يحيى البرمكي يحيى بن خالد بن برمك، أبو الفضل: الوزير السري الجواد، سيد بني برمك وأفضلهم. وهو مؤدب الرشيد العباسي ومعلمه ومربيه. رضع الرشيد من زوجة يحيى مع ابنها الفضل، فكان يدعوه: يا أبي! وأمره المهدي (سنة 163) وقد بلغ الرشيد الرابعة عشرة من عمره، أن يلازمه، ويكون كاتبا له ؛ وأكرمه بمئة ألف درهم، وقال: هي معونة لك على السفر مع هارون. ولما ولى هارون الخلافة دفع خاتمه إلى يحيى، وقلده أمره، فبدأ يعلو شأنه. واشتهر يحيى بجوده وحسن سياسته. واستمر إلى أن نكب الرشيد البرامكة فقبض عليه وسجنه في (الرقة) إلى أن مات، فقال الرشيد: مات أعقل الناس وأكملهم. أخباره كثيرة جدا. قال المسعودي: كانت مدة دولة البرامكة وسلطانهم وأيامهم النضرة الحسنة، من استخلاف هارون الرشيد إلى أن قتل جعفر بن يحيى ؛ سبع عشرة سنة وسبعة أشهر وخمسة عشر يوما. ويستفاد من كشف الظنون أن أول من عنى بتعريب المجسطي يحيى بن خالد، فسره له جماعة ولم يتقنوه فأتقنه بعدهم بعض أصحاب بيت الحكمة. ومن كلام يحيى لبنيه: اكتبوا أحسن ما تسمعون، واحفظوا أحسن ما تكتبون وتحدثوا بأحسن ما تحفظون.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 8- ص: 144
يحيى بن خالد بن برمك، أبو الفضل البرمكي الوزير السري الجواد: كان سيد بني برمك وأفضلهم جودا وحلما ورأيا، وكان من أكمل أهل زمانه أدبا وفصاحة وبلاغة، وأخباره في الكرم وشرف الخلال مشهورة، وإنما دخل في شرط كتابنا من جهة بلاغته وتقدمه على أكثر أهل عصره في الانشاء والكتابة وما صدر عنه من الحكم والأقوال التي تداولها الرواة وملئت بها الدفاتر، فأنا أورد منها جملة صالحة. وأما أخباره فما يتسع لها كتابنا وليست من شرطه.
فمما روي عنه انه قال»
ما رأيت رجلا إلا هبته حتى يتكلم فان كان فصيحا عظم في عيني وصدري وإن قصر سقط من عيني.
وحدث محمد بن صالح الواقدي قال: دخلت على يحيى بن خالد البرمكي فقلت ان هاهنا قوما جاءوا يشكرون لك معروفا، فقال: يا محمد هؤلاء جاءوا يشكرون معروفنا فكيف لنا شكر شكرهم.
وقال: مسألة الملوك عن حالها من سجية النوكى، فإذا أردت أن تقول كيف أصبح الأمير فقل: صبح الله الأمير بالنعمة والكرامة، وإذا كان عليلا فأردت أن تسأله عن حاله فقل أنزل الله على الأمير الشفاء والرحمة، فان الملوك لا تسأل ولا تشمت ولا تكيف، وأنشد:
إن الملوك لا يخاطبونا | ولا إذا ملوا يعاتبونا |
وفي المقال لا ينازعونا | وفي العطاس لا يشمتونا |
وفي الخطاب لا يكيفونا | يثنى عليهم ويبجلونا |
انصب نهارا في طلاب العلا | واصبر على فقد لقاء الحبيب |
حتى إذا الليل بدا مقبلا | وغاب فيه عنك وجه الرقيب |
فبادر الليل بما تشتهي | فانما الليل نهار الأريب |
كم من فتى تحسبه ناسكا | يستقبل الليل بأمر عجيب |
ألقى عليه الليل أستاره | فبات في لهو وعيش خصيب |
ولذة الأحمق مكشوفة | يسعى بها كل عدو مريب |
دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 6- ص: 2809
يحيى بن خالد ابن برمك الوزير الكبير، أبو علي الفارسي.
من رجال الدهر حزما، ورأيا، وسياسة، وعقلا، وحذقا بالتصرف، ضمه المهدي إلى ابنه الرشيد ليربيه، ويثقفه، ويعرفه الأمور فلما استخلف، رفع قدره، ونوه باسمه، وكان يخاطبه: يا أبي، ورد إليه مقاليد الوزارة، وصير أولاده ملوكا، وبالغ في تعظيمهم إلى الغاية
مدة إلى أن قتل ولده جعفر بن يحيى، فسجنه، وذهبت دولة البرامكة -كما ذكرنا في ترجمة جعفر.
قال الأصمعي: سمعت يحيى يقول: الدنيا دول والمال عارية، ولنا بمن قبلنا أسوة، وفينا لمن بعدنا عبرة.
قال إسحاق الموصلي: كانت صلات يحيى لمن تعرض له إذا ركب، مائتي درهم. فقال لي أبي: شكوت إلى يحيى ضيقا، فقال: كيف أصنع؟ ما عندي شيء، لكن أدلك على أمر، فكن فيه رجلا، جاءني وكيل صاحب مصر، يطلب أن أستهدي منه شيئا، فأبيت، فألح، وقد بلغني أنك أعطيت في جارية لك ثلاثة آلاف دينار، فهو ذا أستهديه إياها، وأخبره أنها قد أعجبتني، فلا تنقصها عن ثلاثين ألف دينار. قال: فوالله ما شعرت إلا والرجل يسومني الجارية، فبذل فيها عشرين ألف دينار، فضعف قلبي عن ردها. فلما صرت إلى الوزير، قال: إنك لكذا، كنت صبرت، وهذا خليفة صاحب فارس قد جاءني في مثل هذا، فخذ جاريتك، فإذا ساومك، لا تنقصها من خمسين ألف دينار. قال: فجاءني، فلنت، وبعتها بثلاثين ألفا. فلما صرت إلى الوزير، قال: ألم تؤدبك الأولى عن الثانية، خذ جاريتك إليك. فقلت: قد أفدت بها خمسين ألف دينار، أشهدك أنها حرة، وأني قد تزوجتها.
قيل: إن أولاد يحيى قالوا له وهم في القيود مسجونين: يا أبة! صرنا بعد العز إلى هذا! قال: يا بني! دعوة مظلوم غفلنا عنها، لم يغفل الله عنها.
مات يحيى بن خالد: في سجن الرقة، سنة تسعين ومائة، وله سبعون سنة.
وكان أبوه أحد الأعيان المذكورين.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 7- ص: 527