ذو الوزارتين أبو بكر بن عمار رحمه الله وعفا عنه بمنه مقذف حصى القريض وجماره، ومطلع شموسه وأقماره، الذي بعث الإحسان عرفا عاطرا ونفسا، وأنبته في شفاه الأيام لعسا، أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، ثم كسي بعد إشراقا ونورا، فأصبح راقي منبر وسرير، ولمح ما شاء بطرف غير ضرير، هيا له السعد أن عمر ربعا محيلا، صور في صورة الحقيقة مستحيلا، واصطفاه العدو، فاتفق به السكون والهدو، تهالك فيه كلفا وهياما، وأمطره من الخطوة غماما، واهتصر منه موادعة وايتلافا، استدر بهما الملوك أو أنه أخلافا، فارتاعت منه الأقطار، وطاعت له اللبانات والأوطار، حتى رأس بتدميره، وجلس مجلس الأمير، ثم رأى أن ينتزي عن موليه، ويجتزي بتوليه، فأخذه الله بغدره، وأعان على وضعه رافع قدره، فحصل في قبضة المعتمد قنيصا، وعاد معنى خلاصة مبهما عويصا، إلى أن طوقه الحسام فما استلانه طوقا، وذوقه الحمام فما استعذبه ذوقا، في قصة اشتهرت مع أخفائها، وظهرت بعد عفائها، فإنه قتله بيده، وأنزله ليلا في ملحده، ولقد رأيت عظمي ساقيه قد أخرجا بعد سنين من حفر حفر في جانب القصر المبارك وأساودهما بهما ملتفة، ولبلتهما مشتفة، ما فغرت أفواهها، ولا حلت التواءها، فرمق الناس العبر، وصدق المكذب الخبر، وكان مع نقض أبرامه، ورفض أمامه، شاعرا مطبوعا قد عمر للإحسان منازلاوربوعا وقد أثبت له ما تستهديه النفوس، وترتديه الشموس، فمن ذلك قوله يتغزل في ظلام رومي للموتمن قد لبس درعا. وافر
وأغيد من ضباء الروم عاط | بسالفتيه من دمعي فريد |
قسا قلبه وسن عليه درعا | فباطنه وظاهره حديد |
بكيت وقد دنا ونأى رضاه | وقد يبكي من الطرب الجليد |
وإن فتى تملكه بنقد | وأحرز رقه لفتى سعيد |
كل قصر بعد الدمشق يذم | فيه طاب الجنى وفاح المشم |
منظر رائق وماء نمير | وثرى عاطر وقصر أشم |
بت فيه والليل والفجر عنه | عنبر أشهب ومسك أحم |
رشى يرنو بنرجسة ويعطو | بسوسان ويبسم عن اقاح |
تشير إلي قرطاه وتصغي | خلاخله إلى نغم الوشاح |
نقمتم على الراح أدمن شربها | وقلتم فتي لهو وليس فتى جد |
ومن ذا الذي قاد الجياد إلى الوغى | سواي ومن أعطى الكثير ولم يكد |
فديتكم لو تعلموا السر إنما | قليتكم جهدي فأبعدتكم جهدي |
لما رأيت الناس يختلفون في | إهداء يومك جئته من بابه |
فبعثت نحو الشمس شبه آياتها | وكسوت متن البحر بعض ثيابه |
يا عضد الدولة المصفى | من جوهر النبل والذكاء |
ماذا ترى في اصطباح يوم | مذهب الصبح والمساء |
نسرقه من يدي زمان | لم يقسم الرزق بالسواء |
وهويته يسقي المدام كأنه | قمر يدور بكوكب في مجلس |
متارج الحركات تندي ريحه | كالغصن هزته الصبا بتنفس |
يسعى بكاس في أنامل سوسن | ودير أخرى من محاجر نرجس |
يا حامل السيف لطويل نجاده | مصرف الفرس المحبس |
ياك بادرة الوغى من فارس | خشن القناع على عذار أملس |
جهم وإن حسر اللثام فإنما | كشف الظلام عن النهار المشمس |
يطغى ويلعب في دلال عذاره | كلمهر يمرح في اللجام المجرس |
