أبو عبد الله محمد بن مفرج بن محمد بن سليمان الصنهاجي أصله من صنهاجة طنجة وانتقل حده إلى الأندلس، وفيها ولد أبو عبد الله سنة خمسين وأربعمائة، لقي بالأندلس القاضي أبا الوليد الباجي وسمع منه شيئا ودرس عنده شيئا، وسمع من ابنه أبي القاسم كثيرا ومن أبي عبد الله بن شبرين وابن سهل ومروان ابن سمجون بطنجة وأجازه ابن سهل وابن سعدون وكان رجلا صالحا خيرا، توفي سنة ست وثلاثين وخمسمائة.
ناولني كتاب الفرق للقاضي أبي الوليد الباجي روايته عن ابنه أبي القاسم عنه.
وأنشدنا، رحمه الله، بلفظه قال: أنشدني أبو القاسم ابن الباجي للقاضي أبي الوليد أبيه:
إلهي قد أفنيت عمري بطالة | ولم يثنني عنها وعيد ولا وعد |
وضيعته ستين عاما أعدها | وما خير عمر إنما خيره العد |
وقدمت إخواني وأهلي فأصبحوا | تضمهم أرض ويسترهم لحد |
وجاء نذير الشيب لو كنت سامعا | لوعظ نذير ليس من سمعه بد |
تلبست في الدنيا فلما تنكرت | تمنيت زهدا حين لا يمكن الزهد |
وتابعت نفسي في هواها وغيها | وأعرضت عن رشدي وقد أمكن الرشد |
وأجهدتها في نيل دنيا ولم أرح | وكم أسف قد جره ذلك الجهد |
ولم آت ما قدمته عن جهالة | فيمكنني عذر ولا يمكن الجحد |
وهأنا من ورد الحمام على مدى | أراقب أن أمسي لديه وأن أغدو |
وقد فاتني الإعداد بالعمل الذي | به كان يرجى القرب والفوز والخلد |
وبعدي عن نار الجحيم وحرها | وأني لمثلي عن لظي حرها بعد |
ولم يبق لي إلا رجائ شي فضل من | له الملك والإحسان والجود والحمد |
يزحزح بلإيمان عني جهنما | ويوردها من دينه الكفر والجحد |
ولا يشمتن بي كافرا كان حقده | علي لتوحيدي فما صدق الحقد |
فيا نفس إن فاتتك بالأمس توبة | فبادر ولا يغررك سوف ولا بعد |
وراجع فإن الله أكرم راحم | يقوم بعذر العبد إن راجع العبد |
وبادر فإن الموت قد جد راحلا | فقائده يدعو وسائقه يحدو |
فلم تبق إلا ساعة إن أضعتها | فما لك في التوفيق نقد ولا وعد |
دار الغرب الإسلامي-ط 1( 1982) , ج: 1- ص: 86