ابن سناء الملك هبة الله بن جعفر بن سناء الملك أبي عبد الله محمد بن هبة الله السعدي، أبو القاسم، القاضي السعيد: شاعر، من النبلاء. مصري المولد والوفاة. كان وافر الفضل، رحب النادي، جيد الشعر، بديع الانشاء. كتب في ديوان الانشاء بمصر مدة. له (دار الطراز-ط) في عمل الموشحات، و (فصوص الفصول -خ) جمع فيه طائفة من انشاء كتاب عصره ولاسيما القاضي الفاضل، و (روح الحيوان) اختصر به الحيوان للجاحظ، و (ديوان شعر-خ). وفي دار الكتب الظاهرية بدمشق، الجزء الثاني من منظومة في (غزوات الرسول، صلى الله عليه وسلم) يظن انها له.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 8- ص: 71
ابن سنا الملك هبة الله بن جعفر.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 15- ص: 0
ابن سناء الملك هبة الله بن جعفر بن سناء الملك، هو القاضي السعيد عز الدين أبو القاسم بن القاضي الرشيد المصري، الأديب الكامل المشهور. قرأ القرآن على الشريف أبي الفتوح والنحو على ابن بري. وسمع بالإسكندرية من السلفي، كان كثير التنعم وافر السعادة محظوظا من الدنيا، ولد سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وتوفي سنة ثمان وستمائة في العشر الأول من شهر رمضان، وهوعندي من الأباء الكملة لأنه جود الترسل والموشحات البديعة، وأما شعره فإنه في الذروة العليا ’’ كثير الغوص على المعاني، كثير الصناعة، واري زناد التورية، قال ابن سعيد المغربي’’: كان غاليا في التشيع وله مصنفات: منها ’’ ديوان موشحات’’ له، و’’كتاب دار الطراز’’، و ’’كتاب مصايد الشارد’’، ’’وكتاب فصوص الفصول وعقود العقول’’، وديوان شعره يدخل في مجلدين كله جيد إلى الغاية، واختصر ’’كتاب الحيوان’’ للجاحظ وسماه ’’روح الحيوان’’ وهي تسمية لطيفة، ولما انتشأ جعل في جملة كتاب الإنشاء بمصر، وأجري له على ذلك رزق كان يتناوله حضر الديوان أو لم يحضر، وأحبه أهل الدولة لدماثة كانت فيه وحسن عشرة وتودد ورب المال محبوب، فسار له ذكر جميل، قال العماد الكاتب: كنت عند القاضي الفاضل بخيمته بمرج الدلهمية، فأطلعني على قصيدة عينية كتبها إليه ابن سناء الملك من مصر وذكر أن سنه لم يبلغ العشرين سنة، فأعجبت بنظمها، ثم ذكر القصيدة وأولها:
فراق قضى للقلب والهم بالجمع | وهجر تولى صلح عيني مع الدمع |
تأملت تصنيف هذا السعيد | وإني لأمثاله ناقد |
فكم ضم بيت نهى سائرا | وصيد به مثل شارد |
وفي عجب البحر قول يطول | وأعجبه ضفدع صائد |
قالوا السعيد تعاطى بغله نزقا | فزل عنه وأهل ذاك للزلل |
فقل له لا أقال الله عثرته | ولا سقته بنان العارض الهطل |
أبغضت بالطبع أم المؤمنين ولم | تجيب أباها فهذي وقعة الجمل |
قيل لي قد هجاك ظلما علي | قلت عذرا للوم ذاك اللئيم |
مستحيل أن لا يكون هجاني | وهو مغرى بهجو كل عظيم |
يا ابن منير هجوت مني | حبرا أفاد الورى صوابه |