سلم فقد قصف القنا غصن النقا | وسطا بليث الغاب ظبي المكنس |
عنا بكاسك قد كفتنا مقلة | حوراء قايمة بسكر المجلس |
قالوا أتى الراضي فقلت لعلها | خلعت عليه من صفات أبيه |
قال جرى فعسى المؤيد واهبا | لي من رضاه ومن أمان أخيه |
قالوا نعم فوضعت خدي في الثرى | شكرا له وتيمنا ببنيه |
يا أيها الراضي وإن لم يلقني | من صفحة الراضي بما أدريه |
هبك احتجبت لوجه عذر بين | بذل الشفاعة أي عذر فيه |
سهل على يدك الكريمة أحرفا | فيمن فتنثني تفديه |
ألفظك أم كاس الرحيق المعتق | وخطك أم روض الربيع المنمق |
ونظمك أم سلك من الدر ناصع | يروق على جيد العروس المطوق |
بعثت بها يا قطعة الروض قطعة | شممت بها عرف النسيم المخلق |
ثلاثة أبيات وهيهات إنما | بعثت بها الجوزاء في صفح مهرق |
هي السحر أسرى في النفوس من الهوى | وكيف يكون السحر في لفظ منطق |
معتصما بالله والحرب ترتمي | بإبطالها والخيل من ذكر النوى والتفرق |
وإني وإن غربت عنك فإنما | جبينك شمسي والمرية مشرقي |
قالوا أضر بك الهوى فأجبتهم | يا حبذاه وحبذا أضراره |
قلبي هو اختار السقام بجسمه | زيا فخلوه وما يختاره |
عيرتموني بالنحول وإنما | شرف المهند أن ترق شفاره |
من قد قلبي إذ تثني قده | وأقام عذري إذا طل عذاره |
أم من طوى الصبح المنير نقابه | وأحاط بالليل البهيم خماره |
فوحسنه لقد انتدبت لوصفه | بالبخل لولا أن حمصا داره |
بلد متى أذكره هيج لوعتي | وإذا قدحت الزند طار شراره |
خذوها مثل ما استهديتموها | عروسا لا تزف إلى اللئام |
دونكم بها ثديي فتاة | أضفت إليهما خدي غلام |
أرأيت مثلي صاحبا | أندى يدا وأعم جودا |
يسقي النديم بقفرة | لم يسق فيها الماء عودا |
وأجود حين أجود لا | حصرا بذاك ولا بليدا |
خذها إليك كأنما | كسيت زجاجتها عقودا |
لا للمعالي ما تعيد وما تبدي | وفي الله ما تخفيه عنا وما تبدي |
نوال كما اخصر العذار وفتكة | كما خجلت من دونه صفحة الخد |
جنيت ثمار النصر طيبة الجنى | ولا شجر غير المثقفة الملد |
وقلدت أجياد البى رايق الحلى | ولا درر غير المطهمة الجرد |
بكل فتى عاري الأشاجع لابس | إلى غمرات الموت محكمة السرد |
يكرفكم طعن كسامعة الفرا | يضاف إلى ضرب كحاشية البرد |
نجوم سماء الحرب أن يدج ليلها | يدربهم أفواجها فلك السعد |
خميس تردى من بينك بمرهف | حكاك كما قد الشراك من الجلد |
ببدر ولكن من مطالعه الوغى | وليث ولكن من براثنه الهندي |
فتى ثقف بن الحمائل منقدم | جنى الموت في كفيه أحلى من الشهد |
سقيت به دنيا عفاتك مخصبا | فأجناك من روض الندى زهر الحمد |
وجندته نحو الملوك محاربا | فوافاك يقتاد الملوك من الجند |
ورب ظلام سار فيه إلى العدى | ولا نجم إلا ما تطلع من غمد |
أطل على قرمونة متبلجا | مع الصبح حتى قيل كنا على وعد |
فأرملها بالسيف ثم أعارها | من النار أثواب الحداد على الفقد |
فيا حسن ذاك السيف في راحة الندى | ويا برد تلك النار في كبد المجد |
لك الله إن كانت عداك بعضها | لبعض فكل منهم جميعا إلى فرد |
