عبد الرحمن بن عبد الرزاق عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد الشهير بابن عبد الرزاق الحنفي الدمشقي الشيخ العالم الفاضل الفقيه الأديب خطيب جامع السنانية ولد في سنة خمس وسبعين وألف ودأب في طلب العلم على مشايخ عديدة منهم الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ أبو المواهب الحنبلي والشيخ محمد الكاملي والشيخ عبد الله العجلوني نزيل دمشق وغيرهم حتى برع في جميع العلوم ودقق فيها وحررها لا سيما علم الفرائض والفقه والأدب ونظم في الفرائض منظومة نحو أربعمائة بيت سماها قلائد المنظوم في منتقي فرائض العلوم وشرحها شرحا كشف عن وجوه معانيها لم ينسج على منواله سماه نثر لآلي المفهوم شرح قلائد المنظوم وله شرح على الدر المختار شرح تنوير الأبصار للعلامة الشيخ علاء الدين الحصكفي سماه مفاتح الأسرار ولوائح الأفكار وصل إلى آخر كتاب الصلاة ومن كتاب النكاح نبذة رائقة وتحريرات فائقه وله ديوان شعر وديوان خطب وغير ذلك من التعليقات وترجمه الأمين المحبي في ذيل نفحته وذكر له شيئا من الشعر وقال في وصفه هو في النباهة متخلق وبالآداب الغضة متعلق لبس حبائر الحمد مفوفه واقتضى عدة الفضل لا ممطولة ولا مسوفه يغازل الألطاف غزل ابن اذينه ويكلف بها كلف جميل ببثينة بشباب له مجني رطب ومهتصر وعوده الطري لماء الحياة معتصر فعين الرجا شاخصة إليه وسمع الأنامل يطن بالثناء عليه بطبع ينير فيجلو الظلام المعتكر ويفيض فيخجل الوسمي المبتكر وله شعر حقيق بالاعتبار راجت بضاعته فنفق عند أهل الأختبار أرق من نسمات الأسحار وانضر من الروض المعطار فمما أهداه إلي وأرسلها بكرا تجلى لدي قوله
يا فريدا حوت بدائعه الغر | كما لا يرف لطفا وحلما |
لم تدع للأنام أبكار أفكا | رك معنى نصوغه فيك نظما |
لا برحت الزمان تطلع في أفـ | ـق المعالي فرائدا بك تسمى |
فأعذر الفكر في القصور فإني | يدرك الفكر بعض معناك فهما |
بدر تم سما على أملود | أم شموس علت قدود الخدود |
أم مليح مقلد بالثريا | حسن مرآه فتنة المعمود |
ريم أنس دب الفتور بعينيه | فأغنى عن ابنة العنقود |
وثنى عطفه الدلال فخلنا | غصنا زانه رطيب النهود |
ألف الصد والنفار فحسبي | بالأماني أجنى ثمار الصدود |
يا خليلي في الصبابة من لي | وفؤادي يسيل فوق خدودي |
حدثاني عن الحمى فعهودي | في هوى غيده الحسان عهودي |
فغرامي القديم فيكم غرامي | وودادي كما علمتم ودادي |
زمن كنت أجتني ثمر القر | ب لدى ظل عيشها الممدود |
حيث فيها غصن الشبيبة غض | ورباها مراتع للغيد |
وبها كل مترف الجسم المى | زان خديه رونق التوريد |
شق عن زيقه الهلال وأمسى | فرعه فوق بنده المعقود |
يفقد القلب كل من رام أن | يبصر هميان خصره المفقود |
آه مما لقيته ثم آه | من دواعيه كاذبات الوعود |
فلكم رحت من جفاه معنى | فاقد الصبر زائد التسهيد |
