الفرزدق همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي، أبو فراس، الشهير بالفرزدق: شاعر، من النبلاء، من أهل البصرة، عظيم الاثر في اللغةن كان يقال: لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب، ولولا شعره لذهب نصف اخبار الناس. يشبه بزهير بن أبي سلمى. وكلاهما من شعرا ء الطبقة الاولى، زهير في الجاهليين، والفرزدق في الاسلاميين. وهو صاحب الاخبار مع جرير والاخطل، ومهاجاته لهما اشهر من ان تذكر. كان شريفا في قومه، عزيز الجانب، يحمي من يستجير بقبر ابيه - وكان ابوه من الاجواد الاشراف - وكذلك جده. وفي شرح نهج البلاغة: كان الفرزدق لا ينشد بين يدي الخلفاء والامراء الا قاعدا، واراد سليمان بن عبد الملك ان يقيمه فثارت طائفة من تميم، فأذن له بالجلوس! وقد جمع بعض شعره في (ديوان-ط) ومن امهات كتب الادب والاخبار (نقائض جرير والفرزدق-ط) ثلاثة مجلدات. كان يكنى في شبابه بابي مكية، وهي ابنة له. ولقب بالقرزدق، لجهامة وجهه وغلظه. وتوفى في بادية البصرة، وقد قارب المئة. واخباره كثيرة. وكان مشتهرا بالنساء، زير غوان، وليس له بيت واحد في النسيب مذكور. وقال المرتضى: كان يحسد على الشعر ويفرط في استحسان الجيد منه. ومما كتب في اخباره (الفرزدق-ط) لخليل مردم بك، ومثله لحنا نمر، ولفؤاد افرام البستاني.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 8- ص: 93

الفرزدق همام بن غالب بن صعصعة ويكنى أبا فراس ولد سنة 38 وتوفي بالبصرة سنة 110.
وإنما سمي الفرزدق لأنه شبه وجهه وكان مدورا جهما بالخبزة وهي الفرزدقة.
بيته وأبوه
وبيته من أشرف بيوت بني تميم، كان غالب أبوه جوادا شريفا ووفد جده صعصعة بن ناجية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم وهو الذي منع الوئيد في الجاهلية فلم يترك أحدا من بني تميم يئد بنتا له إلا فداها منه، وغالب أبو الفرزدق يكنى أبا الأخطل وقبره بكاظمة ولم يطف بقبره خائف إلا أمن ولا مستجير إلا أجير.
عند علي (ع)
ووفد غالب على علي بن أبي طالب عليه السلام ومعه ابنه الفرزدق فقال له من أنت؟ قال: أنا غالب بن صعصعة المجاشعي. قال: ذو الإبل الكثيرة؟ قال: نعم. قال: فما فعلت إبلك؟ قال: أذهبتها النوائب وزعزعتها الحقوق. قال: ذلك خير سبلها. ثم قال له: يا أبا الأخطل من هذا الفتى؟ قال: ابني الفرزدق وهو شاعر. قال: علمه القرآن فإنه خير له من الشعر. فكان ذلك في نفس الفرزدق حتى قيد نفسه وآلى أن لا يحل قيده حتى يحفظ القرآن.
أمه وإخوته
وأم الفرزدق لبنة بنت قرظة الضبية وأخوه الأخطل وأخته جعثن هما أخواه لأبيه وأمه والأخطل أسن من الفرزدق وكان من وجوه قومه وأم أبيه ليلى بنت حابس أخت الأقرع بن حابس التميمي.
أحواله
وصح أنه قال الشعر أربعا وسبعين سنة لأن أباه جاء به إلى علي وقال: إن ابني هذا شاعر في سنة ست وثلاثين، وتوفي الفرزدق سنة عشر ومائة في أول خلافة هشام بن عبد الملك هو وجرير والحسن وابن شبرمة في ستة أشهر، وقد روي أنه وجريرا ماتا في سنة أربع وعشرة ومائة وأن الفرزدق قارب المائة، وروى الرياشي عن سعيد بن عامر أن الفرزدق بلغ ثلاثين ومائة سنة، والأول أثبت. وكان الفرزدق سيدا جوادا فاضلا وجيها عند الخلفاء والأمراء هاشمي الرأي في أيام بني أمية يمدح أحياءهم ويؤبن موتاهم ويهجو بني أمية وأمراءهم، هجا معاوية بن أبي سفيان وزياد بن أبيه وهشام بن عبد الملك والحجاج بن يوسف وابن هبيرة وخالد القسري وغيرهم، واختلف فيه وفي جرير أيهما أشعر، وأكثر أهل العلم يقدمونه على جرير وقد فضله جرير على نفسه في الشعر، وله في جرير:

