السيد مصطفى العلواني ابن إبراهيم بن حسن بن أويس المعروف بالأويسي العلواني الشافعي الحموي نزيل دمشق أحد الأفاضل كان أديبا بارعا ناثرا ناظما كاتبا لوذعيا ألمعيا له الحسب والنسب محرزا دقائق الكمالات جانيا ثمرات الفضائل والمعارف ولد بحماه سنة ثمان ومائة وألف كما أخبرني ونشأ في حجر والده وقرأ عليه وبه تخرج في فن العربية والأدب وقراءة القرآن وحمله على طلب العلم ونزل بمدرسة الباذرائية واشتغل بقراءة العلوم على أفاضل دمشق فمنهم الشيخ إسمعيل العجلوني وأخذ عن الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي ولازمه في الدروس وأخذ عن الشيخ عبد الله البصروي وعن الشيخ محمد العجلوني وعن الشيخ عبد السلام الكاملي ونظم الشعر والانشاء البليغ مع خط حسن باهر متناسق وشرف نفس وكان ملازم السكون في خلوته وارتحل إلى الروم مرات متعددة وعاد ببعضها متقلدا نقابة بلدته حماه وعزل منها ثم عاد إلى الروم لقضاء ما فات وبلوغ المرام وآخر أمره أن جعل دمشق مأواه وسكنه وكان في السوداء متسما بغاية لا تدرك وكان والدي يحبه وهو من أصدقائه وكتب لوالدي عدة كتب بخطه وأجازني بمروياته عن شيوخه واجازة خاصة بخطه وأجازني بمنظومته التي نظمها بطريق التوسل بأسمائه الحسنى جل وعلا وبأسمائه صلى الله عليه وسلم وأخبرني أنه اجتمع بالجد الكبير الأستاذ الشيخ مراد الحسيني قدس سره حين ارتحاله إلى الديار الرومية في سنة تسع عشرة بعد المائة وأخبرني أنه لما ذهب به ولاده إلى الجد وكان الجد مستقبل القبلة بعد اتمام صلاة ذلك الوقت فلما رآه الجد دعا له ولمس ظهره بكفه وكان المترجم من العلماء الأفاضل البارعين بفنون الأدب وغيره وشعره عليه طلاوة فمن شعره قوله
أشرف الأنبياء يا نقطة الكو | ن ومبنى هذا الوجود العجيب |
يا رسولا آياته قد أذابت | من ظلام الأهواء كل مريب |
يا عزيزا على الآله وفي فصـ | ـل القضا المستبد بالتقريب |
أنت باب الآله من يأت من أعـ | ـتابه نال غاية المرغوب |
أنت أنت الملاذ إن أفظع الكر | ب ومدت للفتك أيدي الخطوب |
أنت ملجأ المؤملين فكم منـ | ـك أنيخ الرجا بواد عشيب |
أنت ذخر الضعيف أن يخش عند الـ | ـبعث والحشر هول يوم عصيب |
يا شفيعا هناك إذ يوقع الأنـ | ـفس في المزعجات كرب الذنوب |
يا كريما حيا العطاش على الحو | ض إذا ما أتوا بأعذب شوب |
كيف يخشى وقع الحوادث عند | منك قد لاذ بالجناب الرحيب |
فأغثني وكن مجيري فإني | منك للبر صرت أي رقيب |
مع أني إلى علاك تشفعـ | ـت بصديقك الحليم المهيب |
وأبي حفص الذي وافق القر | آن منه لخير رأى مصيب |
وابن عفان ذي الحياء شهيد | الدار ظلما بدون شك وريب |
وعلي ليث الحروب أبي السبـ | ـطين زوج البتول باب الغبوب |
وبأصحابك الهداة الألى منـ | ـك لقد أتحفوا بأكمل سيب |
وبأتباعهم ذوي الذب عن هد | يك كيلا يغشاه شوب كذوب |
وخصوصا منهم هداة اجتهاد | قد أذابوا فيه سويدا القلوب |
بابن ادريس الذي منك أدنتـ | ـه لعمري قرابة التعصيب |
