التصنيفات

ذو الوزارتين أبو بكر بن عمار رحمه الله وعفا عنه بمنه مقذف حصى القريض وجماره، ومطلع شموسه وأقماره، الذي بعث الإحسان عرفا عاطرا ونفسا، وأنبته في شفاه الأيام لعسا، أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، ثم كسي بعد إشراقا ونورا، فأصبح راقي منبر وسرير، ولمح ما شاء بطرف غير ضرير، هيا له السعد أن عمر ربعا محيلا، صور في صورة الحقيقة مستحيلا، واصطفاه العدو، فاتفق به السكون والهدو، تهالك فيه كلفا وهياما، وأمطره من الخطوة غماما، واهتصر منه موادعة وايتلافا، استدر بهما الملوك أو أنه أخلافا، فارتاعت منه الأقطار، وطاعت له اللبانات والأوطار، حتى رأس بتدميره، وجلس مجلس الأمير، ثم رأى أن ينتزي عن موليه، ويجتزي بتوليه، فأخذه الله بغدره، وأعان على وضعه رافع قدره، فحصل في قبضة المعتمد قنيصا، وعاد معنى خلاصة مبهما عويصا، إلى أن طوقه الحسام فما استلانه طوقا، وذوقه الحمام فما استعذبه ذوقا، في قصة اشتهرت مع أخفائها، وظهرت بعد عفائها، فإنه قتله بيده، وأنزله ليلا في ملحده، ولقد رأيت عظمي ساقيه قد أخرجا بعد سنين من حفر حفر في جانب القصر المبارك وأساودهما بهما ملتفة، ولبلتهما مشتفة، ما فغرت أفواهها، ولا حلت التواءها، فرمق الناس العبر، وصدق المكذب الخبر، وكان مع نقض أبرامه، ورفض أمامه، شاعرا مطبوعا قد عمر للإحسان منازلاوربوعا وقد أثبت له ما تستهديه النفوس، وترتديه الشموس، فمن ذلك قوله يتغزل في ظلام رومي للموتمن قد لبس درعا. وافر

وتنزه بالدمشق بقرطبة وهو قصر شيده بنواميه بالصفاح والعمد، وجروا في تقانه إلى غاية أمد، وأبدع بناؤه، ونمقت ساحته وفناؤه، واتخذوه ميدان مراحهم، ومضمار انشراحهم وحكوا به قصرهم بالمشرق، واطلعوه كالكواكب الثاقب المشرق، حله أبو بكر على أثر بوسه، وابتسم له به دهره بعد عبوسه، والدنيا قد أعطته عفوها، وسقته صفوها، وبات فيه مع لمة من أتباعه، ومتقيلي رباعه، كلهم يحييه بكاس، ويفديه بنفسه من كل باس، فطابت له ليلة في مشيدة وأطربه الأنس بسيطه ونشيده فقال: خفيف
وله يتغزل: وافر
ودخل سرقسطة فلما رأى غباوة أهلها، وتكاثف جهلها، وواصل منهم من لا يعلم قطعا ولا وصلا، وحاضر من لا يعرف معنى ولا فصلا، عكف عل راحه معاقرا، وعطف بها عل جيش الوحشة عاقرا، فبلغه أنهم نقدوا شربه، وفلوا بالملام غربه، فقال: طويل
وأهدي الناس في يوم عيد إلى المعتمد واختلفوا، وقضوا الفرض ونقلوا، فاقتصره على ثوب صوف بحر وكتب معه: كامل
وكتب إلى عضد الدولة يستدعي منه الكون عنده: بسيط مجزوء
