الشهاب المنصوري، الهائم أحمد بن محمد أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الدائم بن رشيد الدين بن خليفة بن مظفر السلمي، شاعر العصر شهاب الدين المنصوري، الشافعي ثم الحنبلي المعروف بالهائم، من ذرية العباس بن مرداس السلمي الصحابي رضي الله تعالى عنه، فبراعته في الشعر نزوع إلى جده. ومن
اللطائف أن أم العباس بن مرداس هي الخنساء أخت صخر الشاعرة المشهورة التي أجمعوا على أنها أشعر النساء، وقد بينت أحوالها في ’’ شرح شواهد مغني اللبيب ’’، فانظر العرق كيف ينزع. ولد شهاب الدين هذا سنة ثمان أو تسع وتسعين وسبعمائة، بالمنصورة. ورحل إلى القاهرة سنة خمس وعشرين وثمانمائة، فبحث التنبيه على القاضي شرف الدين عيسى الأقفسهي، والالفية على الشيخ شمس الدين الجندي، وبحث عليه كتابه في النحو، الزبدة والقطرة. وقال يمدحه لما فرغ من القراءة:
ثناؤك شمس الدين قد فاح نشره | لأنك لم تبرح فتى طيب الأصل |
أفاض علينا بحر علمك قطرة | بها زال عن البابنا ظمأ الجهل |
أذكت بروق الحمى في مهجتي لهبا | فانشأت مقلتي من جفنها سحبا |
يا نازلين بقلبي طاب منزلكم | ويا عريب الحمى حييتم عربا |
جزتم على البان فاهتزت معاطفه | وأرخت الدوح من أغصانها عذبا |
عجبت كيف سكنتم من محبكم | قلبا خفوقا من الأشواق مضطربا |
وأرحمتاه لعين كلما هجعت | القت كراها بكف السهد منتهبا |
في كل يوم انادي رسم ربعكم | يا ربع ليلى لقد هيجت لي طربا |
لا وأخذ الله أحبابي بما فعلوا | من الصدود ولا قلبي بما كسبا |
ردوا المنام على عين بكم فجعت | حتى تكون إلى رؤياكم سببا |
لما ذكرت فما قبلت لؤلؤة | أجريت دمعي على عيش لنا ذهبا |
قد كل صارم عزمي عن سلوكم | لما سمعت حديثا عنكم ونبا |
ويا جمالكم عن عين عاشقه | حينا فما ضره لو زاد واقتربا |
بنتم فلا غرو أن زار الحبيب ولو | زرتم أخذت لدهري منكم عجبا |
يا للقريب الذي شط المزار به | عن الأحبة ألا سيد الغربا |
كهف العصاة مغيث المستغيث به | محمد المصطفى أعلا الورى نسبا |
من اطلع الله من لألآء غرته | بدرا وأنزل في أوصافه كتبا |
وأقبلت نحوه الأشجار طائعة=...=...=...=... | ... . |
...=...=...=...=... | . فكان أحسن طرفيه الذي ذهبا |
فكم سقت راحتاه عسكرا وشفت | وفرحت كبدا إذ فرجت كربا |
به هدى الله أقواما أعز بهم | دينا أذل به الأوثان وانقلبا |
قوم إذا ذكروه استعبروا رهبا | وان دعوا للطعان استبشروا رغبا |
أعطافهم من رياح النصر مائسة | ’’ كأنهم في ظهور الخيل نبت ربا ’’ |
لا يعرفون عرينا إذ غدوا اسدا | إلا العوالي والهندية القضبا |
فيا لها من عوال في المعامع كم | حازت من السبق في راحاتهم قضبا |
ومن مواض قد استحلوا مواقعها | كأنهم قد جنوا من ضربها الضربا |
سموا بأفضل مخلوق سمى وبه | نالوا الهدى والتقى والفضل والأدبا |
ايوان كسرى تردى يوم مولده | وأخمد النور من نيرانه اللهبا |
وجاءت الجن والكهان هاتفة | لما رأوا مظهرين الويل والحربا |
قالوا وجدنا السماء الآن قد ملئت=آفاقها حرسا مملوءة شهبا ما ذاك إلا لأمر كان عن قدر | فما لنا ولكم أن نعلم السببا |
فعندها قامت الكهان وانتصبوا | على المنابر في أقوامهم خطبا |
قالوا لقد أبرز الباري ذخيرته | وهو النبي الذي قد كان مرتقبا |
فمن يتابعه يأمن كل حادثة | ومن يباينه يلق الذل والعطبا |
