البلوطي منذر بن سعيد بن عبد الله بن عبد الرحمن النفزي القرطبي، ابو الحكم البلوطي: قاضي قضاة الاندلس في عصره. كان فقيها خطيبا شاعرا فصيحا. نسبته إلى (فحص البلوط) بقرب قرطبة. ويقال له (الكزني) نسبة إلى فخذ من البربر يسمى (كزنة) رحل حاجا سنة 308هـ ، فأقام في رحلته اربعين شهرا، اخذ بها عن بعض علماء مكة ومصر. قال ابن الفرضي: كان بصيرا بالجدل، منحرفا إلى مذاهب اصحاب الكلام، لهجا بالاحتجاج. ولي قضاء (ماردة) وما والاها، ثم قضاء الثغور الشرقية، فقضاء الجماعة بقرطبة (سنة 339) واستمر إلى ان توفى فيها. لم تحفظ عليه مدة ولايته قضية جور. له كتب في القرآن والسنة والرد على أهل الاهواء، منها (الانباه على استباط الاحكام من كتاب الله) ويسمى احكام القرآن، و (الابانة عن حقائق اصول الديانة) و (الناسخ والمنسوخ).

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 7- ص: 294

منذر بن سعيد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن قاسم بن عبد الله البلوطي ثم الكزني من أهل قرطبة؛ يكنى: أبا الحكم، وينسب في البربر في فخذ منهم يقال لهم: كزنة.
سمع بالأندلس: من عبيد الله بن يحيى وغيره. ورحل حاجا سنة ثمان وثلاث مائة فأقام في رحلته أربعين شهرا. فأخذ بمكة: من ابن المنذر كتابه المؤلف في الاختلاف المسمى: كتاب الأشراف وأخذ من غيره.
ورى بمصر: كتاب العين، عن أبي العباس بن ولاد، وسمع: من ابن النحاس. وكان مذهبه في الفقه مذهب النظار والاحتجاج، وترك التقليد.
وكان: عالما باختلاف العلماء، وكان يميل إلى رأي داود بن علي بن خلف العباسي ويحتج له، وولى: قضاء مدينة ماردة وما والاها من مدن الجوف، ثم ولى: قضاء الثغور الشرقية، ثم قدم إلى قضاء الجماعة بقرطبة بعد محمد بن أبي عيسى. وذلك يوم الخميس لخمس خلون من ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة وولى: الصلاة بمدينة الزهراء، فلم يزل قاضيا إلى أن توفي؛ ولم تحفظ له قضية جور، ولا جربت عليه في أحكامه زلة.
وكان بصيرا بالجدل، منحرفا إلى مذهب أهل الكلام، لهجا بالاحتجاج، ولذلك ما كان ينحل في إعتقاده الله مجازيه بها ومحاسبه عنها، وله كتب مشهورة كثيرة مؤلفة: في القرآن، والفقه، والرد أخذها الناس عنه وقرؤها عليه. وكان: خطيبا، بليغا، شاعرا ولد سنة ثلاث وسبعين ومائتين ولاية الأمير المنذر رحمه الله.
وتوفي: يوم الخميس لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة خمس وخمسين وثلاث مائة وهو ابن آثنتين وثمانين سنة وسبعة أشهر. ودفن بمقبرة قريش، وصلى عليه آبنه عبد الملك.

  • مكتبة الخانجي - القاهرة-ط 2( 1988) , ج: 2- ص: 142

البلوطي القاضي اسمه منذر بن سعد.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 10- ص: 0

