ابن فضل الله العمري أحمد بن يحيى بن فضل الله القرشي العدوي العمري، شهاب الدين: مؤرخ، حجة في معرفة الممالك والمسالك وخطوط الأقاليم والبلدان، إمام في الترسل والإنشاء، عارف بأخبار رجال عصره وتراجمهم، غزير المعرفة بالتاريخ و لا سيما تاريخ ملوك المغول من عهد جنكيز خان إلى عصره. مولده ومنشأه ووفاته في دمشق. أجل آثاره (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - خ) كبير، طبع المجلد الأول منه، قال فيه ابن شاكر: كتاب حافل ما أعلم أن لأحد مثله. وله (مختصر قلائد العقيان - خ) و (الشتويات - خ) مجموع رسائل، و (النبذة الكافية في معرفة الكتابة والقافية - خ) و (ممالك عباد الصليب - ط) و (الدائرة بين مكة والبلاد) و (التعريف بالمصطلح الشريف - ط) في مراسم الملك وما يتعلق به، و (فواضل السمر في فضائل آل عمر) أربع مجلدات، و (يقظة الساهر) في الأدب، و (نفحة الروض) أدب، و (دمعة الباكي) أدب، و (صبابة المشتاق) في المدائح النبوية، أربع مجلدات. وله شعر في منتهى الرقة.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 268
القاضي شهاب الدين ابن فضل الله أحمد بن يحين بن فضل الله بن المجلي دعجان بن خلف ابن أبي الفضل نصر بن منصور بن عبيد الله بن عدي بن محمد ابن أبي بكر عبد الله بن عبيد الله ابن أبي بكر بن عبيد الله الصالح ابن أبي سلمة عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله ابن عمر بن الخطاب، القاضي شهاب الدين أبو العباس ابن القاضي أبي المعالي محيي الدين القرشي العدوي العمري. هو الإمام الفاضل البليغ المفوه الحافظ حجة الكتاب، إمام أهل الآداب. أحد رجالات الزمان كتابة وترسلا، وتوصلا إلى غايات المعالي وتوسلا. وإقداما عل الأسود في غابها، وإرغاما لأعاديه بمنع رغابها. يتوقد ذكاء وفطنة ويتلهب، ويحدر سيله ذاكرة وحفظا ويتصبب. ويتدفق بحره بالجواهر كلاما، ويتألق إنشاؤه بالبوارق المتسرعة نظاما. ويقطر كلام فصاحة وبلاغة، وتندى عبارته انسجاما وصياغة. وينظر إلى غيب المعاني من ستر رقيق، ويغوص في لجة البيان فيظفر بكبار الدر من البحر العميق. استوت بديهته وارتجاله، وتأخر عن فروسيته من هذا الفن رجاله. يكتب من رأس قلمه بديها، ما يعجز تروي القاضي الفاضل أن يدانيه تشبيها. وينظم من المقطوع والقصيدة جوهرا، ما يخجل الروض الذي باكره الحيا مزهرا. صرف الزمان أمرا ونهيا، ودبر الممالك تنفيذا ورأيا. وصل الأرزاق بقلمه، ورويت تواقيعه وهي إسجالات حكمه وحكمه. لا أرى أن اسم الكاتب يصدق على غيره ولا يطلق على سواه:
لا يعمل القول المكـ | ـرر منه والرأي المردد |
ظن يصيب به الغيو | ب إذا توخى أو تعمد |
مثل الحسام إذا تألـ | ـق والشهاب إذا توقد |
كالسيف يقطع وهو مسـ | ـلول ويرهب حين يغمد |
يا سيدا أقلامه لم تزل | تهدي لآلي النظم والنثر |
قل لي ما اسم لم يزل قلبه | معذبا بالبيض والسمر |
وكله في الأرض أو في السما | وثلثه يسبح في البحر |
دمت خليلي سائر الذكر | مثل الذي ألغزت في القدر |
بعثتها نجمية قد حلت | لكنها من سكر الشكر |
تطلع بالنجم فأما الذي | في مطمح الزهر أو الزهر |
عجبت منه كيف شق الدجى | وما أتى إلا مع الفجر |
من صنعة البر ولكنه | قد جاءني راحة البحر |
أقسمت منه قسما بالغا | بالفجر والليل إذا يسر |
لقد أغرت الغيد إذ لم تجد | شبيهه في الجيد والثغر |
بعقد در ما له قيمة | يا حسنه للكوكب الدري |
مسهد تذكى له مقلة | مقلوبة كالنظر الشزر |
وهو إذا حققت تعريفه | عرفت منه منزل البدر |
بواحد عدوا له سبعة | تقيس ذيل الليل بالشبر |
فاعذر أخي اليوم إن قصرت | بديهتي واقبل لها عذري |
فليس بالألغاز لي عادة | ولا غزا في جيشها فكري |
أيا سيدا أرجو دوام ظلاله | علينا وأن يمسي بخير كما يضحي |