وقال جرير: ما قال لي الفرزدق بيتا إلا وقد أكبيته أي قلبته إلا هذا البيت فإني ما أدري كيف أقول فيه، ويروى أن بني كليب قالوا لم نهج بشعر قط أشد علينا من قول الفرزدق:
وله فيه:
وهو القائل:
وله:
وله:
وله:
وله:
وقيل دخل الفرزدق وهو غلام يافع على سعيد بن العاص وأنشده والحطيئة حاضر:
فقال الحطيئة: هذا والله الشعر لا ما تعلل به نفسك منذ اليوم، يا غلام أدركت من قبلك وسبقت من بعدك وإن طال عمرك ليرزن. ثم قال له: أتحدث أمك يا غلام؟ قال لا بل أحدث أبي، فوجده لبقا حاضر الجواب فأعجب به.
وجاء في كتاب الحيوان للجاحظ: إن أحببت أن تروي من قصار القصائد شعرا لم يسمع بمثله فالتمس ذلك في قصار قصائد الفرزدق فإنك لا ترى شاعرا قط يجمع التجويد في القصار والطوال غيره ’’انتهى’’.
وروى ابن عبد البر في الاستيعاب بسنده عن أبي بكر بن عياش قال: اجتمع في جنازة أبي رجاء العطاردي الحسن البصري والفرزدق الشاعر فقال الفرزدق للحسن: يا أبا سعيد يقول الناس اجتمع في هذه الجنازة خير الناس وشرهم فقال الحسن لست بخيرهم ولست بشرهم لكن ما أعددت لهذا اليوم قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ثم انصرف الفرزدق فقال (وكان أبو رجاء أدرك الجاهلية وعمر أزيد من مائة وعشرين سنة):
لقاؤه الحسين عليه السلام
وفي الأغاني بسنده أنه لقي الفرزدق الحسين بن علي عليهما السلام متوجها إلى الكوفة خارجا من مكة في اليوم السادس من ذي الحجة فقال له الحسين ما وراءك؟ قال يا ابن رسول الله أنفس الناس معك وأيديهم عليك، قال ويحك معي وقر بعير من كتبهم يدعونني ويناشدوني الله. فلما قتل الحسين صلوات الله عليه قال الفرزدق فإن غضبت العرب لابن سيدها وخيرها فاعلموا أنه سيدوم عزها وتبقى هيبتها
وإن صبرت عليه ولم تتغير لم يزدها الله إلا ذلا إلى آخر الدهر وأنشد في ذلك:
قصيدته في علي بن الحسين (ع)
ذكر في تذكرة الخواص أبياتا من ميمية الفرزدق في زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام وقال إنه أخذ بعضها من حلية الأولياء والباقي من ديوان الفرزدق.
وهذه القصيدة قلما يخلو منها ومن خبرها كتاب أدب أو تاريخ وذلك لسببين:
(أولا) لأنها قضية تتعلق بفضل إمام عظيم من أئمة أهل البيت الطاهر له مكانته بين المسلمين مع تضمنها ما يدل على أن سلطان الدين أقوى من سلطان الدنيا فهشام أحد فراعنة بني أمية في دولتهم وقوة سلطانهم لم يستطع أن يستلم الحجر ولم يبال به أحد من الناس ولم يفرجوا له وزين العابدين علي بن الحسين (ع) بمجرد أن أقبل لاستلام الحجر أفرج له الناس.
(ثانيا) لدلالتها على جرأة عظيمة وقوة جنان وثبات وإقدام من الفرزدق فجابه هشام بما جابهه به وقال الحق مجاهرا به أمام سلطان جائر يخاف ويرجى وهو شاعر يأمل الجوائز من بني أمية فقال ما قال وفعل ما فعل لوجهه تعالى وصدعا بالحق ودحضا للباطل.
هذان الأمران في ظني هما السبب في انتشار هذه القصة في جميع الكتب والله أعلم.
