يوسف أفندي الذوق ابن عمر بن عبد الله الحنفي الطرابلسي الشهير بالذوق الشيخ الفاضل العالم البارع الأديب الشاعر المتصوف ولد في سنة خمس وعشرين ومائة وألف ونشأ في عفة وديانة وطلب العلم فأخذ عن جماعة في بلدته منهم الشيخ محمد التدمري وعبد الحق المغربي والشيخ علي الاسكندري والشيخ عبد الله الخليلي ورحل إلى الأزهر وأخذ به عن جملة من شيوخه ومن جملة شيوخه الشيخ إبراهيم الحلبي نزيل قسطنطينية ثم ذهب إلى بلاد الروم واجتمع بأساتذة كبار القدر في العلوم ومدة إقامته في قسطنطينية عند عبد الرحمن أفندي عرب زاده صدر أناطولي وبعد انتقاله إلى رحمة الله تعالى رجع المترجم إلى بلدته طرابلس ولم يتعرض لمنصب ولا رتبة وقد أرسل له محمد أفندي بيري زاده شيخ الاسلام ملازمة مفصولة عن قضاء فلم يعمل بها ولا تعرض لموجبها وأبقاها عنده في كوة النسيان وله شعر كثير يغلب فيه لسان أهل الحقيقة منه هذه القصيدة أخبر هو عنها إنه بعدا كمالها رأى حضرة قطب العارفين الشيخ عبد الغني النابلسي في المنام فقال له بعد أن أنشدت بين يديه متى عملتها أو نظمتها فقال له يا سيدي بعد أن طالعت شرح الفصوص فقال له أبشرك بكذا أو لك البشارة بكذا وهي هذه
بحلت فجلت عن شبيه صفاتها | وعزت علاء أن ترى لك ذاتها |
عزيزة حسن مهرها النفس هكذا | روى عن علاها في التجلي رواتها |
فمن لم يجد بالنفس لم يدر ما اللقا | ولا عبقت في أنفه نفحاتها |
ومن يدعي مع نفسه وصل عزة | فهاتيك عزاها لدينا ولاتها |
بروض تجليها لدى سحب جودها | بكى مزنها فاستضحكت زهراتها |
بها عين تسنيم الحقائق مورد | وعن ذوقها يروى شذاها سقاتها |
فلا تغمضنها إن رأت وأكحلنها | بمرود تقواها يفور فراتها |
فنيل العلا من ذي العلا وأبيك لا | إذا حث نجب اليعملات حداتها |
وسر حيث جو الجود صحو وبحره | لفلكك وهو ما سرت نسماتها |
فإن ظفرت يمناك منها بنائل | حمته بأسياف الرموز حماتها |
وقد عبقت من طيبها أفق الحشا | وضاء بشمس الراح صاح فلاتها |
فلا تخش بأسا أن سكرت بخمرها | فقد حكمت بالحل فيها قضاتها |
وكن خير راو غير غاو بثمرها | تريك مقاليد المعالي هداتها |
فما آفة الأخيار إلا غواتها | وما آفة الأخبار إلا رواتها |
لمحت لنا من نورها لمحاتها | فتضوعت من نورها نفحاتها |
ذات الجمال ولا جمال لغيرها | إذ تجتلي مذ تنجلي مرآتها |
في غيهب الأكوان لما إن بدت | فوق المنصة أسفرت وحداتها |
ولها تضاءلت الفهوم وكيف تد | ري شأوها أو شأنها لمحاتها |
فالعرش والكرسي والفلم الذي | يجري على لوح الوجود هباتها |
منها على الكونين أصل سيادة | لملا تحلت بالتجلي ذاتها |
وغدت تصور فيض ذلك فيهما | وعليهما وإليهما جلواتها |
فوسائط الكونين والثقلين مذ | وجدوا لديهم كلهم بركاتها |
ودعاء نوح قومه بنيابة | عنها لتبلغ في الورى دعواتها |
وكذلك الرسل الكرام جميعهم | نوابها وكلامهم كلماتها |
فهم وإن كانوا لها آبا فهم | أبناؤها وبحارهم قطراتها |
من لي بنفحة طيبها في طبها | لفتى كسته لينها عذباتها |
أو رشفة من ثغره يحيى بها | من أرض ذلة ما جنيت مواتها |
أو رشف ما أبقاه أو أبقاه من | أسقاه أو من قد سقته سقاتها |
