أبو عبد الله محمد بن الحسن ابن الطوبي الكاتب صاحب ديوان الإنشاء عالم بالرسائل، جامع للفضائل، أربى في النحو على نفطويه. وفي الطب على [ابن] ماسويه، وكلامه في نهاية الفصاحة، وشعره في غاية الملاحة.
وله ’’مقامات’’ تزري ’’بمقامات البديع’’ وإخوانيات كأنها زهر الربيع، مع خط كالطرز المعلمة، والبرود المثمنة. وكان الشعر طوع عنانه، وخديم جنانه.
وفيه أقول من أبيات:
أيها الأستاذ في الط | ب وإعراب الكلام |
لك في النحو قياس | لا يساميه مسام |
ثم في الطب علاج | دافع الداء العقام |
أنت في النثر البديه | ي وفي النظم السلامي |
فاضل الآباء والنف | س عظامي عصامي |
أخشى عليك الحسن يا من به | أصبح كل الناس في كرب |
ألا ترى يوسف لما انتهى | في حسنه ألقي في الجب |
أقول وقد مر نسطاس بي | وقلبي فيه عذاب أليم |
وقد ماس كالبان فوق الكثيب | وأقبل يرنو بألحاظ ريم |
لئن كان في النار هذا غدا | فإني أحب دخول الجحيم |
يا قاسي القلب ألا رحمة | تنالني من قلبك القاسي؟ |
جسمك من ماء فما لي أرى | قلبك جلمودا على الناس؟ |
أخاف من لين ومن نعمة | عليك من ترديد أنفاسي |
سبحان من صاغك دون الورى | بدرا على غصن من الآس |
أي ورد يلوح من وجنتيه | طار مني الفؤاد شوقا إليه |
فإذا رمت أجتنيه ثناني | عنه وقع السيوف من مقلتيه |
انظر إلى (حسن) وحسن عذاره | لترى محاسن تسحر الأبصارا |
فإذا رأيت عذاره في خده | أبصرت ذا ليلا وذاك نهارا |
قام عذري بعذاري | هـ فما أعظم كربي |
قلت لما أن تبدى | نبته: سبحان ربي |
أحرقت فضة خدي | ك لكي تحرق قلبي |
قالوا بفيك حرارة | فعجبت كيف يكون ذاكا |
ورضاب ريقك مطفئ | نيران أقوام سواكا |
شكا لحرارة في فيه أعيت | معالجة فبات لها كئيبا |
وكيف يصح ذا | تفديه نفسي |
ما لا مني قط فيه | إلا الذي لا يراه |
حتى يراه فيضحي | مشاركي في هواه |
بخدك آس وتفاحة | وعينك نرجسة ذابله |
وريقك من طيبه قهوة | فوجهك لي دعوة كامله |
ومسقمي من طرفه | بما به من سقم |
أوما لتقبيل يدي | فقلت: ما ذنب فمي؟ |
قسم الحسن على الخل | ق ولكن ما أقله!! |
فهو في الأمة تفصي | ل وفي وجهك جمله |
أتعبت قلبي بالصدو | د وليس أيأس من وصالك |
فخذ الدليل، فقد زجر | ت لما أؤمل من نوالك |
ناولتني من حصرم | فرجوت نقلك عن فعالك |
إذ كان يحمض أولا | وتراه يحلو بعد ذلك |
يا سميي وحبيبي | نحن في أمر عجيب |
اتفاق في الأسامي | واختلاف في القلوب |
فمه فيه لؤلؤ في شقيق | فوقه خاتم له عقيق |
وله في جفونه حد سيف | مرهف الشفرتين عضب رقيق |
فإذا رمت أن أقبل فاه | صد عما أريد خوف الطريق |
يا من لجسم تقضى | حراكه والسكون |
فعاد شكلا بسيطا | تزل عنه العيون |
يخفى على الموت لطفا | فما يكاد يبين |
فلو تجسم يوما | تناولته المنون |
أو كما يهجس في الخا | طر شيء غير شيء |
سهام اللحظ ترشقه | فتدميه وتؤلمه |
ودق فما تكاد ترى | له شخصا تكلمه |
كمثل الروح ينبئ عن | حقيقته توهمه |
قالوا: سرقت الورد في قبلة | من خد يحيى بن أبي العز |
فقلت: لا قطع على سارق | إلا إذا استخلص من حرز |
لي سيد جار على عبده | وعبده باق على ودة |
