البساسيري ارسلان بن عبد الله، أبو الحارث البساسيري: قائد، ثائر، تركي الاصل. كان من مماليك بني بويه، وخدم القائم العباسي فقدمه على جميع الاتراك في بغداد وقلده الامور باسرها، وخطب له على منابر العراق وخوزستان، فعظم امره وهابته الملوك، وتلقب بالمظفر. ثم خرج على القائم واخرجه من بغداد، وخطب للمستنصر الفاطمي صاحب مصر (سنة 450 هـ) واخذ له بيعة القضاة والاشراف قسرا. ولم يثق به المستنصر فاهمل امره، فتغلب عليه اعوان القائم، من عسكر السلطان طغرلبك، فقتلوه. وكانت ببغداد محلة كبيرة تنسب اليه.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 287
أبو الحارث أرسلان بن عبد الله البساسيري التركي
قتل يوم الخميس15 ذي الحجة أو يوم الثلاثاء 11 منذ سنة 451.
أبو الحارث كنية الأسد عند العرب وأرسلان اسم الأسد بالتركية فيمكن أن يكون كني بأبي الحارث بهذه المناسبة ويحتمل غيره.
(والبساسيري) في انساب السمعاني: بفتح الباء الموحدة والسين المهملة والألف والسين المهملة المكسورة والمثناة التحتية والراء نسبة إلى بلدة بفارس يقال لها بسا والعربية فسا والنسبة إليها بالعربية فسوي ومنها أبو علي الفارسي النحوي وأهل فارس يقولون في النسبة إليها البساسيري. وكان سيده من بسا فنسب إليه واشتهر بالبساسيري. هكذا حكاه الأديب أبو الوفاء الاخشلتي في تاريخه عن الأديب أبي العباس أحمد بن علي بن بابه القابسي ’’انتهى’’.
قال ابن خلكان: وهي نسبة شاذة على خلاف الأصل انتهى وفي مجالس المؤمنين: الظاهر أن الحاق سير بناء على أن بسا من أعمال كرمسير شيراز فحذف لفظ سير اختصارا وقيل بساسيري انتهى وكرمسير لفظ فارسي معناه المشتى وحينئذ فتكون النسبة على الأصل وفي انساب السمعاني: ببغداد محلة كبيرة وراء باب الأزج ودار الخليفة يقال لها دار البساسيري ولعل هذا التركي نزل هناك فنسبت المحلة إليه ’’انتهى’’.
أقوال العلماء فيه
كان البساسيري مملوكا تركيا من مماليك بهاء الدولة بن عضد الدولة البويهي ثم صار من جملة الأمراء عند ملوك الديلم بني بويه يرسلونه في مهماتهم ثم ترقت به الحال وتقدم عند الخليفة القائم فقدمه على جميع الأتراك وقلده الأمور بأسرها وخطب له على المنابر وهابته الملوك ثم جرت بينه وبين وزير الخليفة الملقب رئيس الرؤساء منافرات وكان البساسيري شيعيا ورئيس الرؤساء سنيا متعصبا على الشيعة في الغاية فخرج البساسيري من بغداد وجمع واستولى على بغداد وأخرج الخليفة منها وخطب للفاطمي المصري وقتل رئيس الرؤساء شر قتلة واستولى على بغداد سنة كاملة وكان السلجوقيون قد اشتغلوا بالحروب بينهم فلما فرع بالهم حاربوه وقتلوه وأعادوا الخليفة كما يأتي ذكر ذلك مفصلا. وفي انساب السمعاني: كان البساسيري رأس الأتراك البغدادية كان يتحكم على القائم بأمر الله إلى أن خرج عليه وقصته مشهورة انتهى وقال ابن خلكان: كان مقدم الأتراك ببغداد كان القائم قدمه على جميع الأتراك وقلده الأمور بأسرها وخطب له على منابر العراق وخوزستان فعظم أمره وهابته الملوك ثم خرج على القائم وأخرجه من بغداد وخطب للمستنصر العبيدي صاحب مصر. وفي شذرات الذهب: الأمير المظفر أبو الحارث أرسلان بن عبد الله البساسيري التركي مقدم الأتراك ببغداد وذكر ما ذكره ابن خلكان بعينه. وقال ابن الأثير: كان البساسيري مملوكا تركيا من مماليك بهاء الدولة بن عضد الدولة تقلبت به الأمور حتى بلغ هذا المقام انتهى وفي مجالس المؤمنين عن كتاب حبيب السير وغيره أن البساسيري كان منتظما في سلك أمراء الديلم فوقع بينه وبين رئيس الرؤساء وزير الخليفة القائم بأمر الله منافرة بسبب اختلاف المذهب فخرج البساسيري عن بغداد وخرج على الخليفة وراسل المستنصر بالله العلوي المصري حتى جرى له ما يأتي.