ولم تضيق بذاك صدري | لأن لي أسوة الصحابه |
أبغضت كل أبي بكر وما | تربت إلا يداك بذا حتى ابن أيوب |
تقنعت لكن بالحبيب المعمم | وفارقت لكن كل عيش مذمم |
قل للسعيد مقال من هو معجب | منه بكل بديعة ما أعجبا |
لقصيدك الفضل المبين وإنما | شعراؤنا جهلوا به المستغربا |
عابوا التقنع بالحبيب ولو رأى الطـ | ـ ائي ما قد حكته لتعصبا |
ذروينا قتلته قلة عقله | في نصر بيت شائع عن ضفدع |
شيء من الشعر الركيك رويته | لمخنثين معصب ومقنع |
ولو أن ما بي من حبيب مقنع | عذرت ولكن من حبيب معمم |
وحتى يؤوب القارظان كلاهما | وينشر في القتلى كليب لوائل |
وربع الذي أهواه يروي شرابه الـ | ـ عطاش ويشفي تربه الأعين الرمدا |
يا شعر في بصري ولا في خده | هذا السواد فداء أحمر وده |
رمى الله في عيني بثينة بالقذى | وفي الغر من أنيابها بالقوادح |
ترابهم وحق أبي تراب | أعز علي من عيني اليمين |
ولقد جرت منها الدما | ء كأنني منها طعين |
ويقول دمعك لم يدع بصرا | أسمعت قط لعاشق ببصر |
وإن بكيت فنكب عن مجاورتي | واحذر وإياك من طوفان أجفاني |
بكى الناس أطلال الديار وليتني | وجدت ديارا للدموع السواكب |
يا عين والعاشقون قد عشقوا | ولا كما ضاع جفنك الغرق |
تحظى بطيف الكرى والعيون وما | طيفك إلا الدموع والأرق |
وما متعوني بالبكاء عليهم | ولكن تولوا بالدموع وبالصبر |
أفنيتم دمعي مقيمين | يا لهفي بما أبكيكم ظاعنين |
ما أعجب الشيء ترجوه فتحرمه | قد كنت أحسب أني قد ملأت يدي |
ما أنصفتني الحادثات رميتني | بمفارقين وليس لي قلبان |
ذكرتك واللاحي يعاند بالعذل | فكنت أبا ذر وكان أبا جهل |
له شاهدا زور من النهى | عليك ومن عينك شاهدا عدل |
حبيبة هذا القلب من قبل خلقه | يحبك قلبي قبل خلقك من قبلي |
رأيت محيا منك تحت ذوائب | فأجلست طرفي منك في الشمس والظل |
ألا فارفعي ذا الشعر عنه فإنه | أغار عليه من مداعبة الحجل |
إذا نشب الخلخال فيه فإنه | يعانقه والخل يصبو إلى الخل |
عجبت له إذ يطمئن معانقا | أما أذهل الخلخال خوف بني ذهل |
بشوك القنا يحمون شهد رضابها | ولا بد دون الشهد من إبر النحل |
تطلع من بدر السماء إلى أخ | وتنظر من زهر النجوم إلى أهل |
لها ناظر يا حيرة الظبي إذ يرى | به كحلا ناداه يا خجلة الكحل |
وأثقلها الحسن الذي قد تكاثرت | ملاحته حتى تثنت من الثقل |
وإني لأبكي وهي تبكي تطربا | جعلتك من هذا التطرب في حل |
إذا استحسنوا في وردة دمعة الحيا | فما نظروا في خدها دمعة الدل |
وإن فمي مغرى بفيها لأنه | رحيم به أبصرتم رحمة الطفل |
وقد فطمتني النائبات وإنني | علمت بها أن الفطام أخو الثكل |
ووصل تولى أدمج الدهر ذكره | كما أدمجت في منطق ألف الوصل |
تقضى فجسمي في أواخر من ضنى | عليه وعقلي في عقائل من خبل |
سأمنع عيني كلما يمنع البكا | عليه وأسلي القلب عن كل ما يسلي |
