أبو الحسن علي بن محمد بن علي الربعي المعروف بابن الخياط شاعر فصيح اللسان، مشهور بالإحسان، وحدة الجنان، وجودة البيان، ماهر في اللغة والأدب، حافظ لأشعار العرب، وكان يشبه في عصره، بجرير في دهره.
ومدح الملوك من آل أبي الحسين الكلبيين، وكان عندهم عالي القدر، نابه الذكر. فمن شعره قوله من قصيدة يمدح فيها الأمير ثقة الدولة يوسف بن عبد الله وولده تاج الدولة وسيف الملة جعفرا، أولها:
سلمى وما أدراك ما سلمى | قنص لعمرك رائع الأدما |
لا تستبح روضا بوجنتها | أنفا لسهم جفونها يحما |
وأنا نذيرك أن تلاحظها | وانظر لنفسك قبل أن تصما |
فهي العيون لقلبي تطادما | لا تحتقب قودا ولا إثما |
وسفيهة بكر تسفهني | أو تحسبين لعاشق حلما |
كفي ملامك إن بي صمما | عنه أيسمع لومك الصما |
هذا وأشمط رب دسكرة | رحب الفناء لكل من أما |
مستنزل جلباب زائره | ببشاشة تستنزل العصما |
طفنا به أملا فهب لنا | بزجاجة تتحمل النجما |
فلو أن ملك الأرض تحت يدي | لجعلت كل نباتها كرما |
حتى تكون الراح منهلة | تغني الصوداي عن زلال الما |
كيد ابن عبد الله يوسف إذ | طرد الغنى بنوالها العدما |
ظلت تحزم سيرذي شطب | شبق الملامة وامتطى الحزما |
يا جعفرا ورد العذوبة بو فحلى | ورد والمنة نعما |
أنت اللباب لكل مكرمة | كان الملوك لقرعها عدما |
وبما بلغت حجى الكهول فتى | وحلمت قبل بلوغك الحلما |
فاسلم ليوسف ساعدا ويدا | فوق السماء تخيم أنجما |
طرق الخيال وساء ما طرقا | أخذ الرقاد وخلف الأرقا |
عندي سرائر لو نفثت بها | في صخرة لتقطعت فلقا |
حب صليت به وأكتمه | لو مس أبكم حره نطقا |
ولقد صبرت له فأوسعني | قلقا وأثخن مهجتي حرقا |
ولعلني إن قلت بي علق | قعد الوشاة بقصتي حلقا |
وأنا الرهين بحب ساحرة | ملأت يدي ببشرها ملقا |
نظمت لها أيدي ملاحتها | خرز القلوب بجيدها نسقا |
ملك تضم الأرض قبضته | حتى تكون جميعها طبقا |
يغزر بأدهم في العجاج ترى | لمع السيوف بجسمه بلقا |
لا يطمعنك في السلو تكهلي | أنا من علمت على الغرام الأول |
إن كان غرك ذا الوقار فإنه | كالطيب يعبق في القميص وقد بلي |
نسك نصبت به حبالة مطعم | متعود قنص الغزال الأكحل |
ولرب مأربة لبست لها الدجى | وقضت بها وطرأ لطافة مدخلي |
أسري كما تسري النجوم لحاجتي | والناس بني مدثر ومزمل |
ولقد تعبدني على حريتي | رشأ تنعم في الرحيق السلسل |
ممن يصون عن الأكف ثماره | بخل ويحجبه عن المتأمل |
لا تنفع العبرات عند صدوده | أحدا ويرهب أن يقال له: صل |
داريت قسوته بلين تلطفي | والصعب تعطفه يد المتحيل |
وإذا بليت بهاجر فاصبر له | فالماء ينبط من صفاة الجندل |
لأسابقن غدا لتهنئة العلى | ولآخذن بشارة المستعجل |
ولأهدين إلى الخلافة إنها | تعلى وتحمد بعد أحمد في علي |
سردت يد الجدري فوق أديمه | حلق الدروع مقدرات المدخل |
ولقبلها لبس الدروع مسوما | في موكب كدر العجاجة جحفل |
الله هناك السلامة في الذي | سيء العدو به كما سر الولي |
داويت بالصدقات معضل دائه | والبر يدفع كل داء معضل |
انجري بعض موعدي | كم تمنين بالغد |
أنا راض ببلة ال | ريق للحائم الصدي |
نصب الكاشحون لي | كل عين بمرصد |
سبني أن عشقته | جائر الحكم معتد |
سب ما شئت لا ترع | بلساني ولا يدي |
خوطة في قرارة | أينعت في قرى ند |
ظلها في عرين ور | د من الأسد ملبد |
لا أطيق الفداء من | هـ بشيء فأفتدي |
غير أني مؤيد | بالأمير المؤيد |
ولقد قلت للحوا | دث: قومي واقعدي |
حط رحلي بداره | بين نسر وفرقد |
هذه الدولة التي | كنت أرجو لمجتد |
يا قلب ويحك قد خلقت ضعيفا | أفلا تزال على هوى موقوفا |
حتام أنت بذات طرف ساحر | لا تستبل بحنة مطروفا |
خفت حصاتك يوم خف قطينها | هل كنت تحذر للقطين خفوفا؟ |
وكأن قيم ركبها مستوفز | ضربوا له أجلا فحث عنيفا |