أخباره
قال ابن الأثير في حوادث سنة 425 فيها كانت حرب شديدة بين نور الدولة دبيس بن علي بن مزيد وأخيه ثابت وسببها أن ثابتا كان يعتضد بالبساسيري ويتقرب إليه فلما كان سنة 424 سار البساسيري معه إلى قتال أخيه دبيس فدخلوا النيل واستولوا عليه وعلى أعمال نور الدولة فسير إليهم نور الدولة طائفة من أصحابه فلقوهم فإنهزم أصحاب دبيس وسار دبيس عن بلده وبقي فيه ثابت ثم جمع دبيس جمعا ولقيهم ثابت عند جرجرايا وكانت بينهم حرب ثم اصطلحوا ليعود دبيس إلى عمله ويقطع أخاه اقطاعا وسار البساسيري نجدة لثابت فلما وصل النعمانية سمع بصلحهم فعاد إلى بغداد قال: وفيها استخلف البساسيري في حماية الجانب الغربي ببغداد لأن العيارين اشتد أمرهم وعظم فسادهم وعجز عنهم نواب السلطان فاستعملوا البساسيري لكفايته ونهضته. وفي سنة 428 كانت الفتنة بين جلال الدولة بن بويه وبارسطغان من أكابر الأمراء فاستتبع بارسطغان أصاغر المماليك ونادوا بشعار أبي كاليجار واخرجوا جلال الدولة من بغداد إلى أوانا ومعه البساسيري، ثم عاد جلال الدولة إلى بغداد ونزل بالجانب الغربي وخطب لجلال الدولة به وخطب لأبي كاليجار بالجانب الشرقي ثمسار جلال الدولة إلى الأنبار واتى الخبر بارسطغان بعود أبي كاليجار إلى فارس فضعف أمره وانحدر إلى واسط وعاد جلال الدولة إلى بغداد وأرسل البساسيري وجماعة في اثره فأخذ أسيرا وحمل إلى جلال الدولة فقتله. وفي سنة 432 اختلف جلال الدولة البويهي ملك العراق وقرواش بن المقلد العقيلي صاحب الموصل لأسباب أوجبت تأثر جلال الدولة منه فأرسل جلال الدولة أبا الحارث أرسلان البساسيري في صفر ليقبض على نائب قرواش بالسندية فسار ومعه جماعة من الأتراك وتبعه جمع من العرب فأوغل الأتراك في الطلب وبلغ الخبر إلى العرب فركبوا وتبعوا الأتراك وجرى بينهم حرب فإنهزم الأتراك وعاد المنهزمون فأخبروا البساسيري بكثرة العرب فعاد ولم يصل إلى مقصده. وفي سنة 441 سار جمع من بني عقيل إلى بلد العجم من أعمال العراق وبادوريا فنهبوهما وأخذوا من الأموال الكثير وكانا في اقطاع البساسيري فسار من بغداد بعد عوده من فارس إليهم فالتقوا هم وزعيم الدولة أبو كامل بن المقلد واقتتلوا قتالا شديدا وقتل جماعة من الفريقين. وفيها في ذي القعدة ملك البساسيري الأنبار ودخلها أصحابه لأن قرواشا أساء السيرة في أهلها فسار جماعة منهم إلى البساسيري ببغداد وسألوه أن ينفذ معهم عسكرا يسلمون إليه الأنبار فأجابهم إلى ذلك وأرسل معهم جيشا فتسلموا الأنبار ولحقهم البساسيري وأحسن إلى أهلها وعدل فيهم ولم يمكن أحدا من أصحابه أن يأخذ الرطل الخبز بغير ثمنه وأقام فيها إلى أن أصلح حالها وقرر قواعدها وعاد إلى بغداد. وفيها في شعبان سار البساسيري من بغداد إلى طريق خراسان وقصد ناحية الدزدار وملكها وغنم ما فيها وكان سعدى بن أبي الشوك قد ملكها وقد عمل لها سورا وحصنها وجعلها معقلا يتحصن فيه ويدخر بها كل ما يغنمه فأخذه البساسيري جميعه وفي سنة 443 فارق الملك الرحيم البويهي كثير من عسكره ومنهم البساسيري وفي سنة 444 سلم