والمرقى أبي حنيفة عالي الـ | ـكعب في نيل أشرف المطلوب |
وامام المدينة الحبر حقا | مالك الشرع حائز التقريب |
والزكي التقي أحمد من في الـ | ـعلم قد حاز كل فن غريب |
وعليك الصلاة يا خاتم الرسـ | ـل وأعلى معظم وحبيب |
ما توالى من مصطفى بن أويس | لك مدح مع سح دمع سكوب |
يرتجي منك فيه ابلاغ حاج | هي فيما يرضيك ذات ضروب |
ظن أن القلب عنه سلا | رشأ أغرى بنا المقلا |
كبدي لحظاه كم جرحا | وكمثلى كم فتى قتلا |
فعلا فعلا بمهجته | بعضه هاروت ما فعلا |
بفتور الجفن كم تركا | عاشقا بين الورى مثلا |
فتنا الألباب من دعج | بسواه قط ما اكتحلا |
كم أمالا الصب عن أمل | يرتجيه بائسا خجلا |
حرسا ورد الخدود فلم | نر صبا نحوه وصلا |
وإذا ناما فإن له | حارسا في الصدغ ما غفلا |
ويح مضناه فليس على | ما سوى أحزانه حصلا |
فيه كم أصبحت ذا كلف | متلف طفلا ومكتهلا |
حيث يمسي مبردا كبدي | دمع عين ظل منهملا |
أرقب الأفلاك منتظرا | لصباح ينتج الأملا |
وعذول جاء يؤلمني | بملام عنه ما عدلا |
قائلا خفض على كبد | في الهوى قد أكسب العللا |
فأنادي خل عن عذلي | فلي التعذيب فيه حلا |
وافتضاحي في هواه أرى | حسنا والذل محتملا |
من يقل تهواه قلت نعم | أو يقل تسلوه قلت بلى |
في هواه رق لي غزلي | بعد أن لم أعرف الغزلا |
ولعمري سوف يبصرني | عن غرامي فيه مشتغلا |
بامتداحي من ببعثته | لجميع الأنبيا فضلا |
شرف الله الوجود به | وكذا الأملاك والرسلا |
كل خير في الوجود فمن | يمنه حقا لقد وصلا |
رحمة عم الوجود فما | أحد عنه تراه خلا |
قد أبان الحق مبعثه | حيث ظل الشرك عنه جلا |
كامل ما مثله أحد | كل وصف فيه قد كملا |
إن مدح الخلق قاطبة | دون عليا مدحه سفلا |
ليس يحصى الناس كلهم | ما عليه خلقه اشتملا |
إن عجز المرء عن جمل | من معالي عزه جملا |
فاعترف بالعجز يا لسنا | وتذلل واترك الجدلا |
أن يقس بالرسل أجمعهم | فهو حقا خيرهم رجلا |
وهم نوابه ولهم | نظر منه لقد شملا |
ونبيا كان حين بدا | آدم في الطين منجدلا |
نوره الرحمن أوجده | قبل خلق للسوى أزلا |
ثم لما شمسه ظهرت | عنه كل العالم انفصلا |
ثم تم السعد حين بدا | خاتما للرسل واكتملا |
وتحدى فاهتدى رجل | فائز وارتاب من خذلا |
ثم ما قد جاء فيه لنا | كله والله قد نقلا |
وكتاب الله أكبر ما | جاءنا فيه بنا اتصلا |
فهو أسنى نعمة ظهرت | فضلها والله ما جهلا |
وهو باب الله أي فتى | من سواه جاء ما دخلا |
يا نبيا جاء يرشدنا | للهدى إذ أوضح السبلا |
يا رسولا مدحه أبدا | هو أولى ما به اشتغلا |
قد مددت الكف ملتمسا | منك معروفا ومبتهلا |
يا كريما لم يرد لمن | سال الاحسان قط بلا |
يا منيلا بره أبدا | لمن استجدى ومن سالا |
حمل الأحباب نحوك من | بعد والعبد ما حملا |
بل تبقى في دمشق لدى | أي سقم فيه قد نزلا |
لبس الأحزان فهي له | كغشاء فوقه انسدلا |
فاغتدى يذري الدموع أسى | راجيا أن يبلغ الأملا |
ويرى الأعتاب ملتثما | تربها والدمع قد هطلا |
