محمد الحصري ابن السيد عمر ابن السيد أبي بكر المعروف بالحصري الدمشقي سبط البكري الحسيني كان من خلاصة الأدباء النبهاء فاضلا لوذعيا ماهرا ترجمه الأمين المحبي في نفحته وقال في وصفه نسيب تناسب فيه المدح والنسيب وحسيب ما مثله في كرم الطباع حسيب له همة سابغة المطارف وسيادة موصولة التالد بالطارف مروق الأخلاق صافيها مشمول الشمائل ضافيها تكاد ترى وجهك في خصاله ولا تغبن إذ أشريت بنوم العيون يوم وصاله وله أدب يطر اطراد الغدير حفت به خضر الوشائع وحديث كأنه جني النحل ممزوج بماء الوقائع وبيني وبينه ود صميم طيب العرف والشميم استدعى الأمل الأيام للقياه ولو في الأحلام وقد وقفت له على شعر قليل فأثبت منه ما هو لرأس المجد اكليل انتهى مقاله وقد اطلعت أنا على ديوانه ومتعت طرفي في عقود منظومه التي نظمها صائغ يراعه وبنانه فمن ذلك قوله من قصيدة مطلعها
أتى وظلام الليل ولي مبددا | فراح ولم يشف الغليل من الصدى |
وولي وما حققته دهشة به | فمن لي بذاك الطيف لو عاد أحمدا |
أعيد ارقادي يا خليلي كي أرى | خيال حبيب بالجمال تفردا |
بهي جمال بالمحاسن فاتن | إذا ما بدا كالظبي أحور أغيدا |
يفوق ضياء الصبح واضح فرقه | وكالليل إن أرخى من الشعر أجعدا |
هو الشمس لكن إن رأت نور وجهه | بدور السما خرت على الأرض سجدا |
من الترك مياد القوام مهفهف | يفوق غصون البان لينا إذا بدا |
يهز علي الرمح وهو أخو الرشا | ويبرز من لحظيه سيفا مجردا |
غزال غزا قلبي بماضي لحاظه | فصرت باشراك الجفون مقيدا |
جفاني بلا ذنب ملحا بهجره | فأضحى اصطباري في هواه مشردا |
وأصبح قلبي بالصبابة هائما | وأمسى بفيض الدمع جفني مسهدا |
فهل باخل بالوصل يسمح باللقا | لصب بسكر الشوق ضل عن الهدى |
لعمري إذا رمت الهدى بعد حيرة | فمدحك مولى في البرية أوحدا |
هو المنهل العذب الذي فاض فيضه | وقد ملأ الآفاق مجدا وسؤددا |
علي المفدى كامل الفضل والحجا | وحيد العلا بالمكرمات تعودا |
حاز الجمال بطلعة وسناء | وسبى الأنام بمقلة وسناء |
قمر يميس من الدلال تصلفا | كتمايل النشوان بالصهباء |
إن لاح قلنا يا شموس تبرقعي | خجلا كما بدر السما بحياء |
وإذا تبسم ضاء نور ثاقب | لمن اهتدى كالبرق في الظلماء |
جمع المحاسن خده وبثغره | كنز يضئ بجوهر لألاء |
زاهي الجمال مفتر الأجفان في | سحر بدا أمر على الأمراء |
نطقت حروف الشكل أن لحاظها | تركت ببابل أعظم الأهواء |
في وجهه نور وداخل مهجتي | نار يؤججها الهوى بحشائي |
فكأنما عيني التي قد أوجبت | تأثيرها في الوجنة الحمراء |
وجنت على قلبي بلمحة ناظر | فقصاصها ترعى نجوم سماء |
أكرم بجيد حشوه جود يرى | والصدر بيت العلم والانشاء |
حاوي المكارم والمفاخر والعلا | بحر طمى قدوة الفضلاء |
المورد العذب الذي من فيضه | بحران بحر ندى وبحر سخاء |
قاض يعم بعدله كل الورى | وبحكمه ترك العدا بشقاء |
عمر المنازل عدله وكماله | عمر المفدى أفصح الفصحاء |
نتج الزمان به وفاق بفضله | وبجوده أربى على الأنواء |
هو مرجع يزجي إليه وحقه | هو مقصد الفضلاء والكرماء |
قلبي لصدك صابر وحمول | هيهات أني عن هواك أحول |
