ابن هبيرة يحيى بن (هبيرة بن) محمد بن هبيرة الذهلى الشيبانى، أبو المظفر، عون الدين: من كبار الوزراء فى الدولة العباسية. عالم بالفقه والأدب. له نظم جيد. ولد فى قرية من أعمال دجيل (بالعراق) ودخل بغداد فى صباه، فتعلم صناعة الإشياء، وقرأ التاريخ والأدب وعلوم الدين. واتصل بالمقتفى لأمر الله، فولاه بعض الأعمال، وظهرت كفاءته، فارتفعت مكانته. ثم استوزره المقتفى (سنة 544هـ) وكان يقول: ما وزر لبنى العباس مثله. وهو الذى لقبه بعون الدين؛ وكان لقبه جلال الدين؛ ونعته بالوزير العالم العادل. وقام ابن هبيرة بشؤون الوزارة حكما وسياسة وإدارة، أفضل قيام. وتوفرت له أسباب السعادة. ولما توفى المقتفى وبويع المستنجد، أقره فى الوزارة، وعرف قدره؛ فاستمر فى نعمة وحسن تصرف بالأمور، إلى أن توفى ببغداد. وكان مكرما لأهل العلم، يحضر مجلسه الفضلاء على اختلاف فنونهم. وصنف كتبا، منها (الإيضاح والتبيين فى اختلاف الأئمة المجتهدين -خ) و (الإشراف على مذاهب الأشراف -خ) فقه، و (الإفصاح عن معانى الصحاح -ط) الجزآن الأول والثانى، و (المقتصد) فى النحو، شرحه ابن الخشاب فى أربع مجلدات، و (العبادات) فى الفقه على مذهب أحمد، وأرجوزة فى (المقصور والممدود) وأرجوزة فى (علم الخط) واختصر (إصلاح المنطق) لابن السكيت. وأخباره كثيرة جدا. ولابن المرستانية (عبيد الله بن على) كتاب فى (سيرته) نقل عنه ابن خلكان وابن رجب. وكان ابن الجوزى من تلاميذه، فجمع بعض فوائده وما سمع منه، فى كتاب (المقتبس من الفوائد العونية) نسبة إلى لقبه (عون الدين) وأورد له كلمات مختارة، منها (احذروا مصارع العقول، عند التهاب الشهوات) وذكر له شعرا، منه قوله:

وأشار (ابن رجب) إلى كثرة ما مدحه به الشعراء، وأن قصائدهم جمعت فى مجلدات، فلما بيعت كتبه، بعد موته، اشتراها حاسد له، فغسلها.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 8- ص: 175

الوزير عون الدين بن هبيرة اسمه: يحيى بن محمد بن هبيرة، يأتي ذكره إن شاء الله في حرف الياء في مكانه.
وابنه: محمد بن يحيى.
وأخو الوزير المذكور: مكي بن محمد.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 27- ص: 0

