مصطفى الترزي ابن أحمد باشا ابن حسين بن إسمعيل المعروف بالترزي الدمشقي كان والده أمير الأمراء وتولى امارة اللجون وغيرها فيما أظن وكان أولا باشجاويش في أوجاق اليرلية بدمشق وتوفي في سنة تسع وثمانين وألف وكان له ولد أكبر من المترجم يسمى محمدا فذهب للديار الرومية وأتلف جميع متروكات والده ومخلفاته وباع العقارات وغيرها وأما المترجم فإنه نشأ مكتسبا للكمال والعلوم مجتهدا ساعيا الاجتناء زهرات الأدب والمعارف وكان أديبا شاعرا فائقا ماهرا بالأدب مع معرفة تامة بالطب وغيره مشتهرا بالكمالات والعرفان له حافظة واطلاع باللغة والأشعار وغير ذلك بارعا بالنظام ينفث السحر من رشحات أقلامه ويجري البديع من لسانه وكان له هجو بليغ وترجمه الأمين المحيي وكان آخر من ترجمه في ذيل نفحته وقال في وصفه مجده محبوك من جهتيه ميم عاف وسائل من وجهتيه فلله مجد هو شمس نهاره طلع وقد ارتدى برداء الشباب والتف وتحوط بالسبع المثاني من العين واحتف فروضة أدبه فسيحة الرحاب وقد جمعتني وإياه الأقدار وطلبت منه شيئا من نظامه فأتاني بقطع وهي قوله
أبدا يحن إليك قلبي الخافق | والجذع يعلم أنني لك عاشق |
يا من يهز من الدلال مثقفا | وبسهم لحظيه الحشاشة راشق |
مهلا فأين العدل منك لمغرم | كلف بحبك بل بقولك واثق |
ما راح يضمر عنك إلا موثقا | أكذبته وتقول إني صادق |
قول الأعاريب الكرام وتنثني | نحوي بعين أخي المودة وامق |
هيهات ما للغانيات مودة | ما كل قول للفعال مطابق |
شيم الليالي الغدر من عهد الأولى | قدما وما للدهر وعد صادق |
فليهن من قد بات في دعة اللقا | يلقى أحبته ونحن نفارق |
لا تلم من غدا بحب سليما | ن أسيرا ودمعه في انطلاق |
لي قالت جنود حسن محيا | ه وأيضا لسائر العشاق |
مذ تبدي بطلعة تشبه الشمـ | ـس بهاء في ساعة الاشراق |
مثل قول التي بها اهتدت النمـ | ـل بنصح في غاية الاشفاق |
دونكم فادخلوا المساكن من قبـ | ـل تصابوا بأسهم الأحداق |
تحطمنكم فتفقدون رمايا | بسهام الخطوب بالاتفاق |
ذلك اللحظ فاحترز منه واحذر | لم يكن دونه من الموت واقي |
أسلمنا حب سليمانكم | إلى هوى أيسره القتل |
قالت لنا جند ملاحاته | لما بدا ما قالت النمل |
قوموا ادخلوا مسكنكم قبل أن | تحطمكم أعينه النجل |
هوى يشوق النفس والنسيبا | وصادحات حسنت تشبيبا |
وحملت نشر الزهور شمأل | تهدي إلينا عنبرا وطيبا |
واختص وجه الدوح من عارضه | لما استدار جد ولا منسوبا |
فاعتدل الغصن وصار فوقه | الشحرور من وجد به خطيبا |
فقام يدعو والحمام هتف | قد أتقنت ألحانها ضروبا |
فقم إلى تلك الرياض مسرعا | مبتكرا ونادم المحبوبا |
يا بابي ومن يقول بابي | ذاك الغزال الشادن الرعبوبا |
في وجهه للناظرين جنة | للحسن كانت منظرا عجيبا |
منمنم يزهو على عشاقه | مخضبا بنانه تخضيبا |
ما صادفت قلبي سهام لحظه | إلا أتت غزاله تصيبا |
فليته صير لي من وصله | وقربه يا صاحبي نصيبا |