يهودا وكانت بربرا فانتص الظبى | وأنبئهم منها بالسنة لد |
أقول وقد نادى ابن إسحاق قومه | لا رصك يرتاد المنية من بعد |
لقد سلكت نهج السيل إلى الردى | ظباء دنت من غابة الأسد الورد |
كأني بباديس وقد حط رحله | إلى الفرس الطاوي عن الفرس النهد |
إلى الفرس الجاري به طلق الردى | سريعا غنيا عن لجام وعن لبد |
يحن إلى غرناطة فوق متنه | كما حن مقصوص الجناح إلى الورد |
ظفرت بهم فارتح وأومض كؤسها | بروقا لها من عودها ضجة الرعد |
معتقة أهدت إلى الورد لونها | وجادت برياها على العنبر الورد |
فأكثر ما يلهيك عن كاسها الوغى | وعن نغمات العود نغمة مستجد |
وما الملك الأحلية بك حسنها | وإلا فما فضل السوار بلا زند |
ولا عج إن لم يدن بك مرق | فليس جمال الشم في الأعين الرمد |
هنيئا ببكر في الفتوح نكتحها | وما قبضت غير المنية في النقد |
تحلت من السيف الخطيب بصفحة | وقامت من الرمح الطويل على قد |
ودونكها من نسج فكري حلة | مطرزة العطفين بالشكر والحمد |
ألذ من الماء القراح على الصدي | وأطيب من وصل الهوى عقب الصد |
وما هذه الأشعار إلا مجامر | تضوع فيها للندى قطع الند |
وكنت نثرت الفضل في إنما | نثرت سقيط الطل في ورق الورد |
وها أنا باغ من نداك بقدر ما | يضاف لتأميلي ويعزى إلى ودي |
فأقسم لو قسمت جودك بيننا | على قدر التأميل فزت به وحدي |
قنعت بما عندي من النعيم التي | يفسرها قولي قنعت بما عندي |
أفي كل يوم تحفة وتفقد | بفضل نوال واهتبال يوكد |
لقد فاز قدحي في هواك وقابلت | مطالع حالي في سمائك أسعد |
تبرعت بالمعروف قبل سؤاله | وعدت بما أوليت والعود أحمد |
فأتأق حوضي من نداك تبجس | ونمق روضي من رضاك تعهد |
أما وضيع زارني بجماله | حديث كما هب النسيم المغرد |
لقد هز أعطاف القوافي وهزني | إلى شكر حسان أغيب فيشهد |
فإن أنا لم أشكرك صادق نية | تقوم عليها آية النصح تعضد |
فلا صح لي دين ولا بر مذهب | ولا كرمت نفسي ولا طاب مولد |
وفيت لربك فيمن غدر | وأنصفت دينك ممن كفر |
وقمت تطالب في الناكثي | ن مر الحفاظ بحلو الظفر |
بعاطلة من ليالي الحرو | ب أطلعت رأيك فيها قمر |
ولم تتقدم بجيش الرجا | ل حتى تقدم جيش الفكر |
فإن يجنك الفتح ذاك الأصيل | فمن غرس تدبير ذاك الشجر |
تعاطي الخوارج حتى برزت | تقوم من خدها ما صعر |
وأقبلتها الخيل حمر البنو | د دهم الفوارس بيض الغرر |
فكروا فلم يغنهم من مكر | وفروا فلم ينجهم من مفر |
ودارت دماؤهم كالكؤوس | وفاحت نفوسهم كالزهر |
فعاقر سيفك حتى انحنى | وعربد رمحك حتى انكسر |
وكم نبت في حربهم عن علي | وناب عن الهروان النهر |
تمتع فقد ساعفتك الحيوة | بريح الحديقة غب المطر |
وعش في نعيم ودم في سرور | ولا سر ربك من لا يسر |
تناهيتم في برنا لو سمحتم | بوجه صديق في اللقاء وسم |
وسلسلتم راح البشاشة بيننا | فما ضر لو ساعدتم بنديم |
ضننتم بأعلاق الرجال على النوى | فلم تصلونا منهم بزعيم |
سألتمس العذر الجميل عن العلى | واحتال للفضل احتيال كريم |