يا سيدا قد رقى السبع الطباق إلى | أن جاوز الرسل والأملاك والحجبا |
وشاهد الحق فاستغنى برؤيته | عن كل شيء فنال السؤل والأربا |
أرجو شفاعتك العظمى إذا زفرت | لظى وصالت على أصحابها غضبا |
يا رب عبدك يرجو منك مغفرة | فاعطه من رحيب العفو ما طلبا |
يا رب صل على الهادي وعترته | وصحبه الأتقياء السادة النجبا |
ما لاح وجه صباح من لثام دجى | ’’ ورنحت عذبات البان ريح صبا ’’ |
يا نبيا سعت إليه المطايا | في وهاد مألوفة ونشوز |
قلبها من غرامها في حنين | وحشاها من شوقها في ازيز |
خصك الله باختصار البلاغا | ت فاديتها بلفظ وجيز |
وتميزت فانتصبت لمولا | ك بعزم نصبا على التمييز |
عفت دنيا تبرجت لك حسنا | كزليخا تبرجت للعزيز |
وجبالا اعرضت عنها وكانت | من سبيل اللجين والابريز |
شرفت حلة الرسالة لما | زنتها من حلاك بالتطريز |
لك رعب في قلب كل عدو | كسنا البيض والقنا المهزوز |
حبك المحض في خزائن ذي العر | ش لأهليه من اعز الكنوز |
لو تملت عيني بقبرك اخرى | قبل موتي لقلت يا عين فوزي |
فعليك السلام والآل والصح | ب نجوم الهدى وأسد البروز |
بربك كن على ثقة | وان عاداك أقوام |
فكم لك منه احسان | وان خاضوا وان عاموا وانعام |
إياك والإسراف فيما تبتغي | فلربما ادى إلى التقتير |
واستعمل القصد الوسيط تفز به | واستبدل التبذير بالتدبير |
تفضلت بالإحسان منك تكرما | وجدت من الحلوى لعبدك بالعلب |
فبوأك الله الكرامة مقعدا | ورقاك من أحبابه ارفع الرتب |
وحلاك في الفردوس مع خير فتية | يحلون فيها من أساور من ذهب |
إذا سب عرضي ناقص العقل جاهل | فليس له إلا السكوت جواب |
ألم تر أن الليث ليس يضيره | إذا نبحت يوما عليه كلاب |
قلت لنحوي يقول اصرفوا | عنا جموعا وهو يمنينا |
إلى متى بالصرف تهدي إلى | قلوبنا كسرا وتنوينا |
قل لشهاب الدين يا قانعا | بالعقل كنزا والحيا قوتا |
كم فقت في نظمك يا سيدي | درا وفي خطك ياقوتا |
لا غرو أن أصبحت نشوانا بما | أهديت من شعر الي رقيق |
فلقد أدير علي من ألفاظه | بالدر والياقوت كأس رحيق |
عد عن الراح وعن كرعها | كم أغرقت عينك في دمعها |
وكم أثارت بين أهل الصفا | حربا توارى الجو في نقعها |
عداوة الأخوان من شأنها | وفقد عقل المرء من طبعها |
قرب رضا الرحمن في بعدها | ووصل عفو الله في قطعها |
ومرها أكثر من طيبها | وضرها أكبر من نفعها |
اني امروء جار على عادة | مألوفة طبعي بها قانع |
أن يمنع الله تعالى فلا | معط وإن يعط فلا مانع |
وصادح في ذرى الأوراق أرقني | شدوا وما كان جفني يعرف الأرقا |
لو ذاق ما ذقت من جور الغرام لما | شدا ولو كان يدري ما علا ورقا |
وكوكب من افقه | في أثر عفريت وثب |
كأنه محارب | يجر رمحا من ذهب |
لا أطلب الرزق بشعر ولو | كنت على جيده أقدر |
كيف وعلمي أن سيدا لي | يرزقني من حيث لا أشعر |
لا غرو أن ينتصف | المظلوم ممن ظلما |
فالله جل ذكره | كان بذاك أعلما |
فقال أن عاقبتموا | فعاقبوا بمثل ما |
أهواه كالبدر بلانا يزحزح عن | جسمي وقلبي أقذاء وأحزانا |
قد رق لي ورثا مما أكابده | وما قسى قلبه أفديه بلانا بل لا نا |
يا مليحا ماس غصنا | ورنا سيفا صقيلا |
لا تقابلني بحد | واصفح الصفح الجميلا |
لا تجنحن لعلم لا ثواب له | واجنح لما فيه اجر غير ممنون |