جربت من بعاده نار الغضى | عذبني بحرها تعذيبا |
لولا الهوى ما شاق عيني مألف | وبالحمى كم ودعت حبيبا |
هوى حقيقي له مودة | قد ولدت نجل الوفا نجيبا |
أهل السماح في الدنا قد زهدوا | وقدسوا بالواحد القلوبا |
وبالرضا قد مزجت طباعهم | فلا ترى في وجههم قطوبا |
وأخلصوا لله قلبا قد صفا | من كدر واستأنفوا الغيوبا |
فما دعوا للغيث يوما وبكوا | إلا أجاب قبل أن نجيبا |
راحوا براح الحال في وجودهم | لما اختفوا وروقوا المشروبا |
مذ عاملوه في مقامات الوفا | هب لهم عرف الرضا هبوبا |
كالمسك وافاك دعاء مخلص | ريان من ماء الوفا رطيبا |
إن لم يراك لا يسر قلبه | ويكره الخيال أن ينويا |
ما للفتي قد لعب الدهر به | وصرفه صيره متعوبا |
من الزمان علقته محن | قد شعبت بقلبه شعوبا |
إلاك يستظل في جنابه | والناس قد أفنيتهم تجريبا |
واستجلها من البديع غادة | لا ترتضي غير الهنا مركوبا |
خد يورده لهيبه | فتكا وأعيننا تذيبه |
أندى من الورد الذي | حياه ريانا نصيبه |
وبثغره ماء الحيا | ة يرق كالصهبا صبيبه |
وسقاه ماء شبيبة | راح الجمال بها يشوبه |
ميال أعطاف الصبا | تيها يرنحه وثوبه |
ذو قامة هيفاء مثـ | ـل الغصن يحمله كثيبه |
أبدا يميل مع النسـ | ـيم يظل يعطفه هبوبه |
وبوجهه آيات حسـ | ـن فيه زينها قطوبه |
أبدى قسي حواجب | بالروح يفديها سليبه |
من مقلتيه أراش في | قلبي السهام به يصيبه |
فرمى ندوب سهامه | في اللب قد أصمت ندوبه |
متمنع عن ناظري | ما زال يحجبه رقيبه |
برقت بوارق وعده | والبرق يطمعنا خلوبه |
ولصبه أهدى الضنا | متحيرا فيه طبيبه |
منح السهاد لمقلتي | مذ طال عن نظري مغيبه |
أودى بجسمي هجره | والحب تستحلي خطوبه |
وأرى عقارب صدغه | بالوصل قد غفرت ذنوبه |
ياليت شعري ما الذي | بصدوده عني ينوبه |
يقسو علي فؤاده | وقوامه غصنا رطيبه |
أتراه يعلم بالذي | يشكوه من سقم كئيبه |
وصدوده أبدا على | عشاقه ليست تعيبه |
كم ذا أموه بالهوى | والصبر قد شقت جيوبه |
قصرت فصاحة مادح | أحصى كمالك أو يثيبه |
يا من بباهر شعره | قد راح يسكرنا نسيبه |
شعر هو السحر الحلا | ل يروق هذبه لبيبه |
منشئ حلاه محمد الـ | ـمحمود مفرده نجيبه |
الفاضل اللسن الذي | محل الزمان به خصيبه |
في كل لفظ من معا | ني فضله تسبي شعوبه |
متناسق كالدر في الـ | ـعقد الذي نظمت ثقوبه |
وإذا ذكرنا الشعر فهـ | ـو كما سمعت به حبيبه |
وافتك مثل الروض يهـ | ـدي عرفها نفحا جنوبه |
ومديحك السامي غدا | فرضا على مثلي وجوبه |
والمهر منك جوابها | وكفاه فخرا من تجيبه |
نفحتك مني بالثنا | ء وطيب عنبره وطيبه |
لك في المعالي رتبة من دونها | زهر النجوم وتلك فوق هلالها |
فلذاك أنت أمين أسرار الهدى | والله قد أولاك حسن خلالها |
وجواهر النعمان عزت غيرة | إلا عليك لمن بغى لمنالها |
فأهنأ بها لا زلت نرشد قاصدا | يبغي الهداية للتقى سؤالها |
