مهنا بن عيسى مهنا (الثاني) بن عيسى بن مهنا بن مانع الطائي، حسام الدين، من آل فضل، ويلقب سلطان العرب: امير بادية الشام، وصاحب (تدمر) وآل فضل من طئ، ازداد عددهم بانضمام احياء من زبيد وكلب وهذيل ومذحج اليهم، يتنقلون بين الشام والجزيرة ونجد، طلبا للمراعي. واتصلوا بالحكومات في بدء عهد الدولة الايوبية، فكانت توليهم على احياء العرب وحفظ السابلة بين الشام والعراق. وكانت امارة صاحب الترجمة بعد وفاة ابيه (سنة 683هـ) ولاه السلطان المنصور قلاوون. واستمر إلى ان سار الاشرف بن قلاوون إلى الشام ونزل حمص، فوفد عليه مهنا في جماعة من قومه، فقبض عليه الاشرف وارسله إلى مصر (سنة 692) فحبس بها إلى ان افرج عنه العادل كتبغا (سنة 694) فرجع إلى امارته. وارسل ابنه (موسى) إلى ملك التتر (خربنده) في العراق، مع (قراسنقر) وجماعته وهم فارون من السلطان الناصر محمد بن قلاوون فأكرمهم خربنده، وارسل إلى مهنا اموالا وخلعا واعطاه البلاد الفراتية. وعلم الناصر بهذا فأمر بعزله من الامارة (سنة 712) وتولية اخيه (فضل) مكانه. وتوجه مهنا إلى خربنده (سنة 716) فقرر معه امر الركب العراقي. وعاد إلى تدمر. واظهر الناصر (وهو بمصر) رغبته بحضوره اليه فتمهل مهنا وسوف واكتفى بأن كان يرسل اليه اخوته واولاده، والناصر يغدق عليهم انعامه، والمراسلات بينه وبين الناصر لا تنقطع. واعيد إلى امارته (سنة 717) ولكن السلطان ما لبث ان سخط عليه، لصلته بالتتر فطرد آل فضل من البلاد (سنة 720) فابتعد بهم مهنا عن الحواضر. ثم توسل بالملك الافضل صاحب حماة، فصفح الناصر عنه ورد اليه اقطاعه، فعاد واخلص الولاء لاصحاب مصر. ومات بالقرب من سلمية، وقد اناف على الثمانين. قال الذهبي: كان وقورا متواضعا، لا يحفل بملبس، دينا حليما ذا مروءة وسؤدد. وقال ابن كثير: كان يحب الشيخ تقي الدين ابن تيمية حبا زائدا، هو وذريته وعربه، وله عندهم منزلة وحرمة واكرام، يسمعون قوله ويمتثلون، وهو الذي نهاهم ان يغير بعضهم على بعض، وعرفهم ان ذلك حرام، وللشيخ في ذلك مصنف جليل.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 7- ص: 316

مهنا بن عيسى بن مهنا أمير آل فضل عرب الشام. من بيت أولهم من رجل من طي بن سلسلة بن عنين بن سلامان، نشأ هذا الرجل في أيام أتابك زنكي وأيام ولده نور الدين الشهيد، وفد عليه فأكرمه وشاد بذكره، والى هذا عنين ينسب كل عرب عنين من كان من ولده أو من حلفائه أو من استخدمه الأمراء الذين من ولده، وهم يزعمون أنهم من ولد جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك من العباسة بنت المهدي أخت الرشيد هارون.
كان هذا الأمير حسام الدين مهنا طويل النجاد، كثير الرماد، عزير العتاد، ينخرط في سلوك الملوك، وتقصر الشمس عن بلوغ مجده إذا كانت في الدلوك، يتطفل الملوك على وفادته، ويرون سعادتهم دون سعادته، يبالغون في إنعاماته، ويزيدون فيما يجرونه في إقطاعاته.
لم يزل معظما عند ملوك المغل والإسلام، مفخما إذا نشرت في الحروب مطويات الأعلام، أجار قراسنقر والأفرم والزردكاش، وردهم بعد موتهم الى الانتعاش.