وأخبرني ذو الوزارتين الأجل أبو المطراف ابن عبد العزيز أنه حضر معه عند المؤتمن في يوم قد جادت فيه السماء بهطلها، وأتبعت وبلها بطلها، وأعقب رعدها برقها، وانسكب دراكا ودقها، والأزهار قد تجلت من كمامها، وتحلت بدر غمامها، والأشجار قد جلي صداها، وتوشت بنداها، وأكواس الراح كأنها كواكب تتوقد، تديرها أنامل كاد من اللطافة تعقد، إذا بفتى من فتيان المؤتمن أخرس لا يفصح، مستعجم لا يبين ولا يوضح، متنمر تنمر الليث، متشمر تشمر البطل الباسل عند الغيث، وقد أفاض على نفسه درعا، تضيق بها الأسنة ذرعا، وهو يريد استشارة المؤتمن في الخروج إلى موضع بعثه إليه ووجهه، فكل من صده عنه نهره ونجهه، وحتى وصل إلى مكان انفراده، ووقف بإزاء وساده، فلما وقعت عين ابن عمار عليه، أشار بيده إليه، وقربه واستدناه، وضمه إليه كأنه تبناه، وحد ان يخلع نه ذلك الغدير، أن يكون هو السقي المدير، فأمره المؤتمن بخلعه، وطاعة أمره وسمعه، فنضاه عن جسمه، وقام يسقي على حكمه ورسمه، فلما دبت فيه الحميا، وشبت غرامه بهجة ذلك المحيا، واستزلته سورة العقار، واستنزلته عن مراقب الوقار، قال: كامل
وكتب إلى الراضي رحمه الله: كامل
ولما أزمع على الرحيل من حضرة المعتصم خرج المعتصم مودعا له فأنشده ابن عمار ارتجالا وقد كان تقدم لمعتصم إليه قطعة شعر من ثلاثة أبيات: طويل
وله يتغزل: كامل
استدعي منه في إحدى سفراته مشروب ليس فيه غير القتاد، ومحل الزناد، فبعثه وقرن به رمانتين وتفاحتين وكتب إليهم:
وذكرت بهذه الحكاية ما ذكره الأصبهاني أن الحسن بن سهل استدعى من محمد بن عبد الملك مشروبا في بلاد الروم فبعث به وكتب معه: كامل مجزوء
واجعل عليك بأن تقوم بشكرها أبدا عهودا
ولما ضيق المعتضد بالله على ابن عبد الله بقرمونة وسد مسالكه، وسدد إليه مهالكه، استدعى باديس بن حبوس، واستصرخه استصراخ الموثق المحبوس، رجاء أن ينفس عنه غصه، وينتهز في ابن عباد فرصة، فلما وصل باديس بن بوس إلى قرمونة أخرج إليه المعتضد جيشه قدمه ابنه لظافر، وقود منه أسودا في المغافر، فلما التقى الجمعان، وارتقى ثنية بغية المعين والمعا،، حمل فيهم عسكر إشبيلية حملة خلعتهم عن مركزهم، وأدالتهم بالذل بم الظافر أحسن إيقاع، وتركهم مضرجين في تلك البقاع، وانصرف إلى إشبيلية وألويته تختال في أكف الرياح، وذوابله تكاد تنقصف من الارتياح فهنئ المعتضد بذلك، وقام ابن عمار ينشد هنالك: طويل
وقال يمدح المعتمد: طويل
وقال يمدح المعتضد: متقارب
وله يخاطب بني عبد العزيز وقد اجتازيهم فأخرجوا غليه تضييفا وبرا مع قوم أغفال لم يلقوه فكتب إليهم: طويل
ولما فغر المعتمد على مرسية فمه، وأراد أن يرفع بها علمه، ويثبت بها قدمه، وجعل ابن طاهر غرضه، ونبذ ذمام الوفاء له ورفضه، لضيق مجاله، وقلة رجاله، وعجم أعواده، وسبر أنجاده، فلم يرسمها يفوه لعرشه، ولا شهما يطوقه أمر جيشه، إلا ابن عمار رأيا لم ينتقده، واعتقادا لمن لم يعتقده، وظنا أخلفه، وقضاه ما أسلفه، مجازاة لبغيه، وموازة لقبح سعي، وانتصارا من الله لمن لم يجن ذنبا، ولم يثن عن مضجع المولات جنبا، فلما وصل غليها، وحصل عليها، وفض ختمها، وصحح لتنفسه اسمها، نبذ عهد المعتمد وخلعه.