فأجرني آخذا بيدي | وقل المرجو قد حصلا |
وصلاة الله واصلة | لك ما غيث السما انهملا |
مع سلام لا يزال على | ربعك المعمور متصلا |
والرضا عن صاحبيك فكم | مهجة في الله قد بذلا |
وهما الصديق سيدنا | وكذا الفاروق من عدلا |
ثم ذي النورين خير فتى | بجلابيب الحيا اشتملا |
وعلي باب كل هدى | منك للأحباب قد وصلا |
وكذا الأصحاب أجمعهم | مع جميع الآل خير ملا |
وبهم يرجو الاغاثة من | كربه عبد غدا وجلا |
مصطفى الويسي مرتجيا | بهم أن يحسن العملا |
ويرى عقبى الأمور إلى | فرج آلت وما انخذلا |
ربع الأحبة بالأنداء حييتا | وما بقى الفلك الدوار أبقيتا |
لله أوقات أنس قد سمحت بها | بذلت فيها من السراء ماشيتا |
حيث الرياض إذا أزهارها ضحكت | بكى الغمام فظل الصب مبهوتا |
حيث المطوق والقمري قد ضمنا | أن يسكت الناي تغريدا وتصويتا |
والسلسبيل إذا ما قيل صفه غدا | عن بعض أوصافه المكثار سكيتا |
أكرم به ولجين الماء فيه جرى | فكم يرى غامرا من عسجد حوتا |
حملت من زمني ما لو تحمل من | أمثاله جبل لا ندك تفتيتا |
ولم أكن وشبابي الغض مقتبل | لحمل أصغر احدى الذر صفتيتا |
أخالني زمني شلت يداه لدى | شيبي ووهني قد حولت عفريتا |
وإن مما به دهري يكافحني | ولم يزل سيف هذا الدهر أصليتا |
داءين بعدك عن عيني أشدهما | ثانيهما السقم من داءي عوفيتا |
كلانا غنى عن أخيه بربه | وحفظ الأخا يأبى التقاطع والهجرا |
إذا دار أمر المرء بين تقاطع | وصدق وداد كان ثانيهما الأحرى |
وليس الذي يبدا بصدع زجاجة الـ | ـحشا كالذي يبدا بما يجبر الكسرا |
وإن كنت بالثاني اتصفت فإنها | صفاتك بي قد أثرت ذلك الأمرا |
وإن منك يبدو أول فمن السوى | أتاك فجدد في تجنبه الطهرا |
لأنك من بيت زكي صفاتهم | لقد عطرت من نشرها البر والبحرا |
وإن نزغ الشيطان ما بيننا فقد | أنال بني يعقوب من نزغه شرا |
أيها المعرض عني | ما الذي أوجب صدك |
وبماذا لا أراني | مكرما بالله عندك |
ألصدق في وداد | لك قد أخلص وحدك |
أم لنطقي في ثناء | هو لا يبلغ مجدك |
أم لسعيي بالذي أر | ضي به في الحشر جدك |
أم لغرسي في سويدا | ء الحشا تالله ودك |
فبجديك ابن لي | ما به أعرف قصدك |
أفهذا حال محسو | ب قد استوثق ودك |
انما الكيس بأن تنـ | ـجز للداعين وعدك |
وتوالى من أياديـ | ـك على الراجين رفدك |
فبذا والعفو عمن | قد جنى تقمع ضدك |
فبمن بالفضل مولا | ي وبالعز أمدك |
وبمن أسعد بالعلـ | ـياء والنعماء جدك |
وإذا اخترت بعادي | فأنا أكره بعدك |
عميت عيناي إن قر | ت برؤيا الغير بعدك |
غنت على الدوح البلابل | سحرا فهيجت البلابل |
فسرى النسيم مؤديا | نشرا له قد جاء حامل |
فبلطفه قد ماس غصـ | ـن البان كالنشوان مائل |
وبروحه أحيا فؤا | دا جسمه بالبعد ناحل |
وتفتقت أكمام ور | د عز عن قطف الأنامل |
جادت عليه السحب بالأنـ | ـداء إذ بانت هوامل |
فكأن ذلك لؤلؤ | في أكؤس المرجان حاصل |