ولم تحفر له ذمة، ولم يبال بالسلطان أمدحه أم ذمه، وتشرد بسببهم عن وطنه، وبعد لذلك عن عطنه، وتمادت الأيام والليالي على ما فعل، واشتغل السلطان بأمره واشتعل، وأتعب العساكر في تطلبه، وكل البريد من تقاضي وعوده وتقلبه، وحفيت الأقلام بما تخط الرسائل، وتنمق الاستعطاف والوسائل، ونفذت بيوت الأموال في ترضيه، وتقضت الأعمار في تقاضيه:

إلا أنه فاز في الوفاء بالثناء السموألي، وفاح بعد وفاته الذكر المندلي، ولم يزل يدافع بوعوده، ويمني السلطان بوصاله بعد صدوده مدة تزيد على الاثنتين وعشرين سنة، والسلطان يرى كل سيئة يأتي بها حسنة، الى أن داس بساطه، وأوفد عليه اغتباطه، فسر بمقدمه، ولم ينل قطرة من دمه، وأفاض عليه أنعما أخجل البحار مددها، وأمل الأنفاس والأنفال عددها، وعاد الى بيوته سالما، وظن الناس به أنه كان في هذه الحركة حالما.
ولم يزل بعد ذلك على حاله الى أن ركب مطية الشرجع، وعز على ذويه المآب والمرجع.
وتوفي رحمه الله تعالى في ثامن عشر ذي القعدة سنة خمس وثلاثين وسبع مئة بالقرب من سلمية، ودفن بتربة له في قرية بينها وبين سلمية مسافة بريد، وحزن العرب عليه، وأقاموا له مأتما عظيما، واجتمع الرجال لذلك والنساء من البلاد والقرى، ولبسوا السواد، وعاش نيفا وثمانين سنة.
وقلت أنا لما توفي رحمه الله تعالى:
وهؤلاء آل فضل هم جمهرة العرب، وجمهرة الحرب والحرب، وسحب السماح إذا جر الكرم ذيله وانسحب.
ومهنا جده: هو الأمير مانع بن حديثة بن فضل بن ربيعة الطائي الشامي التدمري، كان أمير عرب الشام في دولة طغتكين صاحب دمشق، ولم يصرح لأحد من هذا البيت بإمرة على العرب بتقليد من السلطان إلا من أيام العادل الكبير أبي بكر أخي السلطان صلاح الدين، أمر منهم حديثة، ثم إن ابنه الكامل قسم الإمرة نصفين لمانع بن حديثة ولغنام أبي طاهر بن غنام، ثم إن الإمرة انتقلت الى أبي بكر بن علي بن حديثة، وعلا فيها قدره، وبعد صيته.
ولما كان من البحرية ما كان، ساقت تصاريف الدهر الملك الظاهر بيبرس الى بيوتهم وهو طريد شريد، ولم يكن معه سوى فرس واحد يعول عليه، فسأل علي بن حديثة فرسا يركبه فلم يعطه شيئا، وكان ذلك بمحضر من عيسى بن مهنا، فأخذه عيسى إليه، وضمه وآواه وأكرمه وقراه، وخيره في رباط خيله، فاختار منها فرسا، فأعطاه ذلك وزوده، وبالغ في الإحسان إليه، فعرفها الظاهر له، ولما تسلطن الظاهر، انتزع الإمرة من أبي بكر بن علي، وجعلها لعيسى بن مهنا، وأتاه أحمد بن طاهر بن غنام وسأله أن يشركه معه في الإمرة، فأرضاه بأن يعطيه إمرة ببوق، وبقي أبو بكر بن علي شردا طريدا، تارة بنجد، وتارة بأطراف الشام الى أن مات. وأمنه الملك الظاهر غير مرة وحلف له فما وثق به واطمأن إليه.
وعلت درجة عيسى بن مهنا عند الظاهر ولم يزل معظما الى أن مات.
ثم إن الإمرة صارت لولده الأمير حسام الدين مهنا هذا في أيام الملك المنصور قلاوون، وعلت مكانته أكثر من مكانة أبيه.