يا من له قلم إذا وشى به | صفحات طرس أشرقت بجمالها |
ولذلك الفضلاء عجبا أنشدت | بعلاك بيتا من بديع مقالها |
إن الكتابة للفتاوي لم تجد | أحدا سواك يحل من أشكالها |
وسمتك من بين الورى بمرادها | حتى ارتضاك الله من أمثالها |
لا زلت محروس الجناب مؤيدا | بعوارف قد حزتها بكمالها |
قدوم كما انهلت سحائب أمطار | وقد أشرقت منها الرياض بأزهار |
حكى الشمس غب الغيم اشراق ضوئها | ولاحت على الدنيا ببهجة أنوار |
وسرت به الآفاق شرقا ومغربا | وأرجها كالمسك فتته الداري |
وذاك قدوم السيد الأعظم الذي | أتانا كيسر بعد بؤس واعسار |
فكان كطيب الأمن وافي لخائف | وكالنير إلا علي به يهتدي الساري |
فأهلا به من قادم قدم الهنا | بلقياه بل رؤياه غاية أو طاري |
من القوم إن هم فاخروا جاء شاهدا | لهم محكم التنزيل من غير انكار |
وإن نطقوا جادوا بأبلغ حكمة | يلين لها صلد وجامد أحجار |
وأن ينتموا جاؤا بكل حلاحل | تذل له شوس الملوك باقرار |
بنى حسن أهل العلى منبع الهدى | أئمة حق هم بأصدق أخبار |
ميامين غر من ذؤابة هاشم | هم في دجى الخطب المهول كأقمار |
وأشرفهم يحيي الذي شرفت به | دمشق ونلنا فيه أرفع مقدار |
فيا ابن رسول الله وابن وصيه | ومن أنزل القرآن في مدحه الباري |
إليك اعتذاري من كلال قريحتي | لجور زمان فيه قد قل أنصاري |
ولكن لي في دوحكم خير قربة | بها الله يعفو عن عظائم أوزاري |
لقد مزج الرحمن ربي ودادكم | بقلبي وسمعي والفؤاد وأبصاري |
ووالله ما وفيت بالمدح حقكم | ولو بلغ الجوزا نتائج أفكاري |
لآل علي في الأنام توجهي | ومدحهم وردي وديني وأذكاري |
وهنيت بالعيد السعيد وعائد | عليك بما نالوا به خير أبرار |
فإن العلى تسموا بكم وكفاكم | علا انكم ملجا الأنام من النار |
ولا زلت ذا عمر طويل مؤيدا | مدا الدهر ما هبت نسائم أسحار |
العفو أولى من عتاب المذنب | والذنب يخرس كل شهم معرب |
كرت علي عجائب لو أولعت | بمتالع لانقض قض الكوكب |
من لي بعذر أن يقوم بحجتي | عند الإمام الطيب ابن الطيب |
علامة الآفاق من بوجوده | أفلت نجوم ذوي الضلال بمغرب |
حتى يزول محال قول باطل | قد ألبسوني فيه ثوب الأجرب |
نزهت عنه سمع مولاي الذي | أنا عبده الأدنى وهذا منصبي |
مفتي البرية في الفواخر كلها | كالبحر يلقى الدر للمتطلب |
إن فاه أسكت كل ذي لسن بما | يبديه من صوغ الكلام المعرب |
مولى إذا احتكت فهوم أولى النهي | جلى برأي مثل بدر أشهب |
وأبان كل عويصة في العلم كالنجـ | ـم الرفيع بمثل حد مشطب |
ورث الفضائل كابرا عن كابر | يوم العلى عن كل جد منجب |
قوم بهم دين الاله مؤيد | من أن يدنسه مقال منكب |
شاد العماد لهم ثناء طاهرا | حمل الرواة له لأقصى المغرب |
مولاي أنت أجل من حاز العلا | بفضائل هي كالطراز المذهب |
هنيت بالرتب التي هي في الورى | فخرا كوضع التاج يوم الموكب |