أو أنه ماء الحيا | ة على عقيق الثغر جائل |
أو وجنة حمراء قد | عرقت حياء من مواصل |
والروض تصفق فيه أغـ | ـصان تشبب بالشمائل |
وأدار فينا الراح معـ | ـشوق بخمر الدل ثامل |
خصر اللمى عذب المقبـ | ـل في ثياب الحسن رافل |
يروى مسلسل ريقه | عن كوثر للثغر ناقل |
إن اللحاظ بسيفها الـ | ـفتاك أنست سحر بابل |
قد أسكرتنا دون خمـ | ـر منه هاتيك الشمائل |
فانهض أخي إلى الريا | ض عساك أن تحظى بطاتل |
واشفع صبوحك بالغبو | ق وصل غدوك بالأصائل |
لا يشغلنك يا أخا الـ | ـذات عن ذا الأنس شاغل |
إلا امتداحك سيدا | قرت به عين الفضائل |
عركتنا عرك الأديم الكروب | وبسهم الردى رمتنا الخطوب |
فاختلاف شق العصا باتفاق | فيه حمقى حجاهم مسلوب |
أقسم السيف لا يقر بجفن | دون كشف عما تسر القلوب |
جردته يد عن الخير شلا | ء وفي الشر بطشها مرهوب |
فاصطبحنا من ذاك كأس ارتياع | واغتبقنا ما الجسم منه يذوب |
فلصدر الشريف منا زفير | ولقلب التقي فينا وجيب |
وعلمنا بأن لله لطفا | من إليه التجي فليس يخيب |
فابتهلنا إليه نضرع بالشكـ | ـوى ونبكي فهو القريب المجيب |
فتجلت سحائب الخوف عن شمـ | ـس من الأمن لا تكاد تغيب |
وأظلت دمشق رايات من أن | قصد النجم فهو منه قريب |
الوزير الكبير من رأيه الثا | قب في المعضل السديد المصيب |
كم له من يد لدى الحرب بيضا | ء إذا ما اكفهر يوم عصيب |
يتلقى الجموع منه هزبر | صدره في الوغى فسيح رحيب |
ضاحك الثغر بادي البشر منه | حيث للحرب يقرع الظنبوب |
ثابت الجاش إذ تطيش المواضي | في مقام به الرضيع يشيب |
صحبته طفلا وكهلا وكم أثر | وصفا في الصاحب المصحوب |
فإذا جرد اليماني أو هز | الرديني منه زند صليب |
فرق الجمع مثل تفريق أحوى الـ | ـعصف في البيد فرقته الجنوب |
جاء والشام سيف ذي البغى فيها | مصلت من دم المطيع خضيب |
وعليها أخنى الزمان وقد أجـ | ـدب من فيحها المكان الخصيب |
فحبت نار ذلك البغى حتى | أصبحت لا يشام منها لهيب |
وتعرت جموعها عن فراق | ما لجمع التصحيح منه نصيب |
فثغور الشآم تفتر بشرا | وببيت الطعام يعلو النحيب |
وترى الأرض وهي مخضرة الأر | جا سقاها الحيا الغمام السكوب |
وذراها الفسيح لم يلف فيه | منذ حل الوزير أرض جدوب |
فعلى دوحها بشكر عليه | وثناء قد غرد العندليب |
وأقمنا وللسان مجال | بثناء يذكو شذا ويطيب |
يصبح النطق قاصرا إن تقصيـ | ـر ذوي النطق فيه أمر غريب |
فهلموا معاشر الفصحاء الـ | ـلسن للشكر جملة وأجيبوا |
فعسى اليوم أن يؤدي لعبد الله | حق أداؤه مطلوب |
صانه الله من وزير به الحق | إلى الكامل المحق يؤب |
وبه الباطل اضمحل كأهليـ | ـه فتعسا لهم إذا لم يتوبوا |
إن مدحا لبعض أوصافه الغر لأ | مر يحار فيه اللبيب |
أفمثلي بمثل هذي القوافي | غرض القصد في المديح يصيب |
وأنا مثقل بما قرح القلـ | ـب من الدهر بل حزين كئيب |
وإذا ما عجزت كانت معاليـ | ـه عليه بالمدح عني تنوب |
إن من قد أقر عين المعالي | دهره بالثنا عليه الخطيب |