الملك الرحيم البصرة إلى البساسيري ومضى إلى الأهواز و في سنة 445 في شوال وصل الخبر إلى بغداد بان جمعا من الأكراد وجمعا من الأعراب قد أفسدوا في البلاد وقطعوا الطريق ونهبوا القرى فسار إليهم البساسيري جريدة وتبعهم إلى البوازيج فأوقع بطوائف كثيرة منهم وقتل فيهم وغنم أموالهم وانهزم بعضهم فعبروا الزاب عند البوازيج فلم يدركهم وأراد العبور إليهم وهم بالجانب الآخر وكان الماء زائدا فلم يتمكن من عبوره فنجوا وفي سنة 446 كانت فتنة الأتراك ببغداد لأنه تخلف لهم على وزير الملك الرحيم مبلغ كثير من رسومهم فطالبوه والحوا عليه فاختفى في دار الخليفة ثم ظهر الخبر أنهم على عزم حصر دار الخلافة فانزعج الناس وحضر البساسيري إلى دار الخلافة وتوصل إلى معرفة خبر الوزير فلم يظهروا له على خبر وركب جماعة من الأتراك فنهبوا فيما نهبوا دار أبي الحسن بن عبيد وزير البساسيري. هذا والبساسيري غير راض بفعلهم وهو مقيم بدار الخليفة ثم ظهر الوزير وقام لهم بالباقي من ماله واثمان دوابه وانحدر أصحاب قريش بن بدران فكبسوا حلل كامل بن محمد بن المسيب بالبردان فنهبوها وبها دواب وجمال بخاتي للبساسيري. وفيها في رجب قصد بنو خفاجة الجامعين وأعمال نور الدولة دبيس ونهبوا وفتكوا فأرسل نور الدولة إلى البساسيري يستنجده فسار إليه فلما وصل عبر الفرات من ساعته وقاتل خفاجة وأجلاهم عن الجامعين فإنهزموا منه ودخلوا البر فلم يتبعهم وعاد عنهم فرجعوا إلى الفساد فاستعد لسلوك البر خلفهم أين قصدوا وعطف نحوهم قاصدا حربهم فدخلوا البر فتبعهم فلحقهم بخفان وهو حصن بالبر فأوقع بهم وقتل منهم ونهب أموالهم وجمالهم وعبيدهم واماءهم وشردهم كل مشرد وحصر خفان ففتحه وخربه وأراد تخريب القائم به وهو بناء من آجر وكلس فصانع عنه صاحبه ربيعة بن مطاع بمال بذله فتركه وعاد إلى البلاد وهذا القائم قيل أنه كان علما تهتدي به السفن لما كان البحر يجئ إلى النجف ودخل بغداد ومعه خمسة وعشرون رجلا من خفاجة عليهم البرانس وقد شدهم بالحبال إلى الجمال وقتل منهم جماعة وصلب جماعة وتوجه إلى حربي فحصرها وقرر على أهلها تسعة آلاف دينار وأمنهم. وفيها في شعبان حصر الأمير أبو المعالي قريش بن بدران صاحب الموصل مدينة الأنبار وفتحها وخطب لطغرلبك فيها وفي سائر أعماله ونهب ما كان فيها للبساسيري وغيره ونهب حلل أصحابه بالخالص وفتحوا بثوقه فامتعض البساسيري من ذلك وجمع جموعا كثيرة وقصد الأنبار وحربى فاستعادهما. وفيها في شهر رمضان ابتدأت الوحشة بين الخليفة القائم العباسي والبساسيري لان أبا الغنائم وأبا سعد ابني المحلبان صاحبي قريش بن بدران وصلا بغداد سرا فامتعض البساسيري من ذلك وقال هؤلاء وصاحبهم كبسوا حلل أصحابي ونهبوا وفتحوا البثوق وأسرفوا في إهلاك الناس وأراد أخذهم فلم يمكن منهم فمضى إلى حربي وعاد ولم يقصد دار الخليفة على عادته ونسب البساسيري ما جرى إلى رئيس الرؤساء وزير القائم واجتازت به سفينة لبعض أقارب رئيس الرؤساء فمنعها وطالب بالضريبة التي عليها واسقط مشاهرات الخليفة من دار الضرب ومشاهرات رئيس