قال شيخنا شهاب الدين محمود: حضرت طرنطاي المنصوري، وهو مخيم بالخربة، وقد حضره أحمد بن حجي أمير آل مري يدعي بألف بعير أخذتها آل فضل لعربه، ومهنا حاضر، وكل منهما جالس الى جانب من طرنطاي فألح أحمد بن حجي في المطالبة واحتد وارتفع صوته، ومهنا ساكت لا يتكلم، فلما طال تمادي أحمد في الضجيج وتمادى مهنا في السكوت، أقبل طرنطاي على مهنا وقال: ما تقول يا ملك العرب، فقال: وما أقول؟ نعطيهم ما طلبوا، هم أولاد عمنا، وإن كانت لهم عندنا هذه البعيرات، أعطيناهم حقهم، وإن كان ما لهم شيء، فما هو كثير إذا أعطينا بني عمنا من مالنا. فقال أحمد: ألا قل، تكلم، وزاد في هذا ومثله، ومهنا ساكت، فلما زاد، رفع مهنا رأسه إليه وقال: يا أحمد: إن كان كلامك عليك هينا فكلامي أنا علي ما هو هين، وهذه الأباعر أقل من أن يحصل فيها كلام، وأنا أعطيك إياها. ثم قام فقال طرنطاي، هكذا والله يكون الأمير.
ولم يزل مهنا على إمرته الى أن جاءت الدولة الأشرفية. ولما خرج الأشرف لفتح قلعة الروم مرت العساكر بسرمين إقطاع مهنا، فأكلت زروعها وآذت آهلها، فشكوا الى مهنا أذية العساكر، فشكا الى الأشرف، فعز على الأشرف، واستنقص همته وقال: كم جهد ما أوذوا حتى تواجهني بالشكوى، وما كان يغتفر هذا الفعل لهذا الجيش العظيم الخارج لأجل إذلال العدو وقص جناح الكفر. وأسمعه من هذا ومثله، ثم لما كان الفتح ركب الأشرف في الفرات في خواصه، ومعه جلساؤه من بني مهدي وكانوا يضحكونه، فجاء مهنا بن عيسى فأمر بمد الإسقالة له ليدخل، فلما دخل عليها غمز عليه فحركت الإسقالة فوقع في الماء وتلوث بالطين، فهزأت به بنو مهدي، وضحك الأشرف ومن حوله، وطوى مهنا جوانحه على ألمها، ثم إنه استأذن في الانصراف الى بيوته، فأذن له وقال: الى لعنة الله، فأسرها مهنا في نفسه ولم يبدها، وركب من وقته وتوجه الى أهله وأقام عندهم على حذر، ثم لما عاد الأشرف ونزل بحماة، بعث إليه مهنا بخيل وجمال، فقبلها وخلع على رسوله وبعث إليه خلعة سنية ليطمئنه بذلك ثم يكسبه، فلما جاءت إليه، لبسها إظهارا للطاعة، وارتحل لوقته ضاربا وجه البرية، فلم يتم للأشرف ما أراده منه. وعاد الى مصر وفي نفسه من إمساك مهنا وإخوته وبنيه. وظن مهنا أن لا حقد عنده، فلم يلبث الأشرف أن خرج الى الكرك وخرج منها على أنه يتصيد كباش الجبل، فعمل له مهنا ضيافة عظيمة، فحضرها الأشرف وأكل منها، ولما فرغ من ذلك أمسك مهنا ومعه جماعة، وجهزهم الى مصر وحبسهم في برج القلعة، وضيق عليهم إلا في الراتب لهم.
وكان مهنا في الحبس لا يأكل إلا بعد مدة، وإذا أكل أكل ما يقيم رمقه، ويصلي الصبح، ويدير وجهه الى الحائط ويصمت ولا يكلم أحدا حتى تطلع الشمس، ثم يقوم بعجلة وسرعة ويأخذ كفا من حصى وتراب كان هناك، ثم يزمجر ويرمي به الى الحائط كالأسد الصائل. فلما خرج الأشرف الى الصيد، ترك ذلك الفعل، فقيل له في ذلك، فقال: قضي الأمر، ولم ير منبسطا إلا في ذلك الحين.