هي منصب الفتيا الرفيع مقامها | فوق السماك الشامخ العالي الأبي |
دامت لك العليا ودام لك الهنا | ما سار ركب في فيافي سبب |
مولاي غفرا فاستمع بتفضل | بعض اعتذاري من صميم تلهب |
قد قولاني في علو جنابكم | ما لم أقله وحق ربي والنبي |
أنا ما حييت مديحكم وثناؤكم | وردي به عند الإله تقربي |
حاشاي من قول هزا لو قلته | لنهيت عنه بألف ألف مكذب |
بل كيف أقتحم الهلاك وأرتضي | غضب الإله كفعل ميشوم غبي |
بشراي إني قد ظفرت بمطلبي | حاشاك تلقاني بوجه مقطب |
دم للبرية ملجأ ومؤملا | ما أزهر الليل البهيم بكوكب |
يزار بزوراء العراق ضريح | وللحق أنوار عليه تلوح |
تحوم حواليه الملائك رفعة | ووردهم التقديس والتسبيح |
سلام عليه من صريح معظم | إليه تحايت الإله تروح |
ضريح إمام الأولياء وقطبهم | أبى صالح عالي الجناب فسيح |
يحج إلى بغداد يبغي زيارة | له القطب يسعى خادم ويسيح |
ومن جوهر المختار جوهره الذي | له في علو المكرمات وضوح |
فمن أم عالي بابه نال رفعة | ووافاه من فيض الإله فتوح |
به تكشف الجلا ويرتفع البلا | ويثني عنان الخطب وهو جموح |
وأنباؤه الغر الكرام ملاذنا | وذخرهم أني بذاك نصوح |
ومصباحهم مولى علي جنابه | علا به باب الهدى مفتوح |
كريم سجايا النفس لألاء وجهه | يضىء فتخفى عند ذلك بوح |
مهذب أخلاق من الفضل والحجى | كثير اتضاع بالنوال سموح |
عليم بأسرار الحقائق عارف | بأنفاسه للسالكين نفوح |
متى تلقه تلقى أغر كأنما | صفا وهو لطف من صفاه وروح |
ومولى هو البحر الخضم ومن به | دعا آب موفور الجناح نجيح |
ولكنه بحر العلوم قراره | عميق على من رامه وطليح |
محامده تتلى فيعبق طيبها | كنشر رياض علهن صبوح |
وقد حل في وادي دمشق ركابه | بسعد سعود للنحوس يزيح |
فوافى ربوعا طالما طال شوقها | إيه وكادت بالغرام تبوح |
وخفق في الوادي السعيد نسيمها | وهبت به معتل وهو صحيح |
وعم الورى فيها سرور ونشأة | وإني وهذا القول صاح صريح |
فنادت جميع الخلق أهلا ومرحبا | ببدر بأفلاك الكمال سبوح |
أمولاي أرجو منك نظرة إنني | مفارق عهد للخليط جريح |
أهيم إذا غنى ابن ورقاء في الربا | وأسمع منه لحنه فأنوح |
رمتني صروف النائبات بأسهم | لها في فؤادي والصميم جروح |
ولكن بمولائي أرى كل كربة | تزول ومنها الدمع كان سفوح |
وإني وإني في حماك ومن يكن | جوارك أمسى منه فهو ربيح |
وعذرا فقد وافتك مني بخجلة | وشعري بمدح في سواك شحيح |
وليس بمحص بعض وصفك مادح | ولو جاء منه للمديح مديح |
ولكنها ترجو السماح كرامة | وأنت عن الذنب العظيم صفوح |
ودم في سعود وارتقاء ونعمة | بعمر طويل عنه قصر نوح |
مخائل سعد للعيون تلوح | بوجه سري للسمو طموح |
قرينة عز في غضون جبينه | فتغدو لبشراها له وتروح |
فتى من سارة الناس ممن تقدموا | لنيل المعالي والركاب سبوح |
أديب أريب فاضل متفضل | بليغ ولفظ الدر منه فصيح |
تغذى لبان الفضل في حال مهده | غبوق له منها روا وصبوح |
