التصنيفات

محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن إدريس بن فضل الله بن الشيخ أبي إسحاق صاحب «التنبيه» الشيخ مجد الدين أبو الطاهر الشيرازي الفيروزآبادي.
صاحب «القاموس».
قال الحافظ ابن حجر: وكان الناس يطعنون في ذلك مستندين إلى أن الشيخ أبا إسحاق لم يعقب ثم ارتقى فادعى بعد أن ولي قضاء اليمن أنه من ذرية أبي بكر الصديق.
قال الحافظ ابن حجر: ولم يكن مدفوعا عن معرفة، إلا أن النفس تأبى قبول ذلك.
ولد في ربيع الآخر وقيل في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وسبعمائة بكازرون من أعمال شيراز، ونشأ بها فحفظ القرآن، وانتقل إلى شيراز
فأخذ اللغة والأدب عن والده، ثم عن قوام الدين عبد الله بن محمود وغيرهما من علماء شيراز، ثم دخل بغداد فأخذ عن تاج الدين محمد بن السباك، وقرأ عليه «المشارق» للصغاني، ثم ارتحل إلى دمشق، فأخذ بها على أكثر من مائة شيخ منهم التقي السبكي، ودخل القدس فقطن به نحو عشر سنين، وولي به تداريس وتصادير، وظهرت فضائله، وكثر الآخذون عنه، فكان ممن أخذ عنه الصلاح الصفدي، وأوسع في الثناء عليه.
ثم دخل القاهرة، فكان ممن لقيه بها الجمال الإسنوي، والبهاء بن عقيل، وابن هشام، والعز بن جماعة، وابن نباتة، وغيرهم.
وجال في البلاد الشمالية والمشرقية، ودخل الروم والهند، ولقي جمعا من الفضلاء، وحمل عنهم شيئا كثيرا، وسمع الكثير من مشايخ العراق والشام ومصر وغيرها.
ومن مروياته الكتب الستة، و «سنن البيهقي»، و «مسند الإمام أحمد»، و «صحيح ابن حيان».
وقرأ «صحيح مسلم» بدمشق على ناصر الدين محمد بن جهبل في ثلاثة أيام تجاه نعلي النبي صلى الله عليه وسلم، وتكررت مجاورته بمكة، وابتنى بها دارا على الصفا عملها مدرسة للأشرف صاحب اليمن وقرر بها مدرسين وطلبة، وفعل بالمدينة الشريفة كذلك، وله بمنى وغيرها دور.
وجال في البلاد، ولقي بها الملوك والأكابر، ونال وجاهة ورفعة، واجتمع بتمرلنك في شيراز، وعظمه وأكرمه ووصله بنحو مائة ألف درهم، وارتحل إلى مكة ثم اليمن، ودخل زبيد فتلقاه سلطانها الأشرف إسماعيل بالقبول، وبالغ في إكرامه، وصرف له ألف دينار سوى الألف التي أمر بها ناظر عدن بتجهيزه بها، واستمر مقيما في كنفه على نشر العلم، فكثر الانتفاع به، وأضاف إليه قضاء اليمن كله بعد ابن العجيل، واستمر في وظيفته إلى حين وفاته، وهي مدة تزيد على عشرين سنة.
وكان الأشرف قد تزوج ابنته لمزيد جمالها، ونال منه برا ورفعة بحيث أنه صنف له كتابا وأهداه له على أطباق، فملأها له دراهم، وفي أثناء هذه المدة قدم مكة مرارا، فجاور بها وبالمدينة النبوية والطائف، وعمل بها مآثر حسنة لو تمت.
ولم يكن قط دخل بلدا إلا وأكرمه متوليها مع المبالغة، مثل شاه منصور بن شجاع صاحب تبريز، والأشرف صاحب مصر، والأشرف صاحب اليمن، وابن عثمان ملك الروم، وأحمد بن أويس صاحب بغداد، وتمرلنك الطاغية، وغيرهم.
واقتنى من ذلك كتبا نفيسة حتى نقل الخياط أنه سمع الناصر أحمد بن اسماعيل يقول: إنه سمعه يقول: اشتريت كتبا بخمسين ألف مثقال ذهب، وكان لا يسافر إلا وصحبته منها عدة أحمال، ومن وسع دنياه كان يدفعها إلى من يمحقها بالإسراف في صرفها.
وصنف الكثير، فمنه في التفسير «بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز» مجلدان، و «تنوير المقباس في تفسير ابن عباس» أربع مجلدات، و «تيسير فاتحة الإياب في تفسير فاتحة الكتاب» مجلد كبير، و «الدر النظيم المرشد إلى مقاصد القرآن العظيم»، و «حاصل كورة الخلاص في فضائل سورة الإخلاص» و «شرح قطبة الخشاف في شرح خطبة الكشاف».
