يحيى بن معاذ يحيى بن معاذ بن جعفر الرازى، أبو زكريا: واعظ، زاهد، لم يكن له نظير فى وقته. من أهل الرى. أقام ببلخ، ومات فى نيسابور. له كلمات سائرة، منها:
كيف يكون زاهدا من لاورع له، تورع عما ليس لك، ثم ازهد فيما لك.
هان عليك من احتاج إليك.
تزكية الأشرار لك، هجنة بك؛ وحبهم لك عيب عليك.
الدنيا، من أولها إلى آخرها، لا تساوى غم ساعة.
طلب العاقل للدنيا، أحسن من ترك الجاهل لها.
من خان الله فى السر، هتك الله ستره فى العلانية.
اجتنبت صحبة ثلاثة أصناف من الناس: العلماء الغافلين، والقراء المداهين، والمتصوفة الجاهلين.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 8- ص: 172
يحيى بن معاذ الرازي الواعظ من كبار المشايخ، له كلام جيد، ومواعظ مشهورة.
وعنه قال: لست أبكي على نفسي إن ماتت، إنما أبكي على حاجتي إن فاتت.
لا يفلح من شممت رائحة الرياسة منه.
مسكين ابن آدم، قلع الأحجار أهون عليه من ترك الأوزار.
لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طريقها بالذنوب.
الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة، وهو يسألك عن جناح بعوضة.
وعنه قال: الدرجات سبع: التوبة، ثم الزهد، ثم الرضى، ثم الخوف، ثم الشوق، ثم المحبة، ثم المعرفة.
قلت: وقد حدث عن: علي بن محمد الطنافسي، وغيره.
روى عنه: الحسن بن علويه، وأحمد بن محمد البذشي، وأبو العباس بن حمكويه.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 10- ص: 223
يحيى بن معاذ ومنهم المادح الشكار القانع الصبار الراجي الجآر يحيى بن معاذ الواعظ الذكار لزم الحداد توقيا من العباد واستلذ السهاد تحريا للوداد واحتمل الشداد توصلا إلى العناد
حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن عبيد الله بن عمرو سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة قال: سمعت الحسن بن علوية الدامغاني يقول سنة أربع عشرة وثلاثمائة قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول:
[البحر البسيط]
يا ليته لم يكن في اللوح مسطورا | ذنب على عبده قد كان مقدورا |
كيف النجاة بعبد أنت خالقه | ماذا تريد به يا رب مفطورا |
يا ويحه يوم يستدعي صحائفه | إليك من خمدة الأموات منشورا |
حدثنا محمد بن محمد، ثنا الحسن بن علوية قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول:
[البحر الرمل]
أنا مشغول بذنبي يا رجل | كف عني إن قلبي في شغل |
كيف أرجو توبة تدركني | وأرى قلبي بويلي يشتغل |
ذهبت نفسي بلا شك على | أنني أدفع دهري بالعلل |
حدثنا محمد، ثنا الحسن قال: سمعت يحيى يقول: “ لست أبكي على نفسي إن ماتت إنما أبكي على حاجتي إن فاتت قال: وسمعت يحيى، يقول: كيف أمتنع بالذنب من رجائك ولا أراك تمتنع للذنب من عطائك، قال: وسمعت يحيى بن معاذ، يقول: إلهي ذنبي إلى نفسي فأنا معناه، وحبي لك هو لك فأنت معناه والحب أعتقده لك طائعا والذنب آتيه مني كارها فهب كراهة ذنبي لطواعية حبي إنك أرحم الراحمين، قال: وسمعت يحيى، يقول: إلهي إن لم ترحمني رحمة الكرامة عليك فارحمني رحمة الإيقاع إليك، إلهي بكرمك غدا أصل إليك كما بنعمتك دللت اليوم عليك، قال: وسمعت يحيى بن معاذ، يقول: إن وضع عليهم عدله لم تبق لهم حسنة وإن أنالهم فضله لم تبق لهم سيئة “
حدثنا عثمان بن محمد العثماني، ثنا محمد بن أحمد بن محمد البغدادي، ثنا عبد الله بن سهل الرازي قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: “ مفاوز الدنيا تقطع بالأقدام ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب، قال: وسمعته يقول: يا ابن آدم لا يزال دينك متمزقا ما دام القلب بحب الدنيا متعلقا قال: وسمعته يقول: ما ركن إلى الدنيا أحد إلا لزمه عيب القلوب ولا مكن الدنيا من نفسه أحد إلا وقع في بحر الذنوب وسمعته يقول ورأى رجلا يوما يقلع الجبل في يوم حار وهو يغني فقال: مسكين ابن آدم قلع الأحجار أهون عليه من ترك الأوزار قال: وسمعته يقول: من لم يرض عن الله في الممنوع لم يسلم من الممنوع قال: وسمعته يقول: طلبوا الزهد في بطن الكتب وإنما هو في بطن التوكل لو كانوا يعلمون وسمعته يقول: وسئل متى يعلم الرجل أنه قد أصاب الطريق وأمن هذا الخلق؟ قال: إذا استحلوه واستمرهم وأحبوا لقاءه وكره لقاءهم قال: ونظر يوما إلى إنسان وهو يقبل ولدا له صغيرا فقال: أتحبه؟ قال: نعم، قال: هذا حبك له إذ ولدته فكيف بحب الله له إذ خلقه؟ وسمعته يقول: سبحوا في بحار البلايا حتى جاوزوها إلى العطايا ثم سبحوا في بحارالعطايا حتى جاوزوها إلى رب البرايا، وقال: وسمعته يقول وقيل له: من أي شيء دوام غمك؟ قال: من شيء واحد، قيل وما هو؟ قال: خلقني ولا أدري لم خلقني؟ وسمعته يقول: من أشخص بقلبه إلى الله انفتحت ينابيع الحكمة من قلبه وجرت على لسانه “