وحقك ما هذي ضحايا بعثتها | ولكنني سقت الأعادي إلى الذبح |
أتتني ضحاياك التي قد بعثتها | لتصبح كالأعداء في بكرة الأضحى |
وحقك أعدانا كلاب جميعهم | وحاشاك لا تجزي الكلاب لمن ضحى |
أيها الفاضل الذي حاز فضلا | ما عليه لمثله من مزيد |
قد تدانى عبد الرحيم إليه | وتناءى لديه عبد الحميد |
أي شيء سمي به ذات خدر | تائه بالإماء أو بالعبيد |
هو وصف لذات ستر مصون | وهي لم تخف في جميع الوجود |
مذ مضى حينها بها ليس تأتي | وهي تأتي مع الربيع الجديد |
وهو مما يبشر الناس طرا | منه مأتى وكثرة في العديد |
وحليم أراده لا لذات | بل لشيء سواه في المقصود |
ذاك شيء من ارتجاه سفيه | وهو شيء مخصص بالرشيد |
يا فريدا ألفاظه كالفريد | ومجيدا قد فاق عبد المجيد |
وإمام الأنام في كل علم | وشريكا في الفضل للتوحيدي |
علم العالمون فضلك بالعلـ | ـم وقال الجهال بالتقليد |
من تمنى بأن يرى لك شبها | رام نقضا بالجهل حكم الوجود |
طال قدري على السماكين لما | جاءني منك عقد در نضيد |
شابه الدر في النظام ولما | شابه السحر شاب رأس الوليد |
هو لغز في ذات خدر منيع | نزلت في العلى بقصر مشيد |
هي أم الأمين ذات المعالي | من بني هاشم ذوي التأييد |
أنت كنت الهادي لمعناه حقا | حين لوحت لي بذكر الرشيد |
دمت تهدي إلي كل عجيب | ما عليه في حسنه من مزيد |
وخد فوقه صدغ | فمحمر ومخضر |
ومبيض ومسود | ............. |
كأنما اليوم وقد موهت | مشرقها الشمس ولا جاحد |
ثوب من الشرب ولكنه | طرز منه كمه الواحد |
جاء الجواب يزف منك فواضلا | ويرف في روض النبات خمائلا |
أغرقت غر السحب حين وصفتها | يا من غدا بحرا يموج فضائلا |
لو لم تكن يمناك بحرا زاخرا | ما أرسلت تلك السطور جداولا |
ضرب من السحر الحلال متى تشا | أخرجته فيعود ضربا داخلا |
ما إن جلا راويه حور بيانه | إلا وزان مشاهدا ومحافلا |
فمتى يروم به اللحاق مقصر | والنجم أقرب من مداه تناولا |
أبرزته أفقا فكل قرينة | برج حوى معناه بدرا كاملا |
فكأنما تلك الحروف حدائق | أمست معانيها تصيح بلابلا |
وكأن ذاك الطرس خد رائق | والسطر فيه غدا عذارا سائلا |
مهلا أبا العباس قد أفحمتني | وتركتني بعد التحلي عاطلا |
بالله قل لي عندما سطرته | هل كنت تزعم أن تجيب الفاضلا |
أقسمت لو باراك في إنشائه | ما كان ضم على اليراع أناملا |
حركت منك حمية عدوية | ملأت فضاء الطرس منك جحافلا |
كم فيه من لام كلأمة فارس | قد هز من ألفات قدك ذابلا |
هل شئت أن تنشي الجواب سحابة | تندى فجاءت منك سيلا سائلا |
يا فارس الإنشاء رفقا بالذي | نازلته يوم الترسل راجلا |
لو رام أن يجري وراءك خطوة | نصبت له تلك الحروف حبائلا |
فاحبس عنانك قد تجاوزت المدى | وتركت سحبان الفصاحة باقلا |
والفاضل المسكين أصبح فنه | من بعد ما قد راج فينا خاملا |
فاسلم لتبليغ النفوس مرامها | فالدهر في أثواب فضلك مائلا |
كم فيك من أمل يروق لأنني | أدري بأنك لا تخيب آملا |
وافى الكمي بها يهز مناصلا | ويروم صبغا للشبيبة ناصلا |
سبق الظلام بها بزينة ليله | ولو أنه في الفخر حلى العاطلا |
حمراء قانية يذوب شعاعها | ويري حصى الياقوت منها سائلا |
حمراء قانية يحب كئوسها | وقع الصوارم والوشيج الذابلا |
ذهبية ما عرق عانة كرمها | لكنه كف الكريم شمائلا |
كف لمنبجس النوال كأنما | دفع السيول تمد منه نائلا |
كرم خليلي يمد سماطه | ويشب نارا للقرى وفواضلا |
ولهيب فكر لو تطير شرارة | منه لما بل السحاب الوابلا |
يذكي به في كل صبحه قرة | فهما لنيران القرائح آكلا |
عجبا له من سابق متأخر | فات الأواخر ثم فات أوائلا |
دانوه في شبه وما قيسوا به | من ذا تراه للغمام مساجلا |
ماثل به البحر الخضم فإنه | لا يرتضي خلقا سواه مماثلا |
