يوسف الحفني ابن سالم بن أحمد الشافعي القاهري الشهير بالحفني الشيخ الامام العالم العلامة الحبر البحر النحرير الفهامة الأديب الشاعر البارع المفنن أبو الفضل جمال الدين كان عديم النظير في الحفظ وحسن التقرير مع التحقيق الباهر للعقول والتدقيق المشتمل على أصول وفصول أخذ عن جماعة من العلماء وشارك أخاه في معظم شيوخه منهم أبو حامد محمد بن محمد البديري ومحمد بن عبد الله السجلماسي وعيد بن علي النمرسي ومصطفى بن أحمد العزيزي والشمس محمد بن إبراهيم الزيادي الحنفي وامام المعقولات علي بن مصطفى السيواسي والجمال عبد الله الشبراوي والشهابان أحمد الجوهري وأحمد الملوي والسيد محمد البليدي وأخو المترجم النجم محمد الحفني وأخذ الطريقة الخلوتية عن القطب مصطفى ابن كمال الدين البكري وعن غيرهم وبرع وفضل وسما قدره ونبل ودرس بالجامع الأزهر والمدرسة الطبرسية ولما توفي العلامة عبد الله الشبراوي شيخ الجامع الأزهر وصار أخو المترجم مكانه وكل صاحب الترجمة في التدريس عنه وكان الشبراوي قد وصل في تدريسه في تفسير البيضاوي إلى سورة عم فشرع المترجم من السورة المرقومة بتحقيق بهر العقول وأعجب الفحول مع القاء ما عليه من منقول ومعقول وألف مؤلفات دقيقة وتحريرات أنيقة منها الحاشية الحافلة على شرح الألفية للأشموني وحاشية على شرح الخزرجية لشيخ الاسلام زكريا وشرحان على شرح آداب البحث للمنلا حنفي وشرح على شرح العصام للاستعارات وشرح التحرير في الفقه وله رسالة في علم الآداب وشرحها ونظم البحور المهملة في العروض وشرحها وديوان شعر مشهور وغير ذلك وكان رحمه الله تعالى من الرقة واللطافة على جانب عظيم وسعة من الحفظ والتفهيم يقرئ المتن والشرح والحاشية لا يخل بحرف من ذلك ويزيد عليه تحقيقات لطيفة ومن شعره اللطيف قوله
بابي أهيف المعاطف أغيد | كاد من شدة اللطافة يعقد |
ماس بين الغصون يزهو بخد | نقطته يد الشقائق بالند |
وتهادت بلقيس زينتها حين | رأت قده كصرح ممرد |
خرجت وردة الخدود حديثا | وحديث الوردي أحسن مسند |
بعث اللحظ مرسلا ونذيرا | وتلاه العذار وهو مزرد |
ودعانا لشرعة الحب جهرا | فأتيناه راكعين وسجد |
ضلت العاشقون إذ شبهوه | بهلال أو غصن بان تأود |
كفر الخال بالرسول فأمسى | وهو في نار وجنتيه مخلد |
ليت شعري من أين للبدر خد | إن جرت فوقه المياه توقد |
أو لغصن الرياض جيد إذا لا | ح بليل الشعور خلناه فرقد |
حسدتني الأيام فيه ولكن | مثل هذا الجمال لا شك يحسد |
واحيرتي في رشا أكحل | ذي أعين فتاكة ذبل |
ناصبة أهدابها للذي | قد فر من أجفانها الغزل |
سيوف لحظيه إذا جردت | في سلبها الألباب لم تمهل |
سلطان أهل الحسن في عصره | وإن غدا في الحكم لم يعدل |
إن ماس أو حرك أعطافه | أزرى بلين للقنا الأعدل |
وإن رنا نحوك باللحظ لم | ينفعك من راق ولا مندل |
إذ قال لي خداه يا سيدي | ورد لذيذ القطف لم يذبل |