وفي الحديث «شوارق الأسرار العلية في شرح مشارق الأنوار النبوية» أربع مجلدات، و «منح الباري بالسيح الفسيح الجاري في شرح صحيح البخاري» كمل منه ربع العبادات، ويخمن تمامه في أربعين مجلدا، و «عمدة الحكام في شرح عمدة الأحكام» مجلدان و «النفحة العنبرية في مولد خير البرية» و «الصلاة والبشر في الصلاة على خير البشر» و «أحاسن اللطائف في محاسن الطائف و «منية السول في دعوات الرسول».
وفي التاريخ «نزهة الأذهان في تاريخ أصبهان» مجلد، و «تعيين الغرفات للمعين على عين عرفات».
وفي اللغة «اللامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب» وزيادات امتلأ بها الوطاب واعتلى منها الخطاب ففاق كل مؤلف في هذا الباب، يقدر تمامه في مائة مجلد، كل مجلد يقرب من صحاح الجوهري» في المقدار، أكمله منه خمس مجلدات، و «القاموس المحيط والقابوس الوسيط الجامع لما ذهب من لغة العرب شماطيط» في جزءين ضخمين، وهو عديم النظير.
قال التقي الكرماني: أمره والدي يعني الشيخ شمس الدين باختصاره فاختصره في مجلد ضخم، وفيه فوائد عظيمة، وفرائد كريمة، واعتراضات على الجوهري، وكان كثير الاعتناء بتصانيف الصغاني، وله في اللغة أيضا «تحبير المؤشين فيما يقال بالسين والشين»، أخذه عنه البرهان الحلبي الحافظ، ونقل عنه أنه تتبع أوهام ابن فارس في «المجمل» في ألف موضع، مع تعظيمه لابن فارس وثنائه عليه، و «المثلث الكبير» في خمس مجلدات، و «الصغير»، و «الروض المسلوف فيما له اسمان الى ألوف»، و «الدرر المبثثة في الغرر المثلثة»، و «تحفة القماعيل فيمن يسمى من الملائكة والناس إسماعيل» و «ترقيق الأسل في تصفيق العسل» في كراريس و «مزاد المزاد وزاد المعاد» إلى غير ذلك من مؤلفاته التي تبلغ في العدد خمسين تقريبا.
قال الحافظ ابن حجر: ولما صنف «شرح البخاري» ملأه بغرائب النقول، ولما اشتهرت مقالة ابن عربي باليمن، صار يدخل منها فيه، فشأنه بذلك، ولم يكن متهما بالمقالة المذكورة إلا أنه كان يحب المداراة، انتهى وفيه نظر.
وسئل بالروم عن قول علي رضى الله عنه لكاتبه: «الصق روانفك بالجبوب، وخذ المزبر بشناترك، واجعل حندورتيك إلى قيهلي، حتى لا أنغى نغية إلا أودعتها حماطة جلجلانك»، ما معناه؟ فأجاب: الزق عضرطك بالصلة وخذ المصطر بأباخسك؛ واجعل جحمتيك إلى أثعباني، حتى لا أنبس نبسة إلا وعيتها في لمظة رياطك. فتعجب الحاضرون من سرعة الجواب بما هو أبدع وأغرب من السؤال.
قال شيخنا الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى بعد أن أورد ذلك في ترجمته في «طبقات النحاة» ما نصه، قلت: الروانف: المقعدة، والجبوب: الأرض، والمزبر: القلم، والشناتر: الأصابع، والحندورتان: الحدقتان. وقيهلي: أي وجهي، وأنغي. أي انطق، والحماطة: الحبة، والجلجلان: القلب.
ومن شعره:

ولم يزل مقيما بزبيد على علو مكانته، وسأل سلطانها العود إلى مكة فما مكنه، معللا باحتياج بلاده إليه، إلى أن مات بها ليلة العشرين من شوال سنة سبع عشرة وثمانمائة، وقد ناهز التسعين، وهو ممتع بحواسه، وكان يرجو وفاته بمكة، فما قدر الله له ذلك.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 0( 0000) , ج: 2- ص: 275

محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم الشيرازي الفيروزبادي. العلامة، مجد الدين، أبو طاهر، صاحبالقاموس.
ولد سنة 729 بكازون.
قال ابن حجر: كان يرفع نسبة إلى الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وطعن الناس في ذلك مستندين إلى أن الشيخ لم يعقب.
