محمد بن محمد بن عبد الحق بن فتيان بن عبد المجيد بن أحمد بن عبد الله القرشي الشافعي، تقي الدين أبو عبد الله. سمع بالقاهرة من جماعة، وبالشام من جماعة من شيوخنا منهم: الشيخ عز الدين محمد ابن الشيخ العز، والشيخ عثمان بن سالم، وعبد الرحمن بن محمد بن عبد الحميد. وحفظ ’’التنبيه’’ وكتاب ’’التسهيل’’ في النحو لابن مالك، واشتغل ونظم الشعر، ورحل إلى دمشق، وكان حسن الخلق والخلق، لطيف الذات....
سمعت من لفظه قصيدة من نظمه في مدح شيخ الإسلام قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي في يوم السبت سلخ شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين وسبع مئة بالدهشة من أراضي دمشق.
أنشدنا الإمام العالم الأوحد البارع تقي الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الحق القرشي من لفظه لنفسه يمدح سيدنا قاضي القضاة تقي الدين شيخ الإسلام السبكي قدس الله روحه ونور ضريحه:
عجبا لفترة لحظك الوسنان | إذ صال منه بصارم وسنان |
وللين قدك مع نحافة خصره | كيف اختفت منه غصون البان |
ولنظم دري ثغره وكلامه | إني للبي في الهوى سلباني |
طالبته بدمي فصد وقال لي | مهلا فسهم لواحظي الجاني |
لا تطمعن فقد مضى حكم الهوى | أن لا يقاد من الحبيب الجاني |
وعد الزيارة ثم أخلف قائلا | يا سوء حظ منك قد أنساني |
لا تهلكن أسى فلولا أنني | أنسى لما سميت بالإنسان |
حاكمته في أخذ قلبي والكرى | كي يخلصا لي منه أو أرشان |
فقضى علي الحب أنهما له ملكا | وقال الحسن قد أرشاني |
من لي مجير من يدي جور الهوى | والقلب وسط قلبيه ألقاني |
في أسر ظبي ثغره وخدوده | راحي وريحاني ووردي القاني |
مالي سوى حسني أبي الحسن الذي | عم الوجود فما له من ثاني |
قاضي القضاة المنهل العذب | المقيم الحق لا يثنيه عنه ثاني |
فبنانه سحب الندى وبيانه | بفصاحة أوفى على سحبان |
ووجوده جاد الشآم وجوده | لقواعد العليا بسح باني |
من ذا يعد فضائلا جمعت له | لو رمت حصر يسيرها أعياني |
من حاز منها خلة أو بعضها | أضحى يعد بها من الأعيان |
لما بدا في خلعة كفعاله | بيضاء ذي يمن له وأمان |
خلعت قلوب الحاسدين وأصبحت | أقوالهم بالحق زور أماني |
أحيا دمشق بعلمه ونواله | فمن الذي لذرى الفخار يداني |
فنهاية العلماء فهم مقاله | أنى يكون لهم بذاك يدان |
لولا أصاب برشح صوب علومه | قلبي لكان الجهل قد أرداني |
ما فهت قط بمدحه إلا اغتدى | طيب الثناء يفوح من أرداني |
حاشاك تخفض قدر من أنشأته | فالرفع منك بالابتدا أعلاني |
أو تعطش النبت الذي أحييته | وملكته في السر والإعلان |
يا عاذلي على الوقوف ببابه | مهلا ومن طول الملام دعاني |
إني سمعت ندى يديه مناديا | كل الورى فأجبت حين دعاني |
دار الغرب الإسلامي-ط 1( 2004) , ج: 1- ص: 447