ومال كالغصن إذا رنحت | أعطافه ريح صبا شمأل |
ومد جيدا قد حكى دمية | لديه جيد الظبي لم يجمل |
شممت من وجنته نفحة | أزكى من العنبر والمندل |
أودع في القلب بها حسرة | لمهجة نيرانها تصطلي |
كم مهجة أفنى وكم مقلة | أدمى وكم قلب به قد بلي |
ما لاح للأبصار إلا رأت | سعودها في حظه المقبل |
تركي لحظيه إذا ما رنا | سفك دماء الناس لم يمهل |
يبخل بالوصل ولكنه | بالفتك في العشاق لم يبخل |
أواه من شادن تعمد | قتلي ونومي بالهجر شرد |
طلق جفني كراه لما | جفا وبالدمع صار يعتد |
أباح سفك الدماء عمدا | لما لسيف اللحاظ جرد |
إن أنكرت مقلتاه قتلي | دمي على وجنتيه يشهد |
له قوام كغصن بان | عليه طير الفؤاد غرد |
ونبل هدب للسحر عنه | هاروت لما روى تفرد |
وسيف لحظ له سنان | أمضى من الصارم المهند |
فذاك يحتاج لانتضاء | وذا يذيب الفؤاد مغمد |
وخمر ريق من ذاق منه | قطرة راح بغى وعربد |
أما ترى العاشقين سكرى | حين رأوا ريقه المبرد |
وليل شعر من ضل عنه | غدا بصبح الجبين يرشد |
ناحل خصر له فؤاد | على محبيه شبه جلمد |
قد أطلعت وجنتاه وردا | من لون ورد الرياض أجود |
وزانه حوله عذار | أتى بثوب الدجى مزرد |
بعد اخضرار الشعور منه | جنى من الذنب عاد أسود |
إن قلت صلني يزداد تيها | أو ينثني مغضبا ويحتد |
أو قلت زرني بجنح ليل | يقول في مذهبي قد ارتد |
متى رأيت المحب يوما | نال المنى من وصال أغيد |
يا واحدا لعصرته دلالا | على معنى في الحب مفرد |
ما حيلتي من تلاف جسمي | وقد جفاين صحب وعود |
وعاذلي مذ رأى هيامي | وفرط وجدي بكى وعدد |
نبهت بالوعد قوما بالوفا نبذوا | وقلت عودوا لوعدي عود منتبه |
قالوا سلوناك خلى غيرنا بدلا | واحذر من الدهر في مرمى تقلبه |
ما كان أحسنهم عندي وأحفظهم | لو إنهم فعلوا ما يوعظون به |
حسبت الدهر لي خلا مطيعا | فراع حشاشتي روعا شنيعا |
بصحب خلتهم حصنا منيعا | واخوان تخذتهم دروعا |
رأيت لهم عهودا صادقات | وأحوالا لودي مظهرات |
ظننتهم قسيا مانعات | وخلتهم سهاما صائبات |
فكم ظهرت لنا منهم عيوب | ولاح لأعيني فجر كذوب |
وكم حلفوا يمينا أن يتوبوا | وقالوا قد صفت منا قلوب |
لما رأيت ملاح العصر ليس لهم | من الجمال سوى التكحيل بالمقل |
ناديت كفوا عن التدليس وارتدعوا | ليس التكحل في العينين كالكحل |
أواه مما ألاقي | من لوعة وصدود |
ومن ملام عذول | يروم خلف وعودي |
ومن دلال غزال | يروم نقض عهودي |
أو من سهام ووجد | به عدمت وجودي |
ومن جوى وهيام | لبعد قلب شرود |
مثقف القد أحوى | لماه عذب الورود |
مهفهف قد تعدى | بالفتك أقصى الحدود |
بدر ظريف المحيا | لدن القوام فريد |
ياليت شعري ألاقي | وعدي به أم وعيدي |
ويشتفي حر قلبي | منه بحل البنود |
ورشف خمرة ريق | وقطف ورد الخدود |
وطيب عذب عناق | من قده الأملود |
هناك أختال تيها | وتستتم سعودي |
دار البشائر الإسلامية / دار ابن حزم-ط 3( 1988) , ج: 4- ص: 241