ملك القلب حسنه مثل من قد | ملك الدهر بالندى والجود |
يودع الطرس من بدائعه الغر | كرقم العذار فوق الخدود |
لو رآه النظام عاين إن | الجوهر الفرد ليس بالمفقود |
راق السرور ورق عوده | والسعد فيه أخضر عوده |
والدهر وفى بالذي | ترجو وقد صدقت وعوده |
والوقت طاب وجاد بال | بدر الذي كالظبي جيده |
ترف يكاد يسيل من | لطف الصبا لولا بروده |
يبدي الصدود وكلما | أبداه يحلو لي وروده |
سلطان حسن إن بدا | شخصت لطلعته جنوده |
وإذا المتيم شامه | بخياله احمرت خدوده |
فكري لطائر وصله | نصبت حبائلها تصيده |
فاصطاد قلبي صدغه | الآسى وقيده زروده |
قسما بطلعة وجهه | وبخده الزاكي وقوده |
وبطرفه الساجي الذي | جارت على المضني حدوده |
وبسقم خصرنا حل | أرواحنا راحت تعوده |
ما خان قلبي وده | كلا ولا نسيت عهوده |
أسروا الخواطر بالنواظر=وتقلدوا البيض البواتر | وتناهبوا الألباب ما |
بين الحواجب والمحاجر=فهم الأولى قادوا الأسو | د إلى الردى وهم الجآذر |
هزوا القدود وأسبلوا=من فوقها تلك الغدائر | لي منهم الرشأ الذي |
بالطرف أمسى ريم حاجر=ريان من ماء الدلا | ل يميس في حلل نواضر |
هاروت أحور طرفه=الفتان للألباب ساحر | خوط يريك إذا انثنى |
في تيهه فعل السماهر=وإذا استبان جبينه | ضاءت لطلعته الدياجر |
ما لاح بارق ثغره=الا وشمت الجفن ماطر | أو خلت ورد خدوده |
الا وفاح الخال عاطر=ملك رعيته القلو | ب وكل باهي الحسن باهر |
حتى م يجفو بالصدو=د أما لهذا الصد آخر | وإلى م أرمي بالبعا |
أشمس الضحى لاحت أم الأنجم الزهر | أم الصبح أم وجه المليح أم البدر |
أم أفتر ثغر السعد في مربع المنى | فأشرقت الأكوان وابتهج الدهر |
أم الروض أهداه الربيع قلائدا | جواهر أزهار تكللها القطر |
وهيهات بل هذا فريد بشامنا | أتاها فأحياها وعم بها البشر |
وقلدها عقدي فخار وسؤدد | فذا سمطه علم وذا سلكه بر |
فأصبحت الأفواه تشدو بمدحه | فذا نثره زهر وذا نظمه در |
واطلع في أفق المعاني دقائقا | يحار لديها الفهم بل يقف الفكر |
همام له في كل علم فراسة | ومولى على أبوابه يسجد الفخر |
حوى قصبات السبق في حلبة العلا | ونال فخارا دون عليائه النسر |
وإن صاغ من عذب الحديث بدائعا | لمسن الغواني الجيد فانتثر الدر |
تروع حصاه حالية العذارى | فتلمس جانب العقد النظيم |
لو شام ذو الخال نقط أحرفه | لراح باليد لامس الخال |
وحق هوى مصافحة المنايا | أخف علي منه باليدين |
إذا فكرت فيه لمست رأسي | كأني موقن بهجوم حيني |
إني لصب ولا أقول بمن | أخاف من لا يخاف من أحد |
إذا تفكرت في هواي له | ألمس رأسي هل طار عن جسدي |
طلعت فأشرقت المنازل | حسناء ترفل في غلائل |
وسرى بوجنتها الحيا | فأنهل ماء الحسن سائل |
ورنت فخلت بجفنها | بيض الظبي بل سحر بابل |
ورمت بأسهم طرفها | عمدا فلم تخط المقاتل |
نصبت لحبات القلو | ب سوالفا هن الحبائل |