كيما يفوز بذوقها متعطش | أو ينعش المضنى بها نسماتها |
فصلاة مولانا عليها دائما | وكذا علينا من عطاه صلاتها |
رويدك حادي اليعملات فما أقوى | على حث نجب يممت طللا أقوى |
وحاك رويا قد حكى نثر أدمع | كنظم روى قد تخلى عن الأقوا |
لعل بريقا عندما سح مدمعي | وأرعدني شوقي يلوح به رضوي |
أساوق آمال الأماني به كما | تساوقني وعدا وتسبقني عدوا |
لساحل بحر ساجل المزن كفه | بفك عرى قد زررتها يد البلوى |
خضم بعيد الغور لكن بمده | تشق لنا منه عيون ولا غروا |
جناب أظلته سحاب مدائح | على ثقة منه فأمطرت الجدوى |
له مدت العلياء أيدي فنالها | كما نالت الآمال منه يد الشكوى |
هو القطب عبد القادر العلم الذي | له نشر طيب في الورى لم يكن يطوى |
هو الفرد محيي الدين أحيى بجده | دوارس علم كان عن جده يروى |
وإني لتعروني لذكراه هزة | كما اهتز صب رنحته صبا الأهوا |
لقد قال حقا في الملا قدمي على | رقاب الأولى نالوا الولاية لا دعوى |
أذيب لأهل الأرض في الماء حبه | كما آل بيت من محبته الأسوا |
فمن رامه أورى زناد حرامه | بحاجاته من نيل سعدي ومن أروى |
على نهج من سر به سر به على | مطية حب تصعد السر بالنجوى |
وبارك لأقداح تراءت كأنجم | روت عرف راح من معانيه لا يروى |
وهيهات أن تدنو لمن كان أو لمن | يكون ولو في غفلة بلغ القصوى |
وذق من لماها واغتبق خمر حانها | فطوبى لذوق من لمى ثغر من يهوى |
فأكرم به من مفرد في محاسن | نسيج سداها حيك من لحمة التقوى |
عليه سلام من سلام معطر | بمسك ختام كي يكون له كفوا |
أسير الهوى مهلا فقيد الهوى غل | بعنق نفوس مدها الحقد والغل |
إلى م ترى طبا هوى النفس طيبا | وحتى م تستشفي به وهو معتل |
عليك بأقداح أدارت رحيقها | ثغور الشفاه اللعس والأعين النجل |
تبدت على نجم من البدو حبذا | لقا بدويات يحجبن من قبل |
شربن بما بحر العلوم أبى الهدى | مغيث الورى إذ حف أرضهم المحل |
أمامي أبي فراج أنى توجهت | له النجب تلقا مدين تلقه جمل |
هو البدوي الفرد أحمد من له | على كل من قوام ساحته فضل |
هو العيسوي القطب والعلوي الذي | إذا مثلت أوصافه ماله مثل |
وإني لتعروني لذكراه هزة | كما اهتز غصني البان بلله الوبل |
ومذ جن ليلى واستجنت مآربي | خلعت له باب الحيا إذ عصى القفل |
مجانين إلا أن سر جنونهم | عزيز على أبوابهم يسجد العقل |
كؤس أدارتها شموس تبرقعت | بسحب حيا يسقى القلوب فتخضل |
بدور لهم منهم عليهم شواهد | لدى الذوق إذ في فصل أحكامه عدل |
مرج بجلق كالفردوس منظره | جل الذي ببساط البسط جمله |
قد رصعت بلآلئ النور تربته | كأنه أفق والنجم كلله |
صرحا سليمان للأعجاب مد به | كأنه للقا بلقيس أهله |
ألم تر الشرف الأعلى يمد له | يدا وبحر علوم الدين قابله |
فأدخل جنان معانيه تفز وترى | حور المباني تداني من يمد له |
إلا أن طوري من تجلى مكوني | تصدع فانشقت عيون تفنني |
ومذ ظهرت بالدمع عين تعيني | نظرت إليها والمليح يظنني |
لقد فاح في الوادي المقدس عرفها | وألبسنا ثوب المعارف عرفها |
فما لمليح حسن سلمى ولطفها | ولكن إعارته التي الحسن وصفها |
لقد عز من ذوق المعاني أولو النهي | وذل بأفكار المباني ذوو الدها |