الرؤساء وحواشي الدار وأراد هدم دور بني المحلبان فمنع منه فقال ما أشكو إلا من رئيس الرؤساء الذي قد خرب البلاد واطمع الغز وكاتبهم ودام ذلك إلى ذي الحجة فسار البساسيري إلى الأنبار واحرق ناحيتي دمما والفلوجة وكان أبو الغنائم بن المحلبان بالأنبار قد أتاها من بغداد وورد نور الدولة دبيس إلى البساسيري معاونا له على حصرها ونصب البساسيري عليها المجانيق وهدم برجا ورماهم بالنفط فاحرق أشياء كان قد أعدها أهل البلد لقتاله ودخلها قهرا فاسر مائة نفس من بني خفاجة وأسر أبا الغنائم بن المحلبان فأخذ وقد ألقى نفسه في الفرات ونهب الأنبار وأسر من أهلها خمسمائة رجل وعاد إلى بغداد وبين يديه أبو الغنائم على جمل وعليه قميص أحمر وعلى رأسه برنس وفي رجليه قيد وأراد صلبه وصلب من معه فسأله نور الدولة أن يؤخر ذلك حتى يعود واتى البساسيري إلى مقابل التاج فقبل الأرض وعاد إلى منزله وترك أبا الغنائم لم يصلبه وصلب جماعة من الأسرى فكان هذا أول الوحشة بينه وبين الخليفة. وفي سنة 447 حمل أبا سعد النصراني جرار خمر في سفينة فقصدا جماعة السفينة وكسروا الجرار وبلغ ذلك البساسيري فنسبه إلى رئيس الرؤساء وتجددت الوحشة فكتب فتاوى أخذ فيها خطوط الفقهاء الحنفية بان الذي فعل من كسر الجرار تعد غير واجب وهي ملك رجل نصراني لا يجوز ووضع رئيس الرؤساء الأتراك البغداديين على ثلب البساسيري وذمه وحضروا في رمضان دار الخليفة واستأذنوا في قصد دور البساسيري ونهبها فأذن لهم في ذلك فقصدوها ونهبوها وأحرقوها ونكلوا بنسائه وأهله ونوابه ونهبوا دوابه وجميع ما يملكه ببغداد وأطلق رئيس الرؤساء لسانه في البساسيري وذمه ونسبه إلى مكاتبة المستنصر صاحب مصر وأفسد الحال مع الخليفة إلى حد لا يرجى صلاحه وأرسل إلى الملك الرحيم يأمره بإبعاد البساسيري فأبعده وكانت هذه الحالة من أعظم الأسباب في ملك السلطان طغرلبك العراق وقبض الملك الرحيم وكان طغرلبك قد سار إلى همذان في المحرم من سنة 447 فعظم الارجاف ببغداد وشغب الأتراك ببغداد وقصدوا ديوان الخلافة ووصل طغرل إلى حلوان فاخرج الأتراك خيامهم إلى ظاهر بغداد وسمع الملك الرحيم بقرب طغرل من بغداد فاصعد من واسط إليها وفارقه البساسيري لمراسلة وردت من القائم في معناه إلى الملك الرحيم أن البساسيري خلع الطاعة وكاتب الأعداء يعني المصريين ويطلب منه إبعاد البساسيري فسار البساسيري إلى بلد نور الدولة دبيس لمصاهرة بينهما واصعد الملك الرحيم إلى بغداد وأرسل طغرل إلى الخليفة يظهر الطاعة والعبودية وإلى الأتراك البغدادية يعدهم الجميل فأنكر الأتراك ذلك وأرسلوا إلى الخليفة أننا فعلنا بالبساسيري ما فعلنا وهو كبيرنا ومقدمنا بتقديم أمير المؤمنين ووعدنا بإبعاد هذا الخصم ونراه قد قرب منا فغولطوا في الجواب وكان رئيس الرؤساء يؤثر مجيئه ويختار انقراض الدول الديلمية وأرسل طغرل يستأذن الخليفة في دخول بغداد فأذن له وخرج الوزير رئيس الرؤساء إلى لقائه في موكب عظيم فأبلغه رسالة الخليفة واستحلفه للخليفة وللملك الرحيم ثم قبض على الملك الرحيم وأصحابه