يمنعني من يده قبلة | حذار أن ترقى إلى خده |
تحبك | يا سوداء |
وأنت سواد اللعين مني أرى به | وليس بياض العين مثل سوادها |
إذا غنى يزيل اللهم عنا | ويأتينا بما نهواه منه |
له وتر يطالب كل هم | بوتر فالهموم تفر عنه |
أنا غروي شديد السواد | وقد كنت أبيض مثل اللجين |
وما كنت أسود لكنني | صبغت سوادا لقتل الحسين |
حمرتي من دم قلبي | أين من يندب أينا؟ |
أنا من أحجار أرض | قتلوا فيها الحسينا |
أرابك اللوز له لذة | تجل عن وصف ومقدار |
انظر إليه فله خلقة | قد أحكمتها صنعة الباري |
لؤلؤة في صرة ضمنت | حقا وقد قير بالقاري |
ما إن رأيت ولا سمعت بلحية | عرضت كلحية جعفر بن محمد |
سدت عليه وجهه فكأنما | عيناه في ثقبي كساء أسود |
يا لائمي في انتزاعي | عن الورى وانقطاعي |
لا أستطيع على أن | أكون بين الأفاعي |
يا خاضب الشيب دعه | فليس يخفى المشيب |
حصلت منه على أن | يقال شيخ خضيب |
ما خضبت المشيب للغانيات | لا ولكن سترته عن عداتي |
حذرا أن يروا مشيبي فيبدو | لي منهم سرورهم بوفاتي |
رضيت يا خاضب الشي | ب خطة ليس ترضى |
سودت منك ثلاثا | وجها وعقلا وعرضا |
يا باكيا للشباب إذ ذهبا | بكيت في إثر غادر هربا |
الشيب أوفى منه بذمته | هل فارق الشيب قط من صحبا؟ |
بكى الشباب رجال بئس ما صنعوا | والشيب أفضل في التحصيل والنظر |
إن الشباب كليل ضل مسلكه | والشيب كالصبح يهدي العين للأثر |
حق من العاج وفي وسطه | دق من اللؤلؤ منثور |
بنو العباس قد فطنوا لسر | بنزعهم لمبيض الثياب |
لئن لبسوا السواد لقد أصابوا | لأنهم حكوا لون الشباب |
قد شربنا المدام من كف خود | أقبلت كالهلال والليل داج |
ونعمنا | لولا مغيبك عنا |
وعجبنا للماء يحمل نارا | في قنان كأنها خرط عاج |
وفتاة تكشفت للندامى | وعجوز تسترت بالزجاج |
فاغتنم لذة الزمان وبادر | كل ضيق تخافه لانفراج |
لحية حمدون دثار له | تكنه من شدة البرد |
كأنها إذ غاب في وسطها | قطيفة لفت على قرد |
لم أنس إذ عانقت بدر التمام | في غسق الليل وجنح الظلام |
كأننا ’’لآمان’’ قد قوربا | فألصق الخط فصارا كلام |
خضبت شعرك زورا | والشيب قد فاض فيضا |
كذبت في كل شيء | حتى على الشعر أيضا |
صبغ المشيب بليه | على الفتى ورزيه |
حصلت منه على أن | أضحكت مني البريه |
يا لائمي في اشتغالي | بحفظ مال قليل |
البخل أجمل بالح | ر من سؤال البخيل |
ونار فحم ذي منظر عجب | يطرد عنه الشرار باللهب |
كأنما النار مبرد جعلت | تبرد منه برادة الذهب |
أتيت إليه في قيظ شديد | فحياني محياه بثلج |
فقلت: عدمت عندي بادهنجا | ولكن وجه هذا بادهنجي |
أتيته زائرا حدثه | ولست في ماله بذي طمع |
فظن أني أتيت أسأله | فكاد يقضي من شدة الجزع |
أريد لأشفي سقم قلبي بنرجس | فيذبل إن صافحته بتنفسي |
له مقلة كالتبر، والجفن فضة | وقد كغصن البان، في ثوب سندس |
غنى | وإن كان مقيتا |
من حم فلينظر إلى وجهه | فإنه يبرد في الوقت |
لا تصل من صدتيها | أبدا واستغن عنه |
كن كمثل الكرم يعلق | بالذي يقرب منه |
يحب بنو آدم ربهم | ولكنهم بعد يعضونه |
وإبليس قد أشربوا بغضه | وهم بعد ذاك يطيعونه |
