محمد بن الطيب ابن محمد بن محمد بن موسى الشرفي الفاسي المالكي الشهير بابن الطيب نزيل المدينة المنورة الشيخ الامام المحدث المسند اللغوي العالم العلامة المفنن أبو عبد الله شمس الدين ولد بفاس سنة عشر ومائة وألف ونشأ بها وأخذ عن جملة من العلماء منهم والده ومحمد بن محمد المسناوي ومحمد بن عبد القادر الفاسي ومحمد بن عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي ومحمد بن عبد السلام البناني ومحمد بن عبد الله الشاذلي وأبو عبد الله محمد بن محمد ميارة وأبو الاقبال أحمد بن محمد الدرعي وأبو عبد الله محمد بن محمد الأندلسي وأحمد بن علي الوجاري ومحمد أبو الطاهر بن إبراهيم الكوراني واستجاز له والده من أبي الأسرار حسن بن علي العجيمي وعمره نحو سنتين والسيد عمر البار العلوي وغيرهم ممن ينوف على مائة وثمانين شيخا وبرع وفضل وصار امام أهل اللغة والعربية في وقته محققا فاضلا متضلعا في كثير من العلوم ودرس بالحرم الشريف النبوي وانتفعت به الطلبة ورحل للروم من الطريق الشامي ورجع منها على الطريق المصري وأخذ عنه في الشام ومصر خلق كثيرون وحصل بينه وبينهم مباحث في فنون من العلم وله تآليف حسنة منها حاشية على القاموس وشرح نظم فصيح ثعلب في مجلدين وشرح على كفاية المتحفظ وحاشية على الاقتراح وشرح كافية ابن مالك وشرح شواهد الكشاف وحاشية على المطول ورحلة وجمع مسلسلاته في كتاب وهي تنوف على ثلثمائة وغير ذلك من المصنفات مما ينوف على خمسين مصنفا وله شعر لطيف ينبئ عن قدر في الفضائل منيف فمنه قوله هذه القصيدة في مدح السفر:
سافر إلى نيل المعزة | إن في السفر الظفر |
وانفر لنيل المجد فيـ | ـمن للمعالي قد نفر |
واعلم بأن المكث في الـ | ـأوطان يدعو للضجر |
ويورث الأخلاط والـ | ـأجسام أنواع الضرر |
أوما رأيت المالطو | ل المكث يعلوه الوضر |
والبدر لو لزم الاقا | مة في محل ما بدر |
والدر لو أبقوه في | قعر البحار لما افتخر |
والتبر ترب في المعا | دن وهو أفخر مدخر |
والعود معدود لدى الـ | ـغابات من جنس الشجر |
والباتر المغمود لو | لم يخرجوه لما بتر |
هذا وكم مثل سرى | في الناس من هذي العبر |
أبدى البدائع منه من | نظم القريض ومن نثر |
عن وجهها في غالب الـ | ـأسفار أسفر من سفر |
فادأب على الترحال في الـ | ـأحوال أجمعها تسر |
واعلم بأن البعد عن | وطن به تم الوطر |
وأغرب بشرق وأشرقن | في الغرب إن تك ذا نظر |
واجعل جميع الناس أز | رك والثرى طرا فذر |
لا تؤثرن بدوا ولا | حضرا وكن مع ما حضر |
فالبدو عز واللطا | فة والظرافة في الحضر |
فإذا بدوت فكل عز | باذخ فيك استقر |
وإذا حضرت فكل ظر | ف ظرفه لك مستقر |
لا تبك الفالا ولا | دارا ولا رسما دثر |
فالناس الفك كلهم | والأرض أجمعها مقر |
فمتى وجدت العز والـ | ـعيش الهني أقم تبر |
ومتى رأيت الضد والصـ | ـد الخفي فدع وذر |
واجعل بضاعتك التقى | مع من أسر ومن جهر |
فإذا اتقيت الله فز | ت بكل كنز مدخر |