وأنزل ذكره من منابرها بعدما أطلعه، ففيض له من ابن رشيق رجل حكاه فعلا، وصار لتلك العقيلة بعلا، فاقتص منه اقتصاص ابن ذي يزن من الحبشان، وتركه أخسر من أبي غبشان، ما كان إلا ريثما أوقده نهيه وأمره، وخرج هو إلى افتقاد أقطاره، وقضاء بعض أطاره، حتى ثار له ثورة الأسد الورد، وامتنع له بمرسية امتناع صاحب الأبق لفرد، فبقي ابن عمار ضاحيا من ظل غبطته، لاحيا نفسه على غلطه، ولما استبهم أمره ولم يعلم له تفسيرا، وعاد جناحه الوافر مهيضا كسيرا، أراد الرجوع إلى المعتمد فخاف أن يوبقه غدره، وعزم عل القعود فضاق بفقد ما عهده عنده صدره، فكتب إليه: طويل
فرق له المعتمد وأشفق، وأقشع نوء حقده عليه وأخفق، وعزم على الصفح عنه التجاوز، وأن يرفع بالأعضاء له تلك المعاوز، فكتب إليه مراجعا: طويل
فما أورثته هذه المراجعة إلا نفارا، ولا زادت قلبه من الثقة به إلا خلوا وإقفارا، فإنه لما قبحت فعلاته، وحنظلت نخلاته، لم يزل سوء الظن يقتاده، ويصدق توهمه الذي يعتاده، فلذلك لم يقبل ما رجعه به من رفع إيحاش، ولا أمن عاقبة ما عامله من قبح وأفحاش، فكر إلى سرقسطة لاحقا بالمؤتمن، وسائقا له الدنيا بأيسر ثمن، وإنما كان يطلب ملكا يخلع ملكه على عطفيه، ويجعله كحنين وخفيه، أو يختدعه في إعانته على بلد يفتحه باسمه، ويجربه على سنن المعتمد ورسمه، فيتم المؤتمن بشقورة وأغراه، وأراه من تيسر مرامها، ما أراه، فأوطأ عقبه، وأعطاه مالا احتقبه، ونهض وهو لا يشك في النزول بها والاحتلال، ولا يتوهم أن يلم بالأمر طائف اعتلال، فأيقظ لها عزمه، وأقام حزمه، فلما وصل إليها عرس بصفحتها، وأيقن بفتحها، وخلع على من معه، ووصل من عاينه أو تسمعه، فلما برا في ذلك وراش، ورأيه قد فال وطاش، إذا برسول صاحبها قد وافاه يعلمه أن البلد بلده، وأن ماله فيها إلا أهله ولده، وأنهى إليه رغبته في الكون عنده، وأن يطلع معه عبيدة المختصين به وجنده، فطار إليه في الحين، وسار بزعمه إلى راح ورياحين، فكانت راحه قيدا لا يدعه يبرح، وريحانه أوهاما تجرح النفس وتقرح، ما كان إلا أن تجاوزوا ذلك المعقل، الذي لم يعقل أن له معتقل، حتى حيز منه أصحابه وتقسموا في كل باب، ووسموا بسن أو ذباب، فلما وصل إليه أوثقه بمثقل الحديد، وعوضه بصلصلته من البسيط والمديد، فلما أصبح كتب إلى رؤساء الأندلس يسوه، وقد علم أن ما منهم إلا يتشوقه وفي ذلك يقول: سريع
وفي مدة اعتقاله إياه، لم يثن عنه حمياه، ولا منعه ممن يريد مطالعته ولقياه، وأباح له الاستراحة إلى أخدانه، وأراح خاطره في مضمار القول وميادينه، فجاء بما أعجز، وأطال عنان الإحسان وهو قد أوجز، فمن بدع ذلك ما طالع به أبا الفضل ابن حسداي يصف موضعه المعتقل فيه: كامل
ومر على أبي عيسى ابن لبون في أحد متوجهاته مستوفزا، وإلى لباناته منحفزا، وفلم يثنه المودة ثان، ولا جذبته نغم مثالث عهدها ومثان، وأسرع كالماء إلى الانحدار، والمرء إلى أيدي الأقدار، فلما علم أبو عيسى أن تخلفته ركائبه، كتب إليه بعاتبه: كامل
فراجعه ابن عمار بقوله: كامل
وكتب إلى ذي الوزارتين أبي الحسن بن اليسع وقد آب من إحدى سفراته: كامل
وفي أيام خموله، وعريه من ماموله، أنشد المعتصم بالله:
ولم يزل المعتمد يتحيل على صاحب شقورة في أخذ ابن عمار منه، ويعطيه ما شاء عوضا عنه، ويفرط في ترفيعه، ويبسط ما أحب من شفاعته ويعد بتشفيعه، حتى استزله فيه، استنزله بفرط تحفيه، فدفعه إلى ثقاته، ولم يتق الله حق تقاته، وخسر دون مال أخذه عوضا، غير أمال جعل أمرها إليه مفوضا، وكان خرج منها والجيوش تحفه، وكأنه مهدي والدنيا تزفه، فعجب الناس مما كان بين وردة وصدره، وتعوذوا بالله من سوء قدره ولم يزل يتوسل إليه بذممه، ويناشده الله في حقن دمه، ويستعطفه بكل مقال حر، ويتحفه منه بأنفس در، فلنم يصح إلى رقاه، وجرعه الحمام وسقاه، والموت لا يتوسل إليه، ولا يستشفع لديه. كامل
ودم المعتمد بعد موته، وأسف أسفا لا يجدي على فوته، حين سبق السيف العذل، وقد يكون مع المستعجل الزلل، ومن بديع استعطافه، ومليح استلطافه، الذي يلين له الحديد، والخطب الشديد، قوله. طويل
ذو الوزارتين القائد أبو عيسى بن لبون رحمه الله هو من راس وما شف، وكف جوده وما كف، وأعاد كأسد البدائع نافعا، ولم يصدر أملا خافقا، وكان مثير الرفد، كلفا بالوفد، وكانت عنده مشاهد، تزف فيها للمنى أبكار نواهد، أيام تطرق النوائب، ولم تشب صفوة الشوائب، ودهره مسعد لا ينغص أحدا راحه، ولا تطرق له بالغير ساحة، حتى نبه نائم صرفه، وانحنى بنكره على عرفه، فارتدت على أعقابها مقاصده، ونكب عنه وافده وقاصده، وكانت مربيطر مطلع شمسه، وموضع انسه، فأخذها ابن رزين من قبضته، وأقعده بعد نهضته، وخدعه بالمحال، واقطعه أنكد حال، فبقي وغدا جوه من تلك الخطة صاحيا، وله نظم نظم من المحاسن جملا، وأعاد سامعه ثملا، وقد أنبت منه ما يدل على نفاسة سبكة، وجودة حبكة، فمن ذلك ما قاله متوجعا بخليط ضعن، وأوغل في شعاب البعد وأمعن. وافر
وأخبرني الوزير أبو عامر ابن الطويل أنه كان بقصر مربيطر بالمجلس المشرف منها والبطحاء قد لبست زخرفها، ودبح الغمام ومطرفها، وفيها حدائق ترنو عن مقل نرجسها، وتبث طيب تنفسها، والجلنار لبس أردية الدماء، وارع أفئدة الندماء، فقال: كامل
وله أيضا يعاتب بعض إخوانه: طويل
وله وقد كتب إليه الكاتب أبو الحسن راشد بن سليمان بالتمويل، وقد كان عهد إليه ألا يخاطبه إلا بالتسويل: كامل
فراجعه الكاتب أبو الحسن المذكور: كامل
وله يرثى ذا الوزارتين أبا محمد أخاه وقد توفى ولو رقة ف ملكه، ومنتظمة سلكه: خفيف
وشرب مع الوزراء والكتاب ببطحاء لو رقة عند أخيه ابن اليسع غائب عنهما في عشية تجود بذمائها ويصوب عليها دمع سمائها، والبطحاء قد خلع عليها سندسها، ودنرها نرجسها، والشمس تنفض على الربى زعفرانها، والأنوار تغمض أجفانها، فكتب إلى ابن اليسع. بسيط
وله أيضا: بسيط
وله بعد ما نقل عن ملكه، وأخذ سلطانه من ملكه، يحن إلى لياليه السالفة، وظلال أنسه الورافة ويتذكر لذته، وينكر أطراح الزمان له ونبذته: بسيط
وله وقد أرهقته الرزايا والحت، وهمت عليه سحائبها وسحت، وبات له الأسى ملأ الجوانح، وعوض بالبارح من السانح، فانصرمت أماله، واستبهمت أعماله، فأكثر التشكي من زمنه، وأظهر جوى محنه، وأصبح يبدي الضجر، ويكاد يبكي الحجر، ويندب ايامه ولياليه، ويذكر عاطل عيشه وحاليه. طويل
وله يأنف من المقام على ما رتب له من الأجراء ويكلف بالإدلاج والإسراء: طويل
بسيط

  • مكتبة المنار - الأردن-ط 1( 1989) , ج: 1- ص: 83