وأغلق باب العشق عني فإنني | جهلت إلى أن صار بابا بلا قفل |
فبدر الدجى أشهى إلي من الخنا | وأقبح في عين الكريم من البخل |
ومن عرف ألأيام مثلي فإنه | يعيش بلا حب ويحيا بلا خل |
ليل الحمى بات بدري فيك معتنقي | وبات بدرك مرميا على الطرق |
شتان ما بين بدر صيغ من ذهب | وذاك بدري وبدر صيغ من بهق |
زار الحبيب وبدر التم في كمد | باد عليه وغصن البان في قلق |
يمشي على خد من يهوى وأدمعه | تهمي فسبحان منجيه من الغرق |
وقبل ذا كان طيفا من تكبره | فإن سرى كان مسراه على الحدق |
وبات باللثم تحت الختم مبسمه | والصدر بالضم تحت القفل والغلق |
وعفت طيفي لما جاء سيده | يا عين عفي طريق الطيف بالأرق |
يا عاذلي فيه أما خده فند | كما تراه وأما ثغره فنقي |
وما جفونك تلويها على سهري | ولا ضلوعك تطويها على حرقي |
تريدني خارجيا عن محبته | أنى وبيعة ذاك الحسن في عنقي |
يا صاحب الحسن لا تعجل بفرقتنا | فما رمقتك إلا آخر الرمق |
وساترا لي عينيه بارحته | ليت الضنى لي من عينيك كان بقي |
سرقت قلبي ولم أنكرت سرقته | أليس خدك مسروقا من السرق |
ونكهة لك تحيي نفس ناشقها | بمسترق من الفردوس مسترق |
جاء الغرام وهذا الحسن في قرن | والغيث يهمي ونور الدين في طلق |
باتت معانقتي ولكن في الكرى | أترى درى ذاك الرقيب بما جرى |
ونعم درى لما رأى في بردتي | ردعا وشم من الثياب العنبرا |
طيف تخطى الهول حتى يشتري | بيت الحشا وقد اشترى وقد اجترا |
ما زار إلا في نهار جبينه | فأقول سار ولا أقول له سرى |
بأبي وأمي من حلمت بذكرها | لما انتبهت ومذ رقدت تفسرا |
علقتها بيضاء سمراء اللمى | أسمعت في الدنيا بأبيض أسمرا |
ومن العجائب أن ماء رضابها | حلو ويخرج حين تبسم جوهرا |
إني لأعشقها وما أبصرتها | فالشمس يمنع نورها أن تبصرا |
أيروعني في كل وقت نهدها | فإذا اعتنقنا خفت أن يتكسرا |
أشكو إليها رقتي لترق لي | فتقول تطمع بي وأنت كما ترى |
وإذا بكيت دما تقول شمت بي | يوم النوى فصبغت دمعك أحمرا |
من شاء يمنحها الغرام فدونه | هذي خلائقها بتخيير الشرا |
يا من لها من الحس عبلة عبدة | رقي علي فليس قلبي عنترا |
غادرتني والصبر مشدود الوكا | وغدرت بي والدمع محلول العرا |
وجعلت قلبي بالهموم مزملا | إذ كان طرفك بالفتور مدثرا |
وفتحت أبواب السهاد لناظري | وجعلت ليلي بالهموم مسمرا |
فمتى أقول جوانحي بك قد هدت | ومدامعي رجعت عليك إلى ورا |
يا ليلة الوصل بل ليلة العمر | أحسنت إلا إلى المشتاق في القصر |
يا ليت زيد بحكم الوصل فيك له | ما طول الهجر من أيامه الأخر |
أوليت نجمك لم تعقل ركائبه | أوليت صبحك لم يقدم من السفر |
أو ليت لم يصف فيك الشرق من عبس | فذلك الصفو عندي غاية الكدر |
أو ليت كلا من الشرقين ما ابتسما | أو ليت كلا من النسرين لم يطر |
أو ليت كنت كما قد قال بعضهم | ليل الضرير فصبحي غير منتظر |