ونهب بغداد فأرسل الخليفة إليه ينكر ذلك فأطلق بعضهم وأخذ جميع إقطاعات عسكر الرحيم وأمرهم بالسعي في أرزاق يحصلونها لأنفسهم فتوجه كثير منهم إلى البساسيري ولزموه فكثر جمعه ونفق سوقه وأرسل طغرل إلى نور الدولة دبيس يأمره بإبعاد البساسيري عنه ففعل فسار إلى رحبة مالك بالشام وكاتب المستنصر صاحب مصر بالدخول في طاعته. وفي سنة 448 سلخ شوال كانت وقعة بين البساسيري ومعه نور الدولة دبيس بن مزيد وبين قريش بن بدران صاحب الموصل ومعه قتلمس ابن عم السلطان طغرل وغيره كانت الغلبة فيها للبساسيري ودبيس وجرح قريش بن بدران وأتى إلى نور الدولة جريحا فأعطاه خلعة كانت قد نفذت من مصر فلبسها وصار في جملتهم وساروا إلى الموصل وخطبوا لخليفة مصر بها المستنصر وكانوا قد كاتبوه فأرسل إليهم الخلع للبساسيري ولنور الدولة وغيرهما ثم سار طغرل إلى الموصل فراسل نور الدولة وقريش هزارسب أن يتوسط لهما عنده فقال قد عفوت عنهما وأما البساسيري فذنبه إلى الخليفة ونحن متبعون أمرالخليفة فيه فرحل البساسيري عند ذلك إلى الرحبة وتبعه الأتراك البغداديون وجماعة ووصل إبراهيم ينال أخو طغرل إليه فأرسل هزارسب إلى نور الدولة بن مزيد وقريش يعرفهما وصوله ويحذرهما منه فسارا من جبل سنجار إلى الرحبة فلم يلتفت البساسيري إليهما فانحدر نور الدولة إلى بلده واقام قريش عند البساسيري بالرحبة وسلم طغرل الموصل إلى أخيه إبراهيم ينال وعاد إلى بغداد. وفي سنة 450 فارق إبراهيم ينال الموصل فنسب السلطان طغرلبك رحيله إلى العصيان ولما فارق إبراهيم الموصل قصدها البساسيري وقريش بن بدران وحاصراها فملكا البلد ليومه وبقيت القلعة وبها الخازن وأردم وجماعة من العسكر فحاصرها أربعة أشهر حتى أكل من فيها دوابهم فخاطب ابن موسك صاحب اربل قريشا حتى امنهم فخرجوا فهدم البساسيري القلعة وعفى أثرها وكان السلطان طغرلبك حين بلغه الخبر سار جريدة في ألف فارس إلى الموصل فلم يجد بها أحدا كان قريش والبساسيري قد فارقاها فسار إلى نصيبين ليتتبع آثارهم ويخرجهم من البلاد ففارقه أخوه إبراهيم ينال وسار نحو همذان فوصلها (26) رمضان سنة 450 وقيل أن المصريين كاتبوه والبساسيري استماله وأطعمه في السلطنة فلما عاد إلى همذان سار طغرك في إثره. وأرسل الخليفة إلى نور الدولة دبيس بن مزيد يأمره بالوصول إلى بغداد فوردها في مائة فارس وقوي الارجاف بوصول البساسيري فلما تحقق الخليفة وصوله إلى هيت أمر الناس بالعبور من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي فأرسل دبيس بن مزيد إلى الخليفة ووزيره رئيس الرؤساء يقول: الرأي عندي خروجكما من البلد فاني اجتمع أنا وهزارسب فإنه بواسط على دفع عدوكما فطلبا أن يقيم حتى ينظروا في ذلك فقال: العرب لا تطيعني على المقام وأنا أتقدم إلى ديالى فإذا انحدرتم سرت في خدمتكم وأقام بديالى ينتظرهما فلم يحضرا فسار إلى بلاده ووصل البساسيري إلى بغداد يوم الأحد 8 ذي القعدة ومعه 400 غلام على غاية الضر والفقر ومعه أبو الحسن بن عبد الرحيم الوزير فنزل البساسيري بمشرعة الروايا ونزل