يا من شغفت به فعذب مهجتي | رفقا فجفني بالسهاد كحيل |
مالي سوى روحي وإن ترضى بها | يا حبذاك وإن ذا لقليل |
عيناك قد رمتا بقلبي أسهما | فلذا جفوني بالدماء تسيل |
يا قاتلي ظلما بلين قوامه | عوفيت إن يك عن دمي مسؤل |
أنت الطبيب لمن به حل الشقا | وشفاء قلبي ريقك المعسول |
قد كنت تأتي كل يوم زائرا | واليوم حتى بالسلام بخيل |
قل لي فما ذنبي وما ذاك الذي | قد كان مني فالمحب حمول |
أو أن أكن أخطأت جهلا إنني | أنا تائب والعفو منك جميل |
بالله يا ريح الصبا فاحمل له | مني الرسالة والحديث طويل |
وأخبره أن الروح من هجرانه | ذابت عليه ووصله المأمول |
سقيا لأيام الوصال فإنها | رقت كما رقت صبا وقبول |
قد كان لي فيها رقيبي شافعا | وكذا العذول إلى الحبيب رسول |
طابت كما قد طاب مدح الماجد الـ | ـمولى الممجد من نداه سجيل |
أدر المدامة يا مليك الأنفس | ممزوجة في ثغرك المتلعس |
صهباء بحلي في الكؤس كأنها | خود بدت في أحمر من أطلس |
راح حكت في اللون خد مديرها | بصفائها وشعاعها في الأكؤس |
بكر إذا باكرتها لك أولدت | سر السرور مع النديم الأكيس |
في روضة تزهو بحسن أزاهر | من سوسن وقرنفل مع نرجس |
والورد باد في الغصون كأنه | سلطان حسن جالس في مغرس |
والطير والشادي على صوتيهما | قم يا نديم أدر كؤس المجلس |
ساق كأن الله أودع حسنه | وجماله سر الجمال الأقدس |
يسبي الغزالة في السماء وفي الفلا | بجماله وبطرفه المتنعس |
وإذا مشى يختال من صلف به | أزري ببانات الغصون الميس |
وإذا رنا تيها بطرف فاتر | قالت أسود الغيل هذا مقوسي |
رشقت لواحظه بقلبي أسهما | أبدينها بحواجب هي كالقسي |
بدر إذا ما ماس في داج تخل | شمس الظهيرة أشرقت في الحندس |
يفتر عن در فتحسب في الحمى | برقا تألق في نهار مشمس |
رشأ حوى رتب الجمال كما حوى | رتب الكمال وكل فضل أقعس |
بحر الندى نجم الهدى من قد سما | عمر المفدى بالدنا والأنفس |
مولى كساه الله جل جلاله | ثوب المهابة وهي أشرف ملبس |
قلب إلى لقيا الأحبة شيق | ومدامع طول المدى تترقرق |
ونواظر ترعى النجوم فليتها | تغفو عسى منهم خيال يطرق |
وإذا سمعت بذكرهم بين الورى | فيصير قلبي من جواه يخفق |
فأموت من وجدي وأذكر ما مضى | وأذوب من حرقي ونفسي تزهق |
ولقد بكيت على التلاقي ساعة | حتى لكدت بماء جفني أشرق |
وبمهجتي رشا يميس رشاقة | كل الغصون إذا تبدى تطرق |
جدلان ساجي الطرف مهضوم الحشا | حلو الشمائل طرفه متملق |
فالبدر من لآلاء طلعته بدا | وجبينه منه الغزالة تشرق |
إن لاح طرفي شاخص لجماله | أوصال قلبي من سطاه ممزق |
ما ضر لو منع التجافي والقلى | وبوصله قد جاد وهو الأليق |
وعلام يمطل بالوصال أما يرى | قلبي له متشوف متشوق |
فإليك عني يا عذول فإنني | من جور أحكام الهوى لا أفرق |
أو ما ترى الروض البهي كأنه | نشر على وجه الرياض ورونق |
والشهب تزهو بالضياء لأنه | قد لاح نجم محمد يتألق |
الفاضل الحبر الهمام ومن له | فضل على أهل الفضائل يفرق |
خيال أتى والليل راع ظلامه | فشرد عن جفن المعني منامه |