وافت عقيلته ولو بذل امرؤ | فيها استقل من البروج معاقلا |
جاءت شبيه الخود في حلل لها | حمر كنوار الشقيق مواثلا |
قد خضبت بدم الحسود أما ترى | أثر السواد بها عليه دلائلا |
حلل على سحبان تسحب ذيلها | وتجر من طرف الذيول الفاضلا |
حكت الهلال يلوح طلع نقابها | حتى نضت فرأيت بدرا كاملا |
بنت القريحة ما ونت في خدرها | حسن المليحة أن تواصل عاجلا |
جاءت تضوع من العناق أساورا | لا بل تخوض من السيول خلاخلا |
قبلتها وأعدت تقبيلي لها | إن المتيم لا يخاف العاذلا |
وأتت وجيش النوء مرهوب السطا | ملأ الوجود له فنا وقبائلا |
والبرق مشبوب الضرام لأنه | صاد الغزالة حيث مد حبائلا |
وافت ورأس الطود يشكو لمة | قد عممت بالثلج شيبا شاملا |
ملأت به كل الفضاء فلا يرى | إلا لجينا جامدا أو سائلا |
وكأنما نثرت قراضة فضة | أيدي البروق وقد حرقن أناملا |
والأفق كالكأس المفضض ملؤه | صهباء قد عقدت حبابا جائلا |
أثناء يوم قد تقهقر ضوءه | وبدا ذبالا في الأصائل ناحلا |
والجو منخرق القميص كأنه | حنق يقد من السحاب غلائلا |
والسيل منحدر يسل مهندا | إفرنده ذهب يمد سلاسلا |
لله أنت أبا الصفاء فإنني | ألقى خليلا منك لي ومخاللا |
أنت الذي حلقت صقرا أجدلا | وضممت في برديك ليثا باسلا |
يا من ينفق سوق كل فضيلة | أسئر فما أبقيت بعدك فاضلا |
جنحت إلي مع الأصل المذهب | والركب ممتد الخطا في المذهب |
واليوم مبيض الإزار وإنما | جنب الإزار مطرز بالغيهب |
والشمس قد همت لتذهب رهبة | لكنها بقيت لنا لم تذهب |
وعلى الأصائل رقة فكأنما | لبست نحول العاشق المتلهب |
والجو حيث شممت ينفخ عنبرا | ويذر منه فوق فرق المغرب |
ومبشر النوار جاء مخلقا | لا شك قد خطرت نوافح يثرب |
وافى يبشر بالحمى وبأهله | يهنيكم هذي المدينة والنبي |
هذي المدينة أشرقت أعلامها | يهنيكم فزتم بأشرف مطلب |
هذي القباب كأنهن غرائس | مجلوة سفرت ولم تتنقب |
هذي الحدائق والنخيل وماؤها | نم واستظل من الهواجر واشرب |
هذا رسول الله جدوا نحوه | تجدوا النوال الجم والخلق الأبي |
هذا رسول الله هذا أحمد | هذا النقي الجيب هذا مطلبي |
هذا صباح المهتدي هذا ربيـ | ـع المجتبي هذا شفيع المذنب |
هذا النبي الهاشمي المجتبى | من نسل إبراهيم أكرم من أب |
هذا المصفى من سلالة آدم | الطيب ابن الطيب ابن الطيب |
شرفت به آباؤه وأتت به | أبناؤه والكل مثل الكوكب |
واختاره الله المهيمن ربه | وحباه بالقربى وعز المنصب |
آتاه في المعراج فضلا لم يكن | لسواه من دون البرية قد حبي |
يا حبذا فيه مهاجمة الدجى | ولو أنه أسد يصول بمخلب |
ودوام إيراد الركاب صواديا | والفجر مثل الماء تحت الطحلب |
لتنيخ في باب النبي محمد | وتراح من طول المسير المتعب |
يا معشر العشاق هذا أنتم | وحبيبكم والليل داجي الغيهب |
قوموا انظروا وتمتعوا بجماله | وتأملو فجماله لم يحجب |
وتزودوا قبل الرحيل فإنه | لم يبق غير هنيهة لم تذهب |
قرب الفراق فليته لم يقترب | منا وليت مطيه لم تقرب |
أيام عمري ما أقمت بطيبة | أما سواه فإنني لم أحسب |
ليت الزمان يدوم لي بوصالها | أو لم يجد فبطيفها المتأوب |
شادن جدد وجدي بعدما | صرت شيخا ليس ترضاني العجوز |
قلت: جاوز لي متاعي قال: قل | غير هذا، ذاك شيء لا يجوز |
شربت مع غادة عجوز طلا | فاستصحبت بعد منعها العاده |
لينها السكر لي فحينئذ | سلمت أن العجوز قواده |
سل شجيا عن فؤاد نزحا | وخليا فيهم كيف صحا |
ومحبا لم يذق بعدهم | غير تبريح بهم ما برحا |
مزج الدمع بذكراه لهم | مثل خدي من سقاه القدحا |
زاره الطيف وهذا عجب | شبح كيف يلاقي شبحا |
أأحبابنا والعذر منا إليكم | إذا ما شغلنا بالنوى أن نودعا |
أبثكم شوقا أباري ببعضه | حمام العابا رنة وتوجعا |