دام للمجد غرة ولوجه الـ | ـجد نورا سناه ليس يغيب |
ما تغنت في الروض ورق وما هب | نسيم فاهتز غصن رطيب |
لك لا لغيرك للعلا استعداد | فلذا برمتها إليك تقاد |
وإذا تعرض من سواك لنيلها | أضحى وعنها لأطردت يذاد |
فأفخر فإنك يا علي ورثتها | من علية حازوا الفخار وسادوا |
وبمحتد الشرف الرفيع تبوؤا | شأوا لأدناه السها يرتاد |
ضموا إليه معارفا وفضائلا | وسموا بذاك فكلهم أمجاد |
ظلوا الهداة بفارس وبهديهم | في الشام ظلت تهتدي العباد |
وإليهم في كل خطب فادح | يلجأ فيصدر بالمنى الوراد |
لو في الثريا العلم كان لناله | منهم رجال فهمهم وقاد |
وحويت كل مزية فيهم ولا | تنفك من شيم علت تزداد |
إن أنفذ العد المكارم في امرئ | فلغير وصفك ينفد التعداد |
مهما تقلب فيه من شيم العلا | فجميعه مستحسن وسداد |
وما تحرره بفهم ثاقب | أبدا سلمت تسلم النقاد |
يا أيها الساري يحث ركابه | طلاع أنجد حثه استرشاد |
يمم ذراه تجده طود معارف | ظلت لديه تواضع الأطواد |
وافتح به من معضلاتك ما غدا | مستغلقا ينحل منه صفاد |
هذا وضم إلى العلوم خلائقا | وعن الصبا يروى لها اسناد |
إن أخلف المزن البلاد فكفه | فياضة منها يسح عهاد |
يسمو بهمته الرفيعة إنه | يقفو به في الذاهبين جواد |
ولسعده فيما يروم تفرد | فيه يظل يساعد الأسعاد |
من قبله الأموي ولي معشر | ذهبوا فمنه وهي ودك عماد |
لم تسم همة من تقدمه إلى | ترميم شيء بل أبيد وبادوا |
فألم فيه وظل يصلح بعض ما | فيه تبدد طارف وتلاد |
حتى وهي الزلزال فانهارت به | سقف وأعمدة وطم فساد |
فنمى الحديث إلى الخليفة من له | خضع البرية كلهم وانقادوا |
ظل الآله بأرضه من أصبحت | للخوف منه تضاءل الآساد |
فاهتم في تحرير ما قد جاء في | فضل الشآم بذاله الاسناد |
وأشار في تاريخ تعمير لجا | معها الرفيع به الثنا يزداد |
فأجابه فضلاؤها لمراده | راجين منه قبوله وأجادوا |
وبهم تشبه ذا الضعيف وإن يكن | عن شأو فضلهم له أبعاد |
فأتى ببيت كامل تاريخ ما | يحلو به للسامع الانشاد |
أموي جلق إن هوى بزلازل | فبمصطفى الملك المجيد يشاد |
ألا كل ما يختار من مهجتي وقف | عليه فعما لست أسمعه كفوا |
فيا ربما أغرى المتيم لائم | فأصبح مشغوفا بما دونه الحتف |
بروحي غزالا صاد قلبي بما غدت | تمد من الاشراك أهدابه الوطف |
غفا عن مراد الصب يلهو بدله | خليا وأجفان المتيم لا تغفو |
لقد كان لي جسم يقلبه الآسى | على جمرات بات يضرمها الضعف |
وعهدي بأن القلب بين جوانحي | ومأموله من ذلك الرشا العطف |
فلم يبق لي إلا تتابع زفرة | تلت مثلها أخرى وأعقبها ألف |
ودمع مشوب بالدما ظل هاملا | على صفحات الخد أو مدمع صرف |
خليلي ما بذل المتيم روحه | عزيزا وما أحلاه إن رضى الخشف |
فقولا لمن قد أكثر العذل جاهلا | بحال الهوى أقصر جفا فمك الحرف |
سلوى محال عنه ما دام ينتمي | لأخلاق من جلت فضائله اللطف |
همام لو أن الدهر جاد بمثله | لما انحصرت فيه المعارف والعرف |