وأثني على روض الطلاقة بالجنى | وإن لم أفر من نشره بنسيم |
ولكن سأستعدي الوفاء وأقتضي | سماحك بالأنس اقتضاء غريم |
أأسلك قصدا أم أعوج عن الركب | فقد صرت من أمري على مركب صعب |
وأصبحت لا أدري أفي البعد راحتي | فأجعله حظي أم الحظ في القرب |
إذا أنقذت في أمري مشيت مع الهوى | وإن تعقبه نكصت على عقبي |
على أنني أدري بأنك موثر | على كل حال ما يزخر من كربي |
أهابك للحق الذي لك في دمي | وأرجوك للحب الذي لك في قلبي |
حنانيك فيمن أنت شاهد نصحه | وليس له غير انتصاحك من حسب |
وما جئت شيئا فيه بغي لطالب | يضاف به رأي إلى العجز والعجب |
سوى أنني أسلمتني لملمة | فللت بها حدي وكسرت من غربي |
وما أغرب الأيام فيما قضت به | تريني بعدي عنك أنس من قربي |
أما أنه لولا عوارفك التي | جرت جريان الماء في الغصن الرطب |
لما سمت نفسي ما أسوم من الأذى | ولا قلت أن الذنب فيما جرى ذنبي |
سأستمنح الرحمى لديك ضراعة | واسأل سقيا من تجاوزك العذب |
فإن نفحتني من سمائك حرجف | سأهتف يا برد النسيم على قلبي |
لدي لك العتبي تزاح من العتب | وسعيك عندي لا يضاف إلى ذنب |
وأعزز علينا أن تصيبك وحشة | وأنسك ما تدريه فيك من الحب |
فدع عنك سوء الظن بي وتعده | إلى غيره فهو الممكن في القلب |
قريضك قد أبدى توحش جانب | فراجعت تانيسا وحسبك بي حسب |
تكلفته أبغي به لك سلوة | وكيف يعاني الشعر مشترك اللب |
أصبحت في السوق ينادوا على | رأسي بأنواع من المال |
والله لا جار على نقده | من ضمني بالثمن الغالي |
أدرك أخاك ولو بقافية | كالظل يوقظ نائم الزهر |
فلقد تقاذفت الركاب به | في غير مرماة ولا بحر |
طفحت صحابته بلا سنة | وتساقطوا سكرا بلا خمر |
بمعارج أدت إلى جرد | حتى من الأنواء والقطر |
عال كأم الجن غذ مرت | جعلته مرقاة إلى النسر |
وحش تناكرت الوجوه به | حتى استربت بصفحة البدر |
قصر تمهد بين خافقتي | نسرين من فلك ومن وكر |
متحير سال الوقار على | عطفيه من كبر ومن كبر |
ملكت عنان الريح راحته | فجيادها من تحته تجري |
ماوى العزيز وقد نصحت فإن | مهل فقد أبليت في العذر |
ووصلت خدمة قاطع سببي | وأطعت أمر مضيع أمري |
دع ذا وصلنا غير مؤتمر | مستأثرا بالحمد والشكر |
واكتب إلينا أنها ليد | تمحو الذي كتبت يد الدهر |
ختمت بعصرك أعصر الجواد | وعنت لذكرك السن الوراد |
وسبقت أملاك الزمان إلى مدى | صلوه حتى كنت أنت الهادي |
وغدوت أكثرهم حسودا في العلى | أن الكريم طليبة الحساد |
وبدا بفضلك نقص كل معاند | تتبين الأشياء بالأضداد |
وقفت مغناك العيون فلاحظت | أسد العرين به وبدر النادي |
وأتتك وافدة الرجال فقابلت | أمل الحريص ونجعة المرتاد |
وصدرن قد حملن عنك عوارفا | أصبحن كالأطواق في الأجياد |
فضل أرانا جود حاتم طي | وفخار كعب في قبيل إياد |
إيه أبا بكر أتظلم ساحتي | ظلما وصبح العدل عندك باد |
عجبا لوعدك كيف تمسك سيد | موصولة الأفعال بالأوعاد |
ولسيب جودك كيف لم تسمح به | لصحيح ظني أو صريح ودادي |