قريش بن بدران وهو في 200 فارس عند مشرعة باب البصرة وركب عميد العراق ومعه العسكر والعوام وأقاموا بإزاء عسكر البساسيري وخطب البساسيري بجامع المنصور للمستنصر بالله العلوي صاحب مصر وأمر فأذن بحي على خير العمل وعقد الجسر وعبر عسكره إلى الزاهر وخيموا فيه وخطب في الجمعة من وصوله بجامع الرصافة للمصري وجرت بين الطائفتين حروب في أثناء الأسبوع وكان عميد العراق يشير على رئيس الرؤساء بالتوقف عن المناجزة ويرى المحاجزة ومطاولة الأيام انتظارا لما يكون من السلطان طغرلبك ولما يراه من المصلحة بسبب ميل العامة إلى البساسيري أما الشيعة فللمذهب وأما السنية فلما فعل بهم الأتراك عسكر طغرل من العسف والظلم والنهب وإخراجهم من منازلهم ونزولهم فيها وكان رئيس الرؤساء لقلة معرفته بالحرب ولما عنده من البساسيري يرى المبادرة إلى الحرب فاتفق في بعض الأيام أن حضر القاضي الهمذاني عند رئيس الرؤساء واستأذنه في الحرب وضمن له قتل البساسيري فأذن له من غير علم عميد العراق فخرج ومعه الخدم والهاشميون والعجم والعوام إلى الحلبة وأبعدوا والبساسيري بستجرهم ثم حمل عليهم فعادوا منهزمين وقتل منهم جماعة ومات في الزحمة جماعة من الأعيان ونهب باب الأزج وكان رئيس الرؤساء واقفا دون الباب فدخل الدار وهرب كل من في الحريم ولما بلغ عميد العراق فعل رئيس الرؤساء لطم على وجهه كيف استبد برأيه ولا معرفة له بالحرب ورجع البساسيري إلى معسكره واستدعى الخليفة عميد العراق وأمره بالقتال على سور الحريم فلم يرعهم إلا الزعقات وقد نهب الحريم وقد دخلوا بباب النوبي فركب الخليفة لابسا للسواد وعلى كتفه البردة وبيده سيف وعلى رأسه اللواء وحوله زمرة من العباسيين والخدم بالسيوف المسلولة فرأى النهب قد وصل إلى باب الفردوس من داره فرجع إلى ورائه ومضى نحو عميد العراق فوجده قد استأمن إلى قريش فعاد وصعد المنظرة وصاح رئيس الرؤساء يا علم الدين يعني قريشا أمير المؤمنين يستدنيك فدنا منه فقال له رئيس الرؤساء أمير المؤمنين يستذم منك على نفسه وأهله وأصحابه بذمام الله وذمام رسول(ص) وذمام العربية فقال قد أذم الله تعالى له قال ولي ولمن معه قال نعم وخلع قلنسوته فأعطاها الخليفة وأعطى مخصرته رئيس الرؤساء ذماما فنزلا إليه وصارا معه فأرسل إليه البساسيري أتخالف ما استقر بيننا وتنقض ما تعاهدنا عليه فقال قريش لا وكانا قد تعاهدا على المشاركة فيما يملكانه من البلاد وان لا يستبد أحدهما دون الآخر بشيء فاتفقا على أن يسلم قريش رئيس الرؤساء إلى البساسيري لأنه عدوه ويترك الخليفة عنده فأرسل قريش رئيس الرؤساء إلى البساسيري فلما رآه قال مرحبا بمهلك الدول ومخرب البلاد فقال العفو عند المقدرة فقال البساسيري فقد قدرت فما عفوت وأنت تاجر صاحب طيلسان وركبت الأفعال الشنيعة مع حرمي وأطفالي فكيف أعفو أنا وأنا صاحب سيف وقد أخذت أموالي وعاقبت أصحابي ودرست دوري وسببتني وأبعدتني، ونهبت دار الخلافة وحريمها أياما وسلم قريش الخليفة إلى ابن عمه مهارش فحمله إلى حديثه عانة وركب البساسيري يوم عيد النحر وعبر إلى