أن العلوم ثمار فاجن أحسنها | وأحسن العلم ما يهدي إلى الدين |
تود ركاب آمالي رحيلا | إلى بحر من الكرماء لجي |
فقلت لها عليك ببيت يحيى | فزوريه وبيت أبيه حجي |
أنادي ذات حسن وجنتاها | تحاكيها الرياض سنا وبهجه |
أمهجة واصلي الصب المعنى | فما أحد يعيش بغير مهجة |
دعوها على رغم الحواسد مهجة | فتاة سبت قلبي جمالا ومقلتي |
أود من الدنيا سلامة شكلها | وما غرضي إلا سلامة مهجتي |
بلغت من دنياي سنا به | رتعت في السبعين والخمس |
والحمد لله الكريم الذي | متعني بالسن والضرس |
جمحت عجبا فحاكت | مهرة تهوى السباقا |
ركب المشتاق ردفا | ناعما منها وساقا |
قلوا عليك بمدح الأكرمين فهم | أهل الندا قلت فيه ذلة الابد |
عندي من القنع شيء لا نفاد له | ما دام عندي لم احتج إلى أحد |
النسا ناقصات عقل ودين | ما راينا لهن رايا سنيا |
ولأجل الكمال لم يجعل الله | تعالى من النساء نبيا |
إن بذلنا لنزيل مأكلا | وجب الحق وان لم يأكل |
كالختانين إذا ما ألتقيا | وجب الغسل وإن لم ينزل |
هل للرجال سرور | بلا ملاح نواعم |
أو للنساء جمال | إلا وفيها عمائم |
وسجادة محبوبة لي حق أن | أعانقها بالراحتين والشيما |
ويشرح صدري أن من كان صالحا | وصاحبها صلى عليها وسلما |
لما عمل الإنسان من حسن ومن | قبح جزاء لم يضع يوم ورده |
وعيد ووعد بالسعادة والشقا | فلا تحسبن الله مخلف وعده |
غني البدري بالرزق الذي | لم يكن سيق إليه عبثا |
من حلال ورث الارزاق لا | من مديح وهجاء ورثا |
زهى الورد الجني بوجنتيه | ومن سور العذار له سياج |
فلو ظهر الوشاة عليه يوما | لهاجوا مثل يأجوج ومأجوا |
إني غدوت غريبا | لما فقدت الأحبه |
يا صدق من قال قدما | فقد الأحبة غربه |
يا رب أن الظالمين بغوا | فلبغيهم في القلب تجريح |
فأجهل بحقك جمع شملهم | كرماد اشتدت به الريح |
يا رب أهل الظلم لا | يخشون من ذنوبهم |
فاطمس على أموالهم | واشدد على قلوبهم |
عجوز جف ملمسها | فلا ماء ولا مرعى |
إذا ما قيل قد هلكت | إذا هي حية تسعى |
صن حر وجهك عن أراقة مائه=واحفظ لسانك عن سوآل الناس وابخ بنفسك أن تذل لباخل | فسوآله شر من الا فلاس |
فلقد تركت تبسم الضحاك لم | أمدحه خوف تقطب العباس |
عجبا لآحاد الورى في مدحه | إذ يضرب الأخماس في الأسداس |
فدع الوقوف لهم وقول أديبهم | ما في وقوفك ساعة من باس |
قد زاد ضعفي ضعفة | فآن لي أن انقصا |
وصرت كالعير فلن | أمشي إلا بالعصا |
وليلة بت بها والكرى | في مقلتي أذياله تسحب |
ذا جاءني أبليسها عارضا | علي أنواعا بها يخلب |
فقال لي هل لك في غادة | في وجنتيها الصبح والكوكب |
فقلت لا قال ولا شادن | يرنو بطرف بالنهى يلعب |
فقلت لا قال ولا قهوة | يسوك كاس الملك إذ تشرب |
فقلت لا قال ولا كبشة | خضراء فالعيش بها طيب |
فقلت لا وقال لا مطرب | إذا شدا عند الصفا يطرب |
فقلت لا قال فنم معرضا | عني فأنت الحجر المتعب |
خاطب أخاك بما تصفو مودته | وأرفق به لا تنافي حبه بغض |
فالله قال لأعلى الخلق منزلة | لو كنت فظا غليظا القلب لا نفضوا |
وما بيضاء حمراء الأهاب | منقبة تزور بلا نقاب |
معراة تعوض جسمها من | ثياب الشراب أثواب الشراب |
مهفهفة لها خصر رقيق | تتيه به على الخود الكعاب |
تزان باعين نجل وتجلى | بحسن أنامل لدن رطاب |
