التصنيفات

الفقيه القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد زعيم فقهاء وقته بأقطار الأندلس والمغرب ومقدمهم المعترف له بصحة النظر وجودة التأليف ودقة الفقه، وكان إيه المفرع في المشكلات، بصيرا بالأصول والفروع والفرائض والتفنن في العلوم، وكانت الدارية أغلب عليه من الراوية، كثير التصنيف مطبوعة، ألف كتابه المسمى بكتاب البيان والتحصيل في شرح كتاب العتبي المستخرج من الأسمعه وهو كتاب عظيم نيف على عشرين مجلدا، وكتابه على الكتب المدونه المسمى بالمقدمات، وكتابه في اختصار الكتب المبسوطة من تأليف يحيى بن إسحاق بن يحيى، وتهذيبه لكتاب الطحاوي وأجزاء كثيرة في فنون من العلم مختلفة وكان مطبوعا في هذا الباب حسن القلم والرواية حسن الدين كثير الحياء قليل الكلام متسمتا نزها، مقدما عند أمير المسلمين عظيم المنزلة معتمدا في العظائم أيام حياته. ولي قضاء الجماعة بقرطبة سنة إحدى عشر وخمسمائة ثم استعفى منها سنة خمس عشرة إثر الهيج الكائن بها من العامة وأعفى. وزاد جلالة ومنزلة، وإليه كانت الرحلة للتفقه من أقطار الأندلس مدة حياته إلى أن توفي، رحمه الله، في ذي القعدة سنة عشرين وخمسائة.
كان تفقهه بأبي جعفر بن رزق وعليه اعتماده وبنظرائه من فقهاء بلده، وسمع الجياني وأبا عبد الله ابن فرج وأبا مروان ابن سراج وابن أبي العافية الجوهري وأجازة العذري.
جالسته كثيرا وسائلته واستفدت منه وسمعت بعض كتابه في اختصار المبسوطة من تأليفه يقرأ عليه وناولني بعضها، وأجازني الكتاب المذكور وسائر رواياته، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن غالب قال، حدثني أبي قال، حدثنا عباد بن صهيب قال، حدثنا ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’من حفظ على أمتي أربعين حديثا ينبغي بذلك وجه الله، فيه الحلال والحرام، ينذر بالحرام ويبشر بالحلال حشره الله يوم القيامة فقيها عالما’’.
قال أبو نعيم، وحدثنا أبو حفص محمد بن حسين الوادعي القاضي قال، حدثنا عبيد بن يعيش قال، سمعت وكيعا يقول، سمعت الحسن بن صالح يقول: الناس يحتاجون إلى العلم في الدين كما يحتاجون إلى الطعام والشراب.
وأخبرنا، رحمه اللع، عن شيخه أبي علي الحسين بن محمد الغساني عن أبي عبد الله محمد بن سعدون، وقرأته على الشيخ الصالح الحسن ابن طريف قال، حدثني أبو عبد الله ابن سعدون عن أبي بكر الغازي النيسابوري قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن الحسن قال، حدثنا أبو بكر ابن إسحاق وغير واحد من شيوخه، عن عبد الله بن أيوب بن زاذان الضرير قال، حدثنا محمد بن سليمان الذهلي حدثنا عبد الوارث ابن سعيد قال:
قدمت مكة فوجدت أبا حنيفة، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، فسألت أبا حنيفة فقلت: ما تقول في رجل باع بيعا وشرط شرطا فقال: ’’البيع باطل والشرط باطل’’. ثم أتيت ابن أبي ليلى فسألته فقال: ’’البيع جائز والشرط جائز’’ فقلت: سبحان الله! ثلاثة من فقهاء العراق واختلفتم على في مسألة واحدة، فأتيت أبا حنيفة فأخبرته فقال: ما أدري ما قالا، أخبرني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم ’’نهى عن بيع وشرط البيع الباطل والشرط الباطل’’ ثم أتيت ابن أبي ليلى فأخبرته فقال: ما أدري ما قالا أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ’’أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أشتري بريرة فأعتقها، البيع جائز والشرط الباطل’’ ثم أتيت ابن شبرمة فأخبرته فقال: ما أدري ما قالا حدثني مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر قال: ’’بعت من النبي صلى الله عليه وسلم ناقة وشرط لي حملانها إلى المدينة، البيع جائز والشرط جائز’’.

  • دار الغرب الإسلامي-ط 1( 1982) , ج: 1- ص: 54