وراح وألقى في الحشا لاعج الهوى | مقيم بقلبي حره وضرامه |
وما حققته العين من فرط دهشتي | بذاك المحيا وهو راخ لثامه |
وقد قرحت بالسهد أجفان ناظري | ودمعي على الخدين طال انسجامه |
فأصبح عما أشتكي لوعة الجفا | وأمسى سرورا عل نحوي لمامه |
إذا لاح برق في دجى الليل ساطع | وتوهم طرفي أن ذاك ابتسامه |
غزال رخيم الدل رخص بنانه | له في الحشا مرعى وقلبي مقامه |
يعير شموس الأفق من نوره كما | يعير غصون البان لينا قوامه |
ويخجل بدر التم حسنا وطلعة | وما البدر إلا عبده وغلامه |
إذا ما نضا عنه القناع مخاطبا | تقشع عن بدر الدياجي غمامه |
يجرد من سود اللواحظ أبيضا | ليجرح قلبي لحظه وحسامه |
له طرة تبدي الدجى وجبينه | يزيح عن الليل البهيم قتامه |
وقامته كالرمح والسيف ناظر | وحاجبه قوس رماني سهامه |
بدير علينا راح ثغر قد انجلت | بكأس عقيق قد حلا لي مدامه |
وقد لامني الواشي على فرط حبه | وأصعب شيء كان عندي ملامه |
يروم سلوي عن هواه وكيف لي | وبين ضلوعي وجده وغرامه |
لئن عز صبري عن لقاه فمخلصي | بمدح الذي عم البرايا اهتمامه |
قسما بأني عهده لا أفسخ | ولو أنه بالهجر وصلى ينسخ |
بأبي وبي أفديه ظبي أغيد | في حسنه بدر السماء له أخ |
ريان من ماء الشباب وخده | من مسك عارضه الأريج مضمخ |
إن ماس أزرى بالعوالي قده | وعلى غصون البان منها يجفخ |
فكأن طرته ونور جبينه | ليل دجوجي منه صبح يسلخ |
يرنو بألحاظ نوافث سحرها | شهرت مواضي للعزائم تنسخ |
علقت به روحي فعذب مهجتي | بصدوده وعن التواصل يزمخ |
ولقد كتمت هواه بين جوانحي | إذ لم أجد لي للتلاقي مصرخ |
يا للأخلا قد تزايد بعده | عني وفي هجري تراه يرضخ |
وأحل قتلة عاشقيه أما ترى | خداله بدم القلوب يضمخ |
كيف التخلص من هواه وقد غدا | للحب في جنب المتيم مرسخ |
إن لامني في حبه الواشي فلي | سمع عن التعنيف فيه أصلخ |
لم يدر أني في هواه مخلص | بمديح من في مجده يستبذخ |
الماجد الشهم الذي بفضائل | أضحت له الأعداء دوما تدنخ |
هو نجل إسمعيل من فاق الأولى | بمكارم مثل السحائب تنضخ |
صب بالهجر تهدده | قد ذاب جوى من يسعده |
والسقم براه وأنحله | فلذا ملته عوده |
سهران الطرف له رقت | في الليل نجوم تشهده |
وغدا يشدو من فرط جوى | يا ليل الصب متى غده |
يهواه الصب فيشغله | أسف للبين يردده |
قمر في القلب منازله | فعجيب عنه تباعده |
ريحان العارض فيه حوى | خطا ياقوت مجوده |
في الحسن فريد بل ملك | فتعالى الخالق موجده |
طفل لحديث السحر روى | عن بابل طرف يسنده |
رشأ ألليث بمقلته | يسطو للغاب يقيده |
يرنو باللحظ فيسحبه | للقتل دعاه مهنده |
بالله أعيذك يا أملي | من قتل شج تتعمده |
وأرفق بالقلب فإن به | جمرا قد زاد توقده |
واسمح بالغمض لعل بان | في النوم خيالك يسعده |
في قيدك قد أمسى دنفا | وأنا في ذاك مخلده |
لم ألق خلاصا منه سوى | من سام ذراه ومحتده |
أذى لآل أم عقود الجمان | أم أنجم الجوزاء أم بهرمان |
أم ذا هلال الأفق بادي السنى | أم بدر تم قد تراءى عيان |
أم بابل أهدت لنا سحرها | فالعقل مني حائر والجنان |
أم روض نوار بدا نشره | فعطر الأكوان أم عرف بان |
