محمد بن محمود بن محمد بن عباد أبو عبد الله القاضي شمس الدين الأصبهاني شارح المحصول
كان إماما في المنطق والكلام والأصول والجدل فارسا لا يشق غباره متدينا لبيبا ورعا نزها ذا نعمة عالية كثير العبادة والمراقبة حسن العقيدة
خرج من أصبهان شابا ودخل بغداد فاشتغل بها ثم قدم حلب وولي القضاء بمنبج ثم قدم القاهرة فولاه قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز قضاء قوص فباشرها مباشرة حسنة
وكان مهيبا قائما في الحق على أرباب الدولة يخافونه أتم الخوف بلغني أن الحاجب بمدينة قوص تعرض إلى بعض الأمور الشرعية فطلبه وضربه بالدرة ولم ينتطح فيها عنزان
وكان وقورا في درسه أخذ عنه العلم جماعة وذكروا أن شيخ الإسلام تقي الدين القشيري كان يحضر درسه بقوص وكان من دينه أن الطالب إذا أراد أن يقرأ عليه الفلسفة ينهاه ويقول لا حتى تمتزج بالشرعيات امتزاجا حقيقيا جيدا فلله دره
وشرحه للمحصول حسن جدا وإن كان قد وقف على شرح القرافي وأودعه الكثير من محاسنه لكنه أوردها على أحسن أسلوب وأجود تقرير بحيث إنك ترى الفائدة من كلام القرافي وإن كان هو المبتكر لها كالعجماء وتراها من كلام هذا الشيخ الأصبهاني قد تنقحت وجرت على أسلوب التحقيق ولكن الفضل للقرافي
وللأصبهاني أيضا كتاب القواعد مشتمل على الأصلين والمنطق والخلاف
دخل القاهرة بعد قضاء قوص ودرس بالمشهد الحسيني وأعاد بالشافعي ولما ولي الشيخ تقي الدين القشيري تدريس الشافعي عزل نفسه من الإعادة وبلغني أنه قال بطن الأرض خير من ظهرها ونحن نقيم عذره من جهة مشيخته وقدم هجرته وإلا فحقيق به وبأمثاله الاستفادة من إمام الأئمة الشيخ تقي الدين
وبلغني أنه حين فر من قوص إلى مصر اقترض عشرين درهما حتى تزود بها
وسمعت الشيخ الإمام الوالد يحكى أنه قال في الاستدراك مرة وائل بن حجر بفتح الحاء والجيم فقلت له حجر بضم الحاء وإسكان الجيم فقال حجر حجر صحابي والسلام
وحضر إليه في قوص طالب يشكو على شاعر هجاه وسأل منه تعزيره فقال أخشى يبغى يعني يهجوني أيضا
وكان يعتقد كرامات الأولياء قال له مرة بعض الطلبة يا سيدي أيصح أن في هذه الأمة من يمشي على الماء ويطير في الهواء فقال يا بني هذه الأمة أكرمها الله بنبيها صلى الله عليه وسلم فانف عن أوليائها مقام النبوة والرسالة وأثبت ما شئت من الخوارق
ولد بأصبهان سنة ست عشرة وستمائة وتوفي بالقاهرة في العشرين من رجب سنة ثمان وثمانين وستمائة
فصل يشتمل على عقيدة مختصرة من كلامه مع الإشارة فيها إلى الأدلة وهي
الحمد لله حق حمده وصلواته على محمد عبده ورسوله
العالم الخالق واجب الوجود لذاته واحد عالم قادر حي مريد متكلم سميع بصير
فالدليل على وجوده الممكنات لاستحالة وجودها بنفسها واستحالة وجودها بممكن آخر ضرورة استغناء المعلول بعلته عن كل ما سواه وافتقار الممكن إلى علته
والدليل على وحدته أنه لا تركيب فيه بوجه وإلا لما كان واجب الوجود لذاته ضرورة افتقاره إلى ما تركب منه ويلزم من ذلك أن لا يكون من نوعه اثنان إذ لو كان للزم وجود الاثنين بلا امتياز وهو محال
والدليل على علمه إيجاده الأشياء لاستحالة إيجاد الأشياء مع الجهل بها
والدليل على قدرته أيضا إيجاده الأشياء وهي إما بالذات وهو محال وإلا لكان العالم وكل واحد من مخلوقاته قديما فتعين أن يكون فاعلا بالاختيار وهو المطلوب
والدليل على أنه حي علمه وقدرته لاستحالة قيام العلم والقدرة من غير حي
والدليل على إرادته تخصيصه الأشياء بخصوصيات واستحالة التخصيص من غير مخصص
والدليل على كونه متكلما أنه آمر ناه لأنه بعث الرسل عليهم السلام لتبليغ أوامره ونواهيه ولا معنى لكونه متكلما إلا ذلك
والدليل على كونه سميعا بصيرا السمعيات
والدليل على نبوة الأنبياء عليهم السلام المعجزات وعلى نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القرآن المعجز نظمه ومعناه
ثم نقول كل ما أخبر به محمد صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر ومنكر ونكير وغير ذلك من أحوال يوم القيامة والصراط والميزان والشفاعة والجنة والنار فهو حق لأنه ممكن وقد أخبر به الصادق فيلزم صدقه والله الموفق
دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 8- ص: 100