حدثنا محمد بن محمد بن زيد، ثنا الحسن بن علوية الدامغاني قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: “ قد غرق في بلائه وهو يريد أن ينجو من ربه بصفائه قال: وسمعت يحيى، يقول: أنا في نصب المثابر وتعبية العساكر والناس لا يعلمون، وقال يحيى: الأبدان في سجن النيات والناس ثلاثة: رجل تشاغل بالدنيا عن الله مذموما ورجل تشاغل بالآخرة محمودا، ورجل تشاغل بالله عما دونه مقربا مرفوعا، قال: وسمعته يقول: لا يفلح من شمت منه رائحة الرياسة، وسمعته يقول: جماع الأمر كله في شيئين: سكون القلب على رزق هذه الناحية، والاجتهاد في طلب رزق تلك الناحية، وسمعته يقول: إن لقيني القضاء بكيد من البلاء لقيت القضاء بكيد من الدعاء “
سمعت أبا الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن مقسم يقول: سمعت أبا العباس بن حكويه الرازي يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: “ لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقاتها بالذنوب، قال: وسمعت يحيى، يقول: اترك الدنيا قبل أن تتركك، واسترض ربك قبل ملاقاته وأعمر بيتك الذي تسكنه قبل انتقالك إليه يعني القبر “
سمعت أبا الحسن يقول: سمعت أبا العباس يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: «إنما ينبسطون إليه على قدر منازلهم لديه»
وسمعت يحيى بن معاذ يقول: “ من كان قلبه مع الحسنات لم تضره السيئات ومن كان مع السيئات لم تنفعه الحسنات، قال: وسمعت يحيى، يقول: لو رأت العقول بعيون الإيمان نزهة الجنة لذابت النفوس شوقا ولو أدركت القلوب كنه هذه المحبة لخالقها لانخلعت مفاصلها إليه ولها عليه ولطارت الأرواح إليه من أبدانها دهشا فسبحان من أغفل الخليقة عن كنه هذه الأشياء وألهاهم بالوصف عن حقائق هذه الأشياء، قال: وسمعت يحيى، يقول: لا تطلب العلم رياء ولا تتركه حياء، قال: وسمعت يحيى، يقول: أعظم المصيبة على الحكيم في اليوم أن يمضي عنه لا يأتيه فيه هدية من ربه يعني: حكمة جديدة “
حدثنا محمد بن محمد قال: سمعت الحسن بن محمد الرازي المذكر يقول: سمعت أبي يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: «الدنيا أمير من طلبها وخادم من تركها، الدنيا طالبة ومطلوبة، فمن طلبها رفضته، ومن رفضها طلبته، الدنيا قنطرة الآخرة، فاعبروها ولا تعمروها، ليس من العقل بنيان القصور على الجسور، الدنيا عروس وطالبها ماشطتها، وبالزهد ينتف شعرها، ويسود وجهها، ويمزق ثيابها، ومن طلق الدنيا فالآخرة زوجته، فالدنيا مطلقة الأكياس لا تنقضي عدتها أبدا، فخل الدنيا ولا تذكرها، واذكر الآخرة ولا تنسها، وخذ من الدنيا ما يبلغك الآخرة، ولا تأخذ من الدنيا ما يمنعك الآخرة»
حدثنا محمد قال: سمعت الحسن يقول: سمعت أبي يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: “ تمام المغفرة في ثلاث: حسن القبول وتقليد العلم وبذل الفضل، وتفسير حسن القبول أن تسمع بينة الاستفادة وتنظر الإرادة، وتقليد العلم أن لا تهز رأسك كأنك عالم بما تسمعه فهذا يدخله في الكبر ويفسد العمل، قال: وسمعت يحيى، يقول: عدم التواضع من فاته خصال: علمه بما خلق له وما خلق منه وما يعود إليه قال: وسمعت يحيى، يقول: علامة من اتقى الله ثلاثة خصال: من آثر رضاه وقارن تقاه، وخالف هواه يعني رضا الله على رضا نفسه وقارن تقاه يعني جعل التقى قرينه فلا يزايله في حال عسره ويسره وسروره ورضاه وغضبه، وخالف هواه يعني فيما يبعده عن الله وينقصه حظ الجزاء “
حدثنا أبو الحسن بن عمرو، ثنا الحسن بن علوية قال: سمعت يحيى يقول: “ إن أعرضت عنا بوجهك الكريم استعطفناك بقول لا إله إلا الله، قال: وسمعت يحيى، يقول: إن تلقاني بمكر منه اقتدارا تلقيته بذل مني افتقارا، قال: وسمعت يحيى، يقول: التائب يبكيه ذنبه والزاهد تبكيه غربته والصديق يبكيه خوف زوال الإيمان، قال: سمعت يحيى، يقول: فكرتك في الدنيا تلهيك عن ربك، وعن دينك، فكيف إذا باشرتها بجميع جوارحك قال: وسمعت يحيى، يقول: اوثق على جراب إيمانك لا يقرضه الفأر، قال: وسمعت يحيى، يقول: تضاحكت الأشياء إلى أولياء الله العارفين بأفواه القدرة عن مليكهم لما يرون من آثار صنعه فيها ويعاينون من بدائع خلقه معها فلهم في كل شيء معتبر وعند كل شيء مدكر، وقال في دعائه: إلهي ضمن أعمالي غنيمة عقباها وامنع نفسي لذاذة دنياها، قال: وسمعت يحيى، يقول: سبحان من يبيع الحبيبة بالبغيضة يعني الدنيا قال: وسمعت يحيى، يقول: الجنة حبيبة المؤمن يبيعها منه بالبغيضة يعني الدنيا قال: وسمعت يحيى، يقول: ربما رأيت أحدهم يقول: عشرين سنة أطلب ربي ويحك، ربك لا يجبرك على تضييع نفسك أبدا، اطلب نفسك حتى تجدها فإذا وجدتها فقد وجدت ربك، قال: وسمعت يحيى، يقول: واعجبا كل من جاءني بكبة وقد ضاع رأسه طلبتها في ساعة، فدفعتها إليه ورأس الكبة من غزلي قد ضاع منذ عشرين سنة وأنا في طلبه فلا أقدر عليه، وسمعته يقول: الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة وهو لا يسألك منها جناح بعوضة “