عجبت لها تنعم في شقاء | من الدنيا وتعذب في عذاب |
لها خدر تصان به منيع | مهاب عند ذي البطش المهاب |
إذا أشتقنا إليها ذات يوم | قليناها وذاك من العجاب |
فنسمع من غناها كل صوت | يداوي كل ذي قلب مصاب |
إذا ما أنعشت بالوصل شيخا | ترد إليه أيام الشباب |
ومع ذا بيننا كانت حروب | ولم يك لي حسام غير ناب |
بدا بجبينه خال يحاكي | بلالا قام ينتظر الهلالا |
فقلت أجعل لشمي منه حظا | فقال نعم فقال والثم بلالا |
إلا إنما الدنياسراب بقيعة | وخلب برق وأعتراض سنات |
فلا تأسين منها على فائت مضى | ولا تفرحن منها بما هو آت |
أخوان بينهما أشد تقلب | وعلى التقلب ليس يجتمعان |
إن طال هذا كان هذا قاصرا | فعلى أخائهما هما ضدان |
متحرك هذا وهذا ساكن | والفرق بينهما وعيشك دان |
من غرس الجود أجتنى | حسن الثنا من غرسه |
فإن أسعد الورى | من يوق شح نفسه |
أيها المنتمي لحي سليم | كن كريما أن شئت أو كن خسيسا |
ما عليها عار إذا كنت منهم | أن قارون كان من قوم موسى |
رثى الشعراء الفضل من آل برمك | لنافلة والمكرمات عوائد |
فقل أن مضى الفضل بن يحيى بن خالد | ليحي بن حجي أن فضلك خالد |
راح قلبي كشعرها في خفوق | وعلى كعبها غدا يترامى |
إن يعم في الدموع إنسان عيني | ليس بدعا عشقة أنغاما |
قد كان لي حول باسعافه | مبالغ الآمال مرجوه |
والآن حل الضعف عند القوى | مني فلا حول ولا قوه |
سبحان من من بحسن الكلام | على نظام الدين بين الأنام |
فلفظ أهل العلم در ولا | يزين ذاك ادر إلا النظام |
أن قاضي القضاة باسم أبيه | رفع الله قيمة الأحجار |
هي من جوهر عجيب ومرجا | ن غريب وفضة ونضار |
يهبط البعض منه من خشية الله | وبعض ينشق بالأنهار |
إذا قدرت فاغفرن | وارج ثواب المغفره |
فأحسن الغفران ما | يكون عند المقدره |
يا من يكسر جفينه يقابلني | إذا شكوت إليه الهجر مظلوما |
أعيذ بالفتح جفنا منك منكسرا | وبالحواميم ثغرا قد حوى ميما |
يا من إذا لعلوم الناس منتحلا | ويحتمي عن سوآل العلم بالشمم |
’’ أستغفر الله من قول بلا عمل | لقد نسبت به نسلالذي عقم ’’ |
أجدر الاس بالعلا العلماء | فهم الصالحون والاولياء |
سادة ذو الجلال أثنى عليهم | وعلى مثلهم يطيب الثناء |
وبهم تمطر السماء وعنا | يكشف السوء ويزول البلاء |
خشية الله فيهم ذات حصر | أو في غيرهم يكون العلا |
فهم الآمرون بالعرف والنا | هون عما يقوله السفهاء |
وإلى ربهم تقدس عزا | فقراء وهم به أغنياء |
فالبرايا جسم وهم فيه روح | والبرايا موتى وهم أحياء |
فتعفف عن لحمهم فهو سم | حل منه الضنا وعز الشفاء |
قد سموا فطنة وزادوا ذكاء | أفتعمى عليهم الأنباء |
قلت للجاهل المشاقق فيهم | هل جزاء الشقاق إلا الشقاء |
زبدة العالمين مخضا ومحضا | حيث كانوا لا سيما القراء |
حبذا القارؤن قرة عين | بعد قرآنهم يكون العراء |
قد رأينا لكل دهر عيونا | ولعمري هم للعيون ضياء |
لا يبالون ما يقول جهول | إنهيق كلامه أم عواء |
وإذا الكلب في ظلام الليالي | نبح الأرض لا تبالي السماء |
فليبوء بالشقاء كل جهول | ولتقر بالسعادة العلماء |
نفس القادري قد فاح مسكا | وثناه الجميل عرف وردا |
حيه المستطاب زره بقرب | تلقه كالنسيم هيج ندا |
المطبعة السورية الأمريكية - نيويورك / المكتبة العلمية - بيروت-ط 0( 1927) , ج: 1- ص: 77