أو ليت حط على الأفلاك قاطبة | همي عليك فلم تنهض ولم تسر |
أو ليت فجرك مفتر به رشئي | أو ليت شمسك ما غارت على قمري |
أو ليت قلبي وطرفي تحت ملك يدي | فزدت فيك سواد القلب والبصر |
أو ليت ألقى حبيبي سحر مقلته | على العشاء فأبقاها بلا سحر |
أو ليت كان يفدي من كلفت به | در النجوم بما في العقد من درر |
أو ليت كنت سألتيه مساعدة | فكان يحبوك بالتكحيل والشعر |
أو ليت جملة عمري لو غدا ثمنا | في البعض منك ومن للعمي بالعور |
كأنها حين ولت قمت أجذبها | فانقد في الشرق عنها الثوب من دبر |
لا مرحبا بصباح جاءني بدلا | من غرة النجم أو من طلعة القمر |
زار الحبيب وقد قالت له خدعي | زره وقال له الواشون لا تزر |
فجاء والخطو في ريب وفي عجل | كقلبه جاء في أمن وفي حذر |
كأنه كان من تخفيف خطوته | يمشي على الجمر أو يسعى على الإبر |
وقال إذ قلت ما أحلى تخفره | تبرج الحسن في خدي من الخفر |
يا أخضر اللون طابت منك رائحة | وغبت عنا فما أبقيت للخضر |
فقام يكسر أجفانا ملاحتها | تعزى إلى الحور دع تعزى إلى الحور |
وقمت أسأل قلبي عن مسرته | بما حواه وعندي أكثر الخبر |
وبت أحسب أن الطيف ضاجعني | حتى رجعت أشهى الظن في السهر |
أوردت صدري صدرا من معانقة | وحين أوردت لم أقدر على الصدر |
وكان يمنعني ضما ورشف لمى | ضعف من الخصر أو فرط من الخصر |
وكدت أغنى بذاك الريق من فمه | ومنطق منه عن كأس وعن وتر |
وبت أشفق من أنفاسه حذرا | من أن يعود عشاء الليل كالسحر |
ومر يسبق دمعي وهو يلحقه | كالسيل شيع في مجراه بالمطر |
يا قلب ويحك إن ظبيك قد سنح | قتنح جهدك عن مراتعه تنح |
وأردت أعقله ففر من الحشا | طربا وأحبسه فطار من الفرح |
وأتى فظل صريع هذاك اللمى | عطشا وعاد قتيل هاتيك الملح |
جنح الغزال إلى قتال جوانحي | فغدوت أجنح منه لما أن جنح |
ومن العجائب أنه لما رمى | بسهامه قتل الفؤاد وما جرح |
ولمى صقيل من مراشف أهيف | لو شئت أمسحه بلثمى لا نمسح |
كالليل إلا أنه لما دجا | والمسك إلا أنه لما نفح |
قبلته وقبلت أمر صبابتي | ونصحت نفسي في قطيعة من نصح |
ورشفت ريقته على رغم الطلا | من كأس مرشفه على رغم القدح |
ورقيقة الخصرين كل منهما | بسقامه لا بالوشاح قد اتشح |
في لحظها السحر الحلال قد استحى | وبخدها الورد الجني قد انفتح |
عضت أناملها علي تدللا | فأرت رضيع الطلع مع طفل البلح |
ثغر يريك الأقحوان به شفى | وقت الظهيرة أو يريك به قلح |
لي سبحة من جوهر في ثغرها | ففضلت سائر من يسبح بالسبح |
لم لا تصالح قبلتي يا خدها | والماء فيك مع اللهيب قد اصطلح |
كم يعذلون ولست أسمع منهم | فأنا وهم مثل ألأصم مع الأبح |
ليس العذول عليك إنسانا هذى | إن العذول عليك كلب قد نبح |
ولقد سألت القلب بعض تصبر | يسخو علي به فشح وما رشح |
لم تعده بالبخل إذ سكنت به | فلطالما سمحت وقلبي ما سمح |
