السيد مصطفى الصمادي ابن السيد حسن بن السيد محمد المعروف بالصمادي الحنفي الدمشقي أحد الأدباء الكتاب الذين سحروا برقة بيانهم وبراعة بنانهم العقول والألباب كان أديبا عارفا كاتبا من كتاب الخزينة السلطانية الميرية محتشما معظما متقنا للفنون الأدبية عشورا لطيفا ذا هيبة وكان بباب الدفتري بدمشق من المحاسن وترجمه السيد الأمين المحبي في ذيل نفحته وأثنى عليه وقال في وصفه سيد رهط وفريق تنوعا بين أصيل وعريق رقى من التواضع سلم الشرف ولم يخش المعاني في مدحته السرف فاصله في دفتر الفتوة ثابت وغصنه في بحبوحة التقديس نابت ولد بكر الفكر من حين ولادته وقلد جيد الأدب من دره المفصل بأفخر قلادته فهو للآمل مظنة رجاه وبقمر وجهه أقبل نهاره وأدبر دجاه يهب على الأنفاس من خلائقه بعرف الطيب ويجري من الأهواء مجرى الماء في الغصن الرطيب وثمة أدب يتبرج تبرج العقيلة وفكر صفا من الكدر ولا صفا المرآة الصقيلة وخط أخذ في الحسن كل الخط وكأنما أوجده الله ليكون متمتع القلب واللحظ فمتى سقى قلمه من الحبر أنبت ما بين الجداول عروق التبر فمداده يجول في رقيم الصفحات فتتوشى علاماته وإذا تحققت فيه النظر فما هو إلا من رقوم الخد ودواواته ولاماته وله شعر أعده من هدايا الزمان ولا أحسبه إلا من مفصلات الجمان والبهرمان ومن شعره قوله
إن الذين تقدموا لم يتركوا | معنى به يتقدم المتأخر |
قد أنتجوا أبكار أفكار لهم | عقم المعاني مثلها متعذر |
فإذا نصبنا من حبال تخيل | شركا به معنى نصيد ونظفر |
عصفت سموم هموم فكر قطعت | تلك الحبال وفر منها الخاطر |
والدهر أخرس كل ذي لسن فلو | سحبان كاف منطقا لا يقدر |
والشعر في سوق البلاغة كاسد | فترى البليغ كجاهل لا يشعر |
والفضل أقفر ربعه لكنه | بوجود مولانا الأمين معمر |
علامة الدنيا وواحد دهره | وأجل أهل العصر قدرا يذكر |
ملك العلوم له جيوش بلاغة | وفصاحة فبهم يعز وينصر |
تخذ الفهوم دعية منقادة | تأتيه طائعة بما هو يأمر |
يقظ يكاد يحيط علما بالذي | تجري به الأقدار حين يقدر |
ما زال يملأ من لآلي لفظه | أصداف آذان لنا ويقرر |
تالله ما رشف الرضاب لراشف | من ثغر ذي شنب حكاه الجوهر |
أحلى وأعذب من كؤس حديثه | تملى وتشر بها العقول فتكسر |
فاق الذين تقدموه بسبقهم | وبه الأواخر تزدهي بل تفخر |
بالسؤل يمنح قبل تسآل فان | سبق السؤال عطاؤه يتعذر |
لو أن أيسر جوده قدما سرى | في الكون لم يبق وحقك معسر |
قد أبدع الرحمن صورة خلقه | ليرى جميل الصنع فيه المبصر |
وجه كأن الشمس بعض بهائه | ما زال يحسده عليه النير |
مولاي عجزي عن مدحك ظاهر | والعذر عن إدراك وصفك أظهر |
من لي بأن أهديك نظما فاخرا | أسمو به بين الأنام وأفخر |
هبني أنظم كالعقود لآلئا | أفديك هل يهدي لبحر جوهر |
لكن أتيت كما أمرت بخدمة | جهد المقل وسؤرد أحذر |
فاصفح فقد أوضحت عدرى أولا | واقبل فمثلك من يمن ويعذر |
