السيد عبد الرحيم العباسي عبد الرحيم بن أحمد، الشيخ العلامة الإمام، والمولى الفهامة الهمام، شيخ الإسلام، ومحقق القاهرة والروم والشام، السيد الشريف الحسيب النسيب أبو الفتح بدر الدين العباسي القاهري، ثم الإسلام بولي. مولده كما قرأته من خطه الكريم في سحر يوم السبت رابع عشري رمضان المعظم قدره سنة سبع- بتقديم السين- وستين وثمانمئة بالقاهرة، وأخذ العلم بها عن علمائها، فأول مشايخه منهم قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله النشائي، وأخذ عن الشيخ العلامة المحقق محيي الدين الكافيجي، والشيخ الإمام العلامة أمين الدين الأقصرائي، والشيخ العلامة قاضي القضاة محب الدين بن الشحنة، والقاضي العلامة قاضي القضاة شرف الدين موسى بن عيد الحنفيين، وعن الشيخ العلامة قاضي القضاة برهان الدين اللقاني المالكي، وعن الشيخ الإمام سراج الدين عمر العبادي، والشيخ الإمام العلامة شمس الدين أبي عبد الله الجوجري شارح المنهاج والإرشاد، والشيخ العلامة جلال الدين البكري، والشيخ العلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن قاسم، والشيخ الإمام العلامة حافظ العصر فخر الدين عثمان الديمي، والشيخ الإمام قاضي القضاة برهان الدين بن ظهيرة قاضي مكة، والشيخ العلامة شيخ الإسلام محب الدين محمد بن الغرس البصروي الشافعيين، وسمع صحيح البخاري على المسند ابن المعمر العز الصحراوي، وعبد الصمد الحرستاني بالأزهر بحق روايتهما عن العراقي عن الحجار، وقرأ على المسند الرحلة بدر الدين بن حسن بن شهاب بحق روايته عن عائشة بنت عبد الهادي عن الحجار، ثم لازم آخرا شيخ الإسلام الجد الشيخ رضي الدين الغزي، وانتفع به في العلوم والمعارف شيئا كثيرا، وحصل له بصحبته خير كثير، وفوائد جمة، وأخبرنا شيخ الإسلام الوالد عن السيد عبد الرحيم أنه حكى له عن نفسه أن مما وقع له مع الجد، وهو نازل عنده في بيته مختفيا في قيطون بنت ابن حجر ببركة الرطلي من القاهرة، أنه كان كثيرا من الليالي ما يوقظه للقيام، ويسمع صوته عند رأسه يقول له: يا هو قم وبينه وبينه ثلاثة أبواب مغلقة وأنه كان كثير التعلق إذ ذاك فقال له: هذه خلوة جعلت لك فلا تخرج منها حتى تبلغ الأربعين، فكان كذلك وقد أشار السيد عبد الرحيم رحمه الله تعالى إلى بعض ما كان للشيخ الجد عليه من اليد، والفضل فقال في قصيدة كتبها إليه من قصائد في مدحه يقول فيها:

إلى أن قال:
ولما دخل شيخ الوالد بلاد الروم، أكرم السيد عبد الرحيم مثواه، وعرف أكابر الموالي بمكانته في العلوم وزكاه، وحصل بينهما في تلك الرحلة من لطيف المحاورة، وعجيب المسايرة، ما هو أرق من النسيم، وأعذب من التسنيم، وأخذ كل واحد منهما عن الآخر ومن أراد الوقوف على تفصيل ذلك فليراجع رحلة الشيخ الوالد المسماة بالمطالع البدرية في المنازل الرومية، وهذه التسمية من لطائف السيد عبد الرحيم أيضا ومن غريب ما ذكره الوالد عنه في الرحلة المذكورة، ما سمعه السيد في المنام وقد مات السلطان سليم رحمه الله تعالى وأخفي موته إلى أن يحضر ولد السلطان سليمان:
وكان مصداق هذه الواقعة ما شاع واشتهر من العدل، الذي حصل في دولة السلطان سليمان- رحمه الله تعالى- واشتداد بأسه، في جهاد أهل الكفر والطغيان، بحيث أنه أعدل ملوك بني عثمان، ولذلك طالت مدته واتسع له الزمان، وكم للسيد المذكور رحمه الله تعالى في فتوحات السلطان سليمان ووقائعه، من قصيد نضيد خصوصا في فتح رودس، وذكر صاحب الشقائق للسيد المشار إليه ترجمة مليحة، أثنى عليه فيها ثناء بالغا وقال: كانت له يد طولى وسند عال في علم الحديث ومعرفة تامة بالتواريخ والمحاضرات والقصائد الفرائد، وكان له إنشاء بليغ ونظم حسن مليح إلى أن قال وبالجملة كان من مفردات العالم صاحب خلق عظيم وبشاشة، ووجه بسام لطيف المحاورة، عجيب النادرة، متواضعا متخشعا أديبا لبيبا يبجل الصغير ويوقر الكبير، وكان كريم الطبع سخي النفس مباركا مقبولا، قال: وجملة القول فيه أنه كان بركة من الله في أرضه وذكر أيضا أنه دخل القسطنطينية في زمن السلطان بايزيد مع رسول أتاه من قبل الغوري، وكان القاضي يومئذ المولى ابن المؤيد فزاره السيد فأكرمه، وكان له شرح
على البخاري أهداه إلى السلطان بايزيد فأعطاه السلطان جائرة سنية ومدرسته التي بناها بالقسطنطينية ليقرئ فيها الحديث، فلم يرض ورغب في الذهاب إلى الوطن، ثم لما انقرضت دولة الغوري، أتى إلى القسطنطينية، وأقام بها وعين له كل يوم خمسون عثمانيا على وجه التقاعد، قلت قرأت بخط السيد رضي الله عنه أنه ألف شرح البخاري بالقاهرة، سنة خمس أو ست وتسعمئة، وله شرح آخر عليه مبسوط ألفه بالروم، والظاهر أنه لم يتم وشرح على مقامات الحريري، حافل جدا وقطعة على الإرشاد في فقه الشافعية، وشرح على الخزرجية في علم العروض، وشرح على شواهد التلخيص ولما كان شيخ الإسلام الوالد بالروم لخص شرح الشواهد المذكورة في كتب مؤلفه، للسيد عبد الرحيم استوفى فيه مقاصده وزاد عليه لطائف كثيرة، وسماه تقريب المعاهد في شرح الشواهد، ثم بلغني بعد ذلك أن السيد لخص كتابه في مختصر لطيف بالغ في اختصاره جدا، وكتبه برسم بعض الموالي وأما شعر السيد فإنه في الطبقة العليا من الحسن والبلاغة، مع إتقان النكات البديعية فيه وقد كتب شيخ الإسلام الوالد عنه جملة صالحة من قصائده ومقاطيعه في الرحلة وغيرها، ومن ألطفها قوله:
ومن ذلك قوله، وأجاد فيه:
وقال أيضا:
وأنشد له شيخ الإسلام في المطالع البدرية:
#وأنشد له أيضا:
وأنشد له أيضا:
وأنشد له أيضا:
وأنشد له أيضا:
وأخبرنا شيخ الإسلام الوالد إجازة أن السيد لما أنشده هذا المقطوع أجابه له بمدحه يقول:
ودرجه بقوله دونه الفاضل بالقاضي الفاضل واسمه عبد الرحيم أيضا وهو من لطائف التورية، وعجائب الإتفاقات، وأنشد صاحب الشقائق النعمانية للسيد:
وكانت وفاته رحمه الله تعالى في سنة ثلاث وستين وتسعمئة.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1977) , ج: 2- ص: 159