ساروا بها والبدر من أترابها | يتنقصون تمامه تحييفا |
قد كان في حال الكمال كوجهها | فغدا كحاجبها أزج نحيفا |
يا من رأى القمر المنير بهودج | متجللا غير السحاب سجوفا |
نظمت له أيدي القيان بلؤلؤ | مثل النجوم قلائدا وشنوفا |
غم الهلال فأطلعته بوجهها | في هالة جعلت عليه نصيفا |
وتخيلت للعين حمر برودها | شفقا أحاط به وكن شفوفا |
يا رب ليل بت أنشد صبحه | وكأنني أضللت منه تليفا |
ليلا حسبت به المجرة جدولا | وحسبت أنجمها حصى مرصوفا |
ولعله بعد اليبيس مروح | بندى الحنين فأرتعيه خريفا |
ملك تنطق بالملوك أبوة | وبنوة فأتى بهم محفوفا |
مستخلص الخلفاء وابن ملوكها | وأبوهم ما بل بحر صوفا |
لو لم تفز بتليد مجدك في العلى | حظا لفزت بمن ولدت طريفا |
نظرت فقلت هو الغزال الأدعج | وتبسمت فإذا النقي الأفلج |
وشككت بين مذكر ومؤنث | فيها فأنبا باليقين الأبلج |
ريحانة برد النعيم يظلها | لو كان فيه للمظل تولج |
إحدى حبالات القلوب لقلما | ينجو إذا نصبت له المتحرج |
لا يخدعنك بالكناس نعامها | إن العرين به زئير مزعج |
ذو لبدة منع الجواز كأنما | منه على الصحراء باب مرتج |
أنيابه شفراته ولهاته | تنوره فالنيء فيها منضج |
أغمامة برقت بها أم هودج | أم تلك أحلام بنوم تهلج |
ما خلت قبلك والمخالة حيرة | إن الإيناس على بعير يخدج |
صار الأراك على الغزالة كلة | والمرد أزرارا عليها تسرج |
هون عليك بمن نواه كهجره | أيبكر الحادي به أم يدلج |
فيم الصبابة بعد ما ذهب الصبي | سن مذكية ورأس أخرج |
إن الذي قد كان يحسن في الهوى | بالأمس منك اليوم شيء يسمج |
لم يبق يا شرخ الشباب بلمتي | إلا دريس من ثيابك منهج |
ست من العشرات خلف حقيبتي | طويت كما طوي الكتاب المدرج |
فاصرف هواك إلى الثناء على الذي | يثني صروف الدهر عنك فتفرج |
الخاتم الأملاك لولا ناشئ | من صلبه يلد الملوك متوج |
قمر أبوه البدر إلا أنه | تم وذاك حين يولد مخدج |
أخذت بأسعده الكواكب حظها | وتقاسمته على السواء الأبرج |
وإذا الدجى صنع النبيط أحابشا | فكأنما بيض الجلود تزندج |
كشف العمى فتميزت ألوانها | فكأنما أنفلق الصباح الأبلج |
نور أعين من الهدى ببصيرة | طمس الضلال بها وكان المنهج |
الحق في الشبه البهيمة أبلج | والباطل المصنوع فيها لجلج |
ومن الثناء على الملوك محبر | يكسونه حللا ومنه مثبج |
ولو استطعت على النجوم نظمتها | عقدا عليك فهل إليها معرج |
وإذا منحتك من ثناي نتيجة | فعن المنائح من نوالك تنتج |
لا يعد منك منبر وخطيبه | ما لم يزل فيه بفخرك يلهج |
حبيب تولى الحب قلبي وقلبه | فصاغهما قلبا له جسدان |
ونحن على ما بيننا من تآلف | إذا حضر الواشون مفترقان |
حسن وجه لي فيه قلب شقي | أبدا في الهوى وطرف سعيد |
أين ألقتني المطامع فيه | ساعد لين ومرمى بعيد |
قمر دونه رجوم الشياط | ين وظبي تذب عنه الأسود |
لا تعجبن لرتبة أشرارها | يعلون والأخيار فيها تسفل |
فالناقصون هم الذين علوا بها | والراجحون هم الذين تنزلوا |
أو ما ترى الميزان يعلو خفة | في كفة ويحط فيها الأثقل |
إن سب الملوك من شعب المو | ت فإياك أن تسب الملوكا |
إن عفو عنك بالذنوب أهانو | ك وإن عاقبوا بها قتلوكا |
ليس إلا تنفس الصعداء | وبكائي وما غناء بكائي |
من رسولي إلى السماء يؤدي | لي كتابا إلى هلال السماء |
كيف يرقى إلى السماء كثيف | يسلك الجسم في رقيق الهواء |
أعجز الإنس أن ترقى إليها | فعسى الجن أن تكون شفائي |
أم ترى الجن تتقي شهب الرج | م فدعني كذا أموت بدائي |
سر حيث شئت فأنت وحدك عسكر | والناس بعدك فعله لا يذكر |
يا جامع البوس والنعما براحته | كالغيث يجمع بين الماء واللهب |
تمتع بالمنام على شمال | فسوف يطول نومك باليمين |
ومتع من يحبك من تلاق | فأنت من الفراق على يقين |
دار الغرب الإسلامي - بيروت -ط 1( 1995) , ج: 1- ص: 18