التصنيفات

السيد محمد الكردي ابن عيسى الحسيني الحنفي الكردي الأصل القدسي هذا الأديب افتر ثغر الزمان عن درره وابتهج بما يبديه من لطائف نظامه ونثاره كان شاعرا فاضلا له واسع اطلاع وحسن نباهة وبداهة أحد أفراد مصره في عصره مجيد في النظام والأدب له اجتهاد في العلوم وباع ذكي الطبع حسن السمت حلو المسامرة يرغب في مسامرته الكرام والصدور وتبتهج بروائع رشحات أقلامه وجوه الصحائف والسطور وكان بالقدس ممن اشتهر بالفضائل خصوصا بفنون الأدب وارتحل إلى الروم ولم يطل المكث هناك وعاد إلى بلدته وكان يلازم المسجد الأقصى ووالده أحد الصلحاء من العالم وولده المترجم نثره ونظمه كل منهما باللطافة والرقة ممزوج ومشمول فمما وصلني من ذلك ما كتبه إلى السيد فتح الله الفلاقنسي الدفتري بدمشق حين وفوده من الروم

ومن نثره
لما هتف بريد السعد وأعلن بشير الجد والمجد وتزايد وافر الشوق والوجد وسرت إذ سرت مسرة الفتح المبين ماست عروس الشام في حلل الجمال وقبلها البهاء من الجبهة إلى الخلخال وعلت روضة النيرين على النيرين بأفق الكمال وتناهت وتباهت بذروة العزة والتمكين وقامت خطباء الطير على منابر الغصون وهتفت سواجع الورق فحركت سواكن الشجون وأطرب فأعرب كل صادح بلحن غير ملحون ونادى منادي المجد بنادي السعد أهلا بفخر القادمين تفطرت أكباد الأعداء والحساد وأشرقت أرجاء الوهاد والمهاد واطمأنت القلوب وتلت ألسن العباد والعباد فرحا بنيل الأماني والتهاني ادخلوها بسلام آمنين هذا أجل ما تنظره العيون وترقبه هواجس الخواطر والظنون وتطلبه الحامدون الراكعون الساجدون على رغم أنف كل حسود هو في هاوية الغيظ رهين فلله الحمد على نعمه العميمة وأجلها هذه النعمة العظيمة وله الشكر على سننه الكريمة التي قرت بها أعين المحبين وبعد لثم الأعتاب السنية أقبل بناديكم كل راحة ندية وأهدى أكمل تحيات وتكريمات ندية لكل أخ وعم وأبنائهم وتابع وخدين أدام الله تعالى حفظ الجميع وأبقاكم على ذروة العز الرفيع وخلد أعداءكم في الحضيض الوضيع بجاه أشرف النبيين والمرسلين واستاذنا معدن العرفان والتحقيق سبط الحسنين وصفوة الصديق يهدي لكم وللأخوة وابن العم الشقيق مع دعاء ومدد مدى المدد بهما يتأبد التمكين ومولانا السيد فضل الله العلمي أجل مخلص يهدي التحية ودمتم ملاذا للخائفين والطائفين والعاكفين
أقول بعد لثم راحة تناولت زهر الكواكب ونابت عن الغيث فسحت وما شحت بخمس سحائب يا مولاي المتطول بأياديه المتفضل بما غمرتني غواديه المرتدي بأثواب الجلال المبتدئ بالعطاء قبل السؤال لم أستطع تمثيل حمدك ومدحك ولم أطق وصف ذرة من أفضالك ومنحك فلقد أتعرت مواردي ومناهلي وحملتني من حقائب الجود ما أثقل كاهلي
ولما تشرفت العيون بكريكم المرسوم وأوصلنا داعيكم ما به مرسوم كل عن الشكر بناني ولساني وأعلن بالأدعية المقبولة جناني لأني كلما فرغت من شكر يد كثر مددها وصلتها بأياد جزيلة أعد منها ولا أعددها فلا تحدث لي بعدها زياده وأرفق بعبدك فقد ملك العجز قياده
وما عسى مادحك أن يقول يا من بهر بحسن مناقبه العقول المتكلم يعجز عن وصفك يراعه والبليغ يقصر عن حصر وصفك باعه على أن كلا لو استعار لسانا واتخذ الريح في نقل أخبارك ترجمانا أدركه الملال ولم يصل إلى غايتك وأعياه الكلال دون الوقوف عند نهايتك فالله يتولى مكافأتك بما هو أبلغ من شكر الناس ويمتع الأحباء ببقاء ذاتك التي جلت عن النعت والقياس آمين بجاه أشرف المرسلين
وقال مادحا له
وهي طويلة وله غير ذلك وكانت وفاته بالقدس سنة خمس وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.

  • دار البشائر الإسلامية / دار ابن حزم-ط 3( 1988) , ج: 4- ص: 81