أحمد البقاعي أحمد بن ناصر الدين بن علي الحنفي البقاعي ثم الدمشقي نزيل قسطنطينية وأحد الموالي الرومية العالم الأديب الفاضل الخبير كان من فضلاء الزمان الذين انجنبهم سيما بفنون الأدب وفضله مشهور لا يحتاج إلى شاهد ولد بالبقاع بقرية تل ذي النون المشهورة الآن بتل الذنوب وهي بطريق المالكانه في تصرفنا وقدم إلى دمشق وقطن في حجرة داخل مدرسة لسميساطيه بدمشق واشتغل بطلب العلم على جماعة وشيوخة شيوخ الشيخ أحمد المنيني ومهر وظهر له فضل غض ودرس بالجامع الأموي وأنتمى إلى صدور دمشق بني القاري وكان بدر سعد هم اذ ذاك في ابداره وتغالى بمدحهم ومما يحكي من ذلك ان الأديب مصطفى ابن أحمد الترزي كتب إليه هذين البيتين موبخا له ومتعرضا بهما لذم بني القاري وهما قوله
ورب عطوف في نهار ضرامه | يذيب دماغ الضب والأسد الضاري |
سقاني به ثلجا كأن جليده | قريض البقاعي في مديح بني القاري |
ليس القريض يروق حسنا نظمه | ما لم يكن بمديح آل القاري |
كيف للئيم الرافضي يعيبني | في مدحهم ويسب من في الغار |
سألت خدينا للبقاعي وامقا | به قلت من أي البلاد أخا الجهل |
رفيقك من تل الذنوب فقال لا | ولكنه والله يا سائلي بعلي |
أيا عمر القاري ابن مفصحا لنا | عن الغمر شرواك البقاعي أخي الجهل |
فاني لم أعرف حقيقة نجره | ومن أي عفر حيث فرع بلا أصل |
فقال فاني قد تنأولت أصله | وأروي الذي أرويه عندي عن أهلي |
توارثته عن والد بعد والد | وناهيك عما قد توارثت بالفعل |
فقلت أمن تل الذنوب فقال لا | ولكنه والله يا سائلي بعلي |
دع الجاهل المغرور بالجهل انه | يزيد بشتمي ثم ينصب في خفضي |
فلو كان أهلا للهجاء هجوته | ولكنه والله منخرق العرض |
زعمت بأني عبت شعرك كونه | يمدح اناس حبهم كان كالفرض |
ولكن لما ضمنته من سماجة | وبرد ومن يصغي له عجلا يقضي |
وحاشا أمير الغار من أفك مبطل | كتلك بل حبيه ذخري للعرض |
فمت كمدا ليس القريض موافقا | لطبعك لو تهوى النجوم إلى الأرض |
وما عيب ذا الشعر الفصيح بمدحهم | ولكن أيا شالوص شعرك لا يرضى |
ما المجد الا بحد السيف والأسل | والعيش الا بعز الخيل والأسل |
ان المعالي في هذين من قدم | وليس يدركها من كان ذا كسل |
وافت برونقها في كل منقبة | تعزى إلى أسد في القول والعمل |
من نال منها أقاصي كل مرتبة | أدنى فضائله كالوابل الهطل |
صدر الصدور التي سارت محامده | في المشرقين مسير الشمس والمثل |
لا يشغل الفكر الا في اقتناص عدا | ما بين مؤتسر منهم ومنجدل |
كأنه والعدى في كل معترك | سيف يقد بهم كالأعين النجل |
يختار فكري بأوصاف له تليت | في صفحة لدهر مثل المندل الخضل |
فليت شعري أمدح ما أفوه به | في وصف صدر العلي أم رقة الغزل |
يستوضح الجيش من لالاء غرته | ان كان في الليل آثار من السبل |
يسعى إلى الحرب والأسياف لامعة | والخيل تعثر في الخطية الذبل |
فأوضح الملك حتى صار مشكله | من حسن سيرته كالشمس للمقل |
لا يختشي العسكر الجرار يوم وغى | ان جر ذيل القنا في حومة الوجل |
لا زلت تنصر من وافاك ملتجيا | من كل هول يذيب القلب من وجل |