فإن كنت منا أولها متوجها | فول لها وجها ترى الحسن والبها |
حماة حماة قد أبادوا العدا على | صواهل جرد دأبها طلب القاصي |
ومدوا رواق الأمن فيها لطائع | وقد دار قهرا في أزقتها العاصي |
أنظر لموج البحر فوق الشط في | حركاته مذ مد يحكي عسكرا |
لمقام إبراهيم يأتي لائذا | صفا فصفا ثم يرجع قهقري |
فكأنه قد جاءه مستنجدا | ومقبلا من تحت أرجله الثرى |
لقد قيل فيم النظم منك لأوجه | تقلب في جو المعاني لكي يزهو |
فقلت مرادي سيد وابن سيد | خليل مزايا ماله في الورى شبه |
لئن قيس من ساواه في فضل رتبة | ففي الفضل لم يوجد لجوهره كنه |
ففي كل رمز فيه شرح لحمده | وفي كل وجه فيه رمز له منه |
فأعجب بمن من رمزه شرح مدحه | وأغرب بمن من حسنه كله وجه |
أخو العلم فيما هم أو أم تلقاه | لمدين ما يرجوه يمم تلقاه |
فيقصر ممدود الأماني لنيله | وإن كان يلقيه بذلة دعواه |
لكل مراد قد توخاه جهده | وأما مرادي عزما قد توخاه |
فنال به علما يعزا طلابه | بعيد على أبناء ذا العصر أدناه |
تخلل فيه حبه فغدا به | خليلا وهل يخفي الخليل خباياه |
وإن كان يخفي السر لكن صفاؤه | ينم فيبدي كل ما كان أخفاه |
بعشرين حولا نال منه بنائل | نهاية أهل العصر في صبح مبداه |
سجاياه بحر رائق فوق كنزه | إذا ما انقضت أولاه ماج بآخراه |
إذا غاص فيه لأقتناص فريدة | تبدي لنا والدربين ثناياه |
فليس إلى إدراكه لمؤمل | سبيل ولو أفناه ما قد ترجاه |
ألم يدر أن العلم عز مناره | به وانجلى صدر الصدور بفتواه |
فكيف به إن ماج في بحر علمه | وأظهر ما يخفي على الناس معناه |
وغنت على أغصان روض علومه | بلابل ذوق من ندا فاح رياه |
هنالك تبلي نفس كل مؤمل | بما كسبت من فيض بحر عطاياه |
حنانيك دعني يا عذولي ومقصدي | فلست وإن حاولت نصحا بمرشدي |
ولو قنعت أيديك وجه هدايتي | بمبرق آيات لديك ومرعد |
لما كان مني غير ما كنت عالما | بجهل وهل بالجهل يدرك مقصدي |
فكف عن اللوم الذي قد ألفته | وفك عرى العزم الذي فيه ترتدي |
ولذ بمن انقادت له نجب الهنا | بمقدمه وانجاب غيم التفند |
امام له منه عليه شواهد | ولا خلف بين اثنين فيه بمشهد |
يؤم محاريب الهدى وإن اقتفى | ففي أثره في مهمه الغي تهتدي |
إذا لاح معنى من سماء علومه | معارج أوراق بأغصان سؤدد |
لئن نشرت شمس المعارف بردها | عليه طوته ناسمات التودد |
فإن غم عنك الأمر فاسئل عن الذي | تفرد بالأيدي وشورك باليد |
هناك ترى ثوب المراد مطرزا | باسم خليل في مسمى محمد |
فول له وجها بوجه ضراعة | وسل عنه لاعن حارث الدهر في غد |
فتبدي لك الأيام كنت جاهلا | ويأتيك بالأخبار من لم تزود |
مذ سهم حبي قد أصاب وماسا | ناديت صحبي قد أصاب وماسا |
لو صيغ لي درر المديح قلائدا | لوجدت لفظ هجا خليلي ماسا |
وكنت أظن إن جبال رضوي | تحول ولا تفوه بما تقول |
لظني بل لعلمي إن نفسي | تزول وإن ودك لا يزول |
حبة الحب تحت طرف غضيض | توقع الصب في الطويل العريض |
فتصيد الألباب من جو أحشا | ء ذوي النسك والنهى بالقريض |
صيد أيدي المراد لب مريد | أقعدته الآمال تحت الحضيض |
يالقومي ويالأمثال قومي | من فتاة أودت بحال الجريض |