منذر بن سعيد أبو الحكم البلوطي الأندلسي: كان نحويا فاضلا وخطيبا مصقعا وشاعرا بليغا، ولد سنة خمس وستين ومائتين، ورحل فلقي جماعة من العلماء والأدباء، وجلب في رحلته «كتاب الأشراف في اختلاف العلماء» رواية عن مؤلفه ابن المنذر النيسابوري و «كتاب العين» للخليل رواية أبي العباس ابن ولاد. واتصل بعبد الرحمن الناصر فحظي عنده، ثم عند ابنه الحكم من بعده، وكان سبب اتصاله بالناصر ما ظهر من بلاغته يوم الاحتفال بدخول رسول قسطنطين بن ليون صاحب قسطنطينية على الناصر موفدا إليه مع وفود سائر ملوك الافرنجة، وذلك أن الناصر جلس للقاء الوفود بقصر قرطبة، فلما تكامل المجلس ودخل عليه الوفود ورحب بهم أحب أن يقوم الخطباء والشعراء بين يديه للتنويه بفخامة الحفلة وذكر ما تهيأ من توطيد الخلافة في أيامه، وتقدم الى ولي عهده الحكم باعداد من يقوم بذلك من الخطباء، فقدم الحكم أبا علي القالي البغدادي، وكان إذ ذاك ضيف الناصر، فقام أبو علي وحمد
الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فأرتج عليه وانقطع وبهت، فلما رأى ذلك منذر بن سعيد، وكان حاضرا، قام من ذاته، ووصل افتتاح أبي علي بكلام بهر العقول، فخرج الناس يتحدثون ببلاغته وحسن بيانه وثبات جنانه، وكان الناصر أشدهم تعجبا وإعجابا به، فسأل عنه ابنه الحكم، ولم يكن يعرفه، فقال له: هذا منذر بن سعيد البلوطي، فقال: والله لقد أحسن ما شاء، ثم قربه وولاه الصلاة والخطابة في المسجد الجامع بالزهراء، ثم ولاه قضاء الجماعة بقرطبة. ولما توفي الناصر وولي ابنه الحكم أقره على القضاء، واستعفى غير مرة فما أعفاه. وكان وقورا صليبا في الحكم مقدما على إقامة العدل والحق وإزهاق الجور والباطل آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، له كتب في السنة والورع والرد على أهل الأهواء والبدع. ومن مصنفاته المتداولة: أحكام القرآن. وكتاب الناسخ والمنسوخ. وله رسائل وخطب مجموعة وأشعار متفرقة مطبوعة. ومن خطبه الخطبة التي ألقاها بحضرة الناصر في الاحتفال الذي تقدم ذكره ونصها:
أما بعد حمد الله والثناء عليه والتعداد لآلائه والشكر لنعمائه، والصلاة والسلام على محمد صفيه وخاتم أنبيائه، فإن لكل حادثة مقاما، ولكل مقام مقال، وليس بعد الحق الا الضلال؛ وإني قد قمت في مقام كريم، بين يدي ملك عظيم، فاصغوا إلي معشر الملأ بأسماعكم، وافقهوا عني بأفئدتكم. إن من الحق أن يقال للمحق صدقت، وللمبطل كذبت، وإن الجليل تعالى في سمائه، وتقدس بصفاته وأسمائه، أمر كليمه موسى صلى الله على نبينا وعليه وعلى جميع أنبيائه، أن يذكر قومه بأيام الله جل وعز عندهم، وفيه وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وإني أذكركم بأيام الله عندكم، وتلافيه لكم بخلافة أمير المؤمنين التي لمت شعثكم، وأمنت سربكم، ورفعت قوتكم؛ كنتم قليلا فكثركم، ومستضعفين فقواكم، ومستذلين فنصركم، ولاه الله رعايتكم؛ وأسند إليه إمامتكم، أيام ضربت الفتنة سرادقها على الآفاق، وأحاطت بكم شعل النفاق، حتى صرتم في مثل حدقة البعير من ضيق الحال ونكد العيش، فاستبدلتم بخلافته من الشدة بالرخاء، وانتقلتم بيمن سياسته إلى تمهيد كنف العافية
بعد استيطان البلاء، أنشدكم الله معاشر الملأ ألم تكن الدماء مسفوكة فحقنها؟
والسبل مخوفة فأمنها؟ والأموال منتهبة فأحرزها وحصنها، ألم تكن البلاد خرابا فعمرها؟ وثغور المسلمين مهتضمة فحماها ونصرها؟ فاذكروا آلاء الله عليكم بخلافته، وتلافيه جمع كلمتكم بعد افتراقها بإمامته، حتى أذهب الله عنكم غيظكم، وشفى صدوركم، وصرتم يدا على عدوكم، بعد أن كان بأسكم بينكم، فأنشدكم الله ألم تكن خلافته قفل الفتنة بعد انطلاقها من عقالها؟ ألم يتلاف صلاح الأمور بنفسه بعد اضطراب أحوالها؟ ولم يكل ذلك إلى القواد والأجناد، حتى باشره بالقوة والمهجة والأولاد، واعتزل النسوان، وهجر الأوطان، ورفض الدعة وهي محبوبة، وترك الركون إلى الراحة وهي مطلوبة، بطوية صحيحة، وعزيمة صريحة، وبصيرة نافذة ثاقبة، وريح هابة غالبة، ونصرة من الله واقعة واجبة، وسلطان قاهر، وجد ظاهر، وسيف منصور، تحت عدل مشهور، متحملا للنصب، مستقلا لما ناله في جانب الله من التعب، حتى لانت الأحوال بعد شدتها، وانكسرت شوكة الفتنة بعد حدتها، فلم يبق لها غارب إلا جبه، ولا ظهر لأهلها قرن إلا جذه، فأصبحتم بنعمة الله إخوانا، وبلم أمير المؤمنين لشعثكم على أعدائه أعوانا، حتى تواترت لديكم الفتوحات، وفتح الله عليكم بخلافته أبواب الخيرات والبركات، وصارت