الأبي محمد بن خلفة بن عمر الوشتاتي الأبي ، من نبغاء تلاميذ الإمام ابن عرفة، ليم ابن عرفة على كثرة اجتهاده وإتعابه لنفسه في النظر والمراجعة لإعداد درسه في الفقه فقال: «كيف أنام الليل وأنا بين أسدين، الأبي بفهمه وعقله، والبرزلي بنقله» ويستفاد من هذا أنه ذو عقل تحليلي ناقد، وذو ملكة جيدة في الاستنباط.
سكن مدة طلبه للعلم بتونس في المدرسة الشماعية، والمدرسة التوفيقية المسماة أيضا بمدرسة الهواء كما يستفاد من كتابته في شرح صحيح مسلم (إكمال إكمال المعلم) 6/ 33 - 34، 7/ 67 حيث جاء فيه ما نصه: «قلت: كان من حلقة الشيخ (أي ابن عرفة) وأصحابنا الطلبة رجل يسمى عرفة، وكان متطلبا ناسكا وهو حينئذ كهل، وأنا في سن ما بعد البلوغ بيسير ساكن بمدرسة التوفيق».
وبعد استكمال تحصيله بقي مقيما بتونس ودرس بها وأخذ عنه جماعة من الأعلام كالقاضي عمر القلشاني، وابن ناجي، وعبد الرحمن الثعالبي الجزائري.
وكان فقيها نظارا مشاركا في عدة علوم، قال عنه معاصره الحافظ ابن حجر: «عصرينا بالمغرب محمد بن خلف (كذا) الأبي الأصولي، عالم المغرب بالمعقول».
وكان مع وفور عقله وجودة فهمه يحكى عنه من سلامة الفطرة ما يخرجه إلى حد الغفلة.
تولى التدريس مدة بتونس، ثم ولي قضاء الجزيرة القبلية سنة 808/ 1406 في عهد السلطان أبي فارس عبد العزيز بن أحمد الحفصي.
مؤلفاته:
1 - إكمال الإكمال، وإكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض، والمعلم بفوائد مسلم للإمام المازري، والأبي جعل كتابه تكملة لما فات القاضي عياض في شرحه «إكمال المعلم» ولهذا سمى الأبي شرحه «إكمال إكمال المعلم» وهو شرح نفيس على صحيح مسلم، ضمنه كثيرا من الفوائد والتحقيقات مع زيادات على الشروح المتقدمة عليه وذكر في خطبته أنه ضمنه كتب شراحه الأربعة المازري وعياض والقرطبي والنووي مع زيادات مكملة وتنبيهات ورمز «بالميم» للمازري و «العين» لعياض و «الطاء» للقرطبي و «الدال» لمحيي الدين النووي ولورود أسماء هؤلاء الشارحين كثيرا في شرحه وأشار بلفظ الشيخ لشيخه الإمام ابن عرفة، ونقل عن شيخه ابن عرفة أنه قال: «ما يشق علي شيء في الفهم كما يشق علي كلام عياض في بعض مواضع من الإكمال» فأزال تلك الصعوبات.
قال الشيخ صالح بن مهنا القسنطيني: «وشرحه يغني عن شروحهم الأربعة ولا تغني عن شرحه لما فيه من الأبحاث الرائقة، والتحقيقات الفائقة، يعلم ذلك من أطلع عليه وكان من أهله وهو خزانة علم ينفق منه الفقير كيف يشاء من نحو وتصريف وأصول وفروع وكلام ومصطلح وميزان (منطق) وتاريخ ومعان وبيان وحقائق وإشارات ومناقب ورقائق ومواعظ وقواعد إلى غير ذلك».
وقد أهمل الأبي شرح مقدمة صحيح مسلم حتى قال الشيخ محمد بن محمد بن يوسف السنوسي في شرحه المكمل لشرح الأبي المسمى «مكمل إكمال الإكمال»: «رحم الله الشيخ الأبي ونفع به لقد كان من حقه أن يعتني بشرح المقدمة التي احتوت على علوم ومشكل أسماء ولغات تحتاج إلى ضبط وشرح أكثر من اعتنائه بشرح التراجم لأنها ليست من وضع مسلم ولأنها في غنية عن الشرح غالبا، فتكميل الفائدة بشرح المقدمة كان أولى».
ومقدمة صحيح مسلم من أقدم ما كتب في علم مصطلح الحديث، وللأبي عناية بالفقه والعقائد في شرحه مع إهمال الكلام غالبا عن رجال الإسناد، على ما في هذا الأمر من جليل النفع في الصناعة الحديثية، قال العلامة المرحوم محمد زاهد الكوثري: «ولهذا لم يكن شرحه وافيا بالمرام ولا مطفئا من غلة الباحثين الأوام، إلى أن قام أحمد شبير العثماني الهندي بشرحه في كتاب سماه «فتح الملهم في شرح صحيح مسلم» صدر منه ثلاثة أجزاء من خمسة، وحالت منيته دون إتمام طبعه وهو أحسن شرح لصحيح مسلم».