إني لمعتقد أخاءك موئلي | وأرى ولاءك معقلي وسنادي |
وأصول منك على الزمان بمنصل | جعل الطلى بدلا من الأغماد |
فسقى محلك دانيا أو نائيا | صوب الغمام المستهل الغادي |
ولئن رحلتن لقد حللت بمنزل | من نور عيني أو سواد فؤادي |
عطلت من حلي السروج جيادي | وسلبت أعناق الرجال صعادي |
وثنيت عزمي عن مسير هزني | سعدي إليه وحثني أسعادي |
إن لم أحلك من فؤادي منزلا | ينبئك أنك مالك لقيادي |
وأخص جانبك الرفيع بخدمة | تسقيك صفو حبة وأعاد |
وأراد بذكرك من ثنائي روضة | غناء حالية بنور ودادي |
حتى تبين أن غرسك قد دنا | لجنى وزرعك قد أتى لحصاد |
يا سيدي وأنا الذي ناديته | لرضى قلبي منك خير مناد |
أعطاك فضل الابتداء ولو جرى | حكم لأنكر أن تكون البادي |
لله در عقيلة أبرزتها | من خدر فكرك فيحلى الأنشاد |
فرعاء عاطرة الذوائب واللمى | غيداء حالية الطلى والهادي |
خلصت إلى مع المساء فعارضت | صلة الحبيب أتى بلا ميعاد |
خط من النظم البديع أفادني | حظ الكرام وخطة الأمجاد |
وشي سخت يدك الصناع برقمه | فكسوتنيه مذهبا بإياد |
يفدي الصحيفة ناظري فبياضها | ببياضه سوادها بسواد |
أدي تحيتك الزكية طيها | كافور قرطاس ومسك مداد |
ولقد تعين لو أعانت قدرة | حسن الجزاء بها وهز النادي |
لكن عجزن فما استقل بنشاتي | ماء الفرات ولا ثرى بغداد |
عذرا ففيك لكل طالب حجة | خصم اللد ووجه عذر باد |
بك فاخر القلم القصير وطاول ال | رمح الطويل كتابة بطراد |
ولك الفصاحة أو لسيفك كلما | استمطيت متني منبر وجود |
ثنيت عليك حلي الوزارة مثلما | حل الحسام عليك ثني نجاد |
وتتوجت منك القيادة بالذي | ترك الرياسة مهنة القواد |
أنت الحلال الحلو رق طبيعة | وصفا مزاجا كالسحاب الغادي |
من معشر تتشرف الأذوا بهم | كتشرف الأيام بالأعياد |
جلوا فحلوا في الأنام مكانة | كمكانة الآلاف في الأعداد |
أفديك من حر تعبد بره | شكري وقل له الفدا والفادي |
فلقد ظفرت من أقتبالك بالمنى | وبلغت أقصى غايتي ومرادي |
وأرحت من تعبي بعهدك في ندى | ظل فبت على وثير مهاد |
وشددت منك يدي بعلق مظنة | ونفضتها بزعانف انكاد |
متعللين على الوفاء بعلة | ضحك الطبيب لها مع العواد |
جمحوا إلى ظلمي فسمت جماحهم | ولقيت شدته بلين قياد |
واستبطنوا حقدا وبين جوانحي | طبع يسل سخائم الأحقاد |
ولكم دعي في الأخاء أعرته | جذب ابن سفيان بضبع زياد |
حتى إذا رفض الوفاء رفضته | واعتضت منه بطيب الميلاد |
لا ذنب لي في طرد سآئمة الهوى | منه على السرح الوبيل الصادي |
أنا قد رضيتك فارضني واعدني | أن كنت محتاجا إلى الأعداد |
إني لمن إن دعوت لنصرة | يوما بساطا حجة وجلاد |
أذكيت دونك للعدى حدق القنا | وخضمك عنك بالسن الأغماد |
صلني أصلك وصل فديتك بي أصل | بك واعتمدني أتخذك عمادي |
إيه وقلت إلى الوفاء محركا | إيه فما خطرت بعطف جماد |
ولئن بلغت إلى رضائي فربما | ألفيتني لرضاك بالمرصاد |
وعلى تظاهرنا الضمان بقلة ال | أعداء ثم بكثرة الحساد |
وزعمت تظلم ساحة ما بيننا | ظلما وصبح العدل عندي باد |
