خادم الشيخ رسلان منصور بن عبد الرحمن الحريري زين الدين: متصوف متأدب من الشافعية. دمشقي المولد والوفاة. رحل إلى بلاد الروم وأقام مدة بحلب. وكان خطيبا بجامع السقيفة، خارج (باب توما) بدمشق. يقال له خادم الشيخ رسلان، لخدمتخ ضريحه مدة طويلة. له (ارجوزة) في حفظ الصحة سماها (رسالة النصيحة) ومقامة غزلية سماها (لوعة الشاكي ودمعة الباكي-خ) وكتاب في (التصوف) ونظم.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 7- ص: 300
منصور خطيب السقيفة منصور بن عبد الرحمن، الشيخ العلامة الصالح الأديب زين الدين الدمشقي، الحريري، الشافعي، الشهير بخطيب السقيفة لأنه كان خطيبا بجامع السقيفة خارج باب توما سنين كثيرة، وكان خادم ضريح الشيخ أرسلان مدة طويلة. كان له يد طولى في علوم كثيرة كالتفسير والعربية، وكان صوفي المشرب أرسلاني الطريقة. أخذ عن جماعة منهم شيخ الإسلام الوالد، وله أرجوزة في حفظ الصحة، ورسالة سماها برسالة النصيحة، في الطريقة الصحيحة، وذكره ابن الحنبلي في تاريخه، وقال: تعانى الأدب، ونظم ونثر، وألف مقامه حسنة غزلية سماها لوعة الشاكي، ودمعة الباكي. وشاع ذكره بحل الزايرجة للسبتي، واتصل بسبب ذلك بالسلطان أبي يزيد خان ابن السلطان سليمان، فأكرم مثواه، وبلغه مناه، ثم عاد إلى وطنه ومأواه. ثم رحل منه إلى حلب سنة خمس وستين وتسعمئة، فجاور بالمدرسة الشرقية، وأسفر عن تأليف في التصريف أتهم فيه أنه لغيره، أو منقول فيه كلام غيره فحسنه. قال: وهرع إليه أفراد من أوباش عوام الصوفية من صوفية العوام، وأضافه من الناس أقوام. ثم شاع عنه أكل الكيف والتهاون في بعض الأمور الدينية. ثم ذكر كلاما يقتضي الطعن عليه، وإضافة أمور غير مرضية إليه. وكذلك عادة ابن الحنبلي في هذا التاريخ بأدنى شبهة يهتك من المترجم سترا، ولا يكاد يقيم لمن يحتمل حاله التأويل عذرا. والذي عرفناه من أخبار أخيار الدمشقيين أن الشيخ منصور كان من عباد الله الصالحين. ومن كراماته ما حدثنا به شيخنا الشيخ محمد بن أبي بكر اليتيم العارف بالله تعالى. قال: كنت يوما عند الشيخ منصور، وكان الشيخ جالسا على إحدى الصفتين اللتين في باب جامع السقيفة، وهي القبلية، فجلست في مقابلته على الصفة الأخرى الشمالية، فجاءته بنت صغيرة بعثها إليه أهل بيته، فقالت: يا سيدي يريدون بطيخا أصفر. قال: وكان البطيخ الأصفر يومئذ قد فرغ من دمشق. فقال: نرسل الساعة إن شاء الله تعالى، فتعجبت من كلام الشيخ، وقلت: كيف؟ قال: نرسل ولا بطيخ بهذا البلد. قال: ثم أقبل على كلامه، فبينا نحن كذلك إذا بإنسان أقبل من الغوطة، فسلم على الشيخ، ومعه دابة عليها خرج، فأخرج من كل عين منه بطيخة من أحسن البطيخ، وأكبره، فقال الشيخ: هذه نرسلها إلى البيت، وهذه نأكلها هنا. ومن شعر الشيخ منصور:
يا صاحبي اهجرا جنح الدجى الوسنا | لتخبرا في الورى عن بهجة وسنا |
خذا من الشرع ميزانا لفعلكما | ولا تميلا إلى مستقبح وزنا |
يا خليلي خلتي هجرتني | وإذا بت بالهجر منها وجودي |
بلغاها بعد السلام سقامي | ثم قولا حني عليه وجودي |
عاذلي ظن قبيحا | مذ رأى عشقي ينم |
ظن بي ما هو فيه | إن بعض الظن إثم |
ظن بالناس جميلا | واتبع الخيرات تسم |
واجتنب ظنا قبيحا | إن بعض الظن إثم |
إن عزت الصهباء يا سيدي | وكان في الحضرة عذب اللما |
جعلت سكري ماء ريق له | لا واخذ الله السكارى بما |
ناديته في سكره | بنظر أو ما إلي |
إني لأفهم ما تقول | وإنما غلبت علي |
استقم أنت أول الأمر ماء | ثم من بعد جيفة مأكولا |
إن ذا شأن كل حر وعبد | سنة الله فاجتنب تبديلا |