سمع ابن الخباز، وابن القيم، وتقي الدين السبكي، وابن نباتة، وخليلا المالكي.
وكان لا يسافر إلا ومعه عدة أحمال من الكتب/ وكان يقول: ما كنت أنام حتى أحفظ مائتي سطر وكان إذا أملق باع كتبه.
ومن تآليفه: القاموس وفتح الباري بالسيح الفسيح الجاري، في شرح صحيح البخاري وتسهيل الوصول، إلى الأحاديث الزائدة على جامع الأصول والروض المسلوف، فيما له إلى ألوف ومقصود ذوي الألباب، في علم الإعراب وشرح خطبة الكشاف وشرح عمدة الأحكام وأشياء كثيرة.
توفي ليلة العشرين من شوال عام 817.

  • دار التراث العربي - القاهرة-ط 1( 1972) , ج: 2- ص: 0

محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم الشيرازي الفيروز آبادي أبو الطاهر مجد الدين صاحب القاموس
ولد في سنة تسع وعشرين وسبعمائة
ومن تصانيفه القاموس المحيط في اللغة وفتح الباري شرح البخاري وله بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز في التفسير مجلدين وهو مما يحتاجه المفسرون أشد الاحتياج وفسر الفاتحة في مجلد كبير والدر النظيم المرشد إلى مقاصد القرآن العظيم وكورة الخلاص في تفسير سورة الإخلاص وله
تنوير المقباس على تفسير ابن عباس في أربعة أسفار ضخام وهو تفسير جليل القدر والشأن جله قول ابن عباس وجمع فيه لب تفاسير كثيرة وله التيسير في التفسير والحاشية على تفسير الكشاف وهي على خطبته وسماها درة الخشاف لحل خطبة الكشاف وهي حاشية لطيفة نافعة ومصنفاته عديدة كثيرة
وكانت وفاته سنة ست عشرة وثمانمائة ودفن بتربة الشيخ إسماعيل الجبرتي
كذا في أسامي الكتب

  • مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 312

محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر بن أبي بكر بن أحمد ابن محمود بن ادريس بن فضل الله ابن الشيخ أبي إسحاق إبراهيم ابن علي بن يوسف بن عبد الله المجد أبو طاهر الفيروزباذى
الشيرازى اللغوي الشافعي الإمام الكبير الماهر في اللغة وغيرها من الفنون ولد سنة 729 تسع وعشرين وسبعمائة بكازرون من أعمال شيراز فحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وحفظ كتابا من اللغة وانتقل إلى الشيراز وهو ابن ثمان سنين وأخذ عن والده وعن القوام عبد الله ابن النجم وغيرهما من علماء شيراز وسمع على محمد بن يوسف الأنصاري وارتحل إلى العراق ودخل واسط وقرأ بها القراآت العشر ثم دخل بغداد فأخذ عن التاج بن السباك والسراج عمر بن علي القزويني وغيرهما ثم ارتحل إلى دمشق فدخلها سنة 755 فسمع من التقي السبكي وجماعة زيادة على مائة كابن القيم وطبقته ودخل بعلبك وحماه وحلب والقدس وسمع من جماعة من أهل هذه الجهات واستقر بالقدس نحو عشر سنين ودرس وتصدر وظهرت فضائله وكثر الأخذ عنه وتتلمذ له جماعة من الأكابر كالصلاح الصفدي ثم دخل القاهرة فلقي بها جماعة كالعز بن جماعة والأسنوي وابن هشام والبهاء بن عقيل وحج فسمع بمكة من اليافعي وغيره وجال في البلاد الشمالية والمشرقية ودخل الروم والهند ولقي جمعا من الفضلاء
وحمل عنهم شيئا كثيرا ثم دخل اليمن فوصل إلى زبيد في سنة 796 بعد وفاة قاضي الأقضية باليمن كله الجمال الريمي شارح التنبيه فتلقاه الملك الأشرف إسماعيل بالقبول وبالغ في إكرامه وصرف له ألف دينار سوى ألف كان أمر ناظر عدن يجهزه بها واستمر مقيما لديه ينشر العلم فكثر الانتفاع به وبعد مضي نحو سنة أضاف إليه قضاء اليمن كله بعد ابن عجيل فقصده الطلبة وقرأ عليه السلطان فمن دونه في الحديث واستقر قدمه بزبيد إلى أن مات وكان السلطان الأشرف قد تزوج ابنته لمزيد جمالها ونال منه برا ورفعة بحيث صنف له كتابا وأهداه على أطباق فملأها له دراهم وفي أثناء هذه المدة قدم مكة مراراً فجاور بها