كلا فما التسويف من شيمي ولا | لي الجميل بعادة من عاد |
لابد من ذاك السفا وأن عدت | عنه الليالي أنهن عواد |
سفران استبعدته فسأمتطي | حرصي وأجعل من ثنائك زادي |
خذها نتيجة منكر لودادها | يوم لها قال لها متفاد |
حذر من الود المخل فإنما | يوم لها قال لها متفاد |
حذر من الود المخل فإنما | أهدي الزيوف إلى يدي نقاد |
أهلا بقربك لو يطول مقام | وكفي بطيفك لو يزور منام |
آذنت بالعهد الجديد وإنما | قرب المدى دون اللقاء هيام |
وكتبت توهن للنوى فإنها | قد قام منها ما عمت مقام |
وصلت إلي مع الأصيل وإنما | وصلت إلى حديقة ومدام |
يرد من الكافور نمنم درجه | مسكا وزر عليه منه ختام |
ومن قطعة هي قطعة الديباج أو | هي قطعة البستان وهي كلام |
وكان أسطرها غصون أراكة | ومن القوافي فوقهن حمام |
نادمتها والراح يلهب كاسها | عذب اللمى ساجي الجفون غلام |
وتشاكلا حسنا فعانق قده | إلف وعارض عارضيه لام |
أبه أبا الحسن اختبرت فقل لنا | ماذا تقول إذا استشق عصام |
هل حاد بي من مذهب عن واجب | أو لم يقدني للجميل ذمام |
أو هل تلجلج منطقي في حجة | لو كان تحت يدي القضاء خصام |
والشعب مشكور وفيات التي الغنا | مرجوة وإلى الضياء ظلام |
ولقد جريت إلى التي قلدتها | جريا تباعد عنك فيه مقام |
فوردت لم تلحق بغيبك ريبة | وصدرت لم يعلق بسعيك ذام |
وعلى مسفوك السلام تحية | ولقد نقل تحية وسلام |
أدر الزجاجة فالنسيم قد انبرى | والنجم قد صرف العنان عن السرى |
والصبح قد أهدى لنا كافورة | لما استرد الليل منا العنبرا |
والروض كلحسنا كساه زهرة | وشيا وقلده نداه جوهرا |
أو كالغلام زهى بورد رياضه | خجلا وتاه باسهن معذرا |
روض كان النهر فيه معتصم | صاف أطل على رداء اخضرا |
وتهزه ريح الصبا فتخاله | سيف ابن عباد يبدد عسكرا |
عباد المخضر نائل كفه | والجو قد لبس الرداء الأغبرا |
عق الزمان الأخضر المهدي لنا | من ماله العلق النفيس الأخطرا |
ملك إذا ازدحم الملوك بمورد | ونحاة لا يردون حتى يصدرا |
الندى على الأكباد من قطر الندى | والذ في الأجفان من سنة الكرى |
يختار إذ يهب الخريدة كاعبا | والمطرف أجود والحسام مجوهرا |
قداح زند المجد لا ينفك عن | نار الوغى إلا إلى نار القرا |
لا خلق أقرا من شفار حسامه | إن كنت شبهت المواكب اسطرا |
أيقنت أني من ذراه بجنة | لما سقاني من نداه الكوثرا |
وعلمت أن ربعي مخصب | لما سالت به الغمام الممطرا |
من لا توازنه الجبال إذا احتبى | من لا تسابقه الرياح إذا جرى |
ماض وصدر الرمح يكهم والظبى | تنبوا وأيدي الخيل تعثر في البرا |
فإذا الكتائب كالكواكب فوقهم | من لامهم مثل السحاب كنهورا |
من كل أبيض قد تقلد أبيضا | عضبا أسمرا قد تأبط أسمرا |
ملك يروقك خلقه أو خلقه | كالروض يحسن منظرا أو مخبرا |
أقسمت باسم الفضل حتى شمته | فرأيته في بردتيه مصورا |
وجهلت معنى الجود حتى زرته | فقرأته في راحتيه مفسرا |
فاح الثرى متعطرا بثنآئه | حتى حسبنا كل ترب عنبرا |
