محمد بن علي يعرف بابن الصيقل الشاطبي من أهل صناعة الحديث وممن يفهم هذا العلم، صحب أبا الحسن ابن مفور وبه انتفع وسمع ابن سعدون والجياني ورحل لسجاماسة فسمع من بكار بن الغرديس صاحب أبي ذر الهوري، وقد شاركنا في بعض شيوخنا وسمع منه الناس، وأخبرني بحكايات واستوطن فاس وبها توفي بعد سنة خمسمائة.
حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي من لفظة قال، حدثنا أبو الحسن طاهر بن مفوز، رحمه الله، قال: كان أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الحاج الهواري من أهل جزيرة شقر ممن لزم القاضي أبا الوليد الباجي في جواز مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة بيده في حديث ’’كتاب المقاضاة في الحديبية’’ على ما جاء في ظاهر بعض رواياتها ويعجب به، وكنت أنكر ذلك عليه فلما كان بعد برهة أتاني زائرا على عادته وأعلمني أن رجلا من إخوانه كان يرى في النوم أنه بالمدينة وأنه يدخل المسجد فيرى قبر النبي صلى الله عليه وسلم أمامه فيجد له قشعريرة وهيبة عظيمة ثم يراه ينشق ويميد ولا يستقر فيعتريه منه فزع عظيم. وسألني عن عبارة رؤياه فقلت: أخشى على صاحب هذا المنام أن يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير صفته أو ينحله ما ليس له بأهل أو لعله يفتري عليه. فسألني: من أين قلت هذا؟ فقلت له: من قول الله تعالى: ’’تكاد السموات يتفطرن منه’’ إلى قوله تعالى:’’ولدا’’.
فقال لي: لله درك يا سيدي! وأقبل رأسي وبين عيني ويبكي مرة ويضحك أخرى، ثم قال لي: أنا صاحب الرؤيا واسمع تمامها يشهد لك بصحة تأويلك قال، إنه لما رأيتني في ذلك الفزع العظيم كنت أقول: والله ما هذا إلا لأني أقول وأعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب فكنت أبكي وأقول: أنا تائب يا رسول الله، وأكرر ذلك مرارا، فأرى القبر قد عاد إلى هيئته أولا وسكن فاستيقظت. ثم قال لي: وأنا أشهد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كتب حرفا قط وعليه ألقي الله تعالى. فقلت له: الحمد لله الذي أراك البرهان فاشكره شكرا كثيرا.
دار الغرب الإسلامي-ط 1( 1982) , ج: 1- ص: 92