حتى أقمت بأبطال الحروب على | أكناف مورة فانقادت على عجل |
وخضت منها بحار الحرب ممتطيا | من نصرة الله خيل العز في الدول |
وكان طائرك الميمون من ملك | تروى مفاخره عن أهله الأول |
قد صار بيتين في كل يؤرخه | من بعد هذا كعقد زان ذا عطل |
في كل حرب دهى الاسلام من نوب | قد أيد الله فيها أحمدا بعلي |
لا زال بين الورى أعلاء عدلهما | ما دام عزهما في السهل والجبل |
يا رب ظبي كالمدام حديثه | فيسيغه سمعي وعقلي يطرب |
قد خلعته شمس النهار بكفه | مرآة حسن لونها يتذهب |
والوجه فيها لائح فكأنما | هي دارة البدر فيها يلعب |
عاينته وكأنه من لطفه | راح تكاد لها اللواحظ تشرب |
بالعقل والشطرنج يلعب وهو في | فسطاط حسن للمسرة يجلب |
يحكي الزمرد خضرة فكأنما | هي دارة والبدر فيها يلعب |
يا سائلي عن خصده ونطاقه | حيث استدار بكل عضو كوكب |
ثبت جنانك ما استطعت فانما | هي دارة والبدر فيها يلعب |
انظر مناطقه على أعطافه | والبدر فيها بالترافة يحجب |
ليست مناطق تستدير وانما | هي دارة والبدر فيها يلعب |
خد بأقلام العذار مغضض | وبأحرف الحسن البديع مذهب |
لام العذار به تدار كأنما | هي دارة والبدر فيها يلعب |
وممنطق بحلي الجمال مجرد | وعذاره الزاهي الطراز المذهب |
نشوان يسبح لاهيا في بركة | هي دارة والبدر فيها يلعب |
خفقت مناطق خصره فكأنما | هي دارة والبدر فيها يلعب |
هذا الجمال بوجه من في وجهه | قد أدهش الألباب والأبصارا |
فكأنه المرآة لو من خلفها | خدشت غدا في وجهها آثارا |
وروضة قد بكتها أعين السحب | فراح يفتر فيها الزهر عن شتب |
وبات يعتل في أكنافها سحرا | ريح الشمال وداعي الشوق والطلب |
وغرد الطير في أعلى أرايكها | والنهر صفق بالأمواه من طرب |
وقد كستها يد الانواء طرز حلي | للنبت يختال في أثوابه القشب |
وصاغ جدولها للغصن من ورق | خلاخل الحلي والتيجان من ذهب |
يستوقف الطرف من لالاء بهجتها | نور من النور أو ورد من الحبب |
إذا شدا بلبل الأفراح ينعشها | أجابه عند لبب اللهو من كثب |
وأن سرى نحوها جيش الصبا سحرا | تدرع النهر واهتزت قنا القضب |
فمن ثراها عبير المسك قابلنا | وفي حماها نرى الحصباء كالشهب |
طبنا بطل نما في حجر دوحتها | مذ شب يبدو لنا في زي محتجب |
مع كل مولى كان الله صوره | من زهرة الفضل أو ريحانة الأدب |
ان لاح أحجل بدر التم في شرف | أوفاه بالقول أزرى بابنة العنب |
ظمأى لمنهل ثغرك الوباص | وتشوقي للقاك واستشخاص |
مالي وللاحي الملح بلومه | غلب الغرام ولات حين مناص |
كيف الخلاص وهل يلذ لمدنف | دامي الفؤاد وليس بالخراص |
نسجت عليه يد الهوى ثوب الضنا | حتى اختفى عن أعين الأشخاص |
يصغي لترجيع الحمائم في الدجى | فيئن منه كأنه المخماص |
ما ساء التبريح في طرق الجوى | الا الملام وقالة النقاص |
عذرا له يا ناهجي نهج الهوى | فدموه في الحب غير رخاص |
كيف التخلص من يدي رعبوبة | سلبت حجاه بطرفها القناص |
رقصت مناطقها وقلبي للقا | كتراقص الأطيار في الأقفاص |
وغدت تهز من الدلال معاطفا | مرحا كهز الاسمر الرقاص |