قال القاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله: حدثني الأمير مظفر الدين موسى بن مهنا قال: لما كنا في الاعتقال كان عمي محمد بن عيسى مغرى بدخول المرتفق والتطويل فيه، وكان المرتفق مقاربا لدور حريم السلطان أو لبعض الأمراء، فقلت له في ذلك فقال: يا ولد مهنا، لعلي أسمع خبرا من النسوان، فإنهن يتحدثن بما لا يتحدث به الرجال. فبينما نحن ذات يوم، وإنما بمحمد قد خرج وقال بشراكم، قد سمعت صائحة النساء تقول: واسلطاناه، فقلنا له: دعنا مما تقول، فقال: هو ما أقول لكم. وكان لنا صاحب من العرب تنكر وأقام بمصر، وكان يقف قبالة مرمى البرج الذي نحن فيه ويومئ إلينا ونومئ إليه، غير أنه لا يسمعنا ولا نسمعه، فلما كنا في تلك الساعة ومحمد يحدثنا، وإذا بصاحبنا قد جاء وأومأ ثم مد يده الى التراب وصنع فيه هيئة قبر ونصب عليه عودا، عليه خرقة صفراء كأنها صنجق سلطاني ثم نكسها وقعد كأنه يبكي، ثم وقف قائما ورقص، فتأكد الخبر عندنا بموت الأشرف. فلما فتح علينا من الغد سألنا الفتاح والسجانين فأنكروا، ثم اعترف لنا بعضهم، فكان ذلك أعظم سرور دخل على قلبنا.
ولما خرجوا من السجن شكوا احتياجهم الى النساء، فأطلق لهم جماعة من الجواري الأشرفيات، ولم يكن مرادهم بذلك إلا التشفي، وأعيد الجماعة الى أهلهم إلا مهنا، فإنه أخر مدة ثم جهز، ولما خرج من دمشق لحقه البريد من دمشق الى ثنية العقاب بأن يعود، فامتنع وتوجه الى أهله، وكانوا قد ندموا على إطلاقه، ثم إنه قدم مصر بعد ذلك مرات وهو كالطائر الحذر الذي نصبت له الأشراك في كل مكان، وآخر مرة قدمها في أوائل الدولة الناصرية الأخيرة سنة عشر وسبع مئة، وكان بلرلغي الكبير مملوك مهنا وهو الذي قدمه، فلما وجده قد أمسك تحدث فيه مع السلطان، وقال هذا مملوكي وقدمته ليعطى إقطاعا في الحلقة فأعطى فوق حقه حتى جعلتموه ملكا من الملوك، وأنا أريد أن تأخذ كل ماله ومماليكه وتعطيه إياه برقبته ليكون عندي الى أن يموت، فوعد بذلك. ثم إن بلرلغي مات في ذلك الوقت، فقيل له: قد مات، فعز ذلك عليه من عدم قبول شفاعته مع ما كان يمت به من سوابق الخدم للسلطان لما كان في الكرك.
وخرج مهنا وقد طار خوفا ورعبا، ولما اجتمع بقراسنقر، وكانت بينهما صداقة مؤكدة قديمة، وكل منهما مستوحش، فجددا الأيمان والعهود على المضافرة، وأن لا يسلم واحد منهما صاحبه. ولما توجه قراسنقر الى حلب زاره مهنا وخلا به، فأراه قراسنقر كتابا من السلطان إليه فيه إعمال الحيلة على إمساك مهنا، فقال له مهنا: فما أنت صانع، قال: أنا أطيعه فيك وأجاهره، وهو يجعلني وكده ودأبه، فمن يحميني منه إن قصدني، قال له مهنا تجيء إلينا. فتحالفا على ذلك. ثم إن مهنا وفى لقراسنقر لما توجه إليه - على ما مر في ترجمة قراسنقر وأجاره.
وأما زوجة مهنا عائشة بنت عساف، فإنها بالغت في خدمة قراسنقر، وكانت تقول لمهنا: يا مهنا، ذكر الدهر، لا تدعه. وكذلك محمد بن عيسى بن علي الأفضل بن عيسى بن مهنا أخو مهنا، فما كان رأيه إلا التقرب بإمساك قراسنقر والجماعة الى السلطان، فكانت عائشة تقول: تعسا لأم ولدت الفضل بن مهنا. وكتب مهنا الى السلطان يستعطفه ويقول: هؤلاء مماليكك ومماليك أبيك وكبار بيتكم، وقد هربوا من الموت، وسألوا أن تكف عنهم وتهبهم البيرة لقراسنقر، الرحبة للأفرم، وبهسنا للزردكاش، وإذا حصل مهم جامع للإسلام حضروا إليه وجاهدوا بين يديك، على ما مر في ترجمة قراسنقر.