امام همام في الفهوم مقدم | وفي الأدب الغض الطري فصيح |
كريم حوى وصف الكرام وفعلها | سمى مصطفى والفعل منه مليح |
فخذ بعض شذر واغض عن قصر قاصر | وسامح بفضل فالكريم سموح |
فرائد در في صحائف ألماس | ونور رياض في مهارق قرطاس |
والادراري الأفق ضمن سفينة | تسير بلج من ذخارف أنفاس |
إذا كان قاموسا لها علم ماجد | فبحر خضم لا يقاس بمقياس |
فكيف وربانيها في مسيرها | له قلم يجري كسابق أفراس |
همام حوى وصل الكرام وفعلها | وفاق العلى بالفضل كالعلم الراسي |
سليل أساطين فحول ضراغم | هم من ذرى العليا في قنن الرأس |
تكلف فكري وصف بعض صفاته | فتاه بموماة وعام بمغماس |
وكيف ونيل النجم أقرب ماربا | لفكري أو أحصى علاه بأنفاس |
فشكري لآل للعمادي حامد | ومدحهم فرضي لتطهير أدناس |
فلا زال ناديهم لمثلي ملجا | إذا الدهر لاقاني بصورة عباس |
أمولاي زاد الله قدرك رفعة | بجاه رسول الله خير الخلائق |
فأنت على تقوى الإله مواظب | تسير على نهج الهدى والحقائق |
ومن يك ذكر المصطفى ديدناله | لقد حاز في الدارين عز المسابق |
دلائل خيرات إذا ما تلوتها | أفدت بها أجرا لكم لم يفارق |
فهذا دليل الخير والرشد والهدى | تشيد به ذكرا كمسك لناشق |
فهذبته سفرا بتحرير متنه | وجاءت حواشيه رقاق الدقائق |
ورصعت من كنز العلوم حواشيا | كترصيع در في نضار المناطق |
لقد طاولت شهب السماء بما حوت | بهدى رسول الله أفصح ناطق |
فطوبى لكم آل العماد فسعيكم | دواما على نهج الهدى في الطرائق |
وعظمتها مولاي حامد نسخة | تخلد فيها الصدق ضمن المهارق |
فدم ما تلا ذكر النبي أخو الهدى | وصلي عليه عاشق اثر عاشق |
صلاة يضىء الكون من نور ذكرها | تفوح كمسك في العذيب وبارق |
ومذ تم ذاك السفر قلت مؤرخا | وشائع حسن لحن من نور صادق |
ليل كقادمتي غراب مغدق | يمضي بأحزان وطول تلهف |
وصباح يومي إن سألت فإنه | كصباح ثكلى مات واحدها الوفي |
أبكي لشمل بات وهو مصدع | كالعقد بدد بعد شمل تألف |
ظن الخلي وقد رآني باكيا | أني رعفت من الجفون الذرف |
هل راحم صبا أذاب فؤاده | دهر ألح لصرفه لم يصرف |
الله يعلم أنني من بعدهم | لحليف أحزان بقلب مدنف |
أهفو إلى مر الحمام وشربه | ومذاقه ياما أحيلاه بفي |
من طول أبعاد ودهر جائر | ومسيس حاجات وقلة منصف |
ومغيب خل لا اعتياض بغيره | شط الزمان به فليس بمسعف |
أواه لو حلت لي الصهباء كي | أنشأ فأذهل عن غرام متلف |
إن قلبي قطب البلاء أديرت | لشقائي رحى الهموم عليه |
وتراه مغنيطسا للرزايا | يجذب الخطب من سحيق إليه |
غراب ينوح لتفريقنا | ويوم يصيح بتلك الرسوم |
فبانوا وأصبحت من بعدهم | أليف الشجون خدين الهموم |
فما أجلد القلب في النائبات | ويا قلب صبرا لهذي الكلوم |
وكانوا نجوم سماء الحشا | وفي الترب غيب تلك النجوم |
فوا وحشتاه لتلك الوجوه | وبعد السرور ألفت الوجوم |
