عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر أبو نصر بن الصباغ صاحب الشامل والكامل وعدة العالم والطريق السالم
وكفاية السائل والفتاوي
كان إماما مقدما وفارسا لا يدرك السوق وراءه قدما وحبرا يتعالى قدره على السما وبحرا لا ينزف بكثرة الدلا تصبب فقها فكأنه لم يطعم سواه ولم يكن غيره بلغه وتشخص فقيها فإذا رآه المحقق قال ابن الصباغ صبغ من الصفر كذا ومن أحسن من الله صبغة انتهت إليه رياسة الأصحاب
وكان ورعا نزها تقيا نقيا صالحا زاهدا فقيها أصوليا محققا
سمع الحديث من أبي علي بن شاذان ومن أبي الحسين بن الفضل سمع منه جزء ابن عرفة وحدث به ببغداد وأصبهان
روى عنه الخطيب في التاريخ وهو أكبر منه سنا وأبو بكر محمد ابن عبد الباقي الأنصاري وأبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي وابنه أبو القاسم علي بن عبد السيد وآخرون
ولد الشيخ أبو نصر سنة أربعمائة وتفقه على القاضي أبي الطيب
قال أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي لم أدرك فيمن رأيت وحاضرت من العلماء على اختلاف مذاهبهم من كملت له شرائط الاجتهاد المطلق إلا ثلاثة أبا يعلى بن الفراء وأبا الفضل الهمذاني الفرضي وأبا نصر بن الصباغ
وقال غيره كان ابن الصباغ يضاهي أبا إسحاق الشيرازي وإليهما كانت الرحلة في المتفق والمختلف
قلت مضاهاته له في المتفق ظاهرة وأما المختلف فما كان أحد يضاهي أبا إسحاق في عصره فيه والمراد بالمتفق مسائل المذهب وبالمختلف الخلافيات بين الإمامين
وقال بعضهم كان ابن الصباغ يحاسب نفسه فمن ذلك أنه قال اعتبرت نفسي في مجيئها من باب المراتب إلى النظامية من غير كلفة ومشقة واعتبرتها في طواف الكعبة سبعا وكلفتها ومشقتها فعلمت أن الطواف حق لسيدي على نفسي وأن سعيي من باب المراتب إلى المدرسة لحظ نفسي فمن ثم زالت عني فيه الكلفة والمشقة
قلت باب المراتب مكان ببغداد فيه دار ابن الصباغ وكان ابن الصباغ أول من درس بنظامية بغداد فإن نظام الملك وإن كان إنما بناها لأجل الشيخ أبي إسحاق الشيرازي إلا أن أبا إسحاق امتنع أولا أن يدرس فيها ولما جلس للناس أول يوم للتدريس أرسل إلى الشيخ أبي إسحاق وكرر سؤاله فلم يحضر فأذن للشيخ أبي نصر فدرس يويمات يسيرة ثم وقع التكرار في سؤال الشيخ أبي إسحاق فأجاب ودرس بها بقية حياته فلما توفي أبو إسحاق وليها صاحب التتمة أبو سعد المتولي ثم عزل وأعيد ابن الصباغ ثم صرف ابن الصباغ في سنة سبع وسبعين فحمله أهله على طلبها فخرج إلى أصبهان إلى نظام الملك فلم يجب سؤاله بل أمر أن يبنى له غيرها وعاد من أصبهان فمات بعد ثلاثة أيام
توفي يوم الثلاثاء ودفن يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وأربعمائة ودفن بداره ثم نقل إلى باب حرب وكان قد كف بصره قبل وفاته بسنين
ومن الرواية عنه
أخبرنا صالح بن مختار الأشنوي بمصر والعز أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الله ابن الشيخ أبي عمر بالشام سماعا عليهما قالا أخبرنا أبو العباس أحمد بن عبد الدائم
ابن نعمة المقدسي قال الأول سماعا وقال الثاني حضورا في الثالثة أخبرنا أبو الفرج يحيى بن محمود الثقفي سماعا أخبرنا جدي الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الصفار التيمي الأصبهاني قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد ابن الصباغ أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا عمر بن عبد الرحمن أبو حفص الإيادي عن محمد بن جحادة عن بكر بن عبد الله المزني عن عبد الله ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة وإياكم والفحش فإن الله تعالى لا يحب الفحش ولا التفحش وإياكم والشح فإنما أهلك من كان قبلكم الشح أمرهم بالكذب فكذبوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالظلم فظلموا
