محمد بن يوسف الحلبي التادفي الشافعي
محمد بن يوسف بن عبد الرحمن قاضي القضاة، أبو اللطف كمال الدين الربعي، الحلبي، التادفي، الشافعي، ذكره شيخ الإسلام الوالد في الرحلة وقال في وصفه: الشيخ الأوحد، والأصيل الأمجد، ذو النسب الذي طارت مناقب نزاهته كل مطار، وانتظمت أسلاك إصالته في أجياد الأسطار، وسرت سمات فضيلته مسار نسمات باسمات الأزهار، إلى أن قال: تصطفيه الرتب العليه السنية، وتستأنس به الخطط الشرعية السنية، فطورا مقدما في أندية الأمراء والأعيان، وتارة صدرا في قضاة العدل والإحسان، القضائي الكمالي التادفي قاضي حلب، ثم مكة كان صحبني من حلب إلى البلاد الرومية، فأسفر عن أعذب أخلق وأكرم أعراق، وأحسن طوية، وأنشدني من نظمه قصيدة تائية ومقامه أكبر من الشعر، وأعلى في القيمة وأغلى في السعر انتهى.
وولد كما قال ابن أخيه ابن الحنبلي في تاريخه في ربيع الأول سنة أربع وسبعين وثمانمئة، وتفقه على الفخري عثمان الكردي، والجلال النصيبي وغيرهما، وأجاز له باستدعاء والده المحب أبو الفضل بن الشحنة، وولده الأثير محمد، والسري عبد البر بن الشحنة الحنفيون، وقضاة القضاة الشافعية مشايخ الإسلام زكريا الأنصاري، والجمال إبراهيم بن علي القلقشندي، والقطب محمد الخيضري، والحافظ فخر الدين عثمان الديمي الشافعي، والجمال يوسف بن شاهين الشافعي، في آخرين ولبس الخرقة القادرية من الشيخ عبد الرزاق الحموي الشافعي الكيلاني، وتاب في القضاء عن شيخه القاضي حسين بن الشحنة الشافعي وغيره، ثم ترك مخالطة الناس ولف المئزر على رأسه، وأقدم على خشونة اللباس، وأخذ في مخالطة الفقراء والصوفية، فلما بلغ السلطان الغوري ذلك أرسل له توقيعا بأن يكون شيخ الشيوخ بحلب، ثم ولي قضاء الشافعية بطرابلس، ثم عزل عنه، ثم ولاه الغوري قضاء حلب عن القاضي جلال الدين النصيبي، ولما قرئ توقيعه بجامع حلب وتفرق الناس توجه إلى القاضي جلال الدين، واعتذر إليه وفوض إليه الجمال القلقشندي قاضي القضاة بالممالك الإسلامية نيابة الحكم بالديار المصرية، ومضافاتها مضافا إلى قاضي حلب بسؤاله، ثم ولي في الدولة العثمانية تدريس العصرونية بحلب، ثم أضيف إليه نظر أوقاف الشافعية بحلب، ثم تدريس الحاجبية، ثم ولاه خير بك المظفري حين كان كافل الديار المصرية، ثم في الدولة العثمانية قضاء الشافعية بمكة وجدة وسائر أعمالها، ونظر الحرمين عن المحب بن الظهيرة والخدمة، كان مأذونا له في ذلك، فتوجه إلى محل ولايته وكان أول قاض ولي ذلك من غير أهل مكة في الدولة العثمانية، وبقي في وظيفة القضاء حتى مات خير بك واستقر مكانه محمد باشا فنوزع في الوظيفتين بمساعدة أمير مكة لابن ظهيرة، ثم استقر فيها بعناية محمد باشا حين ولي قاسم باشا مكان محمد باشا، فعزله بعد أمور جرت بينه وبين أميرها، ولم يمكنه الله منة، ثم لما خرج القاضي كمال الدين من مكة معزولا سنة إحدى وثلاثين وتسعمئة كتب للشريف أمير مكة أبياتا سماها السهم المهلكة الباري، في الشريف بركات وأتباعه والذراري، ومن جملتها:

فمات الشريف بركات في تلك السنة، وهو من الاتفاق الغريب، ومن شعر القاضي كمال الدين:
وله أيضا:
وقد امتدحه جماعة من أعيان عصره، ولو لم يمدح إلا بالأرجوزة التي نظمها شيخ الإسلام
السيد الشريف عبد الرحيم العباسي، الإسلام حين قدم عليهم من بلاد الرومية لكفى وهي:
وقد التزم السيد عبد الرحيم- رحمه الله تعالى- في هذه الأرجوزة التزاما عجيبا، ورمزها
رمزا غريبا، وهو أنه تبدأ من أول بيت فيها فتعد ثلاثة أبيات وتأخذ أول البيت الثالث، ثم تعد كذلك ثلاثة وتأخذ أول الثالث، حتى تنتهي إلى آخر الأبيات وتكرر مرة ثانية عليها في العدد كذلك، ثم تجمع الحروف، فيخرج منها هذا البيت:
ثم تبدأ من أول بيت منها فتعد خمسة أبيات وتأخذ آخر البيت الخامس، ثم تعد كذلك خمسة وتأخذ آخر الخامس وهكذا كما تقدم وتجمع الحروف فيخرج منها هذا البيت:
#قال ابن الحنبلي: وهذان البيتان كان غير السيد قد مدح الممدوح بهما بالقاهرة، فاطلع عليهما السيد فأدرجهما في أبياته قلت: لكن في قول السيد رحمه الله تعالى في الأرجوزة:
ما يشير إلى أن البيتين المشار إليهما من نظم السيد أيضا: ثم كانت وفاة صاحب الترجمة
في أواسط الحجة سنة ست وخمسين وتسعمئة.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1977) , ج: 2- ص: 62