وسبت بوسواس الحلي | ذوي العقول وبالخلاخل |
ومشت تهادي بالدلا | ل وفرقها يبدي الدلائل |
تخذت لصارم جفنها | من هديها تلك الحمائل |
فسألتها ماذا الذي | بدر الدياجر منه آفل |
هل ذاك نور جمالك | الباهي أم الزهر الكوامل |
بالله الا ما أجبت | فإنني وافيت سائل |
قالت وحقك إن هذا | الأمر لم يحتج دلائل |
هذا ضياء أماجد | ملكوا الفضائل والفواضل |
من أشرقت بهم البلا | د وشرفت بهم المنازل |
يا رياضا حكى شذاها العود | كللتها من الزهور عقود |
ورنت نحوها عيون مياه | نبهتها الشمول وهي رقود |
حبذا والمليح طاف بكأس | من رحيق عصيره العنقود |
ونسيم الصبا أمال غصونا | حسدت عطفها الرطيب قدود |
وزها الجلنار في الروض لما | صفق النهر وانثنى الأملود |
بسم الزهر وسط روض أريض | عن ثنايا كما اللآلئ بيض |
وزها الياسمين فيه وأضحى | كمليح يرنو بطرف غضيض |
ولطيف النسيم هب فأهدى | من شذاه الشفا لقلب المريض |
وترى النهر فيه مد كجسر | من لجين صاف طويل عريض |
نبهت مقلة الرياض نسائم | وأثارت عبير تلك الكمائم |
وتثنت معاطف الدوح لما | قلدتها عقد الزهور الغمائم |
وشدت فوقها سواجع ورق | فأهاجت بلحنها كل هائم |
ونجوم الغصون تزهو إذا ما | حركت عقدها أيادي النعائم |
فوقها العندليب قام خطيبا | يتهادى ما بين خضر العمائم |
وثغور الأقاح قد بسمت مذ | أيقظ الطل جفنه وهو نائم |
وبها الجلنار قام يرينا | أكؤسا زانها عقود التمائم |
وخرير المياه غنى فخلنا | حوله طائر المسرة حائم |
ونجوم الغصون تزهو إذا ما | حركت عقدها أيادي النعائم |
فسقى جلق الشآم سحاب | كلما سام نيرب السفح سائم |
ورعى عهدنا بتلك الروابي | ما تغنت على الغصون حمائم |
ذيل قاسون بللته النسائم | بندى الورد والبخور الكمائم |
لملاقاتنا ببستان أنس | فوق أعواده تغنت حمائم |
وجرت حولنا جداول ماء | فكأن الربا لهن غمائم |
وثغور الزهور تضحك زهوا | وقدود الغصون خضر العمائم |
عطس الفجر فانتهز يا نديمي | فرصة العيش في الزمان الملائم |
وتأمل زهر الرياض إذا ما | عقدت منه في الغصون تمائم |
وانشق الطيب من مداهن ورد | نبهته يد الصبا وهو نائم |
ومن الجلنار لاحت كؤوس | من عقيق بها المتيم هائم |
أو هو النار حل فوق بساط | أخضر لا يزال في الجو عائم |
جمعتنا مع الصحاب رياض | ثم بالنير بين ذات النعائم |
فابتهجنا بيومنا وشهدنا | موسم الأنس وهو في الروض قائم |
وجلسنا من تحت ظل ظليل | نتقي في الهجير حر السمائم |
حي يا صاحبي على طيب عيش | طير حظي على تلافيه حائم |
واستمع بلبل الربا فهو شاد | وامتثل قولنا ودع كل لائم |
إن هذا عيش ابن آدم اما | ما سواه فذاك عيش البهائم |
يا رياضا زهت بلطف النسائم | وبها الورد شق جيب العمائم |
وتغنت فيها البلابل لما | ساجلتها في الدوح ورق الحمائم |
فاعط للروض نظرة ثم نبه | منك طرف السرور إذ هو نائم |
وأجل كأسا من الحديث علينا | يزدري نظمه بعقد التمائم |