له راحة في لثمها كل راحة | وكف بها وقع النوائب بنكف |
فتى حليت أسماعنا بصفاته | ففي كل أذن من محاسنها شنف |
تأرجت الأرجاء من طيب نشرها | وفي كل قطر فاج قطر بها عرف |
قلب له بين الضلوع خفوق | عن حمل أعباء البعاد يضيق |
ما زال يذكر من دمشق مسرة | تصفو مناهل أنسها وتروق |
جاد الحيا منها رياضا قد حلا | فيها اصطباح مؤنس وغبوق |
ما ثم إلا نرجس أو وجنة | للورد كللها الندى وشقيق |
وتطارح الآداب بين أحبة | كل بساحر لفظه منطيق |
أخلاقهم تحكي النسيم لطافة | وكأن أفهام الجميع بروق |
نيطت بأجياد البلاغة منهم | درر فرائد نظمهن نسيق |
طابت مجالس أنسهم فكأنها | دارين يعبق مسكها المسحوق |
ما زال يحسدني الزمان عليهم | وأنا بأسهم كيده مرشوق |
حتى غدت أيدي الفراق تقودني | لتحيط بي من بعد ذاك فروق |
بلد بها عز الخلافة مانع | عن أن ينال مرامه مخلوق |
ما لم يكن عضدا له ذو همة | عليا بعيني سؤدد مرموق |
وكأنني بالمبتغي متيسرا | مفت به المجد الأثيل حقيق |
فرد المعارف والمكارم من له | أصل بفعل المكرمات عريق |
من شب في حجر الفضائل والتقى | يسمو على كل الورى ويفوق |
من لا يزال يجول في أفكاره | فهم لتنقيح العلوم دقيق |
ويسوقه لمكارم الأخلاق أن | يختارها ويحبها التوفيق |
من ليس مثل أبيه بين مشايخ | الاسلام بالمجد الرفيع خليق |
فرد مضى لسبيله وكأنه | فيما أكن من التقى الصديق |
إن رمت تدري هديه فانظر إلى | هدى ابنه يبدو لك التحقيق |
فهو السعيد بنيل كل فضيلة | يقفو بها نهج السداد طريق |
تالله لي فيه أكيد محبة | عقدي عليها في الفؤاد وثيق |
يا خير من منه لمن يرجوه في | حاجاته وجه النجاح طليق |
ما خاب مثلي في المجئ لبلدة | ولها بمثلك بهجة وشروق |
فاسعف أخا ثقة بجاهك إنه | وافاك ملهوفا وأنت شفيق |
لا زلت للمرجو خير مؤمل | ما ماس غصن في الرياض وريق |
هب النسيم فللصبوح فهاته | وأدره ممزوجا بريق شفاته |
سيال ياقوت حكى أو ذائبا | من خالص الابريز في كاساته |
يصفو عن الأكدار راشف كأسه | كصفائه عنها لدى حاناته |
هات أسقنيه والهزار مردد | في الروضة الغنا فصيح لغاته |
وأصخ إلى الناي الرخيم ممازجا | للعود والسنطير في دقاته |
في روضة عبث الصبا من غصنها الـ | ـممشوق منه القد في عذباته |
قد كاد يحكي في الملاحة قد من | تهوى لو أن البدر من ثمراته |
إن احمرار الورد فيها خجلة | من نرجس يرنو إلى وجناته |
يحظى بصرف همومه في ضمنها | من يصرف الدينار في لذاته |
هذا هو الأنس الذي من ناله | يسهو عن المكروه من أوقاته |
كم شن غارات علي وقلما | أمسى خلي البال من غاراته |
حسدتني الأيام إذ أنا ساحب | ذيل التنعم في فضا ساحاته |
وأسرح الطرف المقرح جفنه | من بعد مس البعد في جناته |
في قصره السامي الذي قصر الهنا | وجميع ما يهوى على غرفاته |
لله ذاك السلسبيل وقد غدا | يجري لجين الماء فوق صفاته |
ما زال وارده يرد عليه من | ماء الحياة به لذيذ حياته |