وما اطمأنوا، وجهزهم مهنا الى خربندا وقال له: متى حميت هؤلاء كنت أنا في طاعتك وخفرت الركب العراقي، وسيرهم مع ابنه سليمان، وجهز معهم لخربندا ومن حوله خيولا مسومة من جهته، فقوبلوا بالإكرام والرعاية، وخلع على سليمان، وأطلق له أموالا جمة، وجهزت لمهنا خلع وإنعامات وبرالغ بالبصرة له ولأهله، ومعها الحلة والكوفة وسائر البلاد الفراتية، واشتدت الوحشة بينه وبين السلطان الملك الناصر محمد، فأعطى الإمرة لأخيه فضل، وتظاهر مهنا بالمنافرة والمباينة والوحشة، وحضر الى خربندا، فأكرمه غاية الإكرام وأجله نهاية الإجلال، وقرر أمر الركب العراقي، وأعطى عصاه خفارة لهم وتأمينا، وضاع الزمان وامتدت الأيام والليالي في المراوغة من مهنا، وهو يعد السلطان أنه يحضر إليه ويمنيه ويسوف به من وقت الى وقت، والبريد يروح ويجيء، والرسل تتردد مثل الأمير بهاء الدين أرسلان الدواردار والأمير علاء الدين الطنبغا نائب حلب والشيخ صدر الدين بن الوكيل، وما ألوى ولا عاج، ثم كان أولاده وإخوته يتناوبون الحضور الى السلطان وهو ينعم عليهم بمئين ألوف وبالإقطاعات العظيمة والأملاك، وهم يمنونه حضوره ويعدونه بقدومه، ومهنا لا يزداد إلا حذرا. والسلطان لا يزداد إلا طمعا في حضوره، ومع ذلك في هذه المدة جميعها ما تنقطع المراسلات بينهما والمكاتبات والشفاعات، وإذا ظهرت للمسلمين مصلحة نبه مهنا عليها وأشار إليها، وكان السلطان يقبل نصحه.
ثم لما كان سنة أربع وثلاثين وسبع مئة، توجه مهنا بنفسه من ذاته الى السلطان، ووصل الى دمشق يوم الجمعة رابع ذي الحجة من السنة، ودخل الديار المصرية، فأكرمه السلطان غاية الإكرام وأنعم عليه بإنعامات كثيرة الى الغاية. وعاد مهنا راجعا الى بلاده، وكان دخوله قلعة الجبل نهار الأحد عشري الحجة، وعاد الى دمشق فدخلها سادس المحرم سنة خمس وثلاثين وسبع مئة. ولم يزل بعد ذلك الى أن توفي في التاريخ المذكور.
وله من الأولاد جماعة، وهم: موسى وسليمان وأحمد وفياض وحمام وهيازع وحيار وجويف وقارا وشعبه وتوبلة وعنقا.
ومن سيادة مهنا ما حكاه لي زغبان بن عبد المؤمن الشقاري التدمري حاجب الأمير معيقل بن فضل يومئذ، قال: كان قد دفن الأمير فضل دفينا في الأرض من الذهب مبلغه اثنا عشر ألف دينار، ثم إنه طلبه في وقت ولم يجده في المكان الذي دفنه، وإنه اتهم به محمد بن نجام حاجبه، ولم يذكر له ذلك، وإن ابن نجام بلغه ذلك، فخاف ابن نجام من الأمير فضل، وتوجه الى مهنا، وشكا حاله إليه فأعطاه مهنا اثني عشر ألف دينار، فأخذها ابن نجام وأحضرها الى فضل، فأبى أن يأخذها، وقال: ما مهنا أكرم مني، أنا ما طالبتك بها ولا أخذها، فردها ابن نجام على مهنا، فقال: أنا خرجت عنها وهي لك، ولم يأخذها.
ابن المهندس محمد بن محمد بن إبراهيم.
ابن الموازيني المسند شمس الدين محمد بن علي.

  • دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 5- ص: 459

مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن عصية مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن عصية بن فضل بن ربيعة التدميرى أمير آل فضل من بني طي ولد بعد سنة 650 وكانت أولية هذا البيت من أيام أتابك زنكي وكان مري بن ربيعة أخو فضل أمير عرب الشام أيام طغتكين وكان مهنا يلقب حسام الدين وكان ابن عمه أبو بكر بن علي بن حديثة أميرا على العرب فاتفق أن الظاهر بيبرس قبل السلطنة رمته الليالي في بيوتهم فطلب من ابن علي فرسا فلم يعطه فرآه عيسى بن مهنا فتوسم فيه فضمه إليه وأعطاه فرسا وبالغ في إكرامه فلما تسلطن انتزع الإمرة من أبي بكر وأعطاها لعيسى ثم تأمر ولده مهنا هذا في أيام المنصور قلاون وكان معظما خليقا بالإمرة قال الشهاب محمود حضرت طرنطاي المنصوري وهو مخيم بالحزبة وعن يمينه مهنا هذا وعن يساره أحمد بن حجي أمير آل مري فادعى أحمد بألف بعير أخذها عرب آل فضل من عربه فألح في المطالبة واحتد ورفع صوته ومهنا ساكت فلما طال الأمر قال طرنطاي لمهنا يا ملك العرب ما تقول قال ما أقول نعطيهم ما ذكروا هم أولاد عمنا إن كانت لهم عندنا هذه البعران فهي حقهم وإن كان ما لهم شيء فما هو كثير إذا أعطيناهم هذا القدر فلما سمع أحمد هذا الكلام لم يعجبه وأطال القول في الاحتجاج والخصومة فقال له مهنا يا أحمد إن كان كلامك عليك هين فكلامي علي ما هو هين وهذه الأباعر أقل من أن يحصل فيها كلام أنا أعطيك إياها وقام فقال طرنطاي هكذا والله يكون الأمير وكان الأشرف غضب على مهنا بعد فتح قلعة الروم فأمسكه وسجنه وسجن أهله قال موسى ابن مهنأ كان عمي محمد بن عيسى حين حبسنا يدخل المرتفق فيطيل فيه فخرج يوما وقال البشرى سمعت صائحة من النساء تقول واسلطاناه فلما كان من الغد أطلقوا ثم ندموا على إطلاق مهنا فأرسل إليه ليعود فامتنع ثم صار يقدم القاهرة وهو حذر ثم خدم الناصر لما كان بالكرك ولما ولي قراسنقر حلب زاره فيها مهنا وكان صديقه فأراه كتاب الناصر يأمره فيه بإمساك مهنا وتحالفا فلما فر قراسنقر بالغت عائشة بنت عساف زوجة مهنا في خدمته وكتب مهنا إلى الناصر يستعطفه على قراسنقر وغيره ممن فر فأرسل إليهم الأمان فلم يطمئنوا وتجهزوا إلى خربندا وكتب مهنا معهم إلى خربندا فقابلهم بالإكرام وخلع على سليمان بن مهنا وجهز لمهنا معه أموالا جمة وخلعا وأعطاه البلاد الفراتية وبلغ الناصر فغضب وأعطى الإمرة لأخيه فضل فتوجه مهنا إلى خربندا فأكرمه وقرر معه أمر الركب العراقي فأعطاه مهنا معه عصاه خفارة لهم وجهد الناصر أن يحضر إليه مهنا فصار يسوف به من وقت إلى وقت وفي طول المدة يرسل أخوته وأولاده والناصر ينعم عليهم بالأموال والإقطاعات وهم يمنونه حضوره ولا يحضر ومع ذلك فالمراسلات بين مهنأ والناصر لا تنقطع وإذا ظهرت له نصيحة للمسلمين نبه عليها وأشار إليها وبادر الناصر لقبولها إلى أن كان في سنة 733 فتوجه مهنا من قبل نفسه إلى الناصر فأكرمه إكراما زائدا ورده على أمرته إلى أن مات في ذي القعدة سنة 735 قال الذهبي كان مهنا وقورا متواضعا لا يحفل بملبس دينا حليما ذا مروءة وسؤدد وله من الأولاد موسى تأمر بعده وسليمان وأحمد وفياض وحيار وقارا وسعنة وغيرهم

  • مجلس دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/ الهند-ط 2( 1972) , ج: 2- ص: 0