أخبرني محمد بن أحمد البغدادي أبو بكر، في كتابه، وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني، ثنا عبد الله بن سهل الرازي قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: «أيها المريدون طريق الآخرة والصدق والطالبون أسباب العبادة والزهد اعلموا أنه من لم يحسن عقله لم يحسن تعبد ربه ومن لم يعرف آفة العمل لم يحسن أن يحترز منه ومن لم تصح عنايته في طلب الشيء لم ينتفع به إذا وجده واعلموا أنكم خلقتم لأمر عظيم وخطر جسيم وأن العلم لم يرد ليعلم إنما أريد ليعلم ويعمل به لأن الثواب على العمل بالعلم يقع لا على العلم ألا ترى أن العلم إذا لم يعمل به عاد وبالا وحجة وانظروا ألا تكونوا معشر المريدين ممن قد تركوا لذة الدنيا ونعيمها ثم لا يصدق طلبكم الآخرة فلا دنيا ولا آخرة وفكروا فيما تطلبون فإن من لم يعرف خطر ما يطلب لم يسهل عليه الجهل في جنب طلبه واعلموا أنه من لم يهن عليه الخلق لم يعظم عليه الرب ومن لم يكن طلبه في طريق الرغبة والرهبة والشوق والمحبة كان متحيرا في طلبه مخلطا في عمله لا يجد لذة العبادة ولا يقطع طريق الزهادة فاتقوا الله الذي إليه معادكم وانظروا ألا تكونوا ممن يعرفهم جيرانهم وإخوانهم بالخير والإرادة والزهادة والعبادة وحالكم عند الله على خلاف ذلك فإن الله إنما يجزيكم على ما يعرف منكم لا على ما يعرفه الناس ولا تكونوا ممن يولع بصلاح الظاهر الذي إنما هو للخلق ولا ثواب له بل عليه العقاب ويدع الباطن الذي هو لله وله الثواب ولا عقاب عليه»
حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن قارن الرازي قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: «من الدنيا لا ندرك آمالنا وللآخرة لا نقدم أعمالنا وفي القيامة غدا لا ندري ما حالنا»
حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري، ثنا عباس بن يوسف الشكلي، ثنا محمد بن الحسن بن العلاء البلخي قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: “الناس ثلاثة: فرجل شغله معاده عن معاشه، فتلك درجة الصالحين ورجل شغله معاشه لمعاده فتلك درجة الفائزين ورجل شغله معاشه عن معاده، فتلك درجة الهالكين “
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول: سمعت أبا العباس بن حكويه الرازي يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: «لا تسكن إلى نفسك وإن دعتك إلى الرغائب»
سمعت أبا الحسن يقول: سمعت أبا العباس يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: «الدنيا بحر التلف والنجاة منها الزهد فيها»
سمعت أبا الحسن يقول: سمعت أبا العباس يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: “ يا جهول يا غفول لو سمعت صرير القلم، حين يجري في اللوح المحفوظ بذكرك لمت طربا، قال: وسمعت يحيى، يقول: استشعرت الفقر فاتهمته ووثقت بعبد مثلك فقير فائتمنته، ثم صرخ وقال: وا سوأتاه منك إذا شاهدتني وهمتي تسبق إلى سواك أم كيف لا أضنى في طلب رضاك، قال: وسمعت يحيى يقول: قلب المحب يهيم بالطيران وتكلمه لدغات الشوق والخفقان، قال: وسمعته يقول: إلهي إن كانت ذنوبي عظمت في جنب نهيك فإنها قد صغرت في جنب عفوك إلهي لا أقول لا أعود لما أعرف من خلقي وضعفي، إلهي إنك إن أحببتني غفرت سيئاتي وإن مقتني لم تقبل حسناتي ثم قال: أواه قبل استحقاق قول أواه، قال: وسمعت يحيى، يقول: لو سمع الخلق، صوت النياحة على الدنيا في الغيب من ألسنة الفناء لتساقطت القلوب منهم حزنا ولو سمعت الخليقة دمدمة النار على الخليقة لتصدعت القلوب فرقا “
أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد في كتابه، وحدثني عنه، عثمان، ثنا عبد الله بن سهل، الرازي، قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: “ لا تجعل الزهد حرفتك لتكتسب بها الدنيا ولكن اجعلها عبادتك لتنال بها الآخرة، وإذا شكرك أبناء الدنيا ومدحوك فاصرف أمرهم على الخرافات، وقال: ترى الخلق متعلقين بالأسباب، والعارف متعلق بولي الأسباب إنما حديثه عن عظمة الله وقدرته وكرمه ورحمته يحترف بهذا دهره ويدخل به قبره وسمعته يقول: من كانت الحياة قيده كان طلاقه منها موته، وسمعته يقول: الدنيا لا قدر لها عند ربها وهي له فما ينبغي أن يكون قدرها عندك وليست لك قال: وسئل يحيى عن الوسوسة، فقال: إن كانت الدنيا سجنك كان جسدك لها سجنا وإن كانت الدنيا روضتك كان جسدك لها بستانا، وقيل ليحيى: كيف يتعبد الرجل من غير بضاعة تعينه على العبادة؟ قال: أولئك بضاعتهم مولاهم وزادهم تقواهم وشغلهم ذكراهم ومن اهتم بعشائه لم يتهن بغدائه ومن أراد تسكين قلبه بشيء دون مولاه لم يزده استكثاره من ذلك إلا اضطرابا “
حدثنا أبو الحسن محمد بن عمرو، ثنا الحسن بن علوية، سمعت يحيى بن معاذ يقول: «لو لم يكن للعارفين إلا هاتان النعمتان لكفاهم منه متى رجعوا إليه وجدوه ومتى ما شاءوا ذكروه»