وسرت فناظر وجهها بدر السما | شتان بين حدائد وخلاص |
يا دمية الأهواء رحمة مشفق | لمتيم يا درة الغواص |
يرعى الثريا غير أن غرامه | في كثرة والصبر في استنقاص |
شوقا لمراك البديع لكي يرى | ذاك الجمال بمقلة الأخلاص |
فتبسمت عن در ثغر اشنب | يزري بحسن الجوهر البصاص |
أوما كفاك بأن يزورك طارقا | طيفي على رغم الرقيب العاصي |
من لي بذاك ولم أذق طعم الكرى | والنوم عن جفن المسهد قاصي |
من حاز في طرق المعالي رتبة | عزت مداركها عن الفحاص |
لولا اشتغالي في امتداح أخي العلا | من آن من اسر الغرام خلاصي |
هو أحمد الأوصاف فرد زمانه | ووحيده من قادة وخواص |
وحديقة الفضل الجني المجتنى | حأوي الكمال وأشرف الأعياص |
قد غاص في بحر البلاغة مخرجا | درر الهدى بذكائه الوباص |
متلفعا برد المحامد والتقا | متدرعا منهن أخير دلاص |
حيث القوافي تستقل بنظمه | وتفوه فيها السن القصاص |
يا ساكنا بحبوحة المجد الذي | أهل الكمال لهم بذاك تواصي |
خذها اليك بديعة ألفاظها | عذراء تمشي مشية العراص |
وافتك تسأل ما اسم شيء لائح | في الجوبل في الترب والادعاص |
يسري فيهدي المدلجين فربما | سلب النفوس يسيره الحصحاص |
طورا تراه مسددا قوس الردى | بل فاغرا فاها كما المعراص |
وتراه طورا في السرى مستخفيا | وتراه يستره رفيق نشاص |
وتراه ممدودا ونهرا سائحا | متدفقا في روضة وعراص |
ذو شوكة فيها المنية والأذى | يسقي السموم كما القنا الوقاص |
يخشى سطاه ويتقي من بأسه | وهو الجبان الشخت في الأشخاص |
فابن معانيه لاقدام على | كسب المعالي والكمال حواص |
واسلم ودم ما سار ركب في الدجى | يطوي الحزون على متون فلاص |
وافت على رغم العذول العاصي | هيفاء بين تطأوع وتعاصي |
تغدو كروض في نهار ملاحة | وتروح عاترة بذيل عقاص |
مصقولة الحذين الا انها | كالسيف يفشي هامة النقاص |
ضربت قباب محاسن من دلها | من كل فج يبتغي كصياصي |
لم تتخذ لقريب معنى حبها | قلبا سوى الصاد الروي العاصي |
لو رام لأستنباط ماء وسامة | من وجهها لحظ رمي برصاص |
تختال في الخيلا علا وفصاحة | قد قاد كلا منهما بنواصي |
ذو الفضل من بالشعر صار لبيده | وسعيده في الود والاخلاص |
من أو تصفح في الصحائف فكره | ألقت معانيها له بخواص |
لولا حقوق الشعر عند فحوله | لجنحت عنه وملت للقصاص |
لكن أجبت سعيدهم عن اسم ما | هو عقرب في الجو والاعاص |
لا زال من شمس المعارف نورها | يرقى لكوكب فضله الوباص |
ما سار عن وادي دمشق عشية | بين الغصون نسيمة كعلاص |
الماجد الصرف الوداد=خدن السيادة والسداد | ترب المعارف والعوارف |
والمساعي والأيادي=من شأنه نفع الصديق | وقمع أعناق الأعادي |
ذو خاطر في كل شأن=معضل وأرى الزناد | ومآثر غر غدا |
برهانها كالشمس بادي=فخناصر النقاد قد | عقدت عليه باعتقاد |
لا زال نادي فضله=ذات العماد إلى المعاد | أهدى إليه من تنأي |
ما يخطر كل نادي=ومن السلام أرق حين | يروق من دمع الغوادي |
وإذا تكرم بالسؤال=عن تلقيم على الوداد | فالحمد لله المفيد |