عذبت موارده عذوبة طبع من | شاد المكارم في ذرى جنباته |
من ضم للمجد الأثيل معاليا | قعساء غرا نالها من ذاته |
ذو مجلس جمع المفاخر كلها | لكن أنس النفس بعض صفاته |
فيه من الأدباء خير عصابة | يحشون سمعهم بدر نكاته |
وأباح كيس المكرمات لأنه | يتلو عليه الفتح من آياته |
كم جاس موقف شدة لم يثنه | أو يثني الجواس بيض ظباته |
سل عمرا المشهور عن اقدامه | واسأل ليوث الغاب عن عزماته |
قد نال كل الجد في حركاته | وخلا مع التدبير في سكناته |
نظمت في سمط القريض فرائدا | منها تعلق في طلي أبياته |
فأنا لذاك وإن أكن عن ذاته | ناء فلي أنس بقرب صفاته |
وحياته لو لم امتع خاطري | فيها لمت من الآسى وحياته |
فالعبد بعد فراقه لفراقه | متفتت الأكباد من زفراته |
لا زال ذاك الربع مغمورا بما | يسدي إليه الله من بركاته |
ملأ الوفاض من القلوب وفاضا | فضل غدوت لدرسه تتقاضى |
أحبب بعلم حث ريش البحث فيـ | ـما لم يجئ فيه النبئ وهاضا |
ألقاه عن فهم توقد فطنة | من لا يزال إلى العلا نهاضا |
بكر إليه تجد لديه مباحثا | في الفقه كادت أن تكون رياضا |
وترى الشفا من داء جهل بل ترى | إن جئت مجلسه الشفا وعياضا |
أبحاثه لم تبق في جفن الهدى | بهداية يعني بها أغماضا |
إن يبد صاحب بدعة حججا على | ما يدعيه يرى لها دحاضا |
هو جوهر في الفضل فرد والسوى | أن قوبات فيه غدت أعراضا |
كم قد أفاق سهام فهم ثاقب | عند الجدال فأنفذ الأغراضا |
ما أن يرى عما يباين شرعة | لنبينا خير الورى يتغاضى |
بل لا يزال إلى إزالة ما به | في الشرع بعض حزازة ركاضا |
يا منكرا حركاتنا في حب من | أفديه من بين الأنام بروحي |
هو قد أصاب حشاي سيف لحاظه | حتى أضر بقلبي المقروح |
ذبح الفؤاد وليس ينكر ذو حجى | أن تصدر الحركات من مذبوح |
بانخفاض وغربة يرتقي الحر | العلا راغما لأنف الأعادي |
إنما المرء من تغرب أضحى | عقد در يناط في الأجياد |
سافر إذا حاولت قدرا | سار الهلال فصار بدرا |
والماء يكسب ما جرى | طيبا ويخبث ما استقرا |
إذا كان أصلي من تراب فكلها | بلادي وكل العالمين أقاربي |
ولا يقيم على ضيم يراد به | إلا الأذلان غير المي والوتد |
هذا على الخسف مربوط برمته | وذا يشج فلا يرثى له أحد |
إن العلا حدثتني وهي صادقة | فيما تحدث إن العز بالنقل |
لو كان في شرف المأوى بلوغ مني | لم تبرح الشمس يوما دارة الحمل |
كثرة المكث في الأماكن ذل | فاغتنم بعدها ولا تتأنس |
أول الماء في الغدير زلال | فإذا طال مكثه يتدنس |
إذا لم أجد في بلدة ما أريده | فعندي لأخرى عزمة وركاب |
وربما كان ذل المرء في بلد | لعزه في بلاد غيرها سببا |
ليس الرحيل إلى كسب العلا سفرا | بل المقام على ذل هو السفر |
والمرء ليس ببالغ في أرضه | كالصقر ليس بصائد في وكره |
مرارة اليأس أحلى في المروءة من | حلاوة الوعد إن يمزج بتسويف |
فاختر فديتك للداعي أحبهما | إليك لا زلت تسدي كل معروف |
دار البشائر الإسلامية / دار ابن حزم-ط 3( 1988) , ج: 4- ص: 142