وبالمدينة وطائف وعمل مآثر حسنة وكان زائد الحظ مقبولاً عند السلاطين فلم يدخل بلدا إلا وأكرمه صاحبها مع كثرة دخوله إلى الممالك ومن جملة المكرمين له تيمورلنك وسلطان الروم ابن عثمان وشاه منصور صاحب تبريز وأحمد ابن أويس صاحب بغداد والأشرف صاحب اليمن وغيرهم ووصل إليه من عطاياهم شيء كثير فاقتنى من ذلك كتبا نفيسة حتى قال إنه اشترى منها بخمسين ألف مثقال من الذهب وكان لا يسافر إلا ومعه منها عدة أحمال ويخرج أكثرها في كل منزل فينظر فيها ثم يعيدها وكانت له دنيا طائلة ولكنه كان لا يدفعها إلى من يسرف في إنفاقها بحيث أنه قد يملق أحياناً فيبيع بعض كتبه، وله مصنفات كثيرة نافعة منها في التفسير لطائف ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز في مجلدات وتنوير المقباس في تفسير ابن عباس أربع مجلدات وتيسير فاتحة الإياب في تفسير فاتحة الكتاب في مجلد كبير والدر النظيم المرشد إلى مقاصد القرآن العظيم وحاصل كورة الخلاص في فضائل سورة الإخلاص وشرح قطبة الخشاف في شرح خطبة الكشاف وفي الحديث والتاريخ شوارق العلية في شرح مشارق الأنوار النبوية أربع مجلدات وفتح البارى في شرح صحيح البخاري ولعل ابن حجر لم يسمع بذلك حيث سمي شرحه بهذا الاسم كمل منه نحو عشرين مجلدا وكان يقدر اتمامه في أربعين وعمدة الحكام في شرح عمدة الأحكام في مجلدات وامتضاض السهاد في افتراض الجهاد في مجلد والإسعاد بالإصعاد إلى درجة الاجتهاد ثلاث مجلدات والمرقاة الوفية في طبقات الحنفية والبلغة في تراجم أئمة النحاة واللغة والفضل الوفى في العدل الأشرفى ونزهة الأذهان في تاريخ أصبهان وتسهيل طريق الفصول في الأحاديث الزائدة على جامع الأصول والأحاديث الضعيفة والدر الغالى في الأحاديث العوالى وسفر السعادة والمتفق وضعا والمختلف صقعا وفي اللغة اللامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب وزيادات امتلأ بها الوطاب وكان يقدر تمامه في مائة مجلد كل مجلد يقرب من صحاح الجوهرى والقاموس المحيط والقابوس الوسيط الجامع لما ذهب من لغة العرب شماطيط في مجلدين وهو كتاب ليس له نظير وقد انتفع به الناس ولم يلتفتوا بعده إلى غيره والمقصود لذوى الألباب من علم الإعراب وتحبير الموشين فيما يقال بالسين والشين والمثلث الكبير في خمس مجلدات والصغير والروض المسلوف فيمن له اسمان إلى ألوف وغير ذلك من المصنفات الكثيرة الواسعة الشهيرة
قال التقي الكرماني كان عديم النظير في زمانه نظما ونثرا بالفارسي والعربي وكان كثير الاقتداء بالصنعاني ماشيا على طريقته تابعا لمنهجه حتى في كثرة المحاورة وحكى الخزرجي أنه رام التوجه في سنة 799 إلى مكة فكتب إلى السلطان ما مثاله ومما ينهيه إلى العلوم الشريفة أنه غير خاف عليكم ضعف أقل العبيد ورقة جسمه ودقة بنيته وعلو سنه وقد آل أمره إلى أن صار كالمسافر الذي تحزم وانتقل، إذ وهن العظم بل والرأس اشتعل، وتضعضع السن وتقعقع الشن، فما هو إلا عظام في جراب وبنيان مشرف على الخراب وقد ناهز العشر التي تسميها العرب دقاقة الرقاب
وقد مر على المسامع الشريفة غير مرة في صحيح البخاري قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغ المرء ستين سنة فقد أعذر الله إليه فكيف من نيف على السبعين وأشرف على الثمانين
ولا يجهل بالمومن أن تمضي عليه اربع سنين
ولا يتجدد له شوق وعزم إلى بيت رب العالمين وزيارة سيد المرسلين وقد ثبت في الحديث النبوي ذلك وأقل العبيد له ست سنين عن تلك المسالك وقد غلب عليه الشوق حتى جل عمره عن الطوق ومن أقصى أمنيته أن يجدد العهد بتلك المعاهد ويفوز مرة أخرى بتقبيل تلك المشاهد وسؤاله من المراحم الحسنة الصدقة عليه بتجهيزه في هذه الأيام مجردا عن الأهالي والأقوام قبل اشتداد الحر وغلبة الأوام فإن الفصل أطيب والريح أزيب ومن الممكن أن يفوز الإنسان بإقامة شهر في كل حرم ويحظى بالتملي في مهابط الرحمة والكرم