ابن هبيرة لوزير الكامل، الإمام العالم العادل، عون الدين، يمين الخلافة، أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعيد بن الحسن بن جهم، الشيباني الدوري العراقي الحنبلي، صاحب التصانيف.
مولده بقرية بني أوقر من الدور أحد أعمال العراق في سنة تسع وتسعين وأربع مائة.
ودخل بغداد في صباه، وطلب العلم، وجالس الفقهاء، وتفقه بأبي الحسين بن القاضي أبي يعلى والأدباء، وسمع الحديث، وتلا بالسبع، وشارك في علوم الإسلام، ومهر في اللغة، وكان يعرف المذهب والعربية والعروض، سلفيا أثريا، ثم إنه أمضه الفقر، فتعرض للكتابة، وتقدم، وترقى، وصار مشارف الخزانة، ثم ولي ديوان الزمام للمقتفي لأمر الله، ثم وزر له في سنة544، واستمر ووزر من بعده لابنه المستنجد.
وكان دينا خيرا متعبدا عاقلا وقورا متواضعا، جزل الرأي، بارا بالعلماء، مكبا مع أعباء الوزارة على العلم وتدوينه، كبير الشأن، حسنة الزمان.
سمع أبا عثمان بن ملة، وهبة الله بن الحصين، وخلقا بعدهما.
وسمع الكثير في دولته، واستحضر المشايخ، وبجلهم، وبذل لهم.
قال ابن الجوزي: كان يجتهد في اتباع الصواب، ويحذر من الظلم ولا يلبس الحرير، قال لي: لما رجعت من الحلة، دخلت على المقتفي، فقال لي: ادخل هذا البيت، وغير ثيابك، فدخلت، فإذا خادم وفراش معهم خلع الحرير، فقلت: والله ما ألبسها. فخرج الخادم،
فأخبر الخليفة، فسمعت صوته يقول: قد -والله- قلت: إنه ما يلبسه. وكان المقتفي معجبا به، ولما استخلف المستنجد، دخل ابن هبيرة عليه، فقال: يكفي في إخلاصي أني ما حابيتك في زمن أبيك، فقال: صدقت.
قال: وقال مرجان الخادم: سمعت المستنجد بالله ينشد وزيره وقد قام بين يديه في أثناء مفاوضة ترجع إلى تقرير قواعد الدين والصلاح، وأنشده لنفسه:

قال ابن الجوزي: وكان مبالغا في تحصيل التعظيم للدولة، قامعا للمخالفين بأنواع الحيل، حسم أمور السلاطين السلجوقية، وقد كان آذاه شحنة في صباه، فلما وزر، استحضره وأكرمه، وكان يتحدث بنعم الله، ويذكر في منصبه شدة فقره القديم، وقال: نزلت يوما إلى دجلة وليس معي رغيف أعبر به. وكان يكثر مجالسة العلماء والفقراء، ويبذل لهم الأموال، فكانت السنة تدور وعليه ديون، وقال: ما وجبت علي زكاة قط. وكان إذا استفاد شيئا من العلم، قال: أفادنيه فلان. وقد أفدته معنى حديث، فكان يقول: أفادنيه ابن الجوزي، فكنت أستحييى، وجعل لي مجلسا في داره كل جمعة، ويأذن للعامة في الحضور، وكان بعض الفقراء يقرأ عنده كثيرا، فأعجبه، وقال لزوجته: أريد أن أزوجه بابنتي، فغضبت الأم. وكان يقرأ عنده الحديث كل يوم بعد العصر، فحضر فقيه مالكي، فذكرت مسألة، فخالف فيها الجمع، وأصر، فقال الوزير: أحمار أنت! أما ترى الكل يخالفونك؟! فلما كان من الغد، قال للجماعة: إنه جرى مني بالأمس في حق هذا الرجل ما لا يليق، فليقل لي كما قلت له، فما أنا إلا كأحدكم، فضج المجلس بالبكاء، واعتذر الفقيه، قال: أنا أولى بالاعتذار، وجعل يقول: القصاص القصاص، فلم يزل حتى قال يوسف الدمشقي: إذ أبى القصاص فالفداء، فقال الوزير: له حكمه. فقال الفقيه: نعمك علي كثيرة، فأي حكم بقي لي ؟ قال: لا بد. قال: علي دين مائة دينار. فأعطاه مائةي دينار، وقال: مائة لإبراء ذمته، ومائة لإبراء ذمتي.
وما أحلى شعر الحيص بيص فيه حيث يقول:
قال ابن الجوزي: كان الوزير يتأسف على ما مضى، ويندم على ما دخل فيه، ولقد قال لي: كان عندنا بالقرية مسجد فيه نخلة تحمل ألف رطل، فحدثت نفسي أن أقيم في ذلك المسجد، وقلت لأخي مجد الدين: أقعد أنا وأنت، وحاصلها يكفينا، ثم انظر إلى ما صرت. ثم صار يسأل الله الشهادة، ويتعرض لأسبابها، وفي ليلة ثالث عشر جمادى الأولى سنة ستين وخمس مائة استيقظ وقت السحر، فقاء، فحضر طيبه ابن رشادة، فسقاه شيئا، فيقال: إنه سمه، فمات، وسقي الطبيب بعده بنصف سنة سما، فكان يقول: سقيت فسقيت، فمات، ورأيت أنا وقت الفجر كأني في دار الوزير وهو جالس، فدخل رجل بيده حربة، فضربه بها، فخرج الدم كالفوارة، فالتفت فإذا خاتم ذهب، فأخذته، وقلت: لمن أعطيه؟ أنتظر خادما يخرج فأسلمه إليه، فانتبهت، فأخبرت من كان معي، فما استتممت الحديث حتى جاء رجل، فقال: مات الوزير، فقال رجل: هذا محال، أنا فارقته في عافية أمس العصر، فنفذوا إلي، وقال لي ولده: لا بد أن تغسله، فغسلته، ورفعت يده ليدخل الماء في مغابنه، فسقط الخاتم من يده حيث رأيت ذلك الخاتم، ورأيت آثارا بجسده ووجهه تدل على أنه مسموم، وحملت جنازته إلى جامع القصر، وخرج معه جمع لم نره لمخلوق قط، وكثر البكاء عليه لما كان يفعله من البر والعدل، ورثته الشعراء.
قلت: له كتاب ’’الإفصاح’’ عن معاني ’’الصحاح’’ شرح فيه ’’صحيحي البخاري ومسلم’’ في عشر مجلدات، وألف كتاب ’’العبادات’’ على مذهب أحمد، وله أرجوزة في ’’المقصور والممدود’’، وأخرى في ’’علم الخط’’، واختصر كتاب ’’إصلاح المنطق’’ لابن السكيت.
وقيل: إن الحيص بيص دخل على الوزير، فقال الوزير: قد نظمت بيتين، فعززهما:
فقال الحيص بيص بديها:
قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: وقد اضطر ورثة الوزير ابن هبيرة إلى بيع ثيابهم وأثاثهم، وبيعت كتب الوزير الموقوفة على مدرسته، حتى لقد أبيع البستان لأبي الليث السمرقندي في الرقائق بخط منسوب وكان مذهبا بدانقين وحبة، وقيمته عشرة دنانير، فقال واحد: ما أرخص هذا البستان! فقال جمال الدين بن الحصين: لثقل ما عليه من الخراج يشير إلى الوقفية فأخذ وضرب وحبس.
قلت: وزر بعده الوزير أبو جعفر أحمد بن البلدي، فشرع في تتبع بني هبيرة، فقبض على ولدي عون الدين محمد وظفر، ثم قتلهما، وجرى بلاء عظيم، نسأل الله السلامة بمنه.
قرأت على أحمد بن إسحاق بن الوبري، أخبرك الحسن بن إسحاق الكاتب، أخبرنا أبو المظفر يحيى بن محمد الوزير قال: قرأت على المقتفي لأمر الله محمد بن أحمد العباسي، حدثكم أبو البركات أحمد بن عبد الوهاب السيبي، أخبرنا عبد الله بن محمد الصريفيني وأخبرنا أحمد أخبرنا المبارك بن أبي الجود، أخبرنا أحمد بن أبي غالب، أخبرنا عبد العزيز بن علي، قالا: أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا أبو حامد الحضرمي، حدثنا عيسى بن مساور، حدثنا يغنم بن سالم، حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ’’طوبى لمن رآني وآمن بي، ومن رأى من رآني، ومن رأى من رأى من رآني’’.
هذا الحديث تساعي لنا، لكنه واه لضعف يغنم، فإنه مجمع على تركه.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 15- ص: 172

والوزير العالم عون الدين أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة الشيباني

  • دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 168