بعدت علي فضاق صدري بعدها | وذكرت عود أبي علي فانشرح |
حكيت جسمي نحولا | فهل تعشقت حسنك |
وكان جفنك مضنى | فصرت كلك جفنك |
وزادك السقم حسنا | والله إنك إنك |
وبادهنج علا بناء | لكنه قد هوى هواء |
دام عليل النسيم فيه | كأنه يطلب الدواء |
بدت لي ثوب كوجهي أصفر | علته بمنديل كقلبي أسود |
فأبصر منها الطرف مردود عسجد | على طرف منه بقية إثمد |
يا من غدت تختال من خالها | وخالها يقضي بتهجينها |
كإنما خدك تفاحة | وخالها نقطة تعيينها |
لا تلومي العذال من أجل عذلي | وابسطي عذرهم جميعا وعذري |
أنا والله أقتضي منهم العذ | ل لعلمي بأنه فيك يغري |
عروسكم يا أيها الشرب طالق | وإن فتنت من حسنها كل مجتل |
دفعت لها عقلي ومالي معجلا | فقال وجنات النعيم مؤجلي |
إنه مال وملا | وأتى الطيف وسلا |
عاطلا حتى لقد عا | د من اللثم محلى |
كنت في تقبيلي الطيـ | ـ ف كمن قبل ظلا |
رغبت في الجنة لما بدا | أنموذج الجنة من شكله |
فصرت من حرصي على شبهه | في البعث لا ألوي على وصله |
فانظر إلى ما جره حسنه | من توبة تقبح عن مثله |
أهواه كالظبي في حسن وفي غيد | لا بل هو الليث في بأس وفي جلد |
فلو تراه وكأس الراح في فمه | أبصرت كيف تحل الشمس في الأسد |
علمت شيئا ما زال خير عمل | ونلت أمرا ما زال ملء أمل |
قبلت خصرا لمن أحب فما | دار عليه سوى ثلاث قبل |
يا عاطل الجيد إلا من محاسنه | عطلت فيك الحشا إلا من الحزن |
في سلك جسمي در الدمع منتظم | فهل لجيدك من عقد بلا ثمن |
لا تخش مني فإني كالنسيم ضنى | وما النسيم بمخشي على الغصن |
أخذت فؤادي حين سرت ولم أكن | أسر إذا ما غبت عني بقربه |
وما أدعي أنى ذكرتك ساعة | وهل يذكر الإنسان إلا بقلبه |
ونون صدغ زادني جنة | وربما يعذر فيه الجنون |
أقبل النونات من أجله | حتى لقد قبلت نون المنون |
يا ساقي الراح بل يا ساقي الفرح | ويا نديمي بل يا كل مقترحي |
لا تخش في ليل لهوي من تقاصره | أما تراني شربت الصبح في قدحي |
إن من خصه الفؤا | د بإخلاص وده |
ضل في ظل هدبه | خاله فوق خده |
زهدني في خلتك | زهادتي في قبلتك |
لأن شعر لحيتك | طحلب ماء وجنتك |
أحبتي هل عندكم أنني | علقتها ما جنة علقه |
أثر تقبيلي في خدها طابع | حسن لم يكن خلقه |
تطلبت من ثغره قبلة | فضن علي بذاك الشنب |
وقال ألا دونه وجنتي | فصان اللجين وأعطى الذهب |
عانقته حتى ظننت بأنني | في مضجعي فرد بغير قرين |
ولقد ظننت بأن من ضمي له | كان انحناء ضلوعه وضلوعي |
ألا ليلة الصد لا تقصري | ويا ليلة الصبح لا تطلعي |
فإني لبست سواد الدجى | حدادا على ربة البرقع |
ولو كنت مفتقرا للصباح | لغرقت ليلي في مدمعي |
ولما أن نزلت عليك ضيفا | ولم أر من قرى غير القراع |
كسرت الجفن حين أردت قتلي | وكسر الجفن من فعل الشجاع |
ولما مررت بدار الحبيب | وقد خاب في ساكنيها ظنوني |