وأيضاً كان من عادة الخلفاء سلفا وخلفأ وأنهم كانوا ببردون البريد عمدا قصد التبليغ سلامهم إلى حضرة سيد المرسلين فاجعلني جعلني الله فداك ذلك البريد فلا أتمنى شيئا سواه ولا أزيد

فلما وصل هذا إلى السلطان كتب في طرة الكتاب ما مثاله
صدر الجمال المصري على لساني ما يحققه لك شفاها إن هذا شيء لا ينطق به لساني ولا يجري به قلمي فلقد كانت اليمن عمياء فاستنارت فكيف يمكن أن تتقدم وأن تعلم أن الله قد أحيى بك ما كان ميتا من العلم فبالله عليك إلا ما وهبت له بقية هذا العمر والله يا مجد الدين يمينا بارة إني أرى فراق الدنيا ونعيمها ولا فراقك أنت اليمن وأهله انتهى وفي هذا الكلام عبرة للمعتبرين من أفاضل السلاطين بتعظيم قدر علماء الدين وقد أخذ عنه الأكابر في كل بلاد وصل إليها ومن جملة تلامذته الحافظ بن حجر والمقريزي والبرهان الحلبي ومات ممتعا بسمعه وحواسه في ليلة عشرين من شوال سنة 817 سبع عشرة وثمان مائة بزبيد وقد ناهز التسعين

  • دار المعرفة - بيروت-ط 1( 0) , ج: 2- ص: 280

محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر بن أبي بكر بن أحمد بن محمود بن إدريس بن فضل الله بن الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن علي، القاضي مجد الدين أبو الطاهر الفيروزابادى الشيرازي الشافعي اللغوي:
نزيل مكة. ولد بشيراز في سنة تسع وعشرين وسبعمائة. وسمع بها من المحدث شمس
الدين محمد بن يوسف الزرندي المدني: صحيح البخاري، وببغداد على بعض أصحاب الرشيد بن أبي القاسم، وبدمشق من مسندها محمد بن إسماعيل بن الخباز: جزء ابن عرفة، وعوالي مالك للخطيب، ومن محمد بن إسماعيل الحموي: السنن الكبرى للبيهقي بفوت، ومن أحمد بن عبد المؤمن المرداوي: المنتقى من أربعين عبد الخالق الشحامى، ومن الإمام شهاب الدين أحمد بن مظفر النابلسي: معجم ابن جميع، ومن عبد الله بن محمد بن إبراهيم المعروف بابن قيم الصيائية: مشيخة الفخر بن البخاري، تخريج ابن الظاهري عنه، ومن يحيى بن علي بن مجلى بن الحداد الحنفي: الأربعين النواوية، عن النواوى سماعا بدعواه وما قبل ذلك منه، وغيرهم.
وببيت المقدس، على الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدى العلائي: الأول من مسلسلاته، وغير ذلك.
وبمصر من محمد بن إبراهيم البياني: الصحيحين فيما أحسب، الشك منى في محل السماع، لا في المسموع.
وسمع بمصر على أبي الحرم محمد بن محمد القلانسي، ومظفر الدين محمد بن محمد ابن يحيى العطار، والقاضي ناصر الدين محمد بن محمد بن أبي القاسم، المعروف بابن التونسي، والمحدث ناصر الدين محمد بن أبي القاسم بن إسماعيل الفارقي: رباعيات الترمذي، والمنتقى الكبير من الغيلانيات.
وسمع على الفارقي والقلانسي: ثلاثيات المعجم الصغير للطبراني، وغير ذلك، وعلى القلانسي فقط: ثمانيات مؤنسة خاتون، بنت الملك العادل، وسباعياتها: تخريج ابن الظاهري وتسلسل له مطلقا، الحديث المسلسل بالأولية الذي بأولها، لبس منه خرقة التصوف، وعلى مظفر الدين العطار: الجزء الأخير من الغيلانيات، وعلى الأديب جمال الدين محمد بن محمد بن محمد بن الحسن، المعروف بابن نباتة: جزء الحرفى.
ومن أحمد بن محمد بن الحسن الإمام الجزائري: الجزء الثاني من مشيخة يوسف بن المبارك الخفاف، ومن علي بن أبو العرضى «الطهور» لأبي عبيد، ومعجم ابن جميع، وبعض المسند لابن حنبل، ومن القاضي عز الدين بن جماعة أربعينه التساعيات، وجزؤه الكبير، ومنسكه الكبير، والبردة للبوصيري عنه.
