أبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز اللخمي، رحمه الله، يعرف بابن المرخي أصله من إشبيلية وسكن قرطبة وكان يفهم علم الحديث ويحسن الضبط وروى كثيرا وقيد وأتقن واختص بأبي الجياني وأكثر عنه، وأخذ عن الأعلم وابن مروان ابن سراج وأبي بكر المصحفي وغيرهم وله خط جيد من الدب والخبر وكان الجياني يثني عليه ويقدمه.
حدثني الوزير أبو العلاء ابن زهر أن الجياني حضه على صحبته وتصحيح الحديث عليه وعلى أبي بكر ابن مفوز قال، وقال لي: ليس من هنا إلى مكة في هذا الباب مثلهما.
قرأت عليه بعض حديثه بقرطبة وصحبته كثيرا وذاكرته، وسمعت منه بلفظه أشياء، وقد سمع منه الناس كثيرا بإشبيلية.
وتوفي، رحمه الله، بقرطبة ليلة الجمعة لثمان بقين لربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة.
حدثنا الفقيه الحافظ أبو علي الحسين بن محمد الغساني فيما كتبه لي بخطه وحدثنا بعه عنه قراءة عليه الفقيه الحافظ أبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز اللخمي قال، حدثنا حكم بن محمد الجذامي قال، أخبرني أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل بن الفرج المهندس المعروف بابن البناء قال، أخبرني أبو العباس محمد بن إسماعيل قال، حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال، حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي المقرئ قال، حدثنا عبد الله بن حسان العنبري أحد بني كعب ابن العنبر قال: حدثتني جدتاي صفية بنت علبية ودحيبة بنت عليبة وكانتا بنتي قليلة بنت مخرمة، وكانت قيلة جدة أبيهما، أنهما أخبرتهما قيلة بنت مخرمة أنها كانت تحت رجل من بني عدى وأنه توفي وترك عليها بنات لها فانتزعهن منها عمهن أثوب بن أزهر.
وأنها أرادت الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام، فبكت جويرية منهن حديباء قد أخذتها الفرسة عليها سبيج لها من صوف وهي أصغرهن، فرحمتها فحملتها معها على الجمل. ثم انطلقتا ترتكان الجمل فانتفجت الأرنب فقالت الحديباء: الفصية والله لا يزال كعبك أعلى من كعب أثواب في هذا الحديث أبدا. ثم سنح الثعلب فسمته اسما غير الثعلب، نسيه عبد الله بن حسان، وقالت فيه مثل ما قالت في الأرنب.
قالت: فبينما نحن نسير إذ برك الجمل فوقعت عليه الرعدة فقالت الحديباء: أدركتك والمانة أخذة أثواب، فقلت واضطررت إليها، ويحك فما أصنع؟ قالت: قلبي ثيابك ظهورها لبطونها وتدحرجي ظهرها لبطنك وقلبي أحلاس جملك وخلعت الحديباء سبيجها وتدحرجت ظهرها لبطنها قالت: ففعلت ما قالت فانتفض الجمل ففاج وبال فقالت: أعيدي عليه أداتك ففعلت.
ثم انطلقنا نرتك فإذا أثواب يسعى خلفنا بالسيف صلتا، فوألنا إلى حواء أراه واقتحمت داخله بالجارية حتى ألقي الجمل إلى رواق البيت الأوسط، فأدركني بالسيف فأصابت. قال أبو إسحاق إبراهيم بن مرزوق: أظنه قال: ظبيه من قرون رأسيه، ثم قال: ألقي إلي ابنه أخي يا دفار قالت: فرميت إليه بها وكنت أعلم به من اهل البيت فجعلها على منكبه فذهب بها.
ثم انطلقت إلى أخت لي ناكح في بني شيبان ألتمس الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بدء الإسلام. قالت: فبينما انا عندها ذات ليلة من اليالي تحسب أني نائمة إذا جاء زوجها من السامر فقال: وأبيك لقد أصبت لقيلة صاحبا صاحب صدق حريث بن حسان الشيباني غاديا ذا صباح وافد بكر بن وائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت أختي: الويل لي لا تسمع بهذا الحديث أختي فتتبع أخا بكر بن وائل بين سمع الأرض وبصرها ليس معها من قومها رجل، فقال: لا تذكريه لها فإني غير ذاكره لها، وقد سمعت ما قال.
فقمت إلى جملي فشددت عليه وسألت عنه فإذا هو غير بعيد وإذا ركابه مناخة عنده، فسألته الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر قد أقيمت حين شق الفجر والنجوم شابكة في السماء والرجال لا تكاد تعارف مع طلمة الليل فصففت مع الرجال ’’وكنت’’ أمراة حديثة عهد بجاهلية، فقال لي الرجل الذي إلى جنبي: امرأة انت أم رجل؟ فقلت: امرأة فقال: تأخرى في النساء وراءك فقد كدت تفتنيني قالت: فنظرت فإذا صف من نساء قد حدث في الحجرات لم يكن بعهدي إذ خلت فكنت معهن فكنت إذا رأيت رجلاص ذا رواء وقشر طمح إليه بصري لأرى رسول اله صلى الله عليه وسلم فوق الناس.