قال فقام رجل فقال يا رسول الله أي الإسلام أفضل قال أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك
قال فأي الجهاد أفضل قال يهراق دمك ويعقر جوادك
قال فأي الهجرة أفضل قال تهجر ما كره ربك
وأخبرنا أبو نعيم أحمد ويدعى بكارا ابن الحافظ أبي القاسم عبيد بن محمد وتاج الدين عبد الغفار بن محمد السعدي والقطب إبراهيم بن المجاهد إسحاق ابن صاحب الموصل لؤلؤ وعبد المحسن بن أحمد الصابوني ومحمد بن عبد الغني بن محمد الضبعي وعمه أحمد ابن محمد ومحمد بن عبد الوهاب بن مرتضى البهنسي وأحمد بن علي بن محمد بن حسام
الكلوتاتي والشرف يعقوب بن عوض المؤذن والمحدث بدر الدين محمد بن أحمد ابن خالد الفارقي قراءة عليهم وأنا أسمع بالقاهرة قالوا كلهم أخبرنا النجيب الحراني سماعا أخبرنا عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب أخبرنا علي بن أحمد بن بيان أخبرنا محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزار أخبرنا ابن عرفة فذكره
وأخبرناه أيضا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز بقراءتي عليه غير مرة وبقراءة الشيخ الإمام عليه أيضا وأنا أسمع قال أخبرنا ابن عبد الدائم حضورا في الأولى قال أخبرنا ابن كليب فذكره
ومن الفوائد والمسائل عن أبي نصر رحمه الله
قال ابن العربي في القبس في حديث إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم وقعت ببغداد نازلة وهي أن رجلا قال ببغداد وهو صائم امرأتي طالق إن أفطرت على حار أو بارد فرفعت المسألة إلى أبي نصر بن الصباغ إمام الشافعية بالجانب الغربي فقال هو حانث إذ لا بد من الفطر على أحد هذين
ورفعت المسألة إلى أبي إسحاق الشيرازي بالمدرسة فقال لا حنث عليه لأنه قد أفطر على غير هذين وهو دخول الليل قال النبي صلى الله عليه وسلم وساق الحديث إلى (فقد أفطر الصائم
قلت وقد يقال إن الشيخ أبا إسحاق مسبوق إلى ذلك سبقه به شيخه القاضي أبو الطيب فنص في التعليقة على أن الفطر يحصل بالغروب أكل الصائم أم لم يأكل واحتج بالحديث المذكور
وكذلك قال الروياني في البحر في آخر باب الوصال ونقله الرافعي قبيل باب القضاء عن فتاوي الغزالي وكلامهم أجمعين صريح في حصول الفطر بالغروب ومسألة هذين الشيخين في قول القائل إن أفطرت على حار أو بارد ولا فرق لأن هذه العبارة يقصد بها في العرف التعميم ومطلق الفطر وقد يقال عمومها بالنسبة إلى ما يدخل الجوف من المفطرات سواء حارها وباردها وغير ذلك
قلت مسألة القاضي أبي الطيب وجماعته بالغروب وإن حصل به الفطر لكن لا يقال أفطر على حار أو بارد بل ذلك فطر شرعي لا يداخل الجوف فالذي يتجه عندي ما قاله الشيخ أبو نصر
ومما نقلته من فتاوي ابن الصباغ التي جمعها ابن أخيه القاضي أبو منصور أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد من الغرائب إذا كان له حصة في أرض مشاعة وهي لا تنقسم فجعلها مسجدا لم يصح
وقال إن ابن الصباغ ذكرها في كتابه الكامل
قلت في ذلك تأييد لابن الرفعة فإنه قال الذي يظهر أنه لا يصح إن قلنا القسمة
بيع وكذا إن قلنا إقرار ولم يجوز قسمة الوقف من المطلق
قال