ونسبة هذه القصيدة إلى الفرزدق مشهورة جدا بل لعلها متواترة وقد رواها السيد المرتضى في موضعين من أماليه والمرزباني في معجم الشعراء والقيرواني في زهر الآداب ورواها أبو الفرج في الأغاني بسنده عن ابن عائشة، قال: حج هشام بن عبد الملك في خلافة الوليد أخيه ومعه رؤساء أهل الشام فجهد أن يستلم الحجر فلم يقدر من ازدحام الناس فنصب له منبر فجلس عليه ينظر إلى الناس، وأقبل علي بن الحسين وهو أحسن الناس وجها وأنظفهم ثوبا وأطيبهم رائحة فطاف بالبيت فلما بلغ الحجر الأسود تنحى الناس كلهم وأخلوا له الحجر ليستلمه هيبة وإجلالا له، فغاظ ذلك هشاما وبلغ منه، فقال رجل لهشام من هذا أصلح الله الأمير؟ قال لا أعرفه وكان به عارفا ولكنه خاف أن يرغب فيه أهل الشام ويسمعوا منه، فقال الفرزدق وكان حاضرا: أنا أعرفه فسلني يا شامي، قال ومن هو؟ قال وأنشد القصيدة: ثم رواها في الأغاني في موضع آخر بما لا يخرج عن هذا المعنى.
وفي آخر الجزء الثاني من ديوان الفرزدق المطبوع بالتصوير الشمسي في ألمانيا عن نسخة خطية معربة مشروحة في غاية الإتقان والضبط قديمة جدا ما لفظه:
وقال الفرزدق يمدح علي بن الحسين صلوات الله عليه وعلى آبائه وذكر الأبيات:
ولما كانت الروايات مختلفة اختلافا كثيرا في عدد الأبيات بالزيادة والنقصان فنحن نذكر أولا أكثرها عددا للأبيات ثم نشير إلى باقي الروايات.
وأكثر الروايات عددا للأبيات هي رواية المرزباني. فقد روى القصة بما لا يختلف عن رواية أبي الفرج في الأغاني غير أنه قال إن حج هشام كان في ولاية أبيه ثم ذكر القصيدة وهي هذه:
فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة وقال والله لأحرمنه العطاء فقال الفرزدق يهجوه:
فبعث إليه هشام فأخرجه. ووجه إليه علي بن الحسين (ع) عشرة آلاف درهم وقال اعذر يا أبا فراس فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر من هذا لوصلناك به، فردها وقال ما قلت ذلك إلا لله، وما كنت لأرزأ عليه شيئا، فقال له علي، قد رأى الله مكانك فشكرك ولكنا أهل بيت إذا أنفذنا شيئا ما نرجع فيه فأقسم عليه فقبلها.
ولا بأس بالإشارة إلى اختلاف الروايات في عددها المشار إليه. ففي رواية الأغاني الأولى أورد منها سبعة أبيات الأول والثاني والخامس والسادس والأخير والثامن والتاسع ولكن بلفظ (من يعرف الله يعرف أولية ذا’’. وفي ديوان الفرزدق ذكر منها خمسة، الأول والسادس والثاني والتاسع والثامن بلفظ أي القبائل. وفي رواية الأغاني الثانية، الرابع والسادس عشر إلى الحادي والعشرين والسابع والعشرين إلى التاسع والعشرين، وستعرف أن الصحيح كون ’’في كفه خيزران الخ...... ويغضي حياء الخ......’’ ليس منها.
واعلم أنه وقع اختلاف أيضا في نسبة هذه الأبيات فبعضهم نسبها إلى الحزين الليثي وبعضهم إلى الفرزدق، وسبب ذلك أن الحزين له أبيات في بعض بني أمية على هذا الوزن وهذه القافية فوقع الاشتباه لذلك فنسبت أبيات الفرزدق إلى الحزين وزيد فيها بعض أبيات الحزين، ومن الرواة من زاد من أبيات الحزين في أبيات الفرزدق ناسبا لها إلى الفرزدق. وهذا كما وقع في أبيات أبي الأسود الدئلي التي رثى بها أمير المؤمنين (ع) وأبيات أم الهيثم النخعية التي على وزنها وقافيتها في رثائه (ع) فأدخل من إحداهما في الأخرى كما أشرنا إليه في المجالس السنية. قال أبو تمام في الحماسة، قال الحزين الليثي في علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وأورد الأول والخامس والسادس والثامن وزاد فيها البيتين المتقدمين (بكفه خيزران) و(يغضي حياء).
وروى السيد المرتصى في الأمالي بسنده عن الحسين بن محمد بن طالب عن غير واحد من أهل الأدب: أن علي بن الحسين عليهما السلام حج فاستجهر الناس جماله وتشوفوا له يقولون من هذا؟ فقال الفرزدق: وأورد الأبيات التي أوردها أبو تمام في الحماسة بإسقاط (في كفه خيزران).