فلما ارتفعت الشمس جاء رجل فقال: السلام عليك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’ وعليك السلام ورحمة الله’’. وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس القرفصاء عليه أسمال ملببتين كانتا من زعفران قد نفضتا معه عسيب نخلة مقشور غير خوصتين من أعلاه.
قالت: فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم متخشعا في الجلسة أرعدت من الفرق، فقال له جليسه: يا رسول الله أرعدت المسكينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده’’ولم ينظر إلي’’ وأنا عند ظهره: ’’يا مسكينة عليك السكينة’’ قالت: فلما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم أذهب الله ما كان في قلبي من الرعب.
وتكلم صاحبي أول رجل فبايعه على الإسلام عليه وعلى قومه ثم قال: اكتب لنا بالدهناء يا رسول الله بيننا وبين بني تميم لا يجاوزها منهم إينا إلا مسافر أو محاور فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’اكتب له بالدهناء يا غلام’’ قالت: فشخص بي وهي وطني وداري، ثم قلت: يا رسول الله إنه والله ما سألك السوية في الأرض إذ سأل، هذه الدهناء وراءك مقيد الجمل ومرعي الغنم ونساء بني تميم وأبناؤها وراء ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:: صدقت المسكينة أمسك يا غلام. المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشجر ويتعاونان على الفتان’’. قال عبد الله بن حسان: يعني الكفار.
قالت: فلما رأى حريث أن قد حيل دون كتابه ضرب إحدى يديه على الأخرى ثم قال: إن كنت أنا وأنت كما قال: ’’حتفها تحمل ضأن بأظلافها’’، قالت، فقلت: أما والله إن كنت ما علمت لدليلا في الظلماء جدارا بذي الرجل عفيفا عن الرفيقة حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا تلمني أن أسأل حظي إذ سألت حظك. قال: حظك في الدهناء لا أبالك؟ قالت: مقيد جملة أردته لجمل امرأتك قال: أما والله لا أزال لك أخا ما حييت إذ أثنيت علي هذا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أما إذ بدأتها فلن أضيعها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’أيلام اين ذه أن يفصل الخطة وينتصر من وراء الحجزة’’ قالت: فبكيت،ثم قلت: يا رسول الله، والله لقد كنت ولته حزاما قاتل معك يوم الربذة ثم اتى خيبر يمتري منها فأصابته حماها وترك على النساء قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’والذي نفس محمد بيده لو لم تكوني مسكينة لجررناك على وجهك’’ أو’’ لجررت على وجهك’’. لا يدري عبد اله بن حسان أي هذين الحرفين حدثيه المرأتان’’أيغلب أحيدكم أن يصاحبه صاحبه في الدنيا معروفا، حتى إذا أحال بينه وبين من هو أولى به منه، قال: ربي أسني ما أمضيت وأعني على ما أبقيت. والذي نفس محمد بيده إن أحيدكم ليبكي فيستغفر له صويحبه فيا عباد الله لا تعذبوا إخوانكم’’. قالت: ثم كتب لي في قطعة أديم: ’’لقيلة والنسوة بنات قيلة ألا يظلمني حقا ولا يكرهن على منكح. وكل مؤمن ومسلم لهن نصير أحسن ولا تسئن’’.
قال ابن أبي خيثمة: وحدثني عبد الله بن حسان حدثني عمي زاهر بن حرب قال: زعموا أن عبد الله بن حسان كان إذاقعد احتوشه الناس، فيحدثهم حديثه بعشرة، ثم خمسة، ثم بدرهمين، ثم بأربعة دوانق، ثم حديثنا بدرهم، ثم حديث بدانقين. وقد روى عنه عبد الله بن المبارك.
دار الغرب الإسلامي-ط 1( 1982) , ج: 1- ص: 108
أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن محمد، أبو جعفر اللخمي الإشبيلي.
روى عن أبي علي الغساني معظم ما عنده، روى عنه ابن بشكوال وقال: كان أبو علي يصفه بالمعرفة والذكاء ويرفع ذكره، وكان من أهل المعرفة بالحديث، وأسماء رجاله، ورواته، منسوباً إلى فهمه، مقدماً في إتقانه وضبطه، مع التقدم في اللغة والأدب والأخبار، ومعرفة أيام الناس. سمع الناس منه وأخذت عنه وجالسته قديماً.
توفي سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة.
مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة صنعاء، اليمن-ط 1( 2011) , ج: 2- ص: 1