عبد القادر بن محمد الدشطوطي عبد القادر بن محمد الدشطوطي: عبد القادر بن محمد، الشيخ الصالح المعمر المعتقد المجرد، العفيف العارف بالله تعالى، المقبول الشفاعة في الدولتين الجراكسية والعثمانية الشيخ زين الدين ابن الشيخ بدر الدين الأشطوطي كذا ضبطه العلائي، وضبطه السخاوي في الضوء اللامع - بطاءات مهملة وشين معجمة - كما هو جار على الألسنة قال: وربما جعلت الشين جيما، ولكن صوابه الدشطوخي - بدال مهملة مكسورة وشين معجمة ساكنة وبعدها طاء مهملة مفتوحة وبعد الواو خاء معجمة - نسبة إلى دشطوخ، وهي قرية من قرى الصعيد. قال السخاوي: كان متقشفا يحب سماع القرآن، وكلام الصوفية، انتشر اعتقاده بين المصريين من سنة سبع وثمانين فما بعدها، وكانوا يشاهدون منه كرامات وأحوالا. قال الشيخ زين الدين الشماع الحلبي: وكان من أكابر أرباب الأحوال. قلت: ذكره شيخ الإسلام الجد فيمن اصطحب معهم من أولياء الله تعالى، وجمع به ولده شيخ الإسلام الوالد، وكان يأمره بالذهاب إليه والتبرك به حين كان بمصر من سنة سبع عشرة إلى سنة إحدى وعشرين، وترجمه الشيخ الوالد بالقطبية في أماكن متعددة، وترجمه الحافظ جلال الدين بالولاية، وألف بسببه تأليفا في تطور الولي ذكر في أوله أن سبب تأليفه أن رجلين من أصحاب الشيخ عبد القادر المذكور حلف كل واحد منهما أن الشيخ عبد القادر بات عنده ليلة كذا، فرفع إليه سؤال في حكم المسألة قال: فأرسلت إلى الشيخ عبد القادر، وذكرت له القصة، فقال: لو قال أربعة إني بت عندهم لصدقوا. قال السيوطي: فأجبت بأنه لا يحنث واحد منهما، ثم حمل ذلك على تطور الولي، وهو جزء لطيف حافل نقل فيه كلام فحول العلماء كابن السبكي، والقونوي، وابن أبي المنصور، وعبد الغفار القوصي، واليافعي - رضي الله تعالى عنهم - وقال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: دخلت مرة على سيدي عبد القادر، فقال: يا ولدي كل من قال سعادته بيده كذب، وفي لفظ آخر، من قال: إن سعادته بغير يد الله فقد كذب، وأذكر بداءة لك بمداءة أمري كنت في دشطوط لا أهجع من السعي في الدنيا، وأنا راكب على ظهر الفرس من الغيط إلى السواقي إلى بلدة كذا، وكان يضرب بي في المثل في الجهد في الدنيا فبينا أنا راكب فرسي يوما، وأنا ذاهب إلى الغيط، فحصل لي جاذب إلهي، فصرت أغيب عن إحساسي اليومين والثلاثة، ثم أفيق فأجد الناس حولي، وأنا في بلد آخر غير بلدي، ثم أغيب حتى صرت أغيب من الجمعة إلى الجمعة، ثم من الشهر إلى الشهر لا آكل ولا أشرب، فأفقت يوما، فقلت: اللهم إن كان هذا وارد حق منك، فاقطع علائقي من الدنيا. قال: فرجعت إلى ولدي بعد تسعة أشهر، فوجدت الأولاد وأمهاتهم والبهائم حتى كلاب الدار قد ماتوا، فقلت للناس: هل وقع فصل في البلد؟ فقالوا: لا إنما وقع ذلك في دارك فقط. فقلت: إنه وارد حق، فأخذت فى السياحة إلى يومي هذا ليس لي علاقة من الدنيا سوى هاتين الجبتين اللتين علي هذه حكايته بلفظه، وكان الشيخ عبد القادر مشهور الولاية، ظاهر الأحوال بين الناس، مقبولا عند الخاص منهم والعام، مسموع الكلمة عند السلطان، فمن دونه مقبول الشفاعة، وكان يقال له: صاحب مصر، وكان السلطان قايتباي إذا رآه يمرغ خديه على قدميه، وعمر عدة جوامع بمصر وقراها، ووقف الناس عليها الأوقاف الكثيرة، وكان المتولي لعمارة جامعه بمصر وزاويته بها الشيخ جلال الدين البكري، وهو والد الشيخ أبي الحسن البكري، وكان الشيخ جلال الدين أولا من قضاة مصر والمباشرين بها، فلما تواضع لله تعالى وخدم الشيخ عبد القادر رفعه الله تعالى، وأقبل الشيخ عبد القادر على ولده سيدي الشيخ أبي الحسن، وكان يومئذ يشتغل في علوم الظاهر فاضلا فيها، فأمره والده بخدمة عبد القادر واعتقاده، فبعثه الشيخ عبد القادر إلى الشيخ رضي الدين جدي، وكان يومئذ نازلا بمصر، فلا زال عند الشيخ رضي الدين ملازما له في منزله في غالب أوقاته ليلا ونهارا حتى فتح الله تعالى عليه بحقائق المعرفة، ولطائف الإشارات، فقال له الشيخ رضي الدين: يا أبا الحسن ما بقيت مصر تسع لنا ولك، وسافر الشيخ رضي الدين من مصر إلى دمشق في سنة إحدى وعشرين وتسعمئة، ثم صارت الشهرة العظيمة لأولاد البكري من يومئذ إلى يومنا هذا، وكان ذلك كله ببركة الشيخ عبد القادر الدشطوطي - رضي الله تعالى عنه - وكان - رضي الله تعالى عنه - صاحيا، وهيئته هيئة المجاذيب، حافيا، مكشوف الرأس، عليه جبة حمراء تارة وتارة جبتان، وكان بعد أن أضر بصره لبس واحدة، وتعمم بالأخرى، وكان له كلام عال على لسان أهل المعرفة حتى استشهد بكلامه سيدي الشيخ علوان الحموي في رسالة كتبها إلى صاحبه الزيني عمر بن الشماع محدث حلب، وضمنها موعظة أمره فيها بالخروج من عطن الكون المقيد إلى الوجود المطلق، وأنشد فيها قول بعض العارفين:

وقول الآخر:
ثم قال الشيخ علوان: ولقد بلغني عن الدشطوطي المصري - رحمه الله تعالى - أنه قال له شخص شاكيا من آخر: يا سيدي ذا وحش قوي، فأجابه الشيخ يا ذا حط من حسنك على وحاشته يبقى مليحا، وذكر الشعراوي أنه أول ما اجتمع به في رمضان سنة اثنتي عشرة وتسعمئة، وهو دون البلوغ أوصاه بوصايا، وقال له: أنا أعرف أن عقلك الآن ما يحمل هذا الكلام، ولكن هات الدواة والقلم واكتبها. قال: فأتيته بالدواة، فكتبها، وقال: احفظ هذه الوصية حتى تكبر وتعرف معناها وتدعو لمن علمك إياها. أوصيك بعدم الإلتفات إلى غير الله عز وجل في شيء من أمورك في الدنيا والآخرة، فإن جميع الأمور لا تبرز إلا بأمره، فارجع في الأمور إلى من قدرها يقول الله عز وجل في بعض كتبه المنزلة: يا عبدي لو سقت إليك ذخائر الكونين، فنظرت إليها بقلبك طرفة عين فأنت مشغول عنا لا بنا وذكر أن البحر توقف يوما، ثم هبط أيام الوفاء نحو ثلاثة أذرع، فجاء الناس إليه، فذهب إلى شاطئ النيل، فخاض فيه، وقال اطلع بأذن الله تعالى، فطلع البحر، وأوفى ذلك الوقت، وكاد الناس أن