قال أبو الفرج في الأغاني في أخبار الحزين الديلمي الكناني بسنده أن الحزين دخل على عبد الله بن عبد الملك بالمدينة لما حج وفي يده قضيب خيزران فقال:
قال والناس يروون هذين البيتين للفرزدق في أبياته التي يمدح بها علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام التي أولها: ’’هذا الذي تعرف البطحاء وطأته’’ وهو غلط ممن رواه وليس هذان البيتان مما يمدح به مثل علي بن الحسين عليهما السلام وله من الفضل المتعالم ما ليس لأحد. ثم قال: ومن الناس من يروي هذه الأبيات لذود بن مسلم ’’أو أسلم’’ في قثم بن العباس ومنهم من يرويها لخالد بن يزيد مولى قثم فيه، فمن رواها لذود في قثم أو لخالد فيه فهي:
في كفه خيزران ’’البيت’’، يغضي حياء ’’البيت’’.
وحكى في الأغاني عن الصولي عن العلائي عن المهدي بن سابق أن هذه الأبيات الأربعة سوى الأول في شعر ذود بن أسلم في علي بن الحسين عليهما السلام. قال: وذكر الرياشي عن الأصمعي أن رجلا من العرب يقال له داود وقف لقثم فناداه فقال:
قال والصحيح أنها للحزين في عبد الله بن عبد الملك وقد غلط ابن عائشة في إدخاله البيتين في تلك الأبيات. وأبيات الحزين مؤتلفة منتظمة المعاني متشابهة تنبئ عن نفسها وهي:
قال: ومن الناس من يقول أن الحزين قالها في عبد العزيز بن مروان لذكره دمشق ومصر وقد كان عبد الله بن عبد الملك أيضا في مصر والحزين بها ’’انتهى ما قاله أبو الفرج’’.
قال الخطيب التبريزي في شرح الحماسة: الحزين الكناني هو عمرو بن عبد وساق نسبه إلى الديل ثم إلى كنانة بن خزيمة. أقول: فقوله هذا مع قول أبي تمام الحزين الليثي دال على أن الحزين الليثي هو الحزين الكناني، ثم قال الخطيب ويقال إنها للفرزدق ثم ذكر نحوا مما في الأغاني في قصته مع هشام. وفي تاج العروس: عمرو بن عبيد بن وهب الكناني الشاعر يلقب بالحزين وهو القائل في عبد الله ابن عبد الملك وقد وفد إليه لمصر وهو واليها يمدحه بأبيات من جملتها ’’في كفه خيزران’’ البيت ’’يغضي حياء’’ البيت.
وفي زهر الآداب للقيرواني بعد ذكر قصيدة الفرزدق بطولها وقصته مع علي بن الحسين عليهما السلام قال: وقد روي أن الحزين الكناني وفد على عبد الله بن عبد الملك بن مروان وهو أمير على مصر فأنشده قصيدة منها:
’’في كفه خيزران’’ البيت ’’يغضي حياء’’ البيت، قال، ويقال إنها لذود بن أسلم في قثم بن العباس بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب ويقال بل قالها الشنفري في علي بن الحسين (ع) ’’انتهى’’.
أقول: فقد اتضح أن الأبيات الممدوح بها علي بن الحسين (ع) هي للفرزدق لا للحزين وأن البيتين المتقدمين وهما ’’بكفه خيزران’’ و’’يغضي حياء’’ ليسا منها وإنما هي للحزين في عبد الله بن عبد الملك بن مروان، وإدخالهما في أبيات الفرزدق اشتباه. ولقد أجاد أبو الفرج الأصبهاني في قوله المتقدم: أن هذين البيتين ليسا مما يمدح به مثل علي بن الحسين عليهما السلام لا سيما البيت الأول.
من شعره
من قصيدة للفرزدق:
ومن شعر الفرزدق هاجيا الحجاج:
ودخل الفرزدق على سليمان بن عبد الملك فقال له، ما أحدثت بعدنا يا أبا فراس؟ وهو يريد أن ينشده شعرا في مدحه، فأنشده شعرا يفخر فيه بأبيه فقال:
وكان نصيب الشاعر حاضرا وكان زنجيا أسود فقال:
فقال سليمان للفرزدق ما ترى؟ قال هو أشعر أهل جلدته، فقال سليمان بل هو أشعر منك، فخرج الفرزدق وهو يقول:
وقال الفرزدق من قصيدة:
وله:

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 10- ص: 267

الفرزدق همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك، واسمه عرف سمى بذلك لجوده، وقيل غرف بالغين المعجمة والراء، ابن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر، أبو فراس الفرزدق التميمي المشهور صاحب جرير، كان أبوه غالب من جلة قومه ومن سراتهم وكنيته أبو الأخطل، ولم يكن بالبادية أحسن دينا من جده صعصعة، ولم يهاجر، وهو الذي أحيا الوئيدة وبه افتخر الفرزدق في قوله:

قيل إنه أحيا ألف موءودة، وحمل على ألف فرس. وأم الفرزدق ليلى بنت حابس أخت الأقرع بن حابس، وله مناقب مشهورة، وقد تقدم ذكر والده غالب في حرف الغين مكانه وتقدم أيضا ذكر جده صعصعة الصحابي في حرف الصاد في مكانه، والفرزدق لغزا لقطعة من العجين أو الرغيف الضخم لأن وجهه كان ضخما غليظا، روى عن علي بن أبي طالب -وكأنه مرسل- وعن أبي هريرة والحسين وابن عمر، وأبي سعيد والطرماخ الشاعر، وروى عنه الكميت، ومروان الأصغر وخالد الحذاء وأشعث بن عبد الملك والصعق بن ثابت، وابنه لبطة بن الفرزدق، وحفيده أعين بن لبطة، ووفذ على الوليد وسليمان ومدحهما، قال الشيخ شمس الدين: ولم أر له وفادة على عبد الملك بن مروان، وقال ابن الكلبي: وفد على معاوية ولم يصح، روى معاوية بن عبد الكريم عن أبيه قال: دخلت على الفرزدق فتحرك، فإذا في رجليه قيد، قلت: ماهذا يا أبا فراس؟ قال: حلفت أن لا أخرجه من رجلي حتى أحفظ القرآن، وقال أبو عمرو بن العلاء: حضرت الفرزدق وهو يجود بنفسه، فما رأيت أحسن ثقة منه بالله، وتوفي الفرزدق سنة عشر ومائة وقيل سنة اثنتي عشرة وقيل سنة أربع عشرة، وكان الفرزدق كثير التعظيم لقبر أبيه فما جاءه أحد واستجار به إلا قام معه وساعده على بلوغ غرضه، ومن ذلك أن الحجاج لما ولى تميم بن زيد القتبي بلاد السند دخل البصرة وجعل يخرج من أهلها من شاء فجاءت عجوز إلى الفرزدق وقالت: إني استجرت بقبر أبيك وأتت منه بحصيات فقال: ما شأنك؟ قالت: إن تميم بن زيد خرج بابن لي معه ولا قرة لعيني ولا كاسب علي غيره، فقال لها: وما اسم ابنك؟ فقالت: حنيس، فكتب إلى تميم مع بعض من شخص:
فلما ورد الكتاب على تميم شك في الاسم فلم يعرف أحنيس أم حبيش، ثم قال: انظروا من له مثل هذا الاسم فأصيب ستة ما بين حنيس وخبيش، فوجه بهم إليه، قال القاضي شمس الدين أحمد بن خلكان رحمه الله تعالى: وقد اختلف أهل المعرفة بالشعر في الفرزدق وجرير والمفاضلة بينهما والأكثرون على أن جريرا أشعر منه، قلت أنا: ما من يهاجي الفرزدق وأبوه وجده كما تقدم ذكرهما في الفخر والسؤدد ويكون جرير وأبوه على ما تقدم في ترجمة جرير من الخسة والنذالة إلا وجرير أشعر بلا شك لمقاومته لمثل الفرزدق ومهاجاته ومفاخرته على أنه قد قيل للمفضل الضبي: الفرزدق أشعر أم جرير؟ فقال: الفرزدق، قيل له: ولم؟ قال: لأنه قال بيتا هجا به قبيلتين ومدح قبيلتين وأحسن في ذلك، فقال:
فقيل له: فقد قال جرير:
فقال: وأي شيء أهون من أن يقول إنسان: فلان وفلان والناس كلهم بنو الفاعلة، ومن فخر الفرزدق قوله:
قلت: وأزيدك أخرى وهي أن الفرزدق تفرغ لهجاء جرير وحده ولم يهج غيره، وأما جرير فقد هاجى ثمانين شاعرا، وقد أنصف أبو الفرج الإصبهاني حيث قال في كلام طويل آخره: أما من كان يميل إلى جزالة الشعر وفخامته وشدة أسره فيقدم الفرزدق وأمل من كان يميل إلى أشعارالمطبوعين وإلى الكلام السمح الغزل فيقدم جريرا، وقال يونس بن حبيب: ما شهدت مشهدا قط ذكر فيه جرير والفرزدق، فاجتمع أهل المجلس على أحدهما، وقال أيضا لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب، وكان جرير قد هجا الفرزدق بقصيدة منها:
واتفق بعد ذلك أن الفرزدق نزل بامرأة من أهل المدينة وجرى له معها قضية يطول شرحها، خلاصة الأمر أنه راودها عن نفسها بعد أن كانت أضافته وأحسنت إليه مما متنعت عليه، وبلغ الخبر عمر بن عبد العزيز وهو يومئذ والي المدينة فأمر بإخراجه من المدينة، فلما أخرج أركب ناقة لينفوه، فقال: قاتل الله ابن المراغة كأنه شاهد هذا الحال حتى قال: وكنت إذا نزلت بدار قوم، البيت، ومن شعر الفرزدق لما كان بالمدينة:
فقال جرير لما بلغه ذلك:
فأجاب الفرزدق عنها بقصيدة طويلة منها:
ولما سمع أهل المدينة أبيات الفرزدق المذكورة أولا جاءوا إلى مروان بن الحكم وهو والي المدينة من قبل معاوية، فقالوا: ما يصلح هذا الشعر بين أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أوجب على نفسه الحد، فقال مروان: لست أحده، لكن أكتب إلى من يحده، وأمر أن يخرج من المدينة وأجله ثلاثة أيام لذلك، فلذلك يقول الفرزدق:
ثم كتب مروان إلى عامله كتابا يأمره أن يحده ويسجنه وأوهمه أنه كتب له بجائزة، ثم ندم مروان على ما فعل، فوجه عنه سفيرا وقال: إني قد قلت شعرا فاسمعه:
فلما وقف الفرزدق عليها فطن لما أراد مروان، فرمى الصحيفة وقال:
وأتى سعيد بن العاص الأموي وعنده الحسن والحسين رضي الله عنهما وعبد الله بن جعفر فأخبرهم الخبر، فأمر له كل واحد بمائة دينار وراحلة، وتوجه إلى البصرة فقيل لمروان: أخطأت فيما فعلت فإنك عرضت عرضك لشاعر مضر، فوجه إليه رسولا ومعه مائة دينار وراحلة خوفا من هجائه. صعد الوليد بن عبد الملك المنبر فسمع صوت ناقوس فقال: ما هذا؟ قيل: البيعة، فأمر بهدمها وتولى بعض ذلك بيده فكتب إليه ملك الروم: إن هذه البيعة قد أقرها من كان قبلك فإن كانوا أصابوا فقد أخطأت وإن كنت أصبت فقد أخطأوا، فقال الوليد: من يجيبه؟ فقال الفرزدق: يكتب إليه وداود وسليمان إذا يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم، وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما، الآية، وكان يقول الفرزدق خير السرقة ما لا يقطع فيه يعني بذلك سرقة الشعر، ودخل الفرزدق مع فتيان من آل المهلب في بركة يتبردون فيها ومعهم ابن أبي علقمة الماجن، فجعل يتلفت إلى الفرزدق ويقول: دعوني حتى أنكحه فلا يهجونا أبدا، وكان الفرزدق من أجبن الناس فجعل يستغيث ويقول: ويلكم لا يمس جلده جلدي، فيبلغ ذلك جريرا فيوجب علي أنه قد كان منه إلي الذي يقول، فلم يزل يناشدهم حتى كفوه عنه، وركب الفرزدق يوما بغلته ومر بنسوة فلما حاذاهن لم تتمالك البغلة ضرطا فضحكن منه فالتفت إليهن وقال: لا تضحكن فما حملتني أنثى إلا ضرطت فقالت إحداهن: ما حملك أكثر من أمك، فأراها قد قاست منك ضراطا عظيما، فحرك بغلته وهرب. وقال: ما أعياني جواب قط كما أعياني جواب دهقان مرة، قال لي: أنت الفرزدق الشاعر، قلت: نعم، قال: إن هجوتني تخرب ضيعتي، قلت: لا، قال فتموت عيشونة ابنتي، فقلت: لا، قال: فرجلي إلى عنقي في حر أمك، فقلت: ويلك لم تركت رأسك؟ قال: حتى أنظر أي شيء تصنع الزانية، ولما استعمل الحجاج الخيار بن سبرة المجاشعي على عمان كتب إليه الفرزدق: يستهدي جارية، فكتب الخيار إليه:
وسمع الفرزدق رجلا يقرأ: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله} غفور رحيم، فقال: اقطعوا أيديهما والله غفور رحيم، أينبغي أن يكون هذا هكذا؟ فقيل له: إنما هو {عزيز حكيم}، فقال: هكذا ينبغي أن يكون، وقال: قد علم الناس أني فحل الشعراء وربما أتت علي الساعة أقلع ضرسا من أضراسي أهون علي من قول بيت، وأخبار الفرزدق كثيرة مطولة مذكورة في كتاب الأغاني، ولما توفي الفرزدق رثاه جرير بأبيات منها:
ورثاه بغير ذلك، وقال ابنه لبطة: رأيت أبي في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: نفعتني الكلمة التي نازعت فيها الحسن على القبر، قلت: وذلك أن النوار زوجته لما حضرتها الوفاة أوصت الفرزدق أن يصلي عليها الحسن البصري، فأخبره الفرزدق بذلك فقال: إذا فرغتم منها اعلمني فأخرجت وجاء الحسن وسبقهما الناس فانتظروهما فأقبلا والناس ينظرون، فقال الحسن: ما للناس؟ فقال: ينتظرون خير الناس وشر الناس، فقال: إني لست بخيرهم ولست بشرهم، وقال له الحسن على قبرها: ما أعدت لهذا المضجع؟ فقال شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة، ورئي في النوم فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بإخلاصي يوم الحسن، وقال: لولا شيتبك لعذبتك بالنار، وأولاد الفرزدق من النوار لبطة وسبطة وحطبة وركضة وزمعة وكلهم من النوار وليس لواحد من ولده عقب، وقد تقدم ذكر النوار زوجته في مكانه في حرف النون وشيء من أخبارهما، ومات له ابن فدفنه ولما فرغ منه التفت إلى الناس وقال:
الهمذاني المؤرخ اسمه: محمد بن عبد الملك.
أبو همدان قاضي هيت اسمه: القاسم بن بهرام.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 27- ص: 0

همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن عوف بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر التميمي، أبو فراس المعروف بالفرزدق الشاعر المشهور: كان جده صعصعة عظيم القدر في الجاهلية، وكان افتدى ثلاثمائة موءودة إلى أن جاء الله عز وجل بالإسلام، وكان أبوه غالب من سراة قومه ورئيسهم، وكان الفرزدق كثير التعظيم لقبر أبيه فما جاءه أحد واستجار به إلا نهض معه وساعده على بلوغ غرضه.
حدث أبو عبد الله محمد بن سلام الجمحي قال: سمعت يونس بن حبيب يقول: ما شهدت مشهدا قط ذكر فيه جرير والفرزدق وأجمع أهل المجلس على أحدهما، وكان يونس يقدم الفرزدق ويقول: ما كان بالبصرة مولد مثله .
ولما هرب الفرزدق من زياد بن أبيه حين هجا بني نهشل، فاستعدوا زيادا عليه، قدم المدينة واستجار بسعيد بن العاص فأجاره، وكان الحطيئة وكعب بن جعيل
عند سعيد لما دخل الفرزدق عليه فأنشده الفرزدق:

فقال الحطيئة: هذا والله الشعر أيها الأمير لا ما تعلل به منذ اليوم، فقال كعب بن جعيل: فضله على نفسك ولا تفضله على غيرك، فقال: بلى والله، أفضله على نفسي وعلى غيري، أدركت من قبلك وسبقت من بعدك. ثم قال له الحطيئة: يا غلام لئن بقيت لتبرزن علينا.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: كان الشعراء في الجاهلية من قيس وليس في الإسلام مثل حظ تميم في الشعر، وأشعر تميم جرير والفرزدق والاخطل، وكان المفضل الضبي يفضل الفرزدق، قيل له: الفرزدق أشعر أم جرير؟ قال الفرزدق:
فقيل له: ولم؟ قال: لأنه قال بيتا هجا فيه قبيلتين فقال:
فقيل له قد قال جرير:
فقال: وأي شيء أهون من أن يقول إنسان: فلان وفلان وفلان والناس كلهم بنو الفاعلة.
وحدث أبو حاتم السجستاني عن أبي عبيدة قال: سمعت يونس يقول: لولا شعر الفرزدق ذهب ثلث لغة العرب.
وقال آخر: الفرزدق مقدم على الشعراء الإسلاميين هو وجرير والأخطل، ومحله في الشعر أكبر من أن ينبه عليه بقول أو يدل على مكانه بوصف، لأن الخاص والعام يعرفانه بالاسم ويعلمان تقدمه بالخبر الشائع علما يستغنى به عن الإطالة في الوصف.
وقد تكلم الناس في هذا قديما وحديثا وتعصبوا واحتجوا بما لا مزيد فيه. وبعد
إجماعهم على تقديم هؤلاء الثلاثة اختلفوا في أيهم أحق بالتقديم على الآخرين، فأما قدماء أهل العلم والرواة فلم يسووا بينهما وبين الأخطل لأنه لم يلحق شأوهما في الشعر ولا له مثل ما لهما من فنونه ولا تصرف كتصرفهما في سائره، وقالوا: إن ربيعة أفرطت في الأخطل حين ألحقته بهما. وهم في الفرزدق وجرير قسمان: فمن كان يميل إلى جزالة الشعر وفخامته وشدة أسره فيقدم الفرزدق، ومن كان يميل إلى الشعر المطبوع وإلى الكلام السمح السهل الغزل فيقدم جريرا.
وقال ابن سلام: كان الفرزدق أكثرهم بيتا مقلدا (والمقلد البيت المستغني بنفسه المشهور الذي يضرب به المثل) فمن ذلك قوله:
وقوله:
وقوله:
وقوله:
وقوله:
وقوله:
وقوله:
ومقلداته في شعره كثيرة وفيما اوردناه منها كفاية وبشهرته غنى عن إيراد طرف من شعره.
قال أبو اليقظان: أسن الفرزدق حتى قارب المائة فأصابته الدبيلة وهو بالبادية، فقدم به إلى البصرة وأتي برجل متطبب من بني قيس فأشار بأن يكوى ويسقى النفط الأبيض، فقال: أتعجلون لي طعام أهل النار في الدنيا؟! وجعل يقول:
ومات في مرضه ذلك سنة عشر ومائة ومات جرير بعده بستة أشهر، ومات في هذه السنة الحسن البصري وابن سيرين، فقالت امرأة من أهل البصرة: كيف يفلح بلد مات فقيهاه وشاعراه في سنة؟
ولما نعي إلى جرير بكى ثم أنشأ يقول:
ورثاه أبو ليلى المجاشعي بأبيات منها:

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 6- ص: 2785

الفرزدق أبو فراس همام بن غالب التميمي شاعر عصره، أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية التميمي، البصري.
أرسل عن: علي.
ويروي عن: أبي هريرة، والحسين، وابن عمر، وأبي سعيد، وطائفة.
وعنه: الكميت، ومروان الأصفر، وخالد الحذاء، وأشعث الحمراني، والصعق بن ثابت، وابنه؛ لبطة، وحفيده؛ أعين بن لبطة.
وفد على الوليد، وعلى سليمان، ومدحهما.
ونظمه في الذروة.
كان وجهه كالفرزدق، وهي الطلمة الكبيرة.
فقيل: إنه سمع من علي، فكان أشعر أهل زمانه مع جرير والأخطل النصراني.
ومات معه في سنة عشر ومائة من الأعيان مع الحسن البصري:
أبو بكر محمد بن سيرين، وأبو الطفيل عامر بن واثلة - في قول - وجرير بن الخطفى التميمي الشاعر، ونعيم بن أبي هند الأشجعي الكوفي، وإبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التميمي.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 5- ص: 352

الفرزدق، أبو فراس الشاعر. له رواية عن الصحابة.
ضعفه ابن حبان، فقال: كان قذافا للمحصنات فيجب مجانبة روايته.
قلت: قل ما روى

  • دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان-ط 1( 1963) , ج: 3- ص: 345

الفرزدق، أبو فراس الشاعر: قال ابن حبان: كان قذافاً للمحصنات، قبحت مخابثه روايته.

  • مكتبة النهضة الحديثة - مكة-ط 2( 1967) , ج: 1- ص: 317

الفرزدق بن غالب الشاعر يكنى أبا فراس
يروي عن ابن عمر وأبي هريرة قال ابن حبان كان هتاكاً للحرم وقذافا للمحصنات فتجب مجانبة روايته

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1986) , ج: 3- ص: 1