حططت هموم جفوني بها | لأن الدموع هموم الجفون |
لا غرو لما غاب شمس الضحى | أن أطلع الجفن دموعي نجوم |
غلطت ما الدمع نجوم به | لكنه در بحار الهموم |
إن قلت ما أحسنه شادنا | فإنما قصدي ما أخشنه |
يظل أيري ضائعا في استه | كأنه المغزل في الروزنه |
يا هذه لا تستحي مني | قد انكشف المغطى |
إن كان كسك قد تثاءب | إن أيري قد تمتطى |
يا باسما أبدى ثغره | عقدا ولكن كله جوهر |
قال لي اللاحي ألم تستمع | فقلت يا لاحي أما تبصر |
لقد شيبتني في الزمان خطوبه | ولا عجب أن شاب من شأنه الخطب |
ونور شيب في عذار معذبي | ولا عجب أن نور الغصن الرطب |
قالوا لقد شاب الحبيـ | ـ ب وشاب فيه كل عزم |
فأجبت من شرهي عليـ | ـ ه أذوقه في كل طعم |
شادن لا أرى سواه وهيها | ت وحوشيت أن أريد سواه |
إن لي ناظرا به مستهاما | يشتهي أن يراه وهو يراه |
يا بأبي من ذكره في الحشا | ضيفي وذكري في الحشا ضيفه |
لا تحسبوني ناعسا إنما | سجدت لما مر بي طيفه |
وجلنار على غصون | وكل غصن بهن مائس |
يحكي الشراريب وهي خضر | وهو بأطرافها كبائس |
وليلة وصل خلتها ليلة القدر | تنعم فيها القلب بالشمس لا البدر |
وما زلت حتى فرق الصبح بيننا | فكان زوال الشمس للصبح لا الظهر |
أحل الخمر بعدكم | لأشرب غير مكترث |
فنار القلب بعدكم | تصيرها على الثلث |
رأيت العاشقين ولست منهم | وآخرهم شقاء لا سعاده |
وعشاق العلوق إلى بغاء | وعشاق القحاب إلى قياده |
ألا إن شراب المدام هم الناس | وغيرهم فيهم جنون ووسواس |
فيا ليت أني مثل كسرى مصور | فليس يزال الدهر في فمه كاس |
إن عشق إلا جراح للقلب جرحة | ليس فيه ملح ولا هو ملحه |
أي كس يكون في ضيق حجر | واسع أو يكون في قدر فقحه |
ورب علق قال لي مرة | يا هاجري ظلما ولم أهجر |
معتز لي صرت فقلت اتئد | واعتب على مبعدك الأشعري |
في خرقها ألف خرقه | وشقها ألف شقه |
وألف ألف كساء | فيه وما سد خرقه |
أدخلت أيري فيها | فضاع بين الأزقه |
وحار إذ أرشدته | إلى الطريق بزعقه |
وتلك ضرطة است | تدعى مجازا بحبقه |
فانسل منها برعب | وقد تغشته صعقه |
كخرقة بل كقاض | قد طيلسته بخرقه |
مع بردها ظل أيري | بين إلتهاب وحرقه |
مما تحشت بثوم | وزنجبيل ودقه |
مما تغنيت منها | لي بصقة بعد بصقه |
كم نهرة لي منها | والست مع ذاك حرقه |
براه الله من حسن وطيب | حبيب كل ما فيه حبيبي |
أعاد شبيبتي بعد المشيب | وأمسى مسقمي وغدا طبيبي |
جفتني كل لايمة ولايم | عليه لأن عذري فيه قايم |
ويوم مايس العطفين ناعم | نعمت به وأنف الدهر راغم |
يذكرني المدام فأشتهيها | وأشربها فتشكرني بديها |
كأن حبيب قلبي كان فيها | تجعلني رشيدا لا سفيها |
يطوف بها علي أغن أحوى | يراه الصب عطشانا فيروى |
ومن جحد الهوى كبرا وزهوا | فإني والهوى قسما لأهوى |
يجرد طرفه وهو المشيح | سكاكينا تبيح وتسبيح |