المصلى بالجانب الشرقي وعلى رأسه الألوية المصرية فأحسن إلى الناس وأجرى الجرايات على المتفقهة ولم يتعصب لمذهب وأفرد لوالدة الخليفة دارا وأعطاها جاريتين من جواريها للخدمة وأجرى لها الجراية وظفر بالسيدة خاتون بنت الأمير داود زوجة الخليفة فأحسن إليها ولم يتعرض لها واخرج محمود بن الأخرم إلى الكوفة وسقي الفرات أميرا. وأما رئيس الرؤساء فأخرجه البساسيري آخر ذي الحجة من محبسه بالحريم الطاهري مقيدا على جمل وعليه جبة صوف وطرطور من لبد أحمر وفي رقبته مخنقة جلود بعير وهو يقرأ قل اللهم مالك الملك الآية وبصق أهل الكرخ في وجهه عند اجتيازه بهم لأنه كان يتعصب عليهم ففي سنة 443 تشدد رئيس الرؤساء على الشيعة وحدثت بسببه فتنة بينهم وبين السنية أدت إلى قتل النفوس ونهب الأموال، وشهر إلى حد النجمي وأعيد إلى معسكر البساسيري وقد نصبت له خشبة وأنزل عن الجمل والبس جلد ثور وجعلت قرونه على رأسه وجعل في فكيه كلابان من حديد وصلب فبقي يضطرب إلى آخر النهار ومات أما عميد العراق فقتله البساسيري لما خطب البساسيري للمستنصر العلوي بالعراق أرسل إليه بمصر يعرفه ما فعل وكان الوزير هناك أبا الفرج ابن أخي أبي القاسم المغربي وهو ممن هرب من البساسيري وفي نفسه ما فيها فأوقع فيه وبرد فعله وخوف عاقبته فتركت أجوبته مدة ثم عادت بغير الذي أمله وسار البساسيري من بغداد إلى واسط والبصرة فملكهما وأراد قصد الأهواز فأنقذ صاحبها هزارسب إلى دبيس بن مزيد يطلب منه أن يصلح الأمر على مال يحمله إليه فلم يجب البساسيري إلى ذلك قال لا بد من الخطبة للمستنصر والسكة باسمه فلم يفعل هزارسب ذلك ورأى البساسيري أن طغرلبك يمد هزارسب بالعساكر فصالحه واصعد إلى واسط مستهل شعبان سنة 451 وأما طغرلبك فلقي أخاه إبراهيم بقرب الري فإنهزم إبراهيم وأخذ أسيرا فخنق بوتر قوسه سنة 451 وأرسل إلى البساسيري وقريش في إعادة الخليفة إلى داره على أن لا يدخل طغرلبك العراق ويقنع بالخطبة والسكة فلم يجب البساسيري إلى ذلك فرحل طغرلبك إلى العراق فوصلت مقدمته إلى قصر شيرين فوصل الخبر إلى بغداد فانحدر حرم البساسيري وأولاده وكان دخول البساسيري وأولاده بغداد ذي القعدة سنة 450 وخرجوا منها سادس ذي القعدة 451 ووصل طغرلبك إلى بغداد واحضر الخليفة من حديثة إلى بغداد وأرسل جيشا في ألفي فارس نحو الكوفة وسار هو في أثرهم فلم يشعر دبيس بن مزيد والبساسيري إلا والسرية قد وصلت إليهم ثامن ذي الحجة سنة 451 من طريق الكوفة وجعل أصحاب دبيس يرحلون بأهليهم فتقدم ليرد العرب إلى القتال فلم يرجعوا فمضى ووقف البساسيري في جماعة وحمل عليه الجيش وضرب البساسيري بنشابة وأراد قطع تجفافه لتسهل عليه النجاة فلم ينقطع وسقط عن الفرس ووقع في وجهه ضربة ودل عليه بعض الجرحى فقتل وحمل رأسه إلى طغرلبك وأخذت أموال أهل بغداد وأموال البساسيري مع نسائه وأولاده وأمر طغرل بحمل رأس البساسيري إلى دار الخلافة فحمل إليها وجعل على قناة وطيف به وصلب قبالة باب النوبي. ’’هذه خلاصة ما أورده ابن الأثير في تاريخه من أخبار البساسيري’’.
