محمد بن محمد بن محمد بن حسن بن أبي الحسن بن نباتة الفارقي المصري، الشيخ الإمام جمال الدين أبو بكر ابن الشيخ شمس الدين ابن شرف الدين. حضر على أبي الهيجاء غازي الحلاوي في الرابعة، وسمع من أبي المعالي أحمد بن إسحاق الأبرقوهي، وعبد الرحيم بن عبد المنعم ابن الدميري وغيرهم، وحدث بدمشق والقدس الشريف.
سمع منه الشيخ شمس الدين الذهبي وذكره في ’’معجمه’’، والحافظ أبو محمد البرزالي، وذكره في ’’معجمه’’ فقال: وهو من أعيان الشعراء وأفاضل الأدباء، وله النظم الفائق والنثر الرائق والمعاني المبتكرة، وشعره في الذروة العليا، مولده في شهر ربيع الأول سنة ست وثمانين وست مئة بزقاق القناديل بمصر.
سمعت عليه قصيدته النبوية على وزن ’’بانت سعاد’’، والأرجوزة التي ضمن فيها أبيات ’’ملحة الإعراب’’ في مدح سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تقي الدين السبكي تغمده الله برحمته وغير ذلك مما يكثر ذكره من نظمه ونثره.
أنشدنا الإمام البارع جمال الدين أبو بكر محمد بن محمد بن محمد بن حسن بن نباتة المصري الأصل ثم الدمشقي لنفسه يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
ما الطرف بعدكم بالنوم مكحول | هذا وكم بيننا من ربعكم ميل |
يا باعثين سهادا لي وفيض بكى | مهما بعثتم على العينين محمول |
شعلتم بصباح العيش مبتسما | وناظري بظلام الليل مشغول |
كأنما الأفق محراب عكفت به | والنيرات بقطريه قناديل |
ما يمسك الهدب دمعي حين أذكرك | إلا كما يمسك الماء الغرابيل |
سقيا لعهدكم والدار دانية | والشمل مجتمع والجمع مشمول |
يفدي الزمان الذي في عامه قصر | هذا الزمان الذي في يومه طول |
لم لا أشبب بالعيش الذي | انقرضت أوقاته وهو باللذات موصول |
لو كنت أرتاع من عذل لروعني | سيف المشيب برأسي وهو مسلول |
أما ترى الشيب قد دلت كواكبه | على الطريق لو ان الصب مدلول |
والسن قد قرعتها الأربعون وفي | ضمائر النفس تسويف وتسويل |
حسبي مديح رسول الله قول هدى | وإن دنت عن معاليه الأقاويل |
ماذا عسى الشعراء اليوم مادحة | من بعدما مدحت حام تنزيل |
أوفى النبيين سبقا واتضاح علا | كأنه غرة والقوم تحجيل |
نعم اليتيم إذا عدت جواهرهم | وضمها من عقود الوحي تفصيل |
والمجتلى تاج علياه الرفيع وما | للبدر تاج ولا للنجم إكليل |
روح النجاة الذي قد كان يهرع في | أبواب مغناه روح الوحي جبريل |
ومفصح الضاد مروي الصاد من كرم | فللمحاسن ترتيب وترتيل |
ذاك الذي لم يزل في الدين فاعل ما | ينحو الهدى ومرام الدين مفعول |
مبرأ القلب من ريب ومن دنس | وكيف وهو بماء الخلد مغسول |
مجاهدا في سبيل الله مصطبرا | على الجراح وبعض الجرح تعديل |
في معشر نجب تغزو نبالهم | مالا غزت قبلها الطير الأبابيل |
يطيب في الليل تسبيح لساهرهم | وما لهم عن حياض الموت تهليل |
حتى استقام منار الدين مرتفعا | وقوضت عنه هاتيك الأضاليل |
وقام في ظل بيت الله شائده | فحبذا لنظام البيت تكميل |
هذا الفخار الذي ما شام منظره | من قبل أحمد لا دهر ولا جيل |
هذا الصراط الذي لولا شريعته | ما كان يعرف تحريم وتحليل |
هذا الذي ارتفعت في جاه بعثته | هذي المحاريب لا تلك التماثيل |
كم معجز لرسول الله قد خذلت به | العدا وعدو الحق مخذول |
فاض الزلال المهنى من أصابعه | نعم الأصابع من كفيه والنيل |
وبورك الزاد إذ مسته راحته | فحبذا مشرب منها ومأكول |
وخاطبته وحوش البيد مقبلة | فالرجل عاسلة واللفظ معسول |
لا كوكب الفضل خاف بعد رفعته | كلا ولا علم العلياء مجهول |
حوى مدى السبق إذ كان البراق له | فكيف تلحقه النجب المراسيل |
وجاز سهم المعالي حين قابله | من قاب قوسين تنويه وتنويل |
يا خاتم الرسل لي في المذنبين | غدا على شفاعتك الغراء تعويل |
إن كان كعب بما قد قال ضيفك | في دار النعيم فلي بالباب تطفيل |
وأين كابن زهير لي شذا كلم | ربيعها بغمام القرب مطلول |
صلى عليك الذي أعطاك منزلة | شفيعها في مقام الحشر مقبول |
أنت الملاذ لنا دنيا وآخرة | فباب قصدك في الدارين مأهول |
دار الغرب الإسلامي-ط 1( 2004) , ج: 1- ص: 459