لي من الله عناية | أنا منها في رعاية |
لطفه بي من قديم | كان في أصل البداية |
لم يزل عندي مقيما | بسرور للنهاية |
خصني الله بعلم | هو من سر الدراية |
وهو وهمي، وفيه | حكم فيها الهداية |
والذي ينكر حالي | وهو من أهل السعاية |
حلت مولاي عليه | إن في الله كفاية |
وحسودي إن رماني | لا أبالي بالرماية |
ودروعي محكمات | وهي من ربي وقاية |
كنف الله كفاني | وهو لي نعم الحماية |
لم يزل قدري عليا | عند أرباب الولاية |
واقتدائي بالتهامي | شرفي في كل غاية |
وعلى الله اعتمادي | وكفاني بالعناية |
إلام أنا الولهان بالرشأ الألمي | وحتام لم أبرح أرى حبه حتما |
وكم ضن باللقيا فأورثني ضنا | ويمنعني ظلما، فيمنحني ظلما |
ومن وسن الأجفان كم رمت أنه | يفوض لي سهما، ففوق لي سهما |
نظرت إلى سقم الجفون، فأثرت | بقلبي، وزادتني على سقمي سقما |
فيا صاحبي داعي الهوى اليوم صاح بي | فسل ما بنا في الحي قد فعلت سلمى |
أباحت حمى جسمي سيوف لحاظها | فألحاظها تدمي، ووجناتها تدمى |
وكل كلام العاذلات، فلم أكن | أحس به إلا وأحسبه كلما |
ألائمتي كفي الملام، واقصري | فعند سماع اللوم لي أذن صما |
جفاني الكرى حتى يئست من الكرى | فكم بت في الظلماء أرتقب النجما |
وطال علي الليل حتى إذا بدا | سنا وجه بدر الدين انجلت الظلما |
هو الفاضل ابن الفاضل البحر في الندى | هو الحبر في علم هو الغاية العظمى |
له منطق من نحوه الدر يجتلى | ولفظ معانيه بها أنطق البكما |
وليس له في فعله من مضارع | وفي كل حال أمره ماضيا حتما |
يطابق لفظي فيه معنى وصورة | فلا غرو إن أبدعت نثرا، وإن نظما |
عليم زهت أيامه بوجوده | فكان لها روحا، وكانت له جسما |
ولو عرضت للعلم شرح غوامض | عليه، لما زادته يوما بها علما |
أعز الورى جارا وأحماهم حمى | وأغزرهم جودا وأعظمهم حلما |
كريم إذا أولى، وغيث إذا همى | وليث إذا أوما همام إذا هما |
إمام به أهل الفضائل تقتدي | فكل به في العلم أصبح مؤتما |
وفي الجود والإعطاء أمسى مبالغا | وكاد نداه اليوم يستغرق اليما |
تجمع فيه كل فضل وسؤدد | وقد ساد في أيامنا العرب والعجما |
وما بلغت أهل الفصاحة في الورى | بلاغته، إلا وصيرهم بكما |
أيا شيخ الإسلام السليم فؤاده | ويا من سواه في الورى قط لا يسمى |
أيا ديك قد فاضت على سائر الورى | وكم لك من أيد، وكم لك من نعما |
فيا ويح من لم يعط قدرك حقه | ويا فوز من قد نال من كفك اللثما |
أبثك ما يلقاه قلبي من الأسى | وهذي الليالي كم تجرعني السما |
ولم يكفها ما مر بي من صروفها | إلى أن غدت قهرا تحملني الهما |
وصاحبت هذا الناس برا وفاجرا | فحرت، ولم أصحب يقينا ولا وهما |
وأشغلت فكري في المدائح في الورى | فضاعت ولا حمدا أفادت ولا ذما |
ولم أر في الأيام مثلك سيدا | كريما هماما ماجدا أروعا شهما |
وما ضاع فيك المدح بل ضاع نشره | ولكن له الحساد لم تستطع شما |
فباسمكم هذي القوافي وسمتها | فيا حبذا اسما ويا حبذا وسما |
وما أنا نظام لعمري وإنما | مدائحكم أمست تعلمني النظما |
فأنت الذي أدبتني، وأنا الذي | إلى أدبي بين الورى نظر الأعمى |
فإن أر يوما منك بعض عناية | كفاني، فلا بؤسا أخاف ولا غما |
بكم صرت منصورا على كل حاسد | وكم من ضعيف الحال أوليته عزما |
إذا المرء لم يعلق رجاء ببابكم | فمن ذا الذي ترجى أياديه للرحمى |
فدونكها غراء مسك ختامها | ودمت قرير العين لا تختشي هما |
ولا زلت بحرا بالعطا متداركا | بسيط الأيادي وافر الجود والنعما |
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1977) , ج: 3- ص: 188