وممتع بما يفيدك شيخ الـ | ـوقت عبد الغني حاوي المكارم |
كعبة للعلوم ليس له غير | صفات الكمال منه دعائم |
كم جنينا ألفاظه بمعان | اخجلت بالمقام عذب المباسم |
وشفينا بها الفؤاد فكانت | لجراح القلوب خير مراهم |
فتكت فينا فمن بالفتك أفتاكا | يا مخجل البدر قلبي صار يهواكا |
وتهت بالدل يا ذا الريم من هيف | وفاق بدر السما نورا محياكا |
وفقت غصن النقا بالعطف منك وقد | أضحت ملاح الورى جمعا رعاياكا |
وذاب جسم المعنى في هواك سدى | مذ فوقت أسهما للقلب عيناكا |
لولاك ما عرفت نفسي الهوى أبدا | ولم تنل شربة في الحب لولاكا |
رميتني بالضنا والا سر يا أملى | وسرت عني ولم تنظر لأسراكا |
وقد أتى العيد يدعو الناس تهنية | وإنه بيننا أيام نلقاكا |
عودتني باللقا والوصل تكرمة | وبعد ذا سيدي أبعدت مرماكا |
فصرت أندب أياما لنا سلفت | كان اكتحال عيوني حسن مرآكا |
إنا عرفناك أياما وداومنا | شجو فيا ليت إنا ما عرفناكا |
أخلصت فيه ولم أصبو لشراك | ومسكة الصدغ صادتني باشراك |
ريم تحجب عني في محاسنه | وصار يبصرني من طاق شباك |
شاكي السلاح إذا ما مال من ترف | يسبي العقول بروحي خصره الشاكي |
ألحاظه فوقت سهم المنون لنا | وطرفه الناعس الفتان فتاكي |
يا أحور الطرف ما قلب الشجي هدف | فأغمد جفونك واترك قول أفاك |
وامنن على الصب في لقياك إن له | قلبا خفوقا وطرفا بالدما باكي |
قد حكت فيك ثياب المدح فاصغ إلى | قولي البديع وخلي نسج حياك |
وجد بقربك يا سؤلي ويا أملي | وهات حدث بثغر منك ضحاك |
بخلت جفوني حين بان معذبي | فقلت فلم لا تسمحين بدره |
فقالت قذى الآمال بالوصل مربي | فامسك دمعي أن يسح بقطره |
وأغيد سالت أدمعي لصدوده | فمر بجفني للوصال قذا الرجا |
فأمسكه كي لا يذوب من البكا | ويغرق طيف قر لي منه في الدجى |
قلبي اسروا وعقد صبري حلوا | من قد هجروا وفي فؤادي حلوا |
يا من سحروا عقولنا مذ ولوا | هلا نصروا وجدا علينا ولوا |
يا بدر إلى م تطيل عمر الهجر | والجفن إلى م يسح سح القطر |
بالله عليك عد بوصل كرما | وأطفي ظمائي يرشف ذاك الثغر |
مليح يريك الشهد مبسم ثغره | إذا افتر عن برق الثنايا ووامضه |
على خده خال من المسك ختمه | بأخضر ذاك الصدغ حل وعارضه |
رشأ تلاعب بالعقول ولم يزل | بطلا الدلال وبالملاحة يسكر |
لا غروان وافى الصيام وخده | كالجلنار يفوح منه العنبر |
من بني الترك مترف الجسم المى | خده قد أبان آسا ووردا |
فتن العقل حين جاء بوجه | ذو حياء وأودع القلب بعدا |
فم يا نديمي حث الكأس مصطبحا | واشرب فديتك بين الروض والزهر |
لعل بعد احتساء الراح يا أملي | يزول عني ما ألقى من الكدر |
أفدي الذي صاد الفؤاد بحبة | سوداء لاحت فوق أخضر شاربه |
بدر أثار صبابتي من بعدما | أرمي نبالا من قسي حواجبه |
دار البشائر الإسلامية / دار ابن حزم-ط 3( 1988) , ج: 2- ص: 266