وفود الروم وافدة عليه وعليكم، وآمال الأقصين والأدنين مستحرمة إليه وإليكم، يأتون من كل فج عميق، وبلد سحيق، للأخذ بحبل بينكم وبينه جملة وتفصيلا، ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ولن يخلف الله وعده، ولهذا الأمر ما بعده. وتلك أسباب ظاهرة بادية، تدل على أمور باطنة خافية، دليلها قائم، وجفنها غير نائم {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم} وليس في تصديق ما وعد الله ارتياب، ولكل نبأ مستقر ولكل أجل كتاب. فاحمدوا الله أيها الناس على آلائه، واسألوا المزيد من نعمائه، فقد أصبحتم بين خلافة أمير المؤمنين أيده الله بالسداد، وألهمه التوفيق إلى سبيل الرشاد، أحسن الناس حالا، وأنعمهم بالا، وأعزهم قرارا، وأمنعهم دارا، وأكثفهم جمعا، وأجملهم صنعا، لا تهاجون، ولا تذادون، وأنتم بحمد الله على أعدائكم ظاهرون، فاستعينوا على صلاح أحوالكم بالمناصحة لامامكم، والتزام الطاعة لخليفتكم وابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم، فإن من نزع يدا من الطاعة، وسعى في تفريق الجماعة، ومرق من الدين، فقد خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين. وقد علمتم أن في التعلق بعصمتها، والتمسك بعروتها، حفظ الأموال وحقن الدماء، وصلاح الخاصة والدهماء، وأن بقيام الطاعة تقام الحدود، وتوفى العهود، وبها وصلت الأرحام، ووضحت الأحكام، وبها سد الله الخلل، وأمن السبل، ووطأ الأكناف، ورفع الاختلاف، وبها طاب لكم القرار، واطمأنت بكم الدار، فاعتصموا بما أمركم الله بالاعتصام به فإنه تبارك وتعالى يقول: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} وقد علمتم ما أحاط بكم في جزيرتكم هذه من ضروب المشركين، وصنوف الملحدين، الساعين في شق عصاكم، وتفريق ملأكم، الآخذين في مخاذلة دينكم، وهتك حريمكم، وتوهين دعوة نبيكم، صلوات الله وسلامه عليه وعلى جميع النبيين والمرسلين. أقول قولي هذا وأختم بالحمد لله رب العالمين، مستغفرا الله الغفور الرحيم فهو خير الغافرين.
وكان منذر بن سعيد شديدا في دينه لا يأخذه في الله لوم لائم، وكانت له مقامات بين يدي الخليفة الناصر يتناوله فيها بالعظات والزواجر غير هياب ولا محتشم؛ من ذلك أن الناصر كان كلفا بعمارة الأرض وتخليد الآثار الدالة على قوة الملك وعزة السلطان وعلو الهمة، فأفضى به الافراط في ذلك إلى أن ابتنى الزهراء البناء الشائع ذكره، واستفرغ جهده في إتقان قصورها وزخرفة دورها، حتى ترك شهود الجمعة بالمسجد الجامع ثلاث جمع متواليات، فأراد القاضي منذر تنبيهه بما يتناوله به من الموعظة، وتذكيره بالانابة والرجوع، فابتدأ خطبته في الجمعة الرابعة بقوله تعالى {أتبنون بكل ريع آية تعبثون} ثم وصله بقوله تعالى {قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى} وهي دار القرار ومكان الجزاء، ومضى في ذم تشييد البناء وزخرفته، والإسراف في الانفاق عليه، بكل كلام جزل ثم أتى بما يناسب المقام من التخويف بالموت والدعاء إلى الزهد في الدنيا، والإقصار عن اللذات والشهوات واتباع الهوى، وأورد أحاديث وآثارا تشاكل ذلك، حتى خشي الناس وبكوا وأعلنوا بالتوبة والاستغفار، وأخذ الناصر من ذلك بأوفر حظ، وقد علم أنه المقصود بالموعظة فبكى وندم على ما أفرط وفرط، إلا أنه وجد على منذر لما قرعه به، فشكا ذلك لولده الحكم بعد انصراف منذر فقال: والله لقد تعمدني منذر بخطبته وما عنى بها غيري، فأسرف وأفرط في تقريعي، ثم أقسم أن لا يصلي خلفه صلاة الجمعة خاصة، فكان يصلي بقرطبة وراء أحمد بن مطرف صاحب الصلاة، وترك الصلاة بالزهراء، فقال له الحكم: ما الذي يمنعك من عزل منذر عن الصلاة بك والاستبدال به إذ كرهته، فزجره وانتهره وقال له: أمثل منذر بن سعيد في فضله وخيره وعلمه لا أم لك يعزل لإرضاء نفس ناكبة عن الرشد سالكة غير القصد؟! هذا ما لا يكون، وإني لأستحيي من الله أن لا أجعل بيني وبينه في صلاة الجمعة شفيعا مثل منذر في ورعه وصدقه، ولكنه أحرجني فأقسمت، ولوددت أني أجد سبيلا إلى كفارة يميني بملكي، بل يصلي بالناس حياته وحياتنا إن شاء الله تعالى، فما أظننا نعتاض منه أبدا.
وكان منذر على متانته وصلابته حسن الخلق كثير الدعابة، فربما ساء ظن من لا يعرفه به لدعابته، فإذا رأى ما يخل بالدين قدر شعرة ثار ثورة الأسد الضاري وتبدلت بشاشته عبوسا.
ومر في رحلته بمصر فحضر يوما مجلس أبي جعفر النحاس وهو يملي أخبار الشعراء، فأملى شعرا لقيس مجنون بني عامر، وهو قوله:

فقال له منذر، يا أبا جعفر ماذا باتا يصنعان، فقال له: وكيف تقول أنت يا اندلسي؟ فقلت له: بانت وبان قرينها، فسكت، قال منذر: وما زال يستثقلني بعد
ذلك حتى منعني «كتاب العين» وكنت ذهبت للاستنساخ من نسخته فلما يئست منه قيل لي أين أنت من أبي العباس ابن ولاد؟ فقصدته فلقيت رجلا كامل العلم حسن المروءة، فسألته الكتاب فأخرجه إلي. ثم ندم أبو جعفر حين بلغه إباحة أبي العباس الكتاب لي، وعاد إلى ما كنت أعرفه منه.
ومن شعر منذر بن سعيد ما كتب به إلى أبي علي القالي يستعير كتابا من الغريب:
فأرسل إليه الكتاب وأجابه بقوله:
وقال أيضا:
توفي منذر بن سعيد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة.

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 6- ص: 2717

منذر بن سعيد البلوطي أبو الحكم الأندلسي، قاضي الجماعة، ينسب إلى قبيلة يقال لها: كزنة، وهو من موضع قريب من قرطبة يقال له: فحص البلوط.
كان فقيها محققا، وخطيبا بليغا مفوها، له اليوم المشهور الذي ملأ فيه الآذان، وبهر العقول، وذلك أن المستنصر بالله كان مشغوفا بأبي علي القالي، يؤهله لكل مهم، فلما ورد رسول الروم أمره أن يقوم خطيبا على العادة الجارية، فلما شاهد أبو علي الجمع العظيم جبن فلم تحمله رجلاه، ولا ساعده لسانه، وفطن له منذر بن سعيد، فوثب في الحال، وقام مقامه، وارتجل خطبة بديعة، فأبهت الخلق، وأنشد في آخرها لنفسه:

فاستحسنوا ذلك، وصلب الرسول، وقال: هذا كبش رجال الدولة.
ومن تصانيفه: كتاب ’’الإنباه عن الأحكام من كتاب الله’’، وكتاب ’’الإبانة عن حقائق أصول الديانة’’.
قال ابن بشكوال في بعض كتبه: منذر بن سعيد خطيب بليغ مصقع، لم يكن بالأندلس أخطب منه، مع العلم البارع، والمعرفة الكاملة، واليقين في العلوم والدين، والورع، وكثرة الصيام، والتهجد، والصدع بالحق، كان لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد استسقى غير مرة فسقي.
ذكر أمير المؤمنين الحكم فقال: كان فقيها فصيحا خطيبا، لم يسمع بالأندلس أخطب منه، وكان أعلم الناس باختلاف العلماء، شاعرا لبيبا أديبا، له تصانيف حسان جدا، وكان مذهبه النظر والجدل، يميل إلى مذهب داود بن علي.
وذكره محمد بن حارث القروي فقال: كان من أهل النفاذ والتحصيل، متدربا للمناظرة، متخلقا بالإنصاف، جيد الفهم، طويل العلم، بليغا موجزا، يميل إلى طرق الفضائل ويوالي أهلها، ويلهج بأخبار الصالحين.
حج سنة ثمان وثلاث مائة، فأقام في رحلته أربعين شهرا، وانصرف، فأدخل الأندلس من علم النظر، ومن علم اللغة كتبا كثيرة، وامتحنه الناصر بغير ما أمانة، وأخرجه رسولا إلى
غير ما وجه، فخلص محمودا، وأقام بما حمل مشكورا، ثم ولاه قضاء كورة ماردة، ثم ولاه قضاء الثغور الشرقية كلها، ثم نقله إلى قضاء القضاة، والصلاة بجامع الزهراء.
قال أبو محمد بن حزم: أخبرني حكم بن منذر بن سعيد، أخبرني أبي أنه حج راجلا مع قوم رجالة، فانقطعوا وأعوزهم الماء في الحجاز وتاهوا، قال: فأوينا إلى غار ننتظر الموت، فوضعت رأسي ملصقا بالجبل، فإذا حجر كان في قبالته، فعالجته، فنزعته، فانبعث الماء فشربنا وتزودنا.
وقال ابن عبد البر: حدثت أن رجلا وجد القاضي منذر بن سعيد في بعض الأسحار على دكان المسجد، فعرفه، فجلس إليه وقال: يا سيدي، إنك لتغرر بخروجك، وأنت أعظم الحكام، وفي الناس المحكوم عليه، والرقيق الدين، فقال: يا أخي، وأنى لي بمثل هذه المنزلة؟ وأنى لي بالشهادة؟ ما أخرج تعرضا للتغرر، بل أخرج متوكلا على الله؛ إذ أنا في ذمته، فاعلم أن قدره لا محيد عنه، ولا وزر دونه.
قال الحسن بن محمد: قحط الناس في بعض السنين آخر مدة الناصر، فأمر القاضي منذر بن سعيد بالبروز إلى الاستسقاء بالناس، فصام أياما وتأهب، واجتمع الخلق في مصلى الربض، وصعد الناصر في أعلى قصره ليشاهد الجمع، فأبطأ منذر، ثم خرج راجلا متخشعا، وقام ليخطب، فلما رأى الحال بكى ونشج، وافتتح خطبته بأن قال: سلام عليكم، ثم سكت شبه الحسير، ولم يكن من عادته، فنظر الناس بعضهم إلى بعض، لا يدرون ما عراه، ثم اندفع فقال: {سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة} استغفروا ربكم وتوبوا إليه، وتقربوا بالأعمال الصالحة لديه، فضج الناس بالبكاء، وجأروا بالدعاء والتضرع، وخطب فأبلغ، فلم ينفض القوم حتى نزل غيث عظيم.
واستسقى مرة، فقال يهتف بالخلق: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله} فهيج الخلق على البكاء.
