143).
وتحرف «الأذري» إلى الأزدي عند ياقوت الحموي في أواخر كلامه عن القيروان «فمن جملة من ينسب إليها ... محمد بن أبي بكر عتيق (بن) أبي نصر هبة الله بن علي بن مالك أبو عبد الله التميمي، المتكلم الأشعري المعروف بابن أبي كدية التميمي القيرواني» درس علوم الأصول بالقيروان على أبي عبد الله الحسين بن حاتم الأزدي (كذا) صاحب القاضي أبي بكر الباقلاني وعلى غيره ... «وكان مقرئ الكلام في النظامية ببغداد وأقام بالعراق إلى أن مات، وكان صلبا في الاعتقاد، ومات ببغداد في ثامن عشر ذي الحجة سنة 512، ودفن مع أبي الحسن الأشعري في تربته بمشرعة الروايا خارج الكرخ».
وورد نسبة «الأذري» صحيحا في كتاب «الغنية» للقاضي عياض ص 143 في ترجمة القاضي أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن علي بن شيرين.
وفي ترجمة القاضي أبي بكر الباقلاني في «ترتيب المدارك» للقاضي عياض جاء ذكر «الأذري مرتين محرفا إلى «الأدري » (هكذا بالدال المهملة) ومرة محرفا إلى الأزدي».
وفي المقدمة التي كتبها د. أحمد بكير محمود محقق كتاب «ترتيب المدارك» تحرف الأذري إلى «الأزدي» ... «فكان من كبار الأشاعرة النازحين إلى المغرب أبو عبد الله الحسين بن حاتم الأزدي (كذا) تلميذ القاضي الباقلاني ».
وجاء في كتاب «المختار من شعر بشار» ص 153 محرفا إلى «الأزدي» ويستفاد منه أنه كان يروي ديوان المتنبي عن ابن جني.
ولعل من أسباب التحريف شيوع نسبة «الأزدي» في كتب الطبقات والتراجم وندرة نسبة الأذري وما هناك من تقارب واشتباه بين الذال والزاي يأتي جهلة النساخ فلا يميزون بينهما.
* * *

  • دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان-ط 2( 1994) , ج: 1- ص: 42