التصنيفات

السيد فتحي الدفتري السيد فتحي ابن السيد محمد ابن السيد محمد بن محمود الحنفي الفلاقنسي الأصل الدمشقي المولد الدفتري الصدر الكبير من ازدان به الدهر وتباهى به العصر الهمام الجبهذ صاحب الدولة والشهامة الندب المقدام المبجل المعظم الوقور المحتشم كان بدمشق صدر أعيانها وواسطة عقد رؤسائها يشار إليه بالبنان في كل حين وآن وقد اشتهر بمحاسن الشيم والشهامة والجرأة والاقدام وهابته الصناديد من الرجال وترقى إلى شوامخ المعالي وتسنم ذرى باذخة رفيعة مع معارف بنان ولسان ونباهة وطلاقة وذكاء وبشاشة ولطافة مجد أثيل وعز وجاه عز عن التمثيل ورزق الاقبال التام والحظوة مع الثروة وصار دفتريا بدمشق مدة سنوات وتولى تولية وقفي السليمانية وتصدر بدمشق وكان المرجع بها في الأمور وهو المدبر لأمور الملأ والجمهور وصار المآب في المهمات والموئل لأولي الحاجات وكانت دولته من ألطف الدول وله الخدام الكثيرة والأتباع واتساع الدائرة وكان يصطحب من العلماء والأفاضل شرذمة أجلاء وكذلك من الأدباء البارعين زمرة اكتسوا بجلابيب الآداب والفضائل وعنده من الكتاب فئة حشواها بهم اتقان الخطوط مع مزية المعارف وكذلك جملة من أرباب المعارف والموسيقى والألحان ومن المجاز والمضحكين جملة وبالجملة فقد كانت داره منتزه الأرواح ومنتدى الأفراح والذي بلغه من السمو والرفعة والشأن والجاه وغير ذلك لم يتناوله الأوائل وأتعب وأعجز الأواخر وامتدحته الشعراء من البلاد واشتهر صيته في الآفاق وبين العباد وقد ترجمه من امتدحه من الشعراء من دمشق وغيرها أخص أخصائه وأحد ندمائه الأديب الشيخ سعيد السمان الدمشقي في كتاب سماه الروض النافح فيما ورد على الفتح من المدائح وترجمه في أوله غير أنه كان ظلمه عام وأتباعه متشاهرين بالفساد والفسوق وشرب الخمر وهتك الحرمات وهو أيضا متجاهر بالمظالم لا يبالي من دعوة مظلوم ولا يتجنب الأذى والتعدي ونسب إلى شرب الخمر أيضا وغير ذلك لكن كانت له جسارة واقدام ونفع في بعض الأوقات للأنام ومن آثاره في دمشق المدرسة التي في محلة القيمرية والحمام في محلة ميدان الحصا وتجد يد منارتي السليمانية وغير ذلك وكان ذا انشاء بديع حسن لطيف مستحسن فمن ذلك قوله

وكتب للمولى خليل الصديقي مهنيا له برمضان بقوله
وكتب له
فأجابه المولى المذكور بقوله
ثم كتب له مهنيا بشفاء من علة تشكاها بقوله
فأجابه المترجم بقوله
وكتب المذكور الصديقي المترجم أيضا
فأجابه بقوله
ولصاحب الترجمة
وله في الشيب
هو من قول دعبل
وفي الشيب للمعري
وللعمادي فيه
ولدعبل فيه أيضا
وللمترجم في طول النهار في الصيام
وللبارع السيد مصطفى الصمادي في ذلك
قوله وكان يوشع إلى آخره من قول أبي تمام
وللسيد مصطفى المذكور في المعنى المذكور أيضا
وللأديب عبد الحي الخال
وله أيضا
ولأبن الرومي
وله أيضا
وقد رد عليه الأستاذ عبد الغني النابلسي بقوله
وللمترجم
وله أيضا
قد شطر هذه الأبيات جماعة من فضلاء دمشق فمنهم المولى خليل أفندي الصديقي حيث قال
ومنهم المولى حامد العمادي فقال مشطرا
ومنهم المولى السيد عبد الرحمن الكيلاني
ولأخيه السيد يعقوب الكيلاني مشطرا أيضا
ولصاحب الترجمة
قوله وإني الآن إلى آخره هو من قول ابن الأثير
ومن ذلك قول المولى الصديقي المار ذكره آنفا
وللشيخ سعدي العمري
وللسيد مصطفى الصمادي
وللشيخ صادق الخراط
وله وقد نقله لتعثر الفكر
ولأخيه الشيخ محمد أمين الخراط
ولما كان المترجم يراجع في الأمور حتى من الوزراء والصدور طالت دولته وعظمت عليه من الله نعمته واشتهر صيته وعلا قدره ونشر ذكره لكنه كان يتصدى للاستطالة في أفعاله وأقواله فلذلك كانت أقرانه وغيرهم يريدون وقوعه في المهالك لكونه كان يعارضهم ولما توفي الوزير سليمان باشا العظم والي دمشق الشام وأمير الحاج وجاء من قبل الدولة الأمر بضبط أمواله ومتروكاته نسب المترجم إلى أمور في ذلك الوقت ففي خلال تلك السنة تولى دمشق حاكما وأميرا للحاج ابن أخيه الوزير أسعد باشا العظم وكان أولا حاكما في حماه فأكمد للمترجم فعله المنسوب إليه حين وفاة عمه المذكور ولم يره إلا ما يسره وكان المترجم في ذلك الوقت منتميا لي أوجاق اليرليه المحلية وكان الأوجاق في ذلك الحين قوا قائمه وجيوشه بالفساد متلاطمة واليرلية مجتمعون عصبة وجموع يذل لهم أكبر قوم بالمذلة والخضوع قد أبادوا أهل العرض وانتهكوا الحرمات وأباحوا المحرمات وأتاحوا المفسدات ولم يزالوا في ازدياد مما بهم حتى عم فسادهم البلاد والعباد وكانت رؤساهم زمرة ضالة وفئة متمردة وكلهم ينطقون بلسان واحد كأنهم روح في جسم واحد وصاحب الترجمة يوليهم مكرماته ويمنحهم احسانه وانعاماته وهم لبابه وفود قد اتخذوه عضدا وجعلوه ركنا وسندا وأرباب العقول في دمشق في هم وكدر وخوف وحذر كل منهم متحير في أمره ومتخوف من هذا الحال وعواقب شره ووالي دمشق وأمير الحاج أسعد باشا المذكور ناظر لهذه الفعال متحير من تلك الأحوال لأن الشقي منهم كان إذ ذاك يجئ إلى حبس السرايا سراي ويخرج من أراد من المحبوسين من غير إذن أحد علنا وقهرا وإذا مر الوزير المذكور بهم وهم جالسون لا يلتفتون إليه ولا يقومون له من مجالسهم عند مروره بهم بل يتكلمون في حقه بما لا يليق بمسمع منه فيحتمل مكارههم ولا يسعه إلا السكوت واستمر أمرهم على ذلك إلى أن كتب في شأنهم للدولة العلية فورد الأمر بقتلهم وإبادتهم فأخفاه الوزير مدة ثم بعد ذلك أظهره وشرع في قتلهم وإبادتهم وأعطاه الله النصر وفرجت عن أهالي دمشق الشدائد وأزاح الله هذه الظلمات بمصابيح النصر والفتوحات ثم بعد أشهر قليلة كتب الوزير المذكور إلى الدولة العلية بخصوص صاحب الترجمة وما هو عليه وأرسل الأوراق التي في حقه مع علي بك كول أحمد باشا وكان ذلك بتدبير خليل أفندي الصديقي وأعيان دمشق ثم صادف إن صاحب الدولة كان حسن باشا الوزير وكان يبغض المترجم لكونه لما جاء قريب المذكور أحمد أغا أغت أوجاق الينكجرية طرده وصار آخرا وزيرا فأدخل للسلطان أحواله وعرفه طبق مكاتبة أسعد باشا وكان أسعد باشا ضمن للدولة تركته بألف كيس ثم جاء الخبر بقتله وكان قبل ذلك صار من أهل دمشق عرض في خصوصه فلم يفد ولما وصل كان هو باسلامبول فأعطى العرض له ولما جاء لدمشق صار يخرجه وينتقم ممن اسمه مكتوب فيه وكان السبب في ذلك وجود آغت دار السعادة السلطانية قوجه بشير أغا وكان المترجم منتميا إليه وكان للأغا المذكور نظر على المترجم وحماية فصادف حين كتب الوزير المومي إليه ثانيا إن بشير أغا توفي وحان المقدور وآن وقته فجاء الأمر بقتله ولما وصل الأمر جئ بالمترجم إلى سراي دمشق وخنق في دهليز الخزنة التي عند حرم السرايا وقطع رأسه وأرسل للدولة وطيف بجثته في دمشق ثلاثة أيام في شوارعها وأزقتها مكشوف البدن عريانا وضبط تركته الوزير المذكور للدولة العلية فبلغت شيئا كثيرا وقتل بعض أتباعه وخدامه وضبطت كذلك أموالهم وتفرق الباقون أيدي سبأ كأن لم يكونوا وانقضت دولته كأنها طيف خيال أو لمعان آل وكان قتله يوم الأحد بعد العصر بساعة خامس عشر جمادي الثانية سنة تسع وخمسين ومائة وألف وساعة قتله صارت زلزلة جزئية وآخرا بعد الطواف بجثته دفنت بتربة الشيخ أرسلان رحمه الله تعالى وعفا عنه.

  • دار البشائر الإسلامية / دار ابن حزم-ط 3( 1988) , ج: 3- ص: 279