يتقاتلوا عليه يتبركون به. قال: واتفق الناس أنه ما رؤي قط في معدية في البحر لا في الجيزة، ولا في ينبوبة إنما كانوا يرونه في هذا البر. وهذا البر، وحج مرة ماشيا حافيا طاويا، فلما وصل إلى باب السلام بحرم مكة انطرح بخده على العتبة ثلاثة أيام حتى أفاق، ثم دخل للطواف والسعي، ولما زار النبي صلى الله عليه وسلم وضع خده على باب السلام بحرم المدينة مستغرقا إلى أن رجع الحجاج، ولم يدخل المسجد. قال الشعراوي: وأخبرني الأمير يوسف بن أبي إصبع أن السلطان قايتباي لما سافر لنواحي بحر الفرات استأذن سيدي عبد القادر، فأذن له قال: فلما سافر مع السلطان كنا نجده ماشيا قدام السلطان في البرية، وبيننا وبينه نحو عشرة أذرع، فإذا نزلنا نسلم عليه اختفى. قال: فلما نزلنا حلب وجدنا زحمة على باب زاوية: فقلنا: ما هذا فقالوا سيدي عبد القادر الدشطوطي له هنا خمسة أشهر ضعيف في هذه الزاوية فقلنا نحن فارقناه في مصر من نحو خمسة وعشرين يوما. قال: وكنا نراه أمامنا في الطريق، فدخلنا فوجدناه ضعيفا كما قالوا: فتحيرنا في أمره. وذكر ابن الحنبلي في تاريخه أن سيدي عبد القادر دخل حلب سنة تسعين وثمانمئة، وقد كان عسكر قايتباي ببلاد الروم نازلا على أدنة، فأقام الشيخ عبد القادر بحلب أياما، ثم لم يوجد، فلما عاد عسكر قايتباي منصورا أخبروسا أنهم وجدوه يوم انتصروا، وكان يوم نصرهم قريبا من يوم فقده بحلب، ومن وقائعه أنه يبيت كثيراعند رجل نصراني في باب البحر، فيلومه الناس على ذلك، فيقول لهم الشيخ عبد القادر: هذا مسلم فأسلم ببركة الشيخ، وحسن إسلامه، وكراماته ومناقبه كثيرة مشهورة غير محصورة - رضي الله تعالى عنه - ووقع في طبقات الشعراوي الكبرى والصغرى أن سيدي عبد القادر قد مات في نيف وثلاثين وتسعمئة، وهذا تقريب منه على عادته في طبقاته - رضي الله تعالى عنه - ولكنه أبعد هنا، فإني حررت وفاة الشيخ عبد القادر من تاريخ العلائي، والحمصي، وابن طولون أنها كانت في سنة أربع وعشرين وتسعمئة، وحرر العلائي وفاته يوم الاثنين تاسع شعبان منها قال: ولما بلغ وفاته الأمراء - يعني خاير بك المظفري - اغتم لذلك، ونزل من القلعة هو، والأمراء، وقضاة القضاة، والمباشرون. وأركان الدولة، وأرباب الولايات، ومن لا يحصى، فحضروا جنازته ولما دنت وفاته، رضي الله تعالى عنه - أكثر من البكاء والتضرع، وكان يقول للشيخ جلال الدين البكري وهو يعمر في زاويته التي دفن فيها خارج باب الشعرية بمصر: عجلوا بعمارة القبة، فإن الوقت قد قرب، فلما مات كان بقي عليهم في بنائها يوم، وكملت، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثاني عشر رمضان سنة أربع وعشرين المذكورة. كما ذكره الحمصي. وقال ابن طولون: صلي عليه غائبة في اليوم المذكور، وعلى شيخ الصالحية عبد الرحمن بن جماعة المقدسي رحمهما الله تعالى.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1977) , ج: 1- ص: 247