أفدي مهاة أفردت عن سربها | بدوية سحرت بطرف أدعج |
شخصت بطلعتها العيون وقد بدا | دبر الدجى بجبينها المتبلج |
بسمت فخلت البرق أومض ضاحكا | عن لؤلؤ في ثغرها المتفلج |
وسمت لها شفة فراقت منظرا | وحلت بأزرق فاق زهر بنفسج |
فدهشت من كنز بمبسمها له | قفل من الياقوت والفيروزج |
هي المعالي لكم حيث السهى ارتفعت | وحيث شمس الضحى في أفقها طلعت |
شمس العلى أشرقت بالشام في شرف | من الحجاز وأنوار الهدى لمعت |
أنوار من زينة الدنيا بمقدمه | حتى به سائر الأكدار قد رفعت |
تالله ما الغيث أجدى من مكارمه | إذا همت بسحاب الفضل أو همعت |
يا بضعة من رسول الله خالصة | بمهبط الوحي أخلاف الهدى ارتضعت |
يا آل بيت رسول الله حبكموا | فرض به سور التنزيل قد صدعت |
لولاكم لم يكن شمس ولا قمر | ولا درار بأنوار الضيا سطعت |
ورثت مشيخة الاسلام عن سلف | من عهد ما شرع الاسلام قد شرعت |
يا كعبة المجد لو لم تسع مبتهلا | لكعبة الله إجلالا إليك سعت |
الحج باليمن مبرور مناسكه | لسيد فيه آيات الهدى جمعت |
يا مفخر الدولة العلياء من قدم | ومن بمجدك أركان العلى امتنعت |
ويا عمادا لركن الدين تنصره | بمقول الحق إن أركانه انصدعت |
أيامك الغر بالاقبال مشرقة | بها عنادل أطيار الهنا سجعت |
فالسعد عبد خديم للركاب له | بشائر بسنا الاقبال فيه رعت |
فالله يبقيك للعلياء ناصرها | إذا الموالي إلى أعتابك انتجعت |
هو الله لا إثبات إلا لذاته | تقدس ذو الافضال واللطف والعفو |
فلا تغترر بالكائنات بأسرها | وكل الذي تلقى زوال إلى محو |
وأيامنا برق ونحن خلاله | خيال مضى بين البطالة واللهو |
وهل نحن إلا للفناء مصيرنا | ومنا قلوب قد تميل إلى الزهو |
رمتني صورف النائبات بأسهم | وأصمت رماياها بصدق ولم تشو |
وهل تعتب الأيام شخصا إذا بكى | ويجمع منه الدهر عضوا إلى عضو |
قوم كائن القر كان خليقة | لهم فأعرى الايك من أوراقها |
لو شاهدوا فلسا بأقصى لجة | في البحر لانتزعوه من أعماقها |
أو يسألوا معشار عشر شعيرة | فاضت نفوسهم على أنفاقها |
فعلى نفوسهم الخبيثة لعنة | تستوجب الافراط في استغراقها |
ملؤا أقاليم البلاد ضلالة | واستنزحوا الأموال من آفاقها |
بني آدم لا بارك الله فيكم | لأنتم شرار الناس بين الخلائق |
خلت منكم الدنيا من العدل والهدى | ولم يبق إلا فاسق وابن فاسق |
وأوسعتم الآفاق بغيا وجفوة | وهيهات منكم صادق الوعد فائق |
وأنتم ظروف الزور والبغي والأذى | وما راج منكم غير كل منافق |
تمنيت عمري أن أرى غير غادر | فما شمت إلا عائقا وابن عائق |
غصبتم حقوق الناس ثم ملأتم | جوانب هذا الكون من كل فاسق |
عليكم من الله الجليل مصائب | تكون عليكم مثل وقع الصواعق |
ولو أن ما بي بالجبال لدكدكت | أو الصخرة الصلداء لم تتجلد |
رأيت اضطراب المرء والجد عاثر | كما اضطرب المخنوق في حبل خانق |
دار البشائر الإسلامية / دار ابن حزم-ط 3( 1988) , ج: 4- ص: 166