حدثنا أبو الحسن، ثنا الحسن قال: سمعت يحيى يقول: “من صفة العارف شيئان ما مضى، وما كان وفيما هو وما أعلم وكيف أعمل وبعده ما يكون؟ فكيف تكون هذه الثلاثة الأيام أمس واليوم وغدا؟ قد زل عن قلبه عجب عمله ولازمه خوف ذنبه، قال: وسمعت يحيى، يقول: من صفة العارف جسم ناعم وقلب هائم وشوق دائم وذكر لازم قال: وسمعت يحيى يقول: عبادة العارف في ثلاثة أشياء معاشرة الخلق بالجميل وإدامة الذكر للجليل وصحة جسم، بين جنبيه قلب عليل وسمعته يقول: سبحان من طيب الدنيا للعارفين بمعرفته وسبحان من طيب لهم الآخرة بمعذرته فتلذذوا أيام الحياة بالذكر في مجالس معرفته وغدا يتلذذون في رياض القدس بشراب مغفرته فلهم في الدنيا زرع ذكر ولهم في الآخرة ربيع بر ساروا على المطايا من شكره حتى وصلوا إلى العطايا من ذخره فإنه ملك كريم “
سمعت محمد بن محمد بن عبيد الله يقول: سمعت محمد بن محمد بن مسعود البدشي يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: “العارف قد يشتغل بربه عن مفاخرة الأشكال، ومجالس العطايا، وعن منازعة الأضداد، في مجالس البلايا قال: وسمعت يحيى بن معاذ، يقول: أوثق الرجاء رجاء العبد ربه وأصدق الظنون حسن الظن بالله “
سمعت محمد بن محمد بن عبيد الله يقول: سمعت أحمد بن محمد بن مسعود يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: «طوبى لعبد أصبحت العبادة حرفته والفقر منيته والعزلة شهوته والآخرة همته وطلب العيش بلغته وجعل الموت فكرته وشغل بالزهد نيته وأمات بالذل عزته وجعل إلى الرب حاجته يذكر في الخلوات خطيئته وأرسل على الوجنة عبرته وشكى إلى الله غربته وسأله بالتوبة رحمته، طوبى لمن كان ذلك صفته، وعلى الذنوب ندامته جآر الليل والنهار وبكاء إلى الله بالأسحار يناجي الرحمن ويطلب الجنان ويخاف النيران»
سمعت محمد بن محمد يقول: سمعت محمد بن أحمد بن مسعود البدشي، يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: “ الكيس من فيه ثلاثة خصال: من بادر بعمله وتسوف بأمله واستعد لأجله “ قال: وسمعت يحيى، يقول: المغبون يوم القيامة من فيه ثلاثة خصال: من قرض أيامه بالبطالات، وبسط جوارحه على الحسرات ومات قبل إفاقته من السكرات، قال: وسمعت يحيى بن معاذ، يقول: سبحان الله، فلعل لا إله إلا الله تستوهبه من أهل لا إله إلا الله فليس ما أتى به من الذنب عصيانا أكثر مما أتى به من التوحيد إيمانا “
سمعت محمد بن محمد بن عبيد الله يقول: سمعت محمد بن أحمد، سنة خمس وثلاثمائة يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: «إن العبد على قدر حبه لمولاه يحببه إلى خلقه وعلى قدر توقيره لأمره يوقره خلقه وعلى قدر التشاغل منه بأمره يشغل به خلقه وعلى قدر سكون قلبه على وعده يطيب له عيشه وعلى قدر إدامته لطاعته يحليها في صدره وعلى قدر لهجته بذكره يديم ألطاف بره وعلى قدر استيحاشه من خلقه يؤنسه بعطائه فلو لم يكن لابن آدم من الثواب على عمله إلا ما عجل له في دنياه لكان كثيرا سوى ما يريد أن يصير إليه من جزيل جزائه وعظيم إعطائه ما لا يحيط به إحصاء ولا تبلغه منى إذ كان يعطي على قدر ما هو أهله إنه ملك كريم»
أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد البغدادي في كتابه، وحدثني عنه، عثمان بن محمد، ثنا عبد الله بن سهل قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: “من سعادة المرء أن يكون خصمه فهما وخصمي لا فهم له، قيل له: من خصمك؟ قال: خصمي نفسي لا فهم لها تبيع الجنة بما فيها من النعيم المقيم والخلود فيها بشهوة ساعة في دار الدنيا، قال: وسمعت يحيى يقول: لا تعرفه حتى تعمى عن الخلق، قال: وسمعته يقول: يا ابن آدم إنك لا تشتاق إلى ربك إلا بالاستيحاش من خلقه قال: وسمعت يحيى، يقول: للتائب فخر لا يعادله فخر في جميع أفخاره فرح الله بتوبته قال: وسمعت يحيى، يقول: من ادعى حبه فهو طالب فإذا أحبه سكت قال: وسمعت يحيى، يقول: إذا اصطفاهم لنفسه وأمكنهم من أنسه حجبهم عن خلقه بالمعروف من رفقه قيل له: وكيف يحجبهم؟ قال: يحجبهم عن أبناء الدنيا بأستار الآخرة وعن أبناء الآخرة بأستارالدنيا، وهذا مشهور، قال: وسمعت يحيى، يقول:
[البحر البسيط]
مجد إلهك يحيى إنه ملك | مهيمن صمد للذنب غفار |
اشكر له حكما آتاكها مننا | تترى توافقها في الدين آثار |
قال: وسمعت يحيى، يقول: لو لم يسكنهم ببلواه لطارت بهم نعماه ولم يصل إليه من لم يرض بقسمه ولم يعرفه من لم يتمتع بنعمة ولم يحبه من لم يته في كرمه، وسمعته يقول: حين خاطروا بالنفوس اقتربوا وهذا طعم الخبر فكيف طعم النظر؟ “
سمعت أبا الحسن محمد بن عمرو الجرجاني يقول: سمعت أبا محمد الحسن بن محمد الرازي المذكر يقول: سمعت أبي يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: “ أفواه الرجال حوانيتها وشفاهها مغاليقها وأسنانها مخالبها فإذا فتح الرجل باب حانوته تبين لك العطار من البيطار، قال: وسمعت يحيى، يقول: قد دعاك إلى دار السلام فانظر من أين تجيبه؟ أمن الدنيا أم من قبرك، إنك إن أجبته من دنياك دخلتها، وإن أجبته من قبرك منعتها، قال: وسمعت يحيى، يقول: إن الدرهم عقرب، فإن لم تحسن رقيته فلا تأخذه بيدك، فإنه إن لدغك قتلك، قال: وسمعته يقول: الدنيا سم الله القتال لعباده، فخذوا منها حسب ما يؤخذ السم في الأدوية؛ لعلكم تسلمون “