واسلم ودم في نعمة طول المدى | ما دام يمدحك اللسان ويشرك |
ومحجب أنف المرور بخاطري | ويغار من مر النسيم إذا سرى |
نحميه عن نظر العيون نزاهة | لم ترض أن يطأ القلوب على الثرى |
صلف ولو قال الهلال مفاخرا | أنا من قلامة ظفره لاستكبرا |
ولو ابتغى لحظ التمني أن يرى | ظلا لطيف خياله لتنكرا |
وموله لولا دخان تأوه | من نار أشواق به لم يعرف |
قد رق حتى صار يحكي في الضنى | لهلال شك يستبين ويختفي |
لو زجه الخياط في سم الخيا | ط من النحول جرى ولم يتوقف |
وجميعه لو حل في طرف الذبا | ب لفرط أسقام به لم يطرف |
ومتيم دنف حكى في سقمه | لهلال شك قد بدا ميلاده |
قد رق حتى كاد يخفيه الضنى | عن عائد ورثى له حساده |
لولا دخان تأوه من نار أشـ | ـواق به لم تلفه عواده |
إني لأحسد عاشقيك ورحمة | أبكيهم من أدمعي بغزار |
نظروا إلى جنات وجنتك التي | قد حف منها الورد آس عذار |
فتمتعت أبصارهم بنعيمها | ومن النعيم تمتع الأبصار |
حتى إذا طلبوا الوصال وعذبوا | بالطرد عنك وساء بعد الدار |
قدحت زناد الشوق في أكبادهم | نار اللظى منها كبعض شرار |
فإذا رأيتهم رأيت عيونهم | في جنة وقلوبهم في نار |
أطفال أغصان الرياض تهزها | في مهدها ريح الصبا المعطار |
قد غسلتها السحب حين ترعرعت | والطل ترضعها به الاسحار |
من كل غصن كالحسام مجوهر | يهتز عجبا ما عليه غبار |
إن الحبيب إذا تعذر خده | نفضت عليه غبارها الأكدار |
فلأجل ذا لم تلفني بمتيم | في وجنة ولها العذار شعار |
أنا مغرم بتقي خد ناعم | قد تم حسنا ما عليه غبار |
ريحان خدك ناسخ | ما خط ياقوت الخدود |
وقع الغبار بها كما | وقع الغبار على الورود |
قلت للملقى على الخد | ين من ورد خمارا |
أسبل الصدغ على خد | يك من مسك عذارا |
أم أعان الليل حتى | قهر الليل النهارا |
قال ميدان جرى الحسـ | ـن عليه فاستدارا |
ركضت فيه عيون | فأثارته غبارا |
هذا الحبيب إذا تعذروا كتسى | شعرا فذاك بمقته أشعار |
أو ما تراه إذا بدا في وجهه | نفضت عليه غبارها الأكدار |
زنجي خال الخد يبدوا واضحا | في وجنة قد أشرقت كنهار |
فإذا العذار سطا عليه ليلة | أخفاه تحت غياهب الأكدار |
نازع الخد عذارا دائرا | فوق خال مسكه ثم عبق |
قائلا للخادم هذا خادمي | ودليلي أنه لوني سرق |
فانتضى الطرف لهم سيف القضا | ثم نادى ما الذي أبدى القلق |
أيها النعمان في مذهبكم | حجة الخارج بالملك أحق |
وساق خده المحمر يحكي | مدا ما راق فاق العود عطرا |
إذا ما عب منها خلت خمرا | ولا خد وخدا ليس خمرا |
وبي فوارة غشت ورودا | ببركتها الماء سالا |
ولاحت وردة للعين حلت | بأعلاها فزادتها جمالا |
تحاكي قبة الألماس فيها | بساط من يواقيت تلالا |
ويحملها عمود من لجين | لها المرجان قد أضحى هلالا |
حين زار الحبيب من غير وعد | ورقيبي نأي وزال عنائي |
لاح لاح عدمت رؤيته قد | حاز قلبا بنقطة سوداء |
دار البشائر الإسلامية / دار ابن حزم-ط 3( 1988) , ج: 4- ص: 179