أبيت سمير البرق، قلبي مثله | أقضي به الليل التمام مروعا |
وما هو شوق مدة ثم تنقضي | ولا أنه يبكي محبا مفجعا |
ولكنه شوق على القرب والنوى | أغص المآقي مدمعا ثم مدمعا |
ومن فارق الأحباب في العمر ساعة | كمن فارق الأحباب في العمر أجمعا |
لا تسل بعد بينهم ما جرى لي | من دموع كأنهن اللآلي |
خففت وطأة الغرام ولكن | عرفت في الجفون طيف الخيال |
يقول لي من شعره أسود | كالليل بل بينهما فرق |
قلت وبي من وجهه أبيض | فقال لي: هذا هو الحق |
وحق الذي أبلى فؤادي بحبكم | وصير قلبي فيكم هائما صبا |
محبكم المضنى على ما عهدتم | ولم يجن فعلا في الفراق ولا ذنبا |
ولكنها الأقدار تجري على الفتى | وتحمل فيها من أحبته عتبا |
أأحبابنا أنتم بقلبي وناظري | لذلك لا أشكو بعادا ولا قربا |
تعثرت بك في الأفواه ألسنها | والبرد في الطرق والأقلام في الكتب |
هذا أبو العباس في نعشه | قوموا انظروا كيف تزول الجبال |
علم الله كيف أنت فأعطا | ك المحل الجليل من سلطانه |
جعل الدين في ضمانك والدنـ | ـيا فعش سالما لنا في ضمانه |
الله أكبر يا ابن فضل الله | شغلت وفاتك كل قلب لاه |
كل يقول وقد عرته كآبة | واها لفقدك إن صبري واه |
فقدت بك الأملاك بحر ترسل | متلاطم الأمواج بالأمواه |
يا وحشة الإنشاء منك لكاتب | ألفاظه زهر النجوم تباهي |
وتوجع الأشعار فيك لناظم | من لطفه لشذا النسيم يضاهي |
كم أمسكت يمناك طرسا أبيضا | فأعدته في الحال طرزا باهي |
كم قد أدرت من القريض قوافيا | هي نشوة الناشي وزهو الزاهي |
ورسالة أنشأتها في حانة النبا | ذ حازت حضرة الفكاه |
ووضعت في الآداب كل مصنف | قالت له البلغاء زاه زاه |
كم قد خطرت على المجرة رافلا | يوم الفخار بمعطف تياه |
شخصت لعلياك النجوم تعجبا | ولك السهى يرنو بطرف ساه |
ما كنت إلا واحد الدهر الذي | يسمو على الأنظار والأشباه |
من بعدك الكتاب قد كتبوا فما | يجدون منجاة لهم من جاه |
أقلامهم قد أملقت ورمى الردى | أدواتهم ودواتهم بدواهي |
وطروسهم لبست حداد مدادها | أسفا عليك مؤكدا بسفاه |
أما القلوب فإنها رهن الأسى | ترد القيامة وهي فيك كما هي |
أبدا يخيل لي بأنك حاضر | تملي الفؤاد لي وأنت تجاهي |
فتعز فيه واصطبر لمصابه | يا خير مولى آمر أو ناهي |
فدوام ظلك في البرية نعمة | ولشكرها حتم على الأفواه |
لا زال جدك في المبادئ صاعدا | رتبا سعادتها بغير تناهي |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 8- ص: 0
أحمد بن يحيى بن فضل الله بن المجلي بن دعجان ينتهي إلى عبد الله بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. القاضي شهاب الدين أبو العباس ابن القاضي محيي الدين القرشي العدوي العمري الدمشقي.
#الإمام الفاضل البليغ المفوه حجة الكتاب، غمام أهل الآداب، الناظم الناثر، أحد رجالات الزمان كتابة وترسلا، وتوصلا إلى غايات المعالي وتوسلا، وإقداما على الأسود في غابها، وإرغاما لأعاديه بمنع رغابها، يتوقد ذكاء وفطنة ويتلهب، ويتحدر سيله ذاكرة وحفظا ويتصبب، ويتدفق بحره بالجواهر كلاما، ويتألق إنشاؤه بالبوارق المتسرعة نظاما، ويقطر كلامه فصاحة وبلاغة، وتندى عبارته انسجاما وصياغة، وينظر إلى عيب المعنى من ستر رقيق، ويغوص في لجو البيان فيظفر بكبار الدر من البحر العميق، استوت بديهته وارتجاله، وتأخر عن فروسيته من هذا الفن رجاله، يكتب من رأس قلمه بديها ما يعجز تروي القاضي الفاضل أن يدانيه تشبيها، وينظم من المقطوع والقصيدة جوهرا، ما يخجل الروض الذي باكره الحيا مزهرا، جبل كتابة وأخبار، وبحر إصابة في المعاني التي لا يشق له فيها غبار.
وأما نثره فقل من يجازيه، أو يقارب خطو قلمه في تنسيق دراريه. وأما نظمه ففي الثريا، وأبياته تطول في المحاسن ريا، وتضوع ريا.