عاينت فيه الورد مع نرجس | فقلت ما أحسن هذا القرآن |
من حسنه قد حار عقلي ومن | نظم أتاني من بديع الزمان |
نجل المفدى والامام الذي | كالشمس معروف لقاص ودان |
بالعلم والأفضال عم الورى | نفعا وإحسانا كريم البنان |
سقيا لقبر حل فيه وقد | أسكنه الله فسيح الجنان |
وأنت يا مولاي من بعده | علامة العصر فريد الأوان |
لقد أتاني منك لغز غدا | سناؤه يسمو على النيران |
ثملت من معناه لما أتى | فمنه سكري لا ببنت الدنان |
يسال عن ورد زكا نشره | به تذكرت خدود الحسان |
وليث غاب إن سطا في الوغى | سلاحه ماض كحد السنان |
تحريفه يروى وإن درته | مساكن الأفراح في العنفوان |
وثلثه أذكرني الشاعر الـ | ـوأواء من للشعر حلي وزان |
وما بقي فالدر إن درته | وإن تحرفه فدر اللبان |
والأصل منه صدق ودأتي | ما زال مأمونا إذا القلب بان |
فما اسم شيء رق طبعا بدا | في الفضل مشهورا به يستعان |
يروق إشراقا ولكنه | يروع غربا والمراع الجبان |
له لسان أخرس كم به | كلم إنسانا بذاك اللسان |
كم شق من نهر على سابح | وهام في واد وخلى مكان |
عذب حينا في لهيب اللظى | وكم رأى من طارق في الزمان |
وصبره صيره راقيا | وماضي الأحكام في كل آن |
طورا تراه راكعا ساجدا | مع المصلين اماما عيان |
فياله من عالم إن رأى | متنا فيشرحه بحسن البيان |
مدبج اللون يرى أخضرا | وأبيضا في حمرة الارجوان |
تصحيفه وصف لأنعامكم | وذا حنين أم حياء وصان |
ضم حواشيا غدت سورة | وقلب باقيه طبيب يدان |
لم يخش من شيء ولكنه | إن طاح منه الرأس فالموت حان |
وهو رباعي ولكن إذا | للربع تحسبه تجده ثمان |
وربعه الثاني فصحف ترى | نبتا بدا تلقاه قبل الأوان |
وما بقي منه بمقلوبه | وهو الذي معناه في الصدر بان |
بينه واكشف سر ما قد خفي | منه وحليه بعقد جمان |
لا زلت تسمو للعلا راقيا | إلى مقام دونه الفرقدان |
ما حل لغزا فاضل ذو ذكا | بدر ألفاظ وسحر البيان |
عهدي على أني المقيم بعهده | ولو أنه قد الفؤاد بقده |
بأبي وبي أفديه بدرا مشرقا | بدر السما أضحى لديه كعبده |
درى الثنايا تحت شفته بدا | خال توارى من تلهب خده |
أصلى الفؤاد بنار وجد أضرمت | لا تنطفي إلا بمرشف برده |
لي في هواه شواهد دلت على | تلفى برقة خصره وببنده |
لا أنتهي عن حبه لو قطعت | أحشاي من جور الغرام وصده |
هو بغيتي بل منيتي ومنيتي | وضلال قلبي فيه غاية رشده |
وتكللت وجنات من أحببته | عرقا ففاح المسك من نفحاتها |
وأتت عوارض حسنة تبدي لنا | قسما بروضة خده ونباتها |
من سيج ورد خده بالآس | حتى مرضي أعياه طب الآسى |
أقسمت عليك بالهوى يا أملي | دارك رمقي ولا تكن لي آسى |
يا أخا الوجد لو تعاين ما بي | كنت ترثى لحالتي وشجوني |
وجه حبى مع الظعائن سارا | فاتنالي وحاجب مقرون |
رب بدر سبي الأنام بحسن | وبقد كغصن بان تثنى |
قالت الشمس منذ لاح مضيئا | هو أرقى من نور وجهي وأسنى |
بالروح أفديه حبيبا غدا | ناء عن المضنى بلا ذنب |
من لحظه والقد لا تسألوا | ما منهما قد حل بالقلب |
دار البشائر الإسلامية / دار ابن حزم-ط 3( 1988) , ج: 4- ص: 74