وبمكة من إمامها خليل بن عبد الرحمن المالكي، وقاضيها تقي الدين الحرازي، ونور الدين علي بن الزين القسطلاني، قرأ عليه الموطأ لمالك، رواية يحيى بن يحيى، وغيرهم.
ولقى جمعا كثيرا من الفضلاء، وأخذ عنهم، وأخدوا عنه، منهم: الصلاح الصفدى، وكتب عنه البيتين الأني ذكرهما أخيرا، وأوسع في الثناء عليه، وخرج له الإمام جمال الدين محمد بن الشيخ موسى المراكشي المكي، مشيخة حسنة عن شيوخه، ولم يقدر لي قراءتها عليه، ولا سمعها عليه أحد، غير أن بعض أصحابنا المكيين، أخبرني أنه قرأ عليه أحاديث شيوخ السماع، ببستانه بنخل ربيد.
وكانت له بالحديث عناية غير قوية، وكذا بالفقه، وله تحصيل في فنون من العلم، ولا سيما اللغة، فإن له فيها اليد الطولى، وألف فيها تواليف حسنة، منها: القاموس المحيط، ولا نظير له في كتب اللغة، لكثرة ما حواه من الزيادات على الكتب المعتمدة، كالصحاح وغيرها.
ومن تواليفه: شرح الفاتحة، ألفه في ليلة واحدة، على ما ذكر. وشرح على البخاري، ما أظنه أكمله. وكتاب في الأحاديث الضعيفة، مجلدات. وكراس في علم الحديث، رأيته بخطه. وله الدر الغالي في الأحاديث العوالي، والصلات والبشر في الصلاة على خير البشر. والمغانم المطابة في معالم طابة. والوصل والمنى في فضائل منى. وشيء في فضل الحجون، ومن دفن فيه من الصحابة. ولم أر في تراجمهم في كتب الصحابة، التصريح بأنهم دفنوا جميعا بالحجون، بل ولا أن كلهم مات بمكة، فإن كان اعتمد في دفنهم أجمع بالحجون، على من قال: إنهم نزلوا مكة، فيلزم من نزولهم بها، أن يكون جميعهم دفن بالحجون، فإن الناس كانوا يدفنون بمقبرة المهاجرين بأسفل مكة، وبالمقبرة العليا بأعلاها، وربما دفنوا في دورهم. والله أعلم. والمتفق وضعا والمختلف صقعا والمرقاة الوفية في طبقات الحنفية، أخذها من طبقات الشيخ محيي الدين عبد القادر الحنفي. والروض المسلوف فيما له إسمان إلى ألوف.
وتجبير الموشين في السين والشين. وأسماء الخمر. وترقيق الأسل في تصفيق العسل، كراريس، ألفها في ليلة، عندما سأله بعض الناس عن العسل، هل هو قئ النحلة أو خرؤها. والإسعاد إلى رتبة الاجتهاد. وفضل السلامة على الخبزة، كفضل الدر على الخرزة. والسلامة والخبزة: قريتان بوادى الطائف.
وألفيت بخطه في إجازة لبعض أصحابنا، ذكر تواليف له كثيرة جدا، ومنها بعض ما ذكرناه من تواليفه، وفيما ذكرناه زيادة فائدة في ذلك. فنذكر ذلك كله لما فيه من الفائدة.
ونص ذلك: وأجزت له أن يروى عني جميع ما يجوز عني روايته، وما لي من تأليف وتصنيف في فنون العلم الشريفة التي منها في التفسير: كتاب بصائر ذوى التمييز في لطائف الكتاب العزيز، مجلدان. وكتاب تنوير المقباس في تفسير ابن عباس، أربع مجلدات. وكتاب تيسير فاتحة الإياب في تفسير فاتحة الكتاب، مجلد كبير، وكتاب الدر النظيم المشير إلى مقاصد القرآن العظيم. وحاصل كورة الخلاص، في تفسير سورة الإخلاص. وشرح قطبة الحشاف، شرح خطبة الكشاف.
وفى الحديث: كتاب شوارق الأسرار العلية، شرح مشارق الأنوار النبوية، أربع مجلدات. وكتاب منح البارى، بالسيح الفسيح الجارى، في شرح صحيح البخاري، كمل ربع العبادات منه، في عشرين مجلدا. وكتاب عمدة الحكام، في شرح عدة الأحكام، مجلدان وكتاب امتصاص الشهاد في افتراض الجهاد. وكتاب النفحة العنبرية، في مولد خير البرية وكتاب الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر. وكتاب الوصل والمنى في فضائل «منى» وكتاب المغانم المطابة، في معالم طابة، وكتاب مهيج الغرام إلى البلد الحرام.