فهذا التنافي فما بالهم | يرون الضلال ويأتونه؟ |
أرى عيني إذا ثقلت مشيبا | يكون لها انقباض وانخفاض |
كأن العين تشفق أن تراه | مخافة أن يحل بها البياض |
سلونا حبه لما جفانا | وكان بموضع منا شريف |
كمثل الزهر تكرمه طريا | ويطرح إن تغير في الكنيف |
إن أنت لم يحتج إليك الورى | كنت بهم في تعب متعب |
ألا ترى الماء إذا لم يكن | شاربه عطشان لم يشرب |
احذر صديقك إنه | يخفى عليك ولا يبين |
إن العدو مبارز | لك والصديق هو الكمين |
راقصة كالغصن من فوقه | بدر منير تحت ظلماء |
تلهب مثل النار في رقصها | وهي من النعمة كالماء |
كأنما في رجلها عودها | وزامر يتبع بالناء |
ساحرة الرقص غلامية | منها دوائي وبها دائي |
إذا بدت ترقص ما بيننا | يرقص قلبي بين أحشائي |
عذاره في خده إنه | سبحان ربي الخالق الباري |
معجزة | يا قوم |
قلت لما كثر الشع | ر عليه عاشقيه |
أحرقت فضة خدي | هـ فغالى الناس فيه |
كأنما عذاره | والخد منه الأحمر |
غلالة وردية | فيها طراز أخضر |
جدر فازدادت مداجاته | ونحن في الحب له زدنا |
وكان كالفضة ما نقشت | فزادها أن نقشت حسنا |
يقول لي الآس قل لي: | علام تكثر لثمي؟ |
فقلت: أشبهت عندي | عذار من لا أسمي! |
يخص البعيد بإحسانه | وذو القرب من سيبه مخفق |
كمثل العيون ترى ما نأى | وليست ترى ما بها يلصق |
لا تنكري أخلاقي الخارجه | واختبري أخلاقي الوالجة |
فالمسك ما في الطيب شبه له | وإنما كسوته نافجه |
ومغن لو تغنى | لك صوتين لمتا |
سمج الخلقة غث | ينحت الآذان نحتا |
ويغني ما اشتهاه | لا يغني ما أردتا |
كلما قال: اقترح، قل | ت: اقتراحي لو سكتا |
غنى كمن قد صاح في خابيه | لا وهب الله له العافية |
ما أحد يسمعه مرة | فيشتهي يسمعه ثانيه |
ومغن نحن منه | بين أسقام وكربه |
يضرب العود ولكن | ضربه يوجب ضربه |
ومغن قد لقينا | منه كربا وبلاء |
هو من برد غناه | يجعل الصيف شتاء |
يغني فنهوى انسداد الصماخ | ونبصره فنحب العمى |
دعاء رجال إلى عرسهم | فصير عرسهم مأتما |
لنا مغن غناه | يعود شرا عليه |
لم يأت منزل قوم | فعاد قط إليه |
لما رأيت عذارا | له خلعت عذاري |
وبان للناس عذري | فما أخاف اشتهاري |
كأنه لام مسك | خطت على جلنار |
أو البنفسج في الور | د خضرة في إحمرار |
وعذار كأنه لام مسك | خطها كاتب على جلنار |
عجب العاذلون منه وقالوا: | طاب في ذا العذار خلع العذار |
ما رأينا بنفسجا قبل هذا | نابتا في صحيفة من نضار |
مالي أرى صاحبنا (معمرا) | قد عدم المنظر والمخبرا |
تفسد ريح المسك أنفاسه | وتبطل الكافور والعنبرا |
وكل من حدثه ساعة | يقيم أياما يشم الخرا |
وأبخر في فمه دبره | تراه إن حدث يفسو فمه |
يخفى عن الأعين لكنه | يظهره النتن ولا يكتمه |
وعذبوا فوق الذي عذبوا | إن هو لم يطرح إلى خارج |
قالوا به حمى لها صولة | فقلت: هذا كذب بين |
قد أجمع الناس على أنه | ما سخن الثلج ولا يسخن |
شبيهات المشيب تعاف نفسي | وأشباه الشبيبة هن حور |
سواد العين نور العين فيه | وما لبياضها في العين نور |
تبرم إذ دخلت عليه لكن | فطنت فقلت في عرض المقال |