عز منها لعزه كبرياء | ألبس الخاطبين ثوب المضيض |
كيف حالي ولم تبح عقد سر | عقدته إلا بروض أريض |
عند مفتي الأنام من خاض بحرا | حاز منه ماء الحياة الغضيض |
مد منه موائد النظم والنـ | ـثر ليقري الأسماع ذو القريض |
ظن أني أهل لرد جواب | فغدا خاطبا لنظمي الرضيض |
ودعاني لمهر مثل وفي الأمـ | ـثال حال الجريض دون القريض |
من لمثلي صداق مثل وهل شمـ | ـس يباري علياؤها بالنهوض |
أو لقس نطق بذات نطاق | يحك ما حاكه بوشي قريض |
من معان كأنجم سابحات | في بروج الألفاظ عند العروض |
فتكلفت في محاكاة ما قد | صاغه في العقود مخ البعوض |
إذ رآني أهلا لهذا ولكن | أمر ذي الأمر عندنا كالفروض |
لا تزال السعود تخدم عليا | ه وتلقى حسوده في الحضيض |
خافقات أعلام مجد تولا | ه على رأس وامق وبغيض |
ما تغنت ورق المدائح تشدو | فوق أوراق غصن حمد غضيض |
أو لذوق المعاني من فيه تبدو | سانحات تفتحت من غموض |
من عذيري والعاذلون الوف | وفؤادي إلى التصابي ألوف |
من فتاة أودت بحال معنى | قد دهاه من الزمان صروف |
زينتها ديباجتا وجنات | لم تحكها معاصم وكفوف |
قد خلعت العذار مذ لبست حلـ | ـة حسن للشمس منها كسوف |
ملكت مهجتي ولم يخف ما بي | ستر حالي بحبها مكشوف |
حي السهد في جفوني ومات النـ | ـوم والغسل دمع عيني الوكوف |
وتوالى علي مالو توالي | بالرواسي ماجت بهن الكهوف |
أسرتني ولات حين مناص | وسبتني وساعدي مكتوف |
قيدت مهجتي باطلاق دمعي | فلقيد الفؤاد دمعي ذروف |
لو نهاني النهى لكنت خليا | من غرام فيه العذاب صنوف |
قد دعاني الهوى للثم لثام | كنت أسعى له وكنت أطوف |
حيث إن الأحشاء تهفوا لما يلـ | ـقاه حالي المنكر المعروف |
ورأيت الوصال عز ولم أسـ | ـطيع صبرا والمرجفون ألوف |
فتولت كبرا وقد عيل صبري | وتعالت ففاح منها الخلوف |
ثم قالت إني لمثلك أمر | من سنا برقه تسل سيوف |
دق عن ذوقه عقول وقد تا | ه بمسراه الفاضل الفيلسوف |
كم رجال تعرضوا ليروا بر | قع وجهي وطرفهم مطروف |
فعموا من جهالة وتولوا | وسبيل الهدى لهم مكشوف |
قلت ماذا الفخار والعجب منها | وأخو العجب بدره مخسوف |
قيل هذا بعض ونزر يسير | من مزايا يكل عنها الوصوف |
كيف لا وهي بنت فكر امام | قدمته يد العلى لا السيوف |
ذي المعالي فخر الموالي خليل الـ | ـمجد فيهم محمد معروف |
مهد الله في المهاد له رتـ | ـبة فضل يؤمها الملهوف |
لا بسعي قد نال ما ناله بل | قد حباه به الكريم الرؤف |
وعليه من الجمال رداء | ذو جلال حلا به معروف |
لا بأيدي صنعاء حيك ولم يلـ | ـحم سداه ليحكي منه صنوف |
بل عطايا من المهيمن جلت | في رياض ظلالها المعروف |
فهي حقا إلى المراد بها لا | لمريد له عليها عكوف |
فهنيا له بذوق معان | روقتها يد العلي لا الحروف |
تمتطي هامة المجرة فخرا | حبذا الفخر إذ تراه ينوف |
لا تزال السعود في جو عليا | ه صفوفا تأوى إليها الصفوف |
ما نسيم الصبا يحرك غصنا | وعيه طير الهناء هتوف |
أم النبي آمنه | من حر نار الآخرة |
أحياها بعد موتها | فأمنت في الآخرة |
دار البشائر الإسلامية / دار ابن حزم-ط 3( 1988) , ج: 4- ص: 250