وقال الذهبي فيما حكاه عنه صاحب النجوم الزاهرة أن طغرلبك اشتغل بحصار الموصل وفتح الجزيرة العربية، وأرسل الأمير أبو الحارث أرسلان المعروف بالبساسيري إلى إبراهيم ينال أخي طغرلبك لينجده فأخذ البساسيري يعده ويمنيه ويطمعه في الملك حتى أصغى إليه وخالف أخاه طغرلبك الخ ولكن ابن الأثير كما سمعت لم يشر إلى شيء من ذلك وكلامه يدل على أن إبراهيم ينال كان منطويا دائما على طلب الملك ومنازعة أخيه وانه خرج على أخيه مرارا فعفا عنه حتى قتله في المرة الأخيرة ثم قال ودخل الأمير أبو الحارث أرسلان البساسيري بغداد بالرايات المستنصرية وعليها ألقاب المستنصر صاحب مصر. إلى أن قال: وقطعت الخطبة العباسية بالعراق وهذا شيء لم يفرح به أحد من آباء المستنصر ثم جمع أبو الحارث أرسلان البساسيري القضاة والأشراف ببغداد وأخذ عليهم البيعة للمستنصر العبيدي فبايعوا على رغم الأنفه.
ثم قال صاحب النجوم الزاهرة: وفي الجملة أن الذي حصل للمستنصر في هذه الواقعة من الخطبة باسمه في العراق وبغداد لم يحصل لأحد من آبائه وأجداده ولولا تخوف المستنصر من البساسيري وترك تحريضه على ما هو بصدده وإلا كانت دعوته تمت بالعراق زمانا طويلا فإنه كان أولا امد البساسيري بجمل مستكثرة فلو دام المستنصر على ذلك لكان البساسيري يفتح له عدة بلاد. قال الحسن بن محمد العلوي القبلوبي في تاريخه أن الذي وصل إلى البساسيري من المستنصر من المال خمسمائة ألف دينار ومن الثياب ما قيمته مثل ذلك وخمسمائة فرس وعشرة آلاف قوس ومن السيوف ألوف ومن الرماح والنشاب شيء كثير يعني قبل هذه الواقعة ولما خطب البساسيري في بغداد باسم المستنصر معد غنته مغنية بقولها:
يا بني العباس صدوا | ملك الأمر معد |
ملككم كان معارا | والعواري تسترد |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 3- ص: 239
البساسيري اسمه أرسلان بن عبد الله التركي.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 3- ص: 564
أرسلان البساسيري أرسلان بن عبد الله أبو الحارث البساسيري-بفتح الباء الموحدة والسين المهملة وبعد الألف سين أخرى مكسورة وياء آخر الحروف ساكنة وبعدها راء-هذه نسبة إلى بلد بسا وهي يالعربية فسا وأهل فارس ينسبون إليها هكذا. هو مقدم الأتراك ببغداذ ويقال إنه كان مملوك بهاء الدولة ابن عضد الدولة ابن بويه، وهو الذي خرج على الإمام القائم وكان قد قدمه على جميع الأتراك وقلده الأمور بأسرها وخطب له على منابر العراق وخوزستان فعظم أمره وهابته الملوك ثم خرج على الإمام القائم وخطب للمستنصر العبيدي صاحب مصر. فراح القائم إلى أمير العرب محيي الدين أبي الحارث مهارش بن المجلي العقيلي صاحب الحديثة وعانه فآواه وقام بجميع ما يحتاج إليه مدة سنة كاملة، حتى جاء طغرلبك السلجوقي وقاتل البساسيري وقتله وعاد القائم بعد ذاك إلى بغداذ وكان دخوله إليها في مثل اليوم الذي خرج منها وبينهما سنة كاملة. وكانت قتلة البساسيري يوم الثلاثاء حادي عشر ذي الحجة سنة إحدى وخمسين وأربعمائة وطيف برأسه في بغداذ وصلب قبالة باب النوبي.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 8- ص: 0
البساسيري اسمه أرسلان
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 10- ص: 0
البساسيري أبو الحارث الملقب بالمظفر، ملك الأمراء آرسلان التركي البساسيري نسبة إلى تاجر باعه من أهل فسا. والصواب: فسوي فقيلت على غير قياس كعادة العجم.
ترقت به الأحوال إلى أن نابذ الخليفة وخرج عليه وكاتب صاحب مصر المستنصر فأمده بأموال وسلاح فأقبل في عسكر قليل وتوثب على بغداد ففر منه القائم وتذمم بأمير العرب مهارش وعاث جمع البساسيري وأقام الدعوة بالعراق للمستنصر سنة وقتل الوزير وفعل القبائح حتى أقبل طغرلبك ونصر الخليفة ونزح البساسيري فاتبعه عسكر فقاتل حتى قتل فلله الحمد قيل: سنة إحدى وخمسين في ذي الحجة.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 13- ص: 347