يحيى حميد الدين يحيى بن محمد بن يحيى حميد الدين الحسنى العلوى الطالبى: ملك اليمن، الإمام المتوكل علىالله ابن المنصور بالله، من أئمة الزيدية. ولد بصنعاء، وتفقه وتأدب بها، وخرج منها مع أبيه إلى صعدة (سنة 1307هـ) وولى الإمامة بعد وفاة أبيه (سنة 1322) فى (قفلة عذر) شمالى صنعاء. وكانت صنعاء فى أيدى الترك (العثمانيين) فهاجمها وحاصرها، فاستسلمت حاميتها، ودخلها، فأعادوا الكرة عليها، فانسحب منها رأفة بأهلها. وواصل القتال فى آنس وقرية الحمودى والأشمور (شمالى صنعاء) وخولان وسنحان ورجام والحيمة وصنعة (من بلاد ذمار) إلى سنة 1326 فعزل الوالى التركى (أحمد فيضى باشا) وكان قاسيا عنيفا، وعين (حسن تحسين باشا) فكان عاقلا اتفق مع الإمام يحيى على أن لا يعتدى أحدهما على الآخر، وهدأت المعارك. وعزل حسن تحسين (سنة 1328) وعين وال يدعى (محمد على باشا) لا يقل قسوة عن أحمد فيضى، فعادت الثورة، وحوصر الترك فى صنعاء. واشتدت المعارك ولقيت الجيوش العثمانية الشدائد فى تلك الديار، فأرسلت حكومة الآستانة وفدا برئاسة (عزت باشا) اتفق مع الإمام يحيى، وكان يومئذ فى (السودة) شمالى صنعاء، على الاجتماع فى دعان (باشمال الغربى من عمران) وأمضيا شروطا للصلح أوردها الواسعى فى تاريخ اليمن. وانتهى الأمر بجلاء الترك عن البلاد اليمنية (سنة 1336) ودخل الإمام صنعاء. وخلص له ملك اليمن استقلالا. وطالت أيامه؛ وهو، كما قال أحد الكتاب فى وصفه: (كل شئ فى اليمن، ومرجع كل أمر، دق أو جل، وما عداه من موظفين وعمال وعسكريين وحكام، أشباح وشخوص، لاسلطان لها ولا رأى. وكان يرى الاستبدال فى الحكم خيرا من الشورى) وضاقت صدور بعض بنيه وخاصته؛ وفيهم الطامع بالعرش، والمتذمر من سياسة القمع، والراغب بالإصلاح؛ فتألفت جماعات فى السر، تظهر له الإخلاص وتبطن نقيضه، وعلى رأس هؤلاء أقرب الناس إليه عبد الله بن أحمد المعروف بابن الوزير (انظر ترجمته) وخرج ولد له يدعى (إبراهيم) عن طاعته، فلجأ إلى عدن وجعل دأبه التنديد بأبيه والتشهير بمساوئ الحكم فى عهده. وكان هذا على اتصال بابن الوزير وحزبه. ومرض الإمام حيى، ووصل إلى إبراهيم نعيه، وهو حى، فتعجل إبراهيم بالإبراق إلى أنصار له فى مصر، يذكر موته، وأن الحكم من بعده أصبح (دستوريا) وسمى رجال الدولة (الجديدة) وهم ابن الوزير وجماعته. وشفى الإمام من مرضه، وانكشفت له صلتهم بابنه، فخافوا بطشه، فأتمروا به. وخرج بسيارته يتفقد مزرعة له تبعد عن صنعاء 8 كيلو مترات، فى طريق الحديد، ففاجأه بعض صنائعهم بسيارة تحمل مدفعين رشاشين و15 بندقية، وانهالوا عليه برصاصهم، فقتلوه، ومعه رئيس وزرائه (القاضى العمرى) ودفن فى مقبرة كان قد أعدها لنفسه. وخلف 14 ولدا يلقبون بسيوف الإسلام. وكان شديد الحذر من الأجانب، آثر العزلة والانكماش فى حدود بلاده. وله اشتغال بالأدب ونظم كثير. ومن كلامه: (لأن تبقى بلادى خربة وهى تحكم نفسها، أولى من أن تكون عامرة ويحكمها أجنبى). قلت: واليمن اليوم، مدين له باستقلاله.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 8- ص: 170