قال: وسمعت من يذكر أن رسول الناصر جاءه للاستسقاء، فقال للرسول: ها أنا سائر، فليت شعري ما الذي يصنعه الخليفة في يومنا هذا، فقال: ما رأيته قط أخشع منه في يومه هذا، إنه منفرد بنفسه، لابس أخشن الثياب، مفترش التراب، قد علا نحيبه واعترافه بذنوبه،
يقول: رب هذه ناصيتي بيدك، أتراك تعذب الرعية وأنت أحكم الحاكمين وأعدلهم، أن يفوتك مني شيء، فتهلل منذر بن سعيد وقال: يا غلام، احمل الممطرة معك، إذا خشع جبار الأرض رحم جبار السماء.
قال ابن عفيف: من أخباره المحفوظة، أن أمير المؤمنين عمل في بعض سطوح الزهراء قبة بالذهب والفضة، وجلس فيها، ودخل الأعيان، فجاء منذر بن سعيد فقال له الخليفة كما قال لمن قبله: هل رأيت أو سمعت أن أحدا من الخلفاء قبلي فعل مثل هذا، فأقبلت دموع القاضي تتحدر، ثم قال: والله ما ظننت يا أمير المؤمنين أن الشيطان يبلغ منك هذا المبلغ، أن أنزلك منازل الكفار، قال: لم؟ فقال: قال الله -عز وجل: {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة} إلى قوله: {والآخرة عند ربك للمتقين}، فنكس الناصر رأسه طويلا، ثم قال: جزاك الله عنا خيرا وعن المسلمين، الذي قلت هو الحق، وأمر بنقض سقف القبة.
وخطب يوما فأعجبته نفسه، فقال: حتى متى أعظ ولا اتعظ، وأزجر ولا أزدجر، أدل على الطريق المستدلين، وأبقى مقيما مع الحائرين، كلا، إن هذا لهو البلاء المبين، اللهم فرغبني لما خلقتني له، ولا تشغلني بما تكفلت لي به.
وقد استغرق مرة في خطبته بجامع الزهراء، فأدخل فيها: {أتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين} فتخير الناصر لخطابة الزهراء أحمد بن مطرف إذا حضر الناصر.
توفي منذر في انسلاخ ذي الحجة سنة خمس وخمسين وثلاث مائة، وقد سمع من عبيد الله بن يحيى بن يحيى، وأخذ عن ابن المنذر كتاب ’’الإشراف’’.
ومن خطبته؛ إذ أرتج على أبي علي القالي: أما بعد، فان لكل حادثة مقاما، ولكل مقام مقالا، وليس بعد الحق إلا الضلال، وإني قد قمت في مقام كريم، بين يدي ملك عظيم، فأصغوا إلي معشر الملأ بأسماعكم، إن من الحق أن يقال للمحق صدقت، وللمبطل كذبت، وإن الجليل تعالى في سمائه، وتقدس بأسمائه، أمر كليمه موسى أن يذكر قومه بنعم الله عندهم، وأنا أذكركم نعم الله عليكم، وتلافيه لكم بولاية أميركم، التي آمنت سربكم، ورفعت خوفكم، وكنتم قليلا فكثركم، ومستضعفين فقواكم، ومستذلين فنصركم، ولاه الله أياما ضربت الفتنة سرادقها على الآفاق، وأحاطت بكم شعل النفاق، حتى صرتم مثل حدقة البعير، مع ضيق الحال والتغيير، فاستبدلتم بخلافته من الشدة بالرخاء، .... إلى أن قال: فناشدتكم الله، ألم تكن الدماء مسفوكة فحقنها، والسبل مخوفة فأمنها، والأموال منتهبة فأحرزها، والبلاد خرابا فعمرها، والثغور مهتضمة فحماها ونصرها، فاذكروا آلاء الله عليكم، وذكر باقي الخطبة.
وذكر بعضهم أن مولده سنة خمس وستين ومائتين، فيكون عمره تسعين سنة كاملة -رحمه الله تعالى.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 12- ص: 237