علي اليوم نذر في صيام | فأشرق لونه مثل الهلال |
منجم بكر في حاجة | ونجمه في الفلك العلوي |
حتى إذا حاول تحصيلها | قارنه المريخ بالدلو |
أمثلي | يا فديك النفس |
كتبت، فلم تجبني عن كتابي | ولم يعد الرسول علي حرفا |
فآها ثم آها ثم آها | وأفا ثم أفا ثم أفا |
عندي الذي تتمنى | عندي الذي تشتهيه |
وما يتم سرور | إلا إذا كنت فيه |
تأمل إن في اسمك شر معنى | وقد يدري الغرائب مبتغيها |
لئن سموك ’’يعلى’’ ما أرادوا | بفتح الياء إلا الضم فيها |
صبرت على سوء أخلاقه | زمانا أقدر أن يصلحا |
فلما تزوج قاطعته | لأني تخوفت أن ينطحا |
إذا سبك إنسان | فدعه يكفك الرب |
ولا تنبح على كلب | إذا ما نبح الكلب |
يقرب قوله لك كل شيء | وتطلبه فتبصره بعيدا |
فما يرجو الصديق الوعد منه | ولا يخشى العدو له وعيدا |
قاطعت ’’عمران’’ ولم أستطع | صبرا على أشياء ليست تليق |
فالكف إن حلت بها آفة | يقطعها المرء فكيف الصديق |
ليس التصوف لبس الصوف ترقعه | ولا بكاؤك إن غنى المغنونا |
ولا صياح ولا رقص ولا طرب | ولا تغاش كأن قد صرت مجنونا |
بل التصوف أن تصفو بلا كدر | وتتبع الحق والقرآن والدنيا |
وإن ترى خائفا لله ذا ندم | على ذنوبك طول الدهر محزونا |
لو قلت لي: أي شيء | تهوى؟ لقلت: خلاصي |
الناس طرا أفاع | فلات حين مناص |
نسوا الشريعة حتى | تجاهروا بالمعاصي |
فشرهم في ازدياد | وخيرهم في انتقاص |
حتى يوافوا المنايا | فيؤخذوا بالنواصي |
يا ويحهم لو أعدوا | لهول يوم القصاص |
كتب الحسن فوق خديك لامي | ن ونونين خط في الحاجبين |
ولهذا الكتاب معنى لطيف | فأعره تأمل المقلتين |
إنه قال: لن لصب عميد | ثم لن في كتابه مرتين |
قال: ولدت كل معنى غريب | أنت لا شك أشعر الثقلين |
وأهيف من بني الكتاب معتدل | حارت عيون الورى في وجهه الحسن |
لما نظرت إليه قلت من عجب: | سبحان من جمع البستان في غصن |
انظر إلى الفحم يمشي | فيه اشتعال بنار |
فإنه آبنوس | مرصع بنضار |
شمس الضحى من فوق أزراره | والغصن في عقدة زناره |
سراج أهل الدير من حسنه | يجلو دجى الليل بأنواره |
كأنما هاروت في طرفه | ينفث سحرا بين أسفاره |
أحرقني ظلما بنار الهوى | نجاه رب العرش من ناره |
ألا يا لائمي مهلا | فما لومك لي عدلا |
كما لا تقبل العذر | كما لا أقبل العذلا |
أيها الناس لي حديث عجيب | وهو مستطرف |
زار في ليلة المحاق فعادت | ليلة النصف حين زار الحبيب |
سأشكر ما بقيت سقام جسمي | فلولاه لأعوز ما طلبت |
أزارني الحبيب على بعاد | فأهلا بالسقام ولو هلكت |
صبرت يا هند عنك | إذ خنت من لم يخنك |
يا هند إن كنت قربي | فالهند أقرب منك |
يا ذا الذي أقلقه همه | ودفع ذاك الهم في راحته |
انظر إلى المرآة حتى ترى | كيف يزول الهم من ساعته |
وبارد زاد في البر | د فهو حلو ظريف |
ففيه سر كثير | وفيه معنى لطيف |
يغنيك عن بادهج | إذا أتاك المصيف |
إن قلت: إنك غصن، كنت ذا ملق | وقلت فيك مقال الزور [والملق] |
إذ كنت تحسن عريانا ومكتسيا | والغصن يقبح في عيني بلا [ورق] |
دار الغرب الإسلامي - بيروت -ط 1( 1995) , ج: 1- ص: 26