وتتوجت بالزهر صلع هضابه | حتى ظننا كل هضب قيصرا |
هصرت يدي غصن الندى الذي من كفه | وجنت به روض السرور منورا |
حسبي على الصنع الذي أولاه أن | أسعى بجد أو أموت فاعذرا |
يا أيها الملك الذي حاز المنى | وجباه منه بمثل حمدي أنورا |
السيف أفصح من زياد خطة | في الحرب إن كانت يمينك منبرا |
ما زلت تغني من عنى ك راجيا | نيلا وتفني من عتا وتجبرا |
حتى حللت من الرياسة محجرا | رحبا وضمت منك طرفا أحورا |
شقيت بسيفك أمه لم تعتقد | إلا اليهود إن تسمت بربرا |
أثمرت رمحك من رؤوس كماتهم | لما رأيت الغصن يعشق مثمرا |
وصبغت درعك من دماء ملوكهم | لما علمت الحسن يلبس أحمرا |
نمقتها وشيا بذكرك مذهبا | وفتقتها مسكا بحمدك أذفرا |
من ذا ينافحني وذكرك صندل | أوردته من نار فكري مجمرا |
فلئن وجدت نسيم حمدي عاطرا | فلقد وجدت نسيم برك أعطرا |
وإليها كالروض زارته الصبا | وحنى عليه الطل حتى نورا |
وإذا المنية أنشبت أظفارها | وألفيت كل تميمة لا تنفع |
سجاياك إن عافيت أندى وأسمح | وعذرك أن عاقبت أجلى وأوضح |
وإن كان بين الخطتين مزية | فأنت إلى الأدنى من الله أجنح |
حنانيك في أخذي برأيك لا تطع | عداتي وإن أثنوا علي وأفصحوا |
وماذا عسى الأعداء أن يتزيدوا | سوى أن ذنبي واضح متصحح |
نعم لي ذنب غير أن حمله | صفات يزول الذنب عنها فيفسح |
وإن رجائي أن عندك غير ما | يخوض عدوي اليوم فيه ويمرح |
ولم لا وقد أسفلت ودا وخدمة | يكران لفي ليل الخطايا فيصبح |
وهبني وقد أعقبت أعمال مفسد | أما تفسد الأعمال ثمة تصليح |
أقلني بما بيني وبينك من رضى | له نحو روح الله باب مفتح |
وعف على أثار جرم جنيته | بهبة رحمى منك تمحو وتصفح |
ولا تلتفت رأي الوشاة وقولهم | فكل أناء بالذي فيه يرشح |
سيأتيك في أمري حديث وقد أتى | بزور بني عبد العزيز موشح |
وما ذاك إلا ما علمت فأنني | إذا تبت لا أنفك آسو وأجرح |
تخيلتهم لا در لله درهم | أشاروا تجاهي بالشمات وصرحوا |
وقلوا سيجزيه لا در لله بفعله | فقلت وقد يعفوا فلان ويصفح |
ألا إن بطشا للمؤيد يرتمي | ولكن حلما للمؤيد أرجح |
وبين ضلوعي من هواه تميمة | ستنفع لو أن الحمام مجلح |
سلام عليه كيف دار به الهوى | إلي فيدنو أو علي فينزح |
ويهنئه أن مت السلو فأنني | أموت ولي شوق إليه مبرح |
سقى أرضا ثووها كل مزن | وسايرهم سرور وارتياح |
فما الوى بهم ملل ولكن | صروف الدهر والقدر المتاح |
سأبكي بعدهم حزنا عليهم | بدمع في أعنته جماع |
قم يا نديم أدر علي القرقفا | أو ما ترى زهر الرياض مفوفا |
فنحال محبوبا مدلا وردها | وتظن نرجسها محبا مدنفا |
والجلنار دماء قتلى معرك | والياسمين حباب ماء قد طفا |
لحى الله قلبي كمن يحن إليكم | وفقد بعتم حظي وضاع لديكم |
أما نحن أنصفناكم من نفوسنا | ولم تنصفونا فالسلام عليكم |
نقلت روحك أيما تثقيل | فيما قصدت له من التمويل |
هذا على أني عهدتك خفة | كرسول بر حل عند عليل |
لا والذي ولاك ألوية الندى | وحباك من خطط العلى بجزيل |
ما حدت عن سنن الكتابة عامدا | ولو اعتمدت فعلت فعل نفيل |