منذر بن سعيد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن قاسم بن عبد الله ابن نجيح النفزي الكزني. من فحص البلوط بالأندلس.
كان متفننا في ضروب العلم، ورحل فروى «كتاب الإشراف» لابن المنذر عنه، وجلبه، وروى «كتاب العين» للخليل عن ابن ولاد.
وتفقه بفقه أبي سليمان داود بن علي الأصبهاني القياسي الظاهري، وكان يحتج لمقالته، وقضى بمذهب مالك رضي الله عنه.
وكان حافظا للقرآن، كثير التلاوة، عالما بتفسيره وأحكامه، ووجوه حلاله وحرامه، حاضرا لشواهده.
وله كتاب «الأحكام»، وكتاب «الناسخ والمنسوخ»، و «تفسير القرآن».
وصنف في الفقه، والرد على المذاهب، وكان أخطب اهل زمانه وأعلمهم بالجدل، وكان على متانة دينه وجزالته في أحكامه، حسن الخلق سهل الجانب كثير الدعابة، ولي قضاء الجماعة بقرطبة سنة خمس وخمسين وثلاثمائة.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 0( 0000) , ج: 2- ص: 336

منذر بن سعيد بن عبد الله بن عبد الرحمن اليزيدي الكزني البلوطي أبو الحكم
النحوي اللغوي الإمام فيهما دخل مصر حاجا فأخذ عن ابن ولاد والنحاس وكان لا يقلد ويميل إلى مذهب داود الظاهري ويحتج له وله في علوم القرآن كتب مفيدة منها كتاب الأحكام وكتاب الناسخ والمنسوخ وكان ثاقب الذهب غزير العلم توفي سنة خمس وخمسين وثلاثمئة

  • جمعية إحياء التراث الإسلامي - الكويت-ط 1( 1986) , ج: 1- ص: 77

  • دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع-ط 1( 2000) , ج: 1- ص: 297

منذر بن سعيد القاضي أبو الحكم يعرف بالبلوطي
منسوب إلى موضع هناك من قرطبة يقال له فحص البلوط ولي قضاء الجماعة بقرطبة في حياة الحكم المستنصر بالله، وكان عالماً فقيهاً وأديباً بليغاً وخطيباً على المنابر وفي المحافل مصقعاً، وله اليوم المشهور الذي ملأ فيه أسماع وبهر القلوب، وذلك أن الحكم المستنصر، كان مشغوفاً بأبي علي القالي يؤهله لكل مهم في بابه، فلما ورد رسول ملك الروم أمره عند دخول الرسول إلى الحضرة أن يقوم خطيباً بما كانت العادة جارية به فلما كان في ذلك الوقت وشاهد أبو علي الجمع وعيان الحفل جبن ولم تحمله رجلاه ولا ساعده لسانه وفطن له أبو الحكم منذر بن سعيد فوثق وقام مقامه وارتجل خطبة بليغة على غير أهبة وأنشد لنفسه في آخرها:

فاتفق الجمع على استحسانه وجمال
استدراكه وصلب العلج، وقال: هذا كبش رجال الدولة، وقد ذكر هذا المعنى أبو عامر بن شهيد في كتابه المعروف بحانوت عطار وغيره.
أخبرني غير واحد عن شريح عن أبي محمد بن حزم ذكر منذ بن سعيد وأنثى عليه وقال: كان مائلاً إلى القول بالظاهر قوياً على الانتصار لذلك ومن مصنفاته كتاب الإنباه على استنباط الأحكام من كتاب الله وكتاب الإبانة عن حقائق أصول الديانة وقد كانت له رحلة كتب فيها وطلب وسمع من ابن ولاد بمصر كتاب العين للخليل بن أحمد ومن أبي بكر بن المنذر كتاب الأشراف ولقي أباه جعفر أحمد بن محمد بن النحاس النحوي بمصر وله معه حكاية مشهورة وذلك أنه حضر مجلسه في الإملاء فأملا أبو جعفر في جملة أملي قول الشاعر:
فقال له منذ بن سعيد: أيها الشيخ أعزك الله باتاً يصنعان ماذا؟ فقال أبو جعفر فكيف تقول أنت؟ فقال له: منذ بانت وبان قرينها، واستبان أبو جعفر ما قاله فقال له: ارتفع ولم يزل يرفعه حتى أدناه منهن وكان يعرف ذلك له بعد ذلك ويكرمه، روى عنه أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أسد الجهني وأحمد بن قاسم بن عبد الرحمن التاهرتي وكان مختصاً به.

  • دار الكاتب المصري - القاهرة - دار الكتاب اللبناني - بيروت - لبنان-ط 1( 1989) , ج: 1- ص: 1