بحمده حمد العباد=نعماؤه مع ما نقصر | كل آن في ازدياد |
لكن للأشواق نارا=في الحشا ذات اتقاد | وعلام لا اشتاقه |
وبه ابتهاجي واعتدادي=وهو الذي يصفي الوداد | على التداني والبعاد |
يغدو على حلل الطريق=من الفضائل والتلاد | وعلى التصنع والتزين |
بالملابس غير غادي=في رونق الصمصام ما | يغنيك عن حلي النجادي |
لا مثل من يضحي وعنوا=ن الهوان عليه بادي | لا لاصطناع يد ولا |
لمنال فضل مستفاد=يرضى بقهقهة القنا | ني دون حمحمة الجياد |
والمجد أمر لا ينال=بدون كد واجتهاد | شرف ابن آدم ان نظرت |
بفضله لا بالعتاد=وقناعة المجهود بالـ | ـموجود من جنس الجهاد |
ماء الوجوه أعز من=أن يقتني بعد النفاد | أيدا يضن به الأبي |
وان غدا سلس القياد=وبريقه من لا يبا | لي بازدراء الازدراد |
هيهات لا تحسب دم الـ=ـفرصاد مثل دم الفصاد | هو من وصفت وما وصفت |
بغير بحيث وأنتقاد=المتعب الحساد والـ | ـحساد من أهل الفساد |
يغدو الحسود وكيده=كالجمر من تحت الرماد | والعير يقمص جاهدا |
ويفوته جري الجواد=يا ويح أهل الفضل من | أهل الجهالة والكياد |
ان غبت عنهم امعنوا=في السب من غير اقتصاد | متجأوزين حدودهم |
سلقا بالسنة حداد=هذا وقد ورد الكتاب | وشاؤ شوقي في امتداد |
فاغاث قلبا كان في=الله الترقب دون فادي | وجلا العناء بكل معنى |
مستجد مستجاد=صد الهموم وراح مرو | بالرواء لكل صادي |
فكأنه نفس النسيم=إذا تضمخ بالجساد | فسقى معاهد أنسنا |
وافت عقود من وداد=في جيد ألفاظ جياد | في كل معنى قد جرى |
من لفظه ماء الفوادي | كادت تسيل فصاحة وبلاغة في كل واد |
فكأنها الغزلان ينشر=طيبها مسك المداد | عن فكر منشيها بدت |
توري الحقيقة كالزناد=لله فيه سريرة | بين الحواضر والبوادي |
لو أعلنت أجرى بها=الماء الزلال من الجماد | ولقد علمت بأنه |
صب إلى بذل الأيادي=من ضئضئي نص الكتا | ب بأنه خير العباد |
فرع شريف أشبه الـ=ـأصل الأصيل من المهاد | جاز الكرام إلى ذرى |
غايات مجد فيه بادي=واحتل غارب كل فضل | لم ينل من عهد عاد |
خطم الانوف وذلل الـ=ـأعناق من أهل الفساد | ما نام شخص منهم |
الا على شوك القتاد=حيث انثنوا في شب نيرا | ن لهم ذات اتقاد |
فكأنه من عزه=شمس وهم مثل الرماد | لم يرمهم بعزائم |
لكريهة بل للرشاد=ما زال يقحم كل يوم | خيل علياء الطراد |
حتى أشام سيوفه=بطلى الأشد من الأعادي | والله أيد فتحه |
بالنصر مع بيض حداد=وأناله من كل خير | ما يروم من المراد |
وأباح عفوا بعضهم=والبعض صار إلى انقياد | هذا الثقاف يقيم مع |
وج الأنام إلى السداد=هذا هو المجد المؤثـ | ـل والطريف مع التلاد |
هذا الذي تتلى مدا=ئحه على سمع المعادي | صارت بها تحد والحدا |
ة كما ترى في الارتياد=وغدت بما تحدويه | ترقى على السبع الشداد |
والشعر مثل مطية=لا تنبري الا بحادي | هذا وأهديه السلا |
م مع الدعاء من الفؤاد=وأبيحه مدحا مع الـ | ـود الاكيد المستزاد |
لا زال يرقى بالسعو | د وعمره بالامتداد |
دار البشائر الإسلامية / دار ابن حزم-ط 3( 1988) , ج: 1- ص: 205