والأبي يتعرض - عند ما تعن له المناسبة - إلى أحوال طائفة من العلماء التونسيين، ويجلب أحيانا آراءهم وفتاواهم في بعض المسائل، وما يروى عنهم من حكايات ونكت، كما يتعرض أحيانا لتواريخ بعض النظم كالقضاء والسكة ولذا لا يستغني عنه الدارس للتاريخ التونسي وبالخصوص العصر الحفصي. وقد كنت تتبعت مجلداته السبعة وأخذت منها ما له صلة بالتاريخ، وفي أثناء مذاكرة مع صديق ألف كتابا في تاريخ تونس العام تحدثنا عن شرح الأبي على مسلم، وبينت له فائدته للمعتني بالتاريخ وما جردته منه، فاشتاقت نفسه للاطلاع عليه فأعرته إياه، وقد أعاد كتابة العصر الحفصي على ضوء ما أمددته به وبغيره من الوثائق، وحلى هوامش كتابه بالنقل عن الأبي، ولم يشر أدنى إشارة إلى صاحب الفضل، ولما صدر كتابه لم يتكرم بإهداء نسخة، فعجبت من لؤم الرجل وقلة أمانته ونكرانه للجميل فقطعت كل صلة به قبل وفاته بنحو ثلاث سنوات.
طبع الكتاب في 7 م بمطبعة السعادة بمصر سنة 1327 وعلى نفقة السلطان عبد الحفيظ.
2 - تفسير القرآن العظيم، دون فيه ما سمعه من دروس شيخه ابن عرفة الذي اعتمد على ابن عطية والزمخشري وبقية المفسرين، واعتمد على علماء اللغة والأصول والمنطق مع إبداء رأيه.
منه نسخ عديدة بالمكتبة الوطنية بتونس:
1) نسخة رقم 10110 أصلها من المكتبة الأحمدية الزيتونية. وهي نسخة تامة على غاية من الجمال والاتقان والضبط. وهي وإن لم تكن مؤرخة جديرة بكل ثقة، نسخها فيما يبدو الشيخ القاضي المفتي محمد بن سلامة (ت 1850) للوزير حسين خوجة (ت 1274/ 1857). وهي نسخة كاملة في 239 ورقة
2) نسخة برقم 10771 أصلها من المكتبة الاحمدية نهايتها: «تم الجزء الأول من تفسير الإمام أبي عبد الله محمد الأبي».وهي مؤرخة بآخر شوال /1128 سبتمبر - أكتوبر 1716 في 236 ورقة.
3) نسخة برقم 21269 غير تامة.
4) نسخة مصورة برقم 93453.
ثلاث نسخ في المكتبة العامة بالرباط رقم 2030 مبتورة الآخر، رقم 2028 مبتورة الأول.
وهذه النسخ الثلاث أصلها من مكتبة الشيخ عبد الحي الكتاني.
وتوجد منه نسخة مصورة في معهد جامعة الدول العربية، القاهرة رقم 116.
3 - شرح المدونة.
المصادر والمراجع:
- الأعلام 6/ 349.
- البدر الطالع للشوكاني 2/ 169.
- برنامج المكتبة العبدلية 2/ 33 - 34.
- تاريخ الدولتين للزركشي 107.
- تاريخ معالم التوحيد في القديم والجديد لمحمد بن الخوجة، ص 66، 77، 171.
- تبصير المنتبه 1/ 21.
- الحلل السندسية 3/ 686/1 - 687.
- درة الحجال 2/ 285.
- شجرة النور الزكية ص 244.
- شرح الزرقاني على المواهب اللدنية 1/ 181 (نقل عن تبصير المنتبه للحافظ ابن حجر، وفيه كما في المطبوع من تبصير المنتبه محمد بن خلف وسبق النقل عن نيل الابتهاج «خلفة» وضبطها نقلا عن ابن حجر).
- الضوء اللامع للسخاوي 11/ 133 (قسم الأنساب).
- عنوان الأريب 1/ 114 - 115.
- الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي 4/ 86.
- فهرسة الكتب المخطوطة المحفوظة في خانة الجامع الأعظم بالجزائر لمحمد بن أبي شنب، ص 1 - 38.
- كشف الظنون 557، 1256.
- معجم المطبوعات 363.
- معجم المؤلفين 9/ 287.
- مقالات الكوثري 82 - 83.
- ملتقى ابن عرفة (ط تونس 1977) ص 68، 388 - 396 (بحث للأستاذ سعد غراب عنوانه: تفسير ابن عرفة ورواياته أو مدخل لدراسة تفسير ابن عرفة الورغمي).
- نزهة الأنظار لمحمود بن سعيد مقديش 1/ 239 - 240.
- نيل الابتهاج لأحمد بابا التنبكتي بهامش الديباج المذهب ص 287.
- هدية العارفين 2/ 184 (وفيها تخليط غريب، محمد بن خلف الإلبيري القرطبي، وقيل خليفة الوشتاتي،
أبو عبد الله الأبي المالكي، أين الأبي من القرطبي؟ وليس هناك أندلسي واحد ينسب إلى وشتاتة).
- أبو عبد الله الأبي وكتابه الإكمال، تأليف د. عبد الرحمن عون 512 ص (الدار العربية للكتاب، تونس 1984) وفيه ترجمة مستفيضة للمؤلف.
- توشيح الديباج لبدر الدين القرافي ص 204 - 250 (دار الغرب الإسلامي بيروت، 1983).
- بلاد البربر الشرقية في عصر الحفصيين (بالفرنسية) لروبير برانشفيك 2/ 375.ويلاحظ أنه ألف الإكمال في سنة 823 كما ذكره في 2/ 360 (إكمال الإكمال).
* * *

  • دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان-ط 2( 1994) , ج: 1- ص: 37