لكن بناني أنكرت ما عوجت | فتبرعت بكتابة التمويل |
ولرب سر كامن عند أمري | أبداه بعض فعاله المخبول |
لله رقعتك التي ضمنتها | زهر النهى من لفظك المعسول |
نظم وعيشك لو غدا نثرا لما | قدرته إلا من التنزيل |
وافى به لو أمنت صدوده | عني عمرت يديه بالتقبيل |
قل لصرف الحمام كم ذا التباهي | في تلقيك لي بهذي الدواهي |
كان في عامر وأرقم ما يك | في فهلا أبقيت عبد الإله |
فيه قد كنت بعد استدع الخط | ب وأسطو على العدى وأباهي |
أي شمس وافى عليها أفول | فل غربي عزائمي ونواهي |
لو كنت تشهد يا هذا عشيتنا | والمزن يسكب أحيانا وينحدر |
والأرض مصفرة بالمزن كاسية | أبصرت تبرا عليه الدر ينتشر |
يا رب ليل شربنا فيه صافية | حمراء في لونها تنفي التباريحا |
ترى الفراش على الأكواس ساقطة | كأنما أبصرت منها مصابيحا |
يا ليت شعري وهل في ليت من أرب | هيهات لا تنقضي من ليت أراب |
وأين تلك الليالي إذا تلم بنا | فيها وقد نام حراس وحجاب |
إن الشموس التي كانت تطالعنا | والجو من وقه الليل جلباب |
تهدي إلينا لجينا حشوة ذهب | أنامل العاج والأطراف عناب |
خليلي عوجا بي على مسقط اللوا | لعل رسوم الدار لم تتغيرا |
فاسأل عن ليل تولى بأنسنا | وأندب أياما تقصت واعصرا |
ليالي إذا كان الزمان مسالما | وإذا كان غصن العيش فينان أخضرا |
وإذا كنت أسقى الراح من كف أغيد | يناولنيها رائحا ومبكرا |
أعانق منه الغصن يهتز ناعما | والثم منه البدر يطلع مقمرا |
وقد ضربت أيدي الأمان قبابها | علينا وكب لدهر عنا وأقصرا |
فما شئت من لهو وما شئت من دد | ومن مبسم يجنيك عذبا مؤثرا |
وما شئت من عود يغنيك مفصحا | سما لك سوق بعد ما كان أقصرا |
ولكنها الدنيا بعد ذلك كله | موارد ما ألفيت عنهن مصدرا |
وكم كابدت نفسي لها من ملمة | وكم بات طرف من أساها مسهرا |
خليلي ما بالي على صدق عزمتي | أرى من زماني ونية وتعذرا |
والله ما أدري لأي جريمة | تجني ولا عن أي ذنب تغيرا |
ولم أك عن كسب المكارم عاجزا | ولا كنت في نيل أنيل مقصرا |
لئن ساء تمزيق الزمان لدولتي | لقد رد عن جهل كثير وبصرا |
وأيقظ من نوم الغرارة نائما | وكسب علما بالزمان وبالوراي |
ذروني أجب شرق البلاد وغربها | لا شقي نفسي أو أموت بداءي |
فلست ككلب السوء يرضيه مربض | وعظم ولكنني عقاب سماء |
تخوم لكيما يدرك الخصب حومها | أمام أمام أو وراء وراء |
وكنت إذا ما بلدة لي تنكرت | شددت إلى أخرى مطي إباءي |
وسرت ولا ألوي على متعذر | وصممت لا أصغي إلى النصحاء |
كشمس تبدت للعيون بمشرق | صباحا وفي غرب أصيل مساء |
وله وقد أعرض عن الدنيا وخيالها | ونفض يده عن حبالها |
نفضت كفي عن الدنيا وقلت لها | إليك عني فما في الحق اغتبن |
من كسر بيتي لي روض ومن كتبي | جليس صدق على الأسرار مؤتمن |
أدرى بها جرى في الدهر من خبر | فعنده الحق مسطور ومختزن |
وما مصابي سوى موتي ويدفني | قوم وما لهم علم بمن دفنوا |
مكتبة المنار - الأردن-ط 1( 1989) , ج: 1- ص: 83