قرأ العربية على الشيخ كمال الدين ابن قاضي شهبة، ثم على قاضي القضاة شمس الدين بن مسلم، والفقه على قاضي القضاة شهاب الدين بن المجد، وعلى الشيخ برهان الدين قليلا، وقرأ الأحكام الصغرى على الشيخ تقي الدين بن تيمية، والعروض على شمس الدين الصايغ، وتأدب على علاء الدين الوداعي. وقرأ جملة من المعاني والبيان على شيخنا العلامة شهاب الدين محمود، وقرأ عليه تصانيفه، وجملة من الدواوين وكتب الدب، وقرأ بعض شيء من العروض على الشيخ كمال الدين بن الزملكاني. والأصول على الشيخ شمس الدين الأصبهاني. وقرأ بمصر على الشيخ أثير، وسمع منه. وسمع بدمشق والقاهرة والحجاز والإسكندرية وبلاد الشام، ونظم كثيرا من القصائد والأراجيز والمقطعات ودو بيت وأنشأ كثيرا من التقاليد والمناشير والتواقيع والأصدقة.
كتب الإنشاء بدمشق أيام بني محمود، ثم ولي والده كتابة السر بدمشق، ثم طلب إلى مصر هو ووالده في سنة ثمان وعشرين وسبع مئة، وباشر والده كتابة السر بمصر، ثم خرج مع أبيه إلى دمشق، ثم عاد إليها معه في سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة، وأقام إلى بعض سنة ست وثلاثين، وهو في المرة الأولى والثانية يدخل يقرأ البريد على السلطان، وفي الثانية جلس في دار العدل ووالده القاضي محيي الدين كاتب السر.
وجرى له ما جرى مع السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، ولزم بيته. ثم حج وحضر، وغضب عليه السلطان واعتقله بقلعة الجبل، وأخذ منه مئة ألف درهم، ولما أمسك الأمير سيف الدين تنكز - رحمه الله تعالى - ولاه السلطان كتابة السر بدمشق، فحضر إليها يوم عاشوراء، فيما أظن، سنة إحدى وأربعين وسبع مئة، وباشر ذلك إلى آخر أيام أيدغمش نائب الشام، وتوجه إلى حماة ليتلقى الأمير سيف الدين طقز تمر من حلب، فجاءه الخبر في حماة أنه قد عزل بأخيه القاضي بدر الدين محمد، فجاء إلى دمشق، وذلك سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة، وبقي في الترسيم بالفلكية قريبا من أربعة أشهر، وطلب إلى مصر فما وصل إلى مصر حتى شفع فيه أخوه علاء الدين كاتب السر بمصر ورده من الطريق، فقال: لا بد من أن أرى وجه أخي، فدخل مصر، وأقام أياما، وعاد إلى دمشق بطالا، ولم يزل بها مقيما في بيته إلى أن حدث الطاعون بدمشق فقله منه، وتطاير به، وعزم على الحج، ثم أبطله، وتوجه بأهله إلى القدس، فتوفيت هناك زوجته ابنه عمه، فدفنها هناك، وما به قلبة غير أنه مروع من الطاعون، فحصل له يوم وصوله حتى ربع، ودامت به إلى أن حصل له صرع، فمات منه، وسكن ذلك الهدير، ونضب ذلك الغدير، وكان يوم عرفة سنة تسع وأربعين وسبع مئة، ودفن بتربتهم بالصالحية وكانت جنازته حافلة.
ومولده بدمشق ثالث شوال سنة سبع مئة.
وصنف فواضل السمر في فضائل آل عمر أربع مجلدات، وكتاب مسالك الأبصار في أكثر من عشرين مجلدا، ما أعلم لأحد مثله، تراجمه مسجوعة جميعها، ولي فيه عمل كثير في اختيار شعره، والدعوة المستجابة، وصبابة المشتاق، مجلد في مدائح النبي صلى الله عليه وسلم، وسفرة السفر، ودمعه الباكي ويقظة الساهر، وقرأتهما عليه بمصر، ونفخة الروض، وغير ذلك.
