محمد البدخشي محمد البدخشي: محمد البدخشي - ويقال: البلخشي، باللام - الشيخ الصالح العارف بالله تعالى، الصوفي الحنفي صحب الشيخ المشهور بابن المولى الأنزاري، وكان على طريقة شيخه من ترك الدنيا والتجرد من علائقها، ثم توطن مدينة دمشق، وكان له في الشيخ محيي الدين بن العربي اعتقاد، ولما فتح دمشق السلطان سليم بن عثمان - رحمه الله تعالى - ذهب إلى بيت الشيخ المذكور مرتين، كذا في الشقائق، وسمعت صاحبنا الشيخ الصالح إبراهيم بن أبي بكر السيوري - رحمه الله تعالى - يحكي عن أبيه الشيخ الصالح أبي بكر أن هذا الشيخ كان مقيما برواق الجامع الأموي الشمالي، وكان يجلس عند شباك الكلاسة الذي يلي الزاوية الغزالية، وأن السلطان سليم زاره بهذا الموضع مرتين، وفي المرة الأولى لم يجر بينهما كلام، وفي المرة الثانية سكت السلطان سليم خان أيضا وتكلم الشيخ محمد فقال: كلانا عبد الله، وإنما الفرق بيني ويينك أن ظهرك ثقيل من أعباء الناس، وظهري خفيف عنها، فاجتهد أن لا تضيع أمتعتهم، قال في الشقائق: وسأل السلطان سليم خان - رحمه الله تعالى - عن اختياره الصمت فقال: فتح الكلام ينبغي أن يكون من العالي ولا علو لي، قلت: وهذه منقبة عظيمة للسلطان سليم خان - رحمه الله تعالى - أفصحت على حسن خلق وأدب ومعرفة واتضاح فرحمه الله تعالى، وذكر ابن طولون في تاريخه، أن زيارة السلطان للبلخشي كانت ليلة الاثنين سابع عشرة رمضان سنة اثنتين وعشرين وتسعمئة، وأنه دخل الجامع الأموي فصلى بالمقصورة، وقرأ في المصحف العثماني، وزار قبر رأس سيدي يحيى عليه السلام، ثم قبر هود عليه السلام، ثم صعد المنارة الشرقية، ثم جاء إلى الكلاسة فزار بها الشيخ محمد البلخشي، ثم مشى إلى داخل الجامع وجلس معه ساعة، وعرض عليه دراهم فأبى أخذها، ووصاه بالرعية، وحكي عن خواجه محمد قاسم، وكان من نسل خواجه عبيد الله السمرقندي العارف العالم، أنه قال: ذهبت إلى خدمة المولى إسماعيل الشرواني من أصحاب خواجه عبيد الله، فرغبني في مطالعة الكتب فاعتذرت إليه بعدم مساعدة الوقت، وذهبت إلى خدمة الشيخ محمد البدخشي، فقال لي: كأنك كنت عند المولى إسماعيل؟ قلت: نعم، قال: يرغبك في مطالعة الكتب، قلت: نعم، قال: لا تلتفت إلى قوله إني قرأت على عمي من القرآن إلى سورة العاديات، والآن ليس احتياجي في العلم إلى ما ذكره المولى إسماعيل، وما عرفت حاله، تارة أراه في أعلى عليين، وتارة في أسفل سافلين، قال خواجه محمد قاسم: ثم ذهبت إلى خدمة المولى إسماعيل فقال: لعلك كنت عند الشيخ محمد البدخشي، قال: قلت: نعم، قال: هل منعك عن المطالعة؟ قلت: نعم، قال: إن لك في المطالعة نفعا عظيما، إن جدك الأعلى خواجه عبيد الله، كان يطالع في أواخر عمره تفسير البيضاوي، ثم قال المولى إسماعيل: إن لي مع الشيخ محمد البدخشي حالا عجيبة، إني إذا قصدت أن أصاحبه أريه نفسي في أعلى عليين، وإذا قصدت ترك صحبته أريه نفسي في أسفل سافلين قلت: رحم الله تعالى المولى إسماعيل الشرواني، والشيخ محمد البدخشي، لقد نصح كل منهما خواجه محمد قاسم المذكور، فأرشده كل منهما إلى طريقه الذي فتح عليه فيه، فأما المولى إسماعيل فأرشده إلى طريق المطالعة، والدأب، وأما البدخشي فأرشده إلى الاشتغال بالله تعالى، والانقطاع إليه عن كل سبب، وقد أفصحت هذه القصة على كشف كلي لهما، وعما كان عليه المنلا إسماعيل من قوة التصرف، وستأتي ترجمته في الطبقة الثانية - إن شاء الله تعالى - وأما الشيخ محمد البدخشي فكانت وفاته بدمشق في أواخر سنة اثنتين وعشرين، أو في أوائل سنة ثلاث وعشرين وتسعمئة، ودفن بالسفح عند رجلي الشيخ محيي الدين بن عربي - رحمهما الله تعالى -.
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1977) , ج: 1- ص: 89