محمد العطار ابن عبيد بن عبد الله بن عسكر القاري الأصل الدمشقي الشهير بالعطار الشافعي الفاضل الشاب الصالح كان بارعا أديبا نبيها حسن الطبع والأخلاق مشتغلا بالتقوى والعبادة راضيا بالقليل قنوعا ولد بدمشق سنة ثلاثين ومائة وألف ونشأ بها وطلب العلم فأخذ عن الجمال عبد الله بن زين الدين البصروي والشهاب أحمد بن علي المنيني والشيخ علي بن أحمد الكزبري والشيخ محمد بن أحمد قولقسز والشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري وعن غيرهم وحصل له فضيلة تامة وكان تاركا لما لا يعنيه إلى أن مات وله شعر رقيق اطلعت عليه بعده فمن ذلك قوله
قسما بمبسم ثغرك الوضاح | وبما حوى من لؤلؤ وأقاح |
وبطيب راح من لماك يزينها | حبب فواظمئي لتلك الراح |
وبطرة لك كالظلام وغرة | بين الدياجي أسفرت كصباح |
وبنرجس من ناظريك وأسهم | تبري فؤاد الهائم الملتاح |
وبحاجب كالقوس يحمي وجنتيـ | ـك من اجتناء الورد والتفاح |
وبخالك الزنجي حارس ورد خـ | ـديك الجني وورده الفواح |
وبجيدك الفضي وقامتك التي | فتكت ضواري الأسد فتك رماح |
ما حلت عنك ولا سلوت محاسنا | لك تجذب الأرواح من أشباح |
كم ذا تطيل عذاب صب قد غدا | بهواك مقتولا بغير سلاح |
أمرنح الأعطاف يكفي ما جرى | رفقا فما سفك الدما بمباح |
حكمت أسياف الجفا بجوارحي | وأمرتها أن تعتني بجراحي |
وتركتني ملقى على فرش الضنى | دنفا أكابد لوعة الأتراح |
من منقذي من نار هجرك يا رشا | خضعت لسطوته أسود كفاح |
ماذا يضرك لو رحمت متيما | رق العذول لحاله واللاحي |
فأعطف علي بطيب وصلك كي به | تتبدل الأحزان بالأفراح |
غزال غزاني بالمحاسن والبها | يريني قسي الفتك من قوس حاجبه |
تلفت نحوي بعد أن راش أسهما | فياليتها غاصت بمقلة حاجبه |
حديقة أنس زهت منظرا | ونشر شذاها غدا عابقا |
أقمنا بها نجتلي حسنها | ونرشف من كأسها الرائقا |
فبادر إلى وردها واجتنى | وإياك إياك والعائقا |
دار البشائر الإسلامية / دار ابن حزم-ط 3( 1988) , ج: 4- ص: 61