ألا ليت شعري هل أرى البيت معلما | وهل أردن يوما على الري زمزما |
ومن لي بحج البيت في خير معشر | حدا بهم الحادي وغنى وزمزما |
ومن لي بأن أمسى على حجراته | وأصبح ممن للمغاني به انتمى |
ومن لي بالخل الذي قد ألفته | فندعى جهارا أنتما القصد أنتما |
نطوف بذاك البيت طورا وتارة | نلم بهاتيك البقاع فنلثما |
وآونة نأتي إلى الحجر الذي | سما قدره حتى تطاول للسما |
نعفر فيه الخد والوجه كله | ولست أرى ممن يخص به فما |
وطورا نصلي ثم نسعى إلى الصفا | لنصفي الفؤاد المستهام المتيما |
ونسرع كي نلقي المنى ولدى مني | نخيم فيمن كان لليمن خيما |
ونجني ثمار العرف من عرفاته | ونغرف منه الخير غرفا معمما |
ونبرأ من كل العقاب إذا دنت | عقاب جمار تحرق الذنب أينما |
وتصبح فيمن بر لله حجه | وأصبح في تلك الرياض منعما |
ويا ليت شعري هل أرى طيبة التي | بها طابت الأكوان نجدا وأتهما |
وهل تبصر القبر الشريف محاجري | فأصبح فيه منشدا مترنما |
أخاطبه جهرا وأسأل ما أشا | وأرجو حصول السؤل منه متمما |
ويسعدني القول البليغ فأتثنى | إذا ما نظمت القول فيه تنظما |
وارجع مملوء الحقائب غامرا | بما شئت من علم وحلم وما وما |
وتخد مني الدنيا وأصبح في غد | لدى رتبة شماء في منزل سما |
تحف بي الأملاك من كل جانب | لدى جنة الفردوس فوزا معظما |
فتربح هاتيك التجارة كلها | ويغنم مولاها ابتداء ومختما |
وأهدى إلى خير الأنام محمد | سلاما بعرف الطيبات مختما |
عين ماضي بها عيون مواضي | فاعلات فعل السيوف المواضي |
والتفات الغزال لما غزا لي | صائلا صولة الأسود المواضي |
وقدود تزهو إذا قدت القلـ | ـب ازدهاء الأغصان بين الرياض |
ورد الربيع فمرحبا بوروده | وبنور بهجته ونور وروده |
وبحسن منظره وطيب نسيمه | وأنيق مبسمه ووشي بروده |
فصل إذا افتخر الزمان فإنه | إنسان مقلته وبيت قصيده |
يعني المزاج عن العلاج نسيمه | باللطف عند هبوبه وركوده |
يا حبذا أزهاره وثماره | ونبات ناجمه وحب حصيده |
وتجاوب الأطيار في أشجاره | كبنات معبد في مواجب عوده |
والغصن قد كسى الغلائل بعدما | أخذت يدا كانون في تجريده |
نال الصبا بعد المشيب وقد جرى | ماء الشبيبة في منابت عوده |
والورد في أعلى الغصون كأنه | ملك تحف به سراة جنوده |
وكأنما الأقاح سمط لآلئ | هو للقضيب قلادة في جيده |
والياسمين كعاشق قد شفه | جور الحبيب بهجره وصدوده |
وانظر لنرجسه الجني كأنه | طرف تنبه بعد طول هجوده |
واعجب لآذربونه وبهاره | كالتبر يزهو باختلاف نقوده |
وانظر إلى المنثور في منظومه | متنوعا بفصوله وعقوده |
أوما ترى الغيم الرقيق وقد بدا | للعين من أشكاله وطروده |
والسحب تعقد في السماء مآتما | والأرض في عرس الزمان وعيده |
ندبت فشق لها الشقيق جيوبه | وأزرق سوسنها للطم خدوده |
هديت إلى الصراط المستقيم | فجئت لحجة البيت العظيم |
وعند الحجر قال الحجر أبشر | فقد حطمت ذنوبك بالحطيم |
دار البشائر الإسلامية / دار ابن حزم-ط 3( 1988) , ج: 4- ص: 91