وكتاب إثارة الحجون، لزيارة الحجون. وكتاب أحاسن اللطائف، في محاسن الطائف. وكتاب فصل الدرة من الخرزة، في فضل السلامة على الخبزة.
وكتاب روضة الناظر في ترجمة الشيخ عبد القادر. وكتاب تعين العرفات للمعين على عين عرفات. وكتاب منية السول في دعوات الرسول. وكتاب الإسعاد بالإصعاد، إلى درجة الاجتهاد، ثلاث مجلدات وكتاب اللامع المعلم العجاب، الجامع بين المحكم والعباب، وزيادات امتلأ بها الوطاب، واعتلى منها الخطاب، فغاق كل مؤلف هذا الكتاب، يقدر تمامه في مائة مجلد، كل مجلد يقرب من صحاح الجوهرى في المقدار. وكتاب القاموس المحيط، والقابوس الوسيط، الجامع لما ذهب من لغة العرب شماطيط. وكتاب الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف. وكتاب الدرر المبثثة في الغرر المثلثة. وكتاب بلاغ التلغين في غرائب الملغين وكتاب تحفة القماعيل فيمن يسمى من الملائكة والناس بإسماعيل، وكتاب تسهيل طريق الوصول إلى الإحاديث الزائدة على جامع الأصول، أربع مجلدات. وكتاب أسما البراح في أسماء النكاح. وكتاب أسماء الغادة في أسماء العادة. وكتاب الجليس الأنيس، في أسماء الخندريس. وكتاب أنواء الغيث في أسماء الليث. وكتاب الفضل الوفى، في العدل الأشرفى. وكتاب مقصود ذوى الألباب في علم الإعراب، مجلد. وكتاب نزهة الأذهان في فضائل أصبهان. وكتاب التجاريح، في فوائد متعلقة بأحاديث المصابيح. انتهى ما وجد بخطه.
وله شعر كثير، في بعضه قلق، لجلبه فيه ألفاظا لغوية عويصة.
وكان كثير الاستحضار لمستحسنات من الشعر والحكايات، وله خط جيد من الإسراع في الكتابة. وكان سريع الحفظ. بلغني عنه أنه قال: ما كنت أنام حتى أحفظ مائتى سطر. أخبرني عنه بذلك من سمعه منه، من أصحابنا المعتمدين. وحدث بكثير من تصانيفه ومروياته.
سمع منه شيخنا القاضي جمال الدين بن ظهيرة. وحدث عنه في حياته، وصاحبنا الحافظ أبو الفضل بن حجر، وغيره من أصحابنا الفضلاء. سمعت منه بمنزله بمني: جزء ابن عرفة، والمائة المنتقاة من مشيخة ابن البخاري، انتقاء العلائي. وقرأت عليه قبل ذلك في مبدأ الطلب: السيرة النبوية، لعبد الغنى المقدسي، عن ابن الخباز، عن ابن عبد الدايم، عنه، والأربعين النواوية عن ابن مجلى، عن النواوى، والبردة عن ابن جماعة، عن ناظمها.
وولى قضاء الأقضية ببلاد اليمن، عشرين سنة متوالية، تزيد قليلا، متصلا بموته، عن صاحبى اليمن: الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل عباس بن المجاهد، وولده الملك الناصر أحمد، وللملك الناصر ألف الكتاب الذي فيه الأحاديث الضعيفة، ليريحه من التفتيش عليها في كتب الحديث. وكان دخوله لليمن من بلاد الهند.
ولما دخل اليمن أكرمه الملك الأشرف. ونال منه بر ورفعة، وتزوج الأشرف ابنته.
ونال كرامة من جماعة من ولاة البلاد، منهم: ابن عثمان ملك الروم، وشاه منصور ابن عم شاه شجاع، وكذلك من تمر لنك، وحصل منهم دنيا طائلة، فما يطول بقاؤها بيده، لتسليمه لها إلى من يمحقها بالإسراف في صرفها. وقدم إلى مكة مرات، وجاور بها كرات.
وأول قدومه إليها - فيما علمت - قبل سنة ستين وسبعمائة، ثم قدم إليها في سنة سبعين وسبعمائة، وأقام بها خمس سنين متوالية، أو ست، الشك منى، ثم رحل عنها وعاد إليها غير مرة، منها بعد التسعين - بتقديم التاء - وسبعمائة، وكان بها مجاورا في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، ورحل منها إلى الطائف، وله فيها بستان كان لجدي لأمى، اشتراه فيما أحسب في هذه السنة.