كتب إلي ملغزا:
أيها الفاضل الذي حاز فضلا | ما عليه لمثله من مزيد |
قد تدانى عبد الرحيم إليه | وتنادى إليه عبد الحميد |
أي شيء سمي به ذات خدر | تائه بالإمام أو بالعبيد |
هو وصف لذات سر مصون | وهي لم تخف في جميع الوجود |
مذ مضى حينها بها ليس يأتي | وهو يأتي مع الربيع الجديد |
وهو مما يبشر الناس طرا | منه مأتى وكثرة في العديد |
وحليم إرادة لا لذات | بل بشيء سواه في المقصود |
ذاك شيء من ارتجاه سفية | وهو شيء مخصص بالرشيد |
يا فريدا ألفاظه كالفريد | ومجيدا قد فاق عبد المجيد |
وإمام الأنام في كل علم | وشريكا في الفضل للتوحيد |
علم العالمون فضلك بالعلـ | ـم وقال الجهال بالتقليد |
من تمنى بأن يرى لك شبها | رام نقضا بالجهل حكم الوجود |
طال قدري على المساكين لما | جاءني منك عقد در نضيد |
شابه الدر في النظام ولما | شابه السحر شاب رأس الوليد |
هو لغز في ذات خدر منيع | نزلت في العلى بقصر مشيد |
هي أم الأمين ذات المعالي | من بني هاشم ذوي التأييد |
أنت كنت الهادي لمعناه حقا | حين لوحت لي بذكر الرشيد |
دمت تهدي إلي كل عجيب | ما عليه في حسنه من فريد |
يا سيدا أقلامه لم تزل | تهدي لآلي النظم والنثر |
قل لي ما اسم قلبه لم يزل | معذبا بالبيض والسمر |
وكله في الأرض أو في السما | وثلثه يسبح في البحر |
دمت خليلي سائر الذكر | مثل الذي ألغزت في القدر |
بعثتها نجمية قد حلت | لكنها من سكر الشكر |
تطلع بالنجم فأما الذي | في مطمح الهر أو الزهر |
عجبت منه كيف شق الدجا | وما أتى إلا مع الفجر |
من صنعة البر ولكنه | قد جاءني في راحة البحر |
أقسمت منه قسما بالغا | بالفجر والليل إذا يسر |
لقد أغرت الغيد إذ لم تجد | شبهه في الجيد والثغر |
بعقد در ما له قيمة | يا حسنه للكوكب الدري |
مسهد تذكى له مقلة | مقلوبة كالنظر الشزر |
وهو إذا ما حققت تعريفه | عرفت منه منزل البدر |
بواحد عدوا له سبعة | تقيس ذيل الليل بالشبر |
فاعر أخي اليوم إن قصرت | بديهتي واقبل لها عذري |
فليس بالألغاز لي قدرة | ولا غزا في جيشها فكري |
يا سيدا أرجو دوام ظلاله | علينا وأن يمسي بخير كما يضحي |
وحقك ما هذي ضحايا بعثتها | ولكنني سقت الأعادي للذبح |
أتتني ضحاياك التي قد بعثتها | لتصبح كالأعداء في بكرة الأضحى |
وحقك أعدانا كلاب جميعهم | وحاشاك لا تجزي الكلاب لمن ضحى |
يا سيدا فيه لي ولاء | عند جميع الورى تعين |
لله ليمونه أراها | لي مونة غصنها تزين |
كأعين الحاسدين بغيا | لأجل ذا قلعها تعين |
يا فاضلا ما له عديل | لأنه في الورى تفنن |
وكل شيء عاناه فينا | على طريق الهدى تفنن |
أمرك حكم في كل عقل | ما عاق إلا من قد تجنن |
لعمري لقد أهدى سماحك والندى | حمول رخام مثل روض تنمنما |
فأمسيت منها في رخاء وفي غنى | فيا من رأى قبلي رخاما مرخما |
لقد نزلنا على العاصي بمنزلة | زانت محاسن شطيه حدائقها |
تبكي نواعيرها العبرى بأدمعها | لكونه بعد لقياها يفارقها |
وناعورة في جانب النهر قد غدت | تعبر عن شوق الشجي وتعرب |
ترقص عطف الغصن تيها لأنها | تغني له طول الومان ويشرب |
إنا نقيم على حماة حجة | في حسنها ولها جمال يبهت |
من النواعير الفصاح خصومنا | ولها لسان ناطق لا يسكت |
ناعورة أنت وحنت فقد | شوقت الداني والقاصي |
قد نبهتني للهدى والتقى | لما غدت تبكي على العاصي |
محبوب فلبي مثل بدر السما | أدنيه عمري وهو لي يقصي |
بيني وبين الصبر في حبه | ما بين شمسين إلى حمص |
لقد تماديت مدى يا رستن | كأنما قربك ما لا يمكن |
لما جعلناك ضمير قصدنا | غدوت مما لا تراك الأعين |
رحلتم فلا والله ما بعدكم قلبي | بقلبي ولا والله عقلي ولا لبي |
هجرتم زمانا ثم شط مزاركم | فأها على بعدي وآها على قربي |
وبدلتم غيري ووالله ما رأت | سوى حسنكم عيني ولا غيركم قلبي |
لئن كان ذنبي أن قلبي بحبكم | فيا رب زدني منه ذنبا على ذنبي |
ولا تحسبوا أني تغيرت مثلكم | فما قلبكم قلبي ولا خبكم حبي |
رحلتم وما كنتم سوى روح مغرم | قضى بكم وجدا وما غاب في الترب |
نأيتم فلا والله ما هبت الصبا | فنمت مع النوام جنبا على جنبي |
لئن عدتم عاد السرور جميعه | وإلا فما لي بالرسائل والكتب |