لها في كل جارية جروح | فكم جرحت وأنشده الجريح |
يا همت بالحميا | إلا وقد سقتني |
مليحة المحيا | مليحة التثني |
والحسن قد تهيا | فيها بلا تأن |
أذكى بها سراجه=رأيت في الليل البهيم | شعلة الزند |
لو أنها عليمة=تاهت على البدر المنير | وهو في السعد |
إن التي ألام | فيها على غرامي |
لقدها قوام | كالغصن في القوام |
لثغرها نظام | كالعقد في النظام |
لريقها مجاجة=كالمسك في طيب الشميم | جنى الشهد |
وعينها السقيمة=وسنانة من الفتور | لا من السهد |
تزيد في بلائي | والنفس تشتهيها |
ولا أرى دوائي | إلا بريق فيها |
قالت لأصدقائي | وقد ضنيت فيها |
أحمى الهوى مزاجه=دعوه من طب الحكيم | فالدوا عندي |
محبوبتي حكيمه=تطفي برمان الصدور | حرقة الوجد |
كم في الأنام مثلي | شفاؤه دواها |
وكم تريد قتلي | ولم أرد سواها |
وقال لايم لي | لججت في هواها |
طابت لي اللجاجة=وقلت للأسقام دومي | ما أنا وحدي |
ذو مهجة سقيمة=في القرب من ظبي غرير | وهو في البعد |
قلبي لها يتوق | وقلبها يقول |
هيهات لا طريق | هيهات لا وصول |
فقلت والمشوق | يقنعه القليل |
أقض لي فرد حاجه=يا ست بوسه في الفميم | وأخرى في الخد |
والحاجه العظيمه=أن نطلعوا فوق السرير | ونضع يدي |
مقامنا كريم وغيره لئيم | مدامة وريم والسعد نديم |
لا عشت يا رقيبي | ذا العيش |
وغادة مختالة كأنها الغزالة | وملؤها ملالة وعينها النبالة |
تجيء للكئيب | في جيش |
قامتها كالصعدة وريقها كالشهدة | وخدها كالوردة إن الحرير عنده |
في المطرف القشيب | كالخيش |
لا تصغ للمحال واعشق ولا تبالي | واشرب من الجريال فالرشد في الضلال |
والعقل للبيب | في الطيش |
عانقني خليلي حتى ارتوى غليلي | وقلت للعذول لما أتى فضولي |
عانقت أنا حبيبي | وأنت أيش |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 27- ص: 0
ابن سناء الملك القاضي الأثير البليغ المنشئ أبو القاسم هبة الله بن جعفر ابن القاضي سناء الملك محمد بن هبة الله المصري، الشاعر المشهور.
قرأ القرآن على الشريف أبي الفتوح، والنحو على ابن بري، وسمع من السلفي، وله ’’ديوان’’ مشهور، ومصنفات أدبية، وكتب في ديوان التوسل مدة.
قال ابن خلكان: هو هبة الله ابن القاضي الرشيد أبي الفضل جعفر ابن المعتمد سناء الملك السعدي، كان أحد الرؤساء النبلاء، وكان كثير التنعم، وافر السعادة، له رسائل دائرة بينه وبين القاضي الفاضل، وهو القائل:
ولو أبصر النظام جوهر ثغرها | لما شك فيه أنه الجوهر الفرد |
ومن قال إن الخيزرانة قدها | فقولوا له: إياك أن يسمع القد |
وملية بالحسن يسخر وجهها | بالبدر يهزأ ريقها بالقرقف |
لا شيء أحسن من تلهب خدها | بالماء إلا حسنها وتعففي |
والقلب يحلف أن سيسلو ثم لا | يسلو ويحلف أنه لم يحلف |
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 16- ص: 41