أخبرنا محمد بن الحسين بن موسى، في كتابه قال: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت الحسن بن علوية يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: «أولياؤه أسراء نعمه، وأصفياؤه رهائن كرمه، وأحباؤه عبيد مننه فهم عبيد محبة لا يعتقون، ورهائن كرم لا يفكون، وأسراء نعم لا يطلقون»
أخبرنا محمد بن الحسين قال: سمعت محمد بن علي النهاوندي يقول: سمعت موسى بن محمد يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: “ أهل المعرفة وحش الله في الأرض لا يأنسون إلى أحد، والزاهدون غرباء في الدنيا والعارفون غرباء في الآخرة، قال: وسمعت يحيى يقول: ابن آدم ما لك تأسف على مفقود لا يرده عليك الغوث وما لك تفرح بموجود لا يتركه في يدك الموت “
أخبرنا عبد الواحد بن بكر، حدثني أحمد بن محمد بن علي البردعي، ثنا طاهر بن إسماعيل الرازي قال: قيل ليحيى بن معاذ: أخبرني عن الله ما هو؟ قال: إله واحد، قال: كيف هو؟ قال: ملك قادر؟ قال: أين هو؟ قال: بالمرصاد، قال: ليس عن هذا أسألك قال يحيى: فذاك صفة المخلوق فأما صفة الخالق فقد أخبرتك “
حدثنا عثمان بن محمد العثماني قال: سمعت أبا بكر البغدادي يقول: سمعت عبد الله بن سهل الرازي يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: “عجبت لمن يصبر عن ذكر الله، وأعجب، منه من صبر عليه كيف لا ينقطع؟ ثم قال: ندافع عيشنا بالجهد جهدا مدافعة إلى جهد المنايا، قال: وسمعت يحيى، يقول: من صفة العارف خصلتان: ألا يذيع حاله لأحد ولا يفتش أحد عن حاله، ومن علامة المريد الرضا بالقضاء والثقة بالوعد والعمل بالإخلاص والشكر على البلاء، والتوبة من كل ذنب وامتحان الإرادات، قال: وسمعت يحيى، يقول: سبحان من جعل الأرواح روحانية نورانية والأنفس جولانية هوائية فالأرواح تحن إلى عليين معدنها، والأنفس تحن إلى سجين محبسها “
حدثنا عثمان بن محمد قال قرئ على أبي حسن أحمد بن محمد بن عيسى قال: سمعت إسماعيل بن معاذ يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: “ قوم على فرش من الذكر في مجلس من الشوق وبساتين من المناجاة بين رياض الأطراب وقصور الهيبة وفناء مجال الأنس معانقي عرائس الحكمة بصدور الأفهام مناعي زفرات الوجد وجوه الآخرة بفنون الأفراح تعاطوا بينهم كئوس حبه سقاهم فيها وغوتهم على شربها فرقان الشجى تجري في الأكباد تديم عليهم ذكر الحبيب ويبلبلهم معها هيمان الوجود قال: وأنشدني إسماعيل بن معاذ لأخيه يحيى بن معاذ:
طرب الحب على الحب | مع الحب يدوم |
عجبا لمن رأيناه | على الحب يلوم |
حول حب الله ما | عشت مع الشوق أحوم |
وبه أقعد ما | عشت حياتي وأقوم |
وقال أيضا رحمه الله:
[البحر الطويل]
نفس المحب إلى الحبيب تطلع | وفؤاده من حبه يتقطع |
عز الحبيب إذا خلا في ليله | بحبيبه يشكو إليه ويضرع |
ويقوم في المحراب يشكو بثه | والقلب منه إلى المحبة ينزع |
سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت عبد الواحد بن بكر يقول: سمعت أحمد بن أبي طلحة يقول: سمعت محمد بن أحمد الجرجاني يقول: سمعت ابن كمال الجرجاني يقول: سئل يحيى بن معاذ عن الرقص، فأنشأ يقول:
[البحر الهزج]
دققنا الأرض بالرقص | على غيب معانيكا |
ولا عيب على الرقص | لعبد هائم فيكا |
وهذا دقنا الأرض | إذا طفنا بواديكا |
سمعت محمد بن محمد بن عبد الله يقول: سمعت الحسن بن علوية يقول: نظر يحيى بن معاذ إلى طاقات ريحان وضعها بعض الصبيان في حجرته وقد ذبلت فأتى بالماء يسقيها فقال له: ما تصنع؟ قال: “رأيت هذا الريحان ذابلا قد جففوه بترك سقيه فاعتصر به قلبي فسقيته لأنه هاجت لي فيه عبرة وكأني رأيته يستسقيني بذبوله خاضعا، وكان أبوه وأخوه يدعوانه إلى طلب الدنيا فأنشأ أخوه يقول:
[البحر الوافر]
أترحم أغصنا ذبلت ولانت | ولا ترحم أخاك إذا دعاكا؟ |
، فقال يحيى مجيبا له:
[البحر الوافر]
رأيت أخي يريد هلاك نفسي | ونفسي لا تريد له هلاكا |
قال: وسمعت يحيى بن معاذ، يقول: وأنشدنا:
[البحر الطويل]
أموت بدائي لا أصيب دوائيا | ولا فرجا مما أرى من بلائيا |
إذا كان داء العبد حب مليكه | فمن دونه يرجو طبيبا مداويا |
قال: وأنشدنا يحيى رحمه الله:
رضيت بسيدي عوضا وأنسا | من الأشياء لا أبغي سواه |
فيا شوقا إلى ملك يراني | على ما كنت فيه ولا أراه |
خلا يستمطر النجم العطايا | فيعطى منه أكثر ما رجاه |
وأنشدنا أيضا:
[البحر الهزج]
أنا إن تبت مناني | وإن أذنبت رجاني |
وإن أدبرت ناداني | وإن أقبلت أدناني |
وإن أحببت والاني | وإن أخلصت ناجاني |
وإن قصرت عافاني | وإن أحسنت جازاني |
حبيبي أنت رحماني | اصرف عني أحزاني |
إليك الشوق من قلبي | على سري وإعلاني |
فيا أكرم من يرجى | وأنت قديم إحساني |
وما كنت على هذا | إله الناس تنساني |
لدى الدنيا وفي العقبى | على ما كان من شاني |
قال: وأنشدني يحيى:
تبارك ذو الجلال وذو المحال | عزيز الشان محمود الفعال |
سروري بالسؤال لكي أراه | فكيف أسر منه بالنوال |