ولما حج فيها، دخل مع الركب العراق، لأن القان أحمد بن أويس صاحب العراق، استدعاه في كتاب كتبه إليه، وفيه نبأ عظيم عليه، من جملته:

وفيه بعد ذكر هدية إليه من مستدعيه:
وما عرفت خبره مع مستدعيه، ودار في البلاد حتى وصل إلى عدن، ثم إلى مكة، وما عاد إلى مكة إلا في سنة اثنتين وثمانمائة، من بلاد اليمن، فحج وجاور بقية السنة، وشيئا من أول السنة التي بعدها، وجعل داره التي أنشأها الصفا، مدرسة للملك الأشراف صاحب اليمن، وقرر بها طلبة وثلاثة مدرسين، في الحديث، وفي فقه مالك، والشافعي وزار المدينة النبوية، وقرر بها مثل ما قرر بمكة، واشترى حديقتين بظاهرها وجعلها لذلك، ثم عاد إلى مكة، ثم إلى اليمن لقصد الأشرف، فمات الأشرف قبل وصوله إليها، فأعرض عما قرره، ثم قدم إلى مكة، في سنة خمس وثمانمائة، في رمضان - فيما أحسب - وذهب في بقيتها إلى الطائف قبل الحج، ثم حج وأقام بمكة مدة، وبالطائف، في سنة ست وثمانمائة، وحج فيها، وتوجه إلى المدينة مع الحاج، لتقريره ما كان اشتراه بها، فإنه نوزع فيه، ثم عاد إلى مكة بعد أن ظفر ببعض قصده، وتوجه إلى اليمن، على طريق السراة، وأقام بالخلف والخليف نحو تسعة أشهر، ثم توصل منه إلى زبيد، وأقام بها غالبا، وبتعز مدة، لما كان فوض إليه من تداريس مدارس بها، منها: المؤيدية والمجاهدية، وغير ذلك. وكان يرغب في الرجوع إلى مكة، فما قدر له ذلك حتى مات.
وكان يحب الانتساب إلى مكة؛ لأنه كان يكتب بخطه: الملتجئ إلى حرم الله تعالى، واقتدى في كتابة ذلك، بالرضى الصاغانى اللغوى الآتي ذكره.
وكان يذكر أنه من ذرية الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، مؤلف «التنبيه» وذكر له
نسبا إليه، أملاه على بعض أصحابنا، لما كتب سماعنا عليه. تقدم ذكره، واستغرب ذلك الناس منه، واستغربوا منه أكثر، ما كان يذكره من انتسابه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، من جهة الشيخ أبي إسحاق.
وكان حوى من الكتب شيئا كثيرا، فأذهبها بالبيع، وما وجد له بعد موته منها، ما كان يظن به. ومتعه الله تعالى، بسمعه وبصره، بحيث إنه قرأ خطا دقيقا قبيل موته بيسير.
وكان موته في ليلة الثلاثاء، العشرين من شوال سنة سبع عشرة وثمانمائة بزبيد، ودفن بمقبرة الشيخ إسماعيل الجبرتى، بباب سهام.
وما ذكرناه من تاريخ ليلة موته، موافق لرؤية أهل زبيد لهلال شوال، وعلى رؤية أهل عدن وغيرهم، يكون موته في ليلة تاسع عشر شوال. والله أعلم.
أنشدني العلامة اللغوى، قاضي الأقضية ببلاد اليمن، مجد الدين أبو الطاهر محمد بن يعقوب بن محمد الفيروزابادى بمنى سماعا، وأكبر ظني أنى سمعته من لفظه لنفسه:
وهذان البيتان هما اللذان كتبهما عنه الصلاح الصفدى، وسمعت من ينتقد عليه قوله في آخر البيت الثاني «وإلا» بما حاصله: أنه لم يتقدم له ما يوطئ له، وأن مثل هذا لا يحسن إلا مع تقديم توطئة للمقصود. والله أعلم.
وأنشدني شيخنا المذكور إذنا، قال: دخلت على الشيخ تقي الدين ببستانه بالزعفرانية ظاهر دمشق، فأنشدني من لفظه:
وأنشدني هذه الأبيات، صاحبنا الإمام أبو المحاسن محمد بن إبراهيم الحنفي، سماعا من لفظه عن شيخنا القاضي مجد الدين من لفظه، وحكى عنه قصة إنشادها، وفي معنى هذه الأبيات باختصار بليغ، قول القائل:

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1998) , ج: 2- ص: 1