دعوا عنكم التعليل باليوم أو غد | فلست بمن يبقى إلى البعد والقرب |
ولا تعجبوا إن مت حين فراقكم | إذا بان حبي كيف لا ينقضي نحبي |
أأحبابنا كيف استقلت ركابكم | وما علقتها العين في شرك الهدب |
وطرتم سراعا كالطيور مشقة | فهلا وقعتم في القلوب على الحب |
ووالله ما حدثت نفسي بمجلس | سوى ما أفاض الدمع فيه من الجب |
ولا كان شرق الدمع من طبع مقلتي | إلى أن تغربتم ففاض من الغرب |
ونغصتم طيب الحياة ببعدكم | وهيهات أن ترجى حياة فتى صب |
أأبغي سواكم في الهوى أو أريده | وهجركم سقمي ووصلكم طبي |
دعوني وأطلال الديار أنح بها | وأندبها إن كان ينفعها ندبي |
دعوتم علة بعد فلباكم لبي | وناجاكم قلبي على البعد والقرب |
وما لي وذكر الدار يا ساكني الحشا | وداركم عيني وداركم قلبي |
وأقسم أن الجفن فيكم جفا الكرى | وأحرق قلب الصب من دمعه الصب |
إذا قلت هبي يا نسيمة دارهم | يقول الجوى يا نار أشواقه شبي |
أيا جيرة بالقلب لا الشام خيموا | محاسنكم تصبي القلوب فلم تسبي |
لأنتم وإن أضرمتم النار في الشحا | ألذ إلى قلبي من البارد العذب |
رفعتكم جرا إلى نصب ناظري | فيا حبذا رفع يجر إلى نصب |
أحاشيكم أن يألف القلب غيركم | فقلبي لا يرضى بهذا ولا ربي |
وحقكم ما راقني غير حسنكم | وإحسانكم حسبي بما راقني حسبي |
رحلت ولي قلب مقيم على الوفا | لعهدكم حنى أوسد في الترب |
أحاول عودي نحوكم ويصدني | خيانة دهر راح حربي لا حزبي |
أليس من الأنكاد أن لا مخبر | يبلغكم عني سلامي ولا كتبي |
ولولا المنى أن يجمع الله شملنا | قريبا لما فارقت نوحي ولا ندبي |
سأجهد في عودي لمطلع حبكم | ولو أن لي قي مصر مملكة الغرب |
بعثتم على بخل الزمان لأنكم | كرام بنظم فاق منسجم السحب |
غدا خارجا في النظم عن قدرة الورى | ولكنه في حسنه داخل الضرب |
فقلت لدهري زد علي قساوة | فقد ظفرت كفاي باللؤلؤ الرطب |
بكاء الأولياء بغير حزن | إذا استولوا على مال اليتيم |
سقته بألطف أندائها | وأغزرها ساريات الغمام |
تعثرت بك في الأفواه ألسنها | والبرد في الطرق والأقلام في الكتب |
هذا أبو العباس في نعشه | قوموا انظروا كيف تزول الجبال |
علم الله كيف أنت فأعطا | ك المحل الجليل من سلطانه |
جعل الدين في ضمانك والدنـ | ـيا فعش سالما لنا في ضمانه |
الله أكبر يا بن فضل الله | شغلت وفاتك كل قلب لاه |
كل يقول وقد عرته كآبة | واها لفقدك إن صبري واه |
فقدت بك الأملاك بحر ترسل | متلاطم الأمواج بالأمواه |
يا وحشة الإنشاء منك لكاتب | ألفاظه زهر النجوم تباهي |
وتوجع الأشعار فيك لناظم | من لطفه لشذى النسيم يضاهي |
كم أمسكت يمناك طرسا أبيضا | فأعدنه في الحال طرزا باهي |
كم قد أدرت من القريض قوافيا | هي شهوة الناشي وزهو الزاهي |
ورسالة أنشأتها هي حانـ | ـه النباذ حازت حضرة الفكاه |
ووضعت في الآداب كل مصنف | قالت له البلغاء زاه زاه |
كم قد خطرت على المجرة رافلا | يوم الفخار بمعطف تياه |
شخصت لعلياك النجوم تعجبا | ولك السهى يرنو بطرف ساه |
ما كنت إلا واحد الدهر الذي | يسمو على الأنظار والأشباه |
من بعدك الكتاب قد كتبوا فما | يجدون منجاة لهم من جاه |
أقلامهم قد أملقت ورمى الردى | أدواتهم ودواتهم بدواه |
وطروسهم لبست حداد مدادها | أسفا عليك مؤكدا بسفاه |
أما القلوب فإنها رهن الأسى | ترد القامة وهي فيك كما هي |
أبدا يخيل لي بأنك حاضر | تملي الفوائد لي وأنت تجاهي |
فتعز فيه واصطبر لمصابه | يا خير مولى آمر أو ناه |
فدوام ظلك في البرية نعمة | ولشكرها حتم على الأفواه |
لا زال جدك في المعالي صاعدا | رتبا سعادتها بغير تناه |
دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 1- ص: 417
ابن فضل الله شهاب الدين أحمد بن يحيى. ولده شرف الدين عبد الوهاب
دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 4- ص: 46
أحمد بن يحيى بن فضل الله بن مجلي أحمد بن يحيى بن فضل الله بن مجلي بن دعجان بن خلف بن نصر ابن منصور بن عبيد الله بن يحيى بن محمد بن أبي بكر بن عبيد الله بن أبي بكر ابن عبيد الله بن أبي سلمة بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر العدوي العمري هكذا أملى نسبه القاضي شهاب الدين ابن محيي الدين ولد في ثالث شوال شنة سبعمائة وقرأ العربية على كمال الدين ابن قاضي شهبة والفقه على ابن الفركاح وشهاب الدين ابن المجد والشيخ برهان الدين ابن الفركاح وقرأ الأحكام الصغرى على ابن تيمية وتخرج في الأدب بالشهاب محمود وبالوداعي وشمس الدين ابن الصائغ الكبير وابن الزملكاني وأبي حيان وسمع الحديث على جماعة كست الوزراء والحجار وكان يتوقد ذكاء مع حافظة قوية وصورة جميلة واقتدار على النظم والنثر حتى كان يكتب من رأس القلم ما يعجز عنه غيره في مدة مع سعة الصدر وحسن الخلق وبشر المحيا كتب الإنشاء بمصر ودمشق ولما ولي أبوه كتابة السر كان هو يقرأ كتب البريد على السلطان ثم غضب عليه السلطان وذلك في سابع عشرى ذي الحجة سنة 40 وولاه كتابة السر بدمشق بعد القبض على تنكز وكان السبب في ذلك أن تنكز سأل الناصر أن يقرر في كتابة السر علم الدين ابن القطب فأجابه لذلك فغض ابن فضل الله من ابن القطب وقال أنه قبطي فلم يلتفت الناصر لذلك فكتب له توقيعه على كره فأمره أن يكتب فيه زيادة في معلومه فامتنع فعاوده فنفر حتى قال أما يكفي أن يكون إلا مسلمي كاتب السر حتى يزاد معلومه فقام بين يدي السلطان مغضبا وهو يقول خدمتك علي حرام فاشتد غضب السلطان ودخل شهاب الدين على أبيه فأعلمه بما اتفق فقامت قيامته وقام من فوره فدخل على الناصر واعتذر واعترف بالخطأ وسأل العفو فأمره أن يقيم ابنه علاء الدين على موضع شهاب الدين وأن يلزم شهاب الدين بيته فاتفق موت أبيه عن قرب واستقرار أخيه علاء الدين فرفع الشهاب قصة يسأل فيها السفر إلى الشام فحركت ما كان ساكنا فأمر الدويدار فطلبه ورسم عليه وصادره واعتقله في شعبان سنة 39 فاتفق أن بعض الكتاب كان نقل عنه أنه زور توقيعا فأمر الناصر بقطع يده فقطعت وسجن فرفع قصة يسأل فيها الإفراج عنه فسأل عنه الناصر فلم يجد من يعرف خبره ولا سبب سجنه فقالوا اسألوا أحمد بن فضل الله فسألوه فعرف قصته وأخبر بها مفصلة فأمر الناصر بالإفراج عنه وعن الرجل وذلك في شهر ربيع الآخر سنة 40 واستدعاه الناصر فاستحلفه على المناصحة فدخل دمشق في المحرم سنة 41 فباشرها عوضا عن الشهاب يحيى ابن القيسراني فلم يزل إلى ان عزل بأخيه بدر الدين في ثالث صفر سنة 43 ورسم عليه بالفلكية أربعة أشهر وطلب إلى مصر لكثرة الشكايات منه فشفع فيه أخوه علاء الدين فعاد إلى دمشق بطالا فلما وقع الطاعون عزم على الحج ثم توجه بأهله إلى القدس فماتت فدفنها ورجع فمات بحمى ربع أصابته فقضى يوم عرفة سنة 749 وكان أصل نسبته إلى عمر بن الخطاب وصنف كتابه فواصل السمر في فضائل آل عمر في أربع مجلدات وعمل مسالك الأبصار في أزيد من عشرين مجلدا والتعريف بالمصطلح الشريف وأشياء لطاف كثيرة وله شعر كثير جدا ولكنه وسط ذكره الذهبي في المعجم المختص فقال ولد سنة 700 وسمع الحديث وقرأ على الشيوخ وسمع معي من ست القضاة بنت الشيرازي وله تصانيف كثيرة أدبية وباع طويل في الصناعتين وبراعة في البلاغتين والله أعلم
مجلس دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/ الهند-ط 2( 1972) , ج: 1- ص: 0
أبو العباس أحمد بن يحيى بن فضل الله العدوي العمري ولد بدمشق في ثالث شوال سنة 700.
له تصانيف: صنف فواضل السمر، فضائل عمر في أربع مجلدات، وكتاب مسالك الأبصار، في ممالك الأمصار في سبعة وعشرين مجلدا، وهو كتاب حافل ما صنف مثله، والدعوة المستجابة في مجلد، وصبابة المشتاق. في مجلد، وديوان المدائح النبوية، وسفرة السفرة، ودمعة الباكي، ويقظات الساهر، ونفحة الروض، والمبكيات، والتعريف بالمصطلح الشريف وغير ذلك.
له نظم منه:
سل شجيا عنهم قد نزحا | وخليا فيهم كيف صحا |
ومحبا لم يذق بعدهم | غير مبربح بهم ما برحا |
مزج الدمع بذكراه لهم | مثل خدي إن سقاه القدحا |
زاره الطيف وهذا عجب | شبح كيف يلاقي شيحا؟! |
لما جلوا لي عروسا لست أطلبها | قالوا ليهنيك هذا العرس والزينه |
فقلت لما رأيت النهد منتقشا | رمانة كتبت يا ليتها تينه |
دار التراث العربي - القاهرة-ط 1( 1972) , ج: 1- ص: 0