فيا ذا العز يا ذا الجود جد لي | وغير ما ترى من سوء حالي |
قال: وأنشدني يحيى:
[البحر البسيط]
أشكو إليك ذنوبا لست أنكرها | وقد رجوتك يا ذا المن تغفرها |
من قبل سؤلك لي في الحشر يا أملى | يوم الجزاء على الأهوال تذكرها |
أرجوك تغفرها في الحشر يا أملى | إذ كنت سؤلي كما في الأرض تسترها قال: وأنشدنا يحيى: |
سلم على الخلق وارحل نحو مولاكا | واهجر على الصدق والإخلاص دنياكا |
عساك في الحشر تعطى ما تؤمله | ويكرم الله ذو الآلاء مثواكا |
سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت الحسن بن علويه يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: «لا تكن ممن يفضحه يوم موته ميراثه ويوم حشره ميزانه»
أخبرني محمد بن أحمد البغدادي في كتابه وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني، ثنا عبد الله بن سهل قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: “ القلوب كالقدور في الصدور تغلي بما فيها ومغارفها ألسنتها فانتظر الرجل حتى يتكلم فإن لسانه يغترف لك ما في قلبه من بين حلو وحامض وعذب وأجاج يخبرك عن طعم قلبه اغتراف لسانه قال: وسمعت يحيى، يقول: إنما صار الفقراء أسعد على الذكر من الأغنياء لأنهم في حبس الله ولو أطلقوا من حصار الفقر لوجدت من ثبت منهم على الذكر قليلا قال: وسمعت يحيى، يقول: من يستفتح أبواب المعاش بغير مفاتيح الأقدار وكل إلى المخلوقين قال: وسمعت يحيى، يقول: ألق حسن الظن على الخلق وسوء الظن على نفسك لتكون من الأول في سلامة ومن الآخر على الزيادة قال: وسمعته يقول: قال ابن السماك: حسبي من ثوابك النجاة من عقابك قال: وسمعت يحيى، يقول: أبناء الدنيا يجدون لذة الكلام وأبناء الآخرة يجدون لذة المعاني “
حدثنا عثمان بن محمد العثماني، ثنا الحسن بن أبي الحسن البصري، ثنا علي بن جعفر بن أحمد الكاتب قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: “ الدرجات التي يسعى إليها أبناء الآخرة سبع: التوبة ثم الزهد ثم الرضا ثم الخوف ثم الشوق ثم المحبة ثم المعرفة، فبالتوبة تطهروا من الذنوب، وبالزهد خرجوا من الدنيا وبالرضا ألبسوا قراطن العبودية وبالخوف جازوا قناطر النار وبالشوق إلى الجنة استوجبوها وبالمحبة عقلوا النعيم وبالمعرفة وصلوا إلى الله وهو في البحر السابع ولا يزالون فيه أبد الآبدين في الدنيا والآخرة “
حدثنا عثمان بن محمد العثماني قال: قرأت في كتاب أبي الحسن الزهري البصري قال: قال يحيى بن معاذ الرازي: “ الدنيا خزانة الله فما الذي يبغض منها وكل شيء من حجر أو مدر أو شجر يسبح الله فيها قال الله تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} [الإسراء: 44] وقال الله تعالى: {ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين} [فصلت: 11] فالمجيب له بالطاعة لا يستحق أن يكون بغيضا في قلوب المؤمنين ليعلم أن الذنب والذم زائلان عنها إلى بني آدم لو كانوا يعلمون “
أخبرنا محمد بن أحمد، وحدثني عثمان بن محمد، ثنا عبد الله بن سهل الرازي، ثنا يحيى بن معاذ قال: اعلموا أنه لا يصح الزهد والعبادة ولا شيء من أمور الطاعة لرجل أبدا وفيه للطمع بقية فإن أردتم الوصول إلى محض الزهد والعبادة فأخرجوا من قلبكم هذه الخصلة الواحدة وكونوا رحمكم الله من أبناء الآخرة وتعاونوا واصبروا وأبشروا تظفروا إن شاء الله، واعلموا أن ترك الدنيا هو الربح نفسه الذي ليس بعده أمر أشد منه فإن ذبحتم بتركها نفوسكم أحييتموها وإن أحييتم أنفسكم بأخذها قتلتموها فارفضوها من قلوبكم تصيروا إلى الروح لراحة في الدنيا والآخرة وتصيبوا شرف الدنيا والآخرة وعيش الدنيا والآخرة إن كنتم تعلمون، عذبوا أنفسكم في طاعة الله بترك شهواتها قبل أن تلقى الشهوة منها أجسامكم في دبار عاقبتها واعلموا أن القرآن قد ندبكم إلى وليمة الجنة ودعاكم إليها فأسرع الناس إليها أتركهم لدنياه وأوجدهم لذة لطعم تلك الوليمة أشدهم تجويعا لنفسه ومخالفة لها فإنه ليس أمر من أمور الطاعة إلا وأنتم تحتاجون أن تخرجوه من بين ضدين مختلفين بجهد شديد وسأظهر لكم هذا الأمر فإني وجدت أمر الإنسان أمرا عجيبا قد كلف الطاعة على خلاف ما كلف سائر الخلق من أهل الأرض والسماء فأحسن النظر فيه وليكن العمل منك فيه على حساب الحاجة منك إليه واستعن بالله فنعم المعين واعلم أنك لم تسكن الدنيا لتتنعم فيها جاهلا وعن الآخرة غافلا ولكنك أسكنتها لتتعبد فيها عاقلا وتمتطي الأيام إلى ربك عاملا فإنك بين دنيا وآخرة ولكل واحدة منهما نعيم وفي وجود إحداهما بطول الأخرى فانظر أن تحسن طلب النعيم فقد حكي عن إبراهيم بن أدهم أنه قال: غلط الملوك؛ طلبوا النعيم فلم يحسنوا وعلى حسب اقتراب قلبك من الدنيا يكون بعدك من الله وعلى حسب بعد قلبك من الدنيا يكون قربك من الله وكما كان معدوما وجود نفسك في مكانين فكذلك معدوم وجود قلبك في دارين؟ فإن كنت ذا قلبين فدونك اجعل أحدهما للدنيا وأحدهما للآخرة وإن كنت ذا قلب واحد فاجعله لأولى الدارين بالنعيم والمقام والبقاء والإنعام، واعلم أن النفس والهوى لا يقهران بشيء أفضل من الصوم الدائم وهو بساط العبادة ومفتاح الزهد وطلع ثمرات الخير وأجساد العمال من شجراته دائم الجذاذ دائم الإطعام وهو الطريق إلى مرتبة الصديقين وما دونه فمزرعة الأعمال فثمر غرسها وربيع بذرها في تركها وفقدها في أخذها وليس معنى الترك الخروج من المال والأهل والولد ولكن معنى الترك العمل بطاعة الله وإيثار ما عند الله عليها، مأخوذة ومتروكة فهذا معنى الترك لا ما تدعيه المتصوفة الجاهلون أنت من الدنيا بين منزلتين فإن زويت عنك كفيت المؤنة وإن صرفت إليك ألزمتها طاعة مولاك وإن كانت طاعتك لله في شأنها تصلحها ومعصيتك لله في أمرها يفسدها، فدع عنك لوم الدنيا واحفظ من نفسك وعملك ما فيه صلاحها فإن المطيع فيها محمود عند الله وإنما تلزمه التهمة وعيب الأخذ لها إذا خان الله فيها لأن الدنيا مال الله والخلق عباد الله وهم في هذا المال صنفان: خونة وأمناء فإذا وقع المال في أيدي الخائنين فهو سبب دمارهم ولا عتب على المال إنما العتب على فعلهم بالمال وإذا وقع في أيدي الأمناء كان سبب شرفهم وخلاصهم ولا معنى للمال إنما كسب لهم الشرف عند الله فعلهم بالمال أدوا أمانة الله في أموالهم فلحق بهم نفع المال، ولا ذنب للمال، فالذنب لك والذنوب إنما تكتسب بالجوارح وليس للضيعة والحانوت جوارح إنما الجوارح لك وبها تكتسب الذنوب، وفعلك بمالك أسقطك من عين ربك لا مالك وفعلك بمالك يصحبك إلى قبرك لا مالك وفعلك بما لك يوزن يوم القيامة لا مالك “
حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد المقرئ، ثنا الحسن بن علويه الدامغاني قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: “ يا من أقام لي غرس ذكري وأجرى لي أنهارا تجري وجعل لي أيام عيد في اجتماع الورى وأقام لي فيهم أسواق تقوى أقبلت إليك معتمدا عليك ممتلئ القلب من رجائك ورطب اللسان من دعائك في قلبي من الذنوب زفرات ومعي عليها ندامات إن أعطيتني قبلت وإن منعتني رضيت وإن تركتني دعوت وإن دعوتني أجبت، فأعطني إلهي ما أريد فإن لم تعطني ما أريد فصبرني على ما تريد قال: وسمعت يحيى، يقول: من أكثر ذكر الموت لم يمت قبل أجله، ويدخل عليه ثلاث خصال من الخير: أولها المبادرة إلى التوبة، والثاني القناعة برزق يسير، والثالث النشاط في العبادة، ومن حرص على الدنيا فإنه لا يأكل فوق ما كتب الله له ويدخل عليه من العيوب ثلاث خصال: أولها أن تراه أبدا غير شاكر لعطية الله له، والثاني لا يواسي بشيء مما قد أعطي من الدنيا، والثالث يشتغل ويتعب في طلب ما لم يرزقه الله حتى يفوته عمل الدين “
حدثنا عثمان بن محمد العثماني قال: سمعت أبا بكر البغدادي يقول: سمعت عبد الله بن سهل يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: “ الصبر على الناس أشد من الصبر على النار قال: وسمعت يحيى، يقول: تأبى القلوب للأسخياء إلا حبا وإن كانوا فجارا وللبخلاء إلا بغضا وإن كانوا أبرارا، وقال يحيى: ليس على وجه الأرض أحد إلا وفيه فقر وحرص ولكن من أخلاق المؤمنين أن يكونوا حرصاء على طلب الجنة فقراء إلى ربهم، والمنافق حريص على الدنيا فقير إلى الخلق، قال: وسمعت يحيى، يقول: قال بعض الحكماء: من أصبح لم يكن معه هذه الخصال الثلاث لم يصب طريق العزم: أولها كما أن الله لم يعط رزقك اليوم غيرك فلا تعمل لغيره وكما أن الله لم يشارك فيما أعطاك أحدا فلا تشارك في العمل الذي تعمل له يعني الرياء وكما أن الله لم يكلفك اليوم عمل غد فلا تسأله رزق غد على جور حتى إذا لم يعطك شكوته، قال: وسمعت يحيى، يقول: إذا لاحظت الأشياء منه كان لهم طعم آخر، قال: وسمعت يحيى، يقول: ليس بصادق من ادعى حبه ولم يحفظ حده، قال: وسمعت يحيى، يقول: سقوط رجل من درجة ادعاؤها، قال: وسمعت يحيى، يقول: إذا عملوا على الصدق انطلقت ألسنتهم على الخلق بالشدة وإذا عملوا في التفويض انكسرت ألسنتهم عن الخلق، مبهوتين، الأول من صفة الزاهدين والثاني من صفة العارفين قال: وسمعت يحيى، يقول: إنما تلقى الزاهد في الدنيا أحيانا ليرفق بعباد الله إذا ذلوا، قال: وسمعت يحيى، يقول: من أقام قلبه عند الله سكن ومن أرسله في الناس اضطرب “
حدثنا عثمان بن محمد قال: قرأ على أبي الحسن أحمد بن محمد بن عيسى، ثنا إسماعيل بن معاذ، عن أخيه، يحيى بن معاذ قال: «قسم الدنيا على البلوى والجنة على التقوى، وجوع التوابين تجربة وجوع الزاهدين سياسة وجوع الصديقين تكرمة والجوع طعام يشبع الله منه أبدان الصديقين وإذا امتلأت المعدة خرست الحكمة وأشرف الجوع حالة ينظر إليك فيها العدو فيرحمك، وأمقت الشبع حالة ينظر إليك معها الصديق فيستثقلك فالحزن يمنع الطعام والخوف يمنع الذنوب والرجاء يقوي على أداء الفرائض وذكر الموت يزهد في الشيء وفي لقاء الإخوان مدافعة ما فضل من النهار وصلاح الأمر في ذلك كله أن يكون على نية»
حدثنا محمد بن محمد بن زيد، ثنا الحسن بن علوية قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: “ تولد الخوف في القلب من ثلاث خصال: إدامة الفكر معتبرا، والشوق إلى الجنة مشفقا وذكر النار متخوفا والورع من ثلاث خصال: من عز النفس وصحة اليقين وتوقع الموت، وتمام المعرفة من ثلاث خصال، حسن القبول وتقليد العلم وبذل النصح وقال: عدم التواضع من فاتته ثلاث خصال: علمه بما خلق منه وما يعود إليه وما يحمله في جوفه والمتواضع من ظن أنه من أذنب أهل الأرض، ومن آثر صحبة المساكين، وقال: لا تتخذوا من القرناء إلا ما فيه ثلاث خصال: من حذرك غوائل الذنوب وعرفك مدانس العيوب وسايرك إلى علام الغيوب، وقال: شرف المعاد من ثلاث احتمال الشدائد وإذلال النفس وكراهة المعرفة، ومعنى كراهة المعرفة يكره أن يعرف في الناس لا يبتغي معرفة الناس إنما استئناسه بذكر الله في الخلوة ومع الناس وقال: غنيمة الآخرة في ثلاثة أشياء: الطاعة والبر والعصيان، طاعة الرب وبر الوالدين وعصيان الشيطان، وقال: الفارس في الدين من كان فيه ثلاث خصال: حفظ لسانه وإمساك عنانه وصدق بيانه، حفظ لسانه لا يتكلم إلا بما له وإمساك عنانه هو في حلبة الأعمال فيمسك عنان إرادته إذا كان لغير الله ويرسله إذا كان لله، وصدق بيانه إذا علم شيئا عمل به وثلاثة من السعادة مقلة دامعة وعنق خاضعة وأذن سامعة، ولا يجد حلاوة العبادة إلا من فيه ثلاث خصال: أن يستأثر الرجلة ويستلذ العزلة ويترقب النقلة الرجلة الإقلال والعزلة الوحدة والنقلة: الرحلة إلى القبر، وأغبط الناس من سلك طريق آخرته وأصلح شأن عاقبته واجتهد في فكاك رقبته وقال: لم أجد السرور إلا في ثلاث خصال: التنعم بذكر الله واليأس من عباد الله والطمأنينة إلى موعود الله يعني في الرزق وقال: المصيب من عمل ثلاثة أشياء تلقاه: من ترك الدنيا قبل أن تتركه وبنى قبره قبل أن يدخله وأرضى ربه قبل أن يقدم عليه، وقال: عجبت لثلاث وفرحت لثلاث واغتممت لثلاث: فالتي عجبت منها فتنة العالم وسرور الإنسان بما أصاب من الدنيا وهو تراث من تقدمه وتراث من يخلفه، يسلبه ثم يؤخذ بحسابه، ومن رتع في أفواه أمانيه في مراتع الموت، وفرحت لثلاث، إظهار الله آدم على إبليس وهذا ملك، وهذا بشر وإخراجه إيانا في هذه الأمة، والخصلة الثالثة وهي أشرف الثلاث معرفة الله تعالى، واغتممت لثلاث لذنوب أسلفتها وأيام ضيعتها والخصلة الثالثة وفيها الخطر العظيم وقوفي بين يدي الله عز وجل لا أدري ما يبدو لي منه وذلك المقام الشديد يتوقع فيها المحاسب بماذا يختم له أياما ضيعها يعني في الغفلة وترك الاستعداد “
حدثنا محمد بن عبيد الله، ثنا الحسن بن علوية قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: “ من لم يكن ظاهره مع العوام فضة ومع المريدين ذهبا ومع العارفين المقربين درا وياقوتا فليس من حكماء الله المريدين قال: وسمعت يحيى، يقول: أحسن شيء كلام صحيح من لسان فصيح في وجه صبيح وكلام دقيق مستخرج من بحر عميق على لسان رجل رفيق وقال يحيى: ثلاثة من الأموال الدراهم والدنانير والدر والياقوت فكلامي في العظمات الدراهم وفي الصفات الدنانير وفي المعرفة وكرم الله الدر والياقوت “ قال الشيخ أبو نعيم رحمه الله: كلام يحيى بن معاذ يكثر ويطول اقتصرنا منه على ما أملينا
ومن مسانيد حديثه ما: حدثنا أبو الحسين محمد بن عبد الله بن عمرو، ثنا الحسن بن علوية، ثنا يحيى بن معاذ، ثنا علي بن محمد الطنافسي، عن يحيى بن آدم، ثنا ابن المبارك، عن حيوة بن شريح، عن بكر بن عمرو، عن عبد الله بن هبيرة قال: سمعت أبا تميم يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا» حدثنا أحمد بن يوسف، ثنا الحارث بن أبي أسامة، ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، ثنا حيوة بن شريح، مثله
حدثنا محمد بن محمد بن زيد، ثنا الحسن بن علوية، ثنا يحيى بن معاذ، ثنا علي بن محمد الطنافسي، عن أبي معاوية، عن إسماعيل بن نفيع، عن أبي داود، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من غني ولا فقير إلا يود يوم القيامة أنه أوتي من الدنيا قوتا» حدثناه أبو بكر الطلحي، ثنا عبيد بن عثمان، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبد الله بن نمير، عن إسماعيل بن نفيع بن الحارث، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد الجرجاني، ثنا الحسن بن علوية، ثنا يحيى بن معاذ، ثنا علي بن محمد، عن محمد بن فضيل، ووكيع، عن سفيان، عن ضرار بن مرة، عن سعيد بن جبير قال: «التوكل على الله جماع الإيمان» حدثناه أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا محمد بن فضيل، ثنا ضرار، عن سعيد، مثله، وليس فيه ذكر سفيان وهو الصواب
حدثنا أبو الحسين، ثنا الحسن بن علوية، ثنا يحيى بن معاذ، ثنا علي بن محمد الطنافسي، عن أبي معاوية، عن حجاج، عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يخلص العبادة لله أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه»
دار الكتاب العربي - بيروت-ط 0( 1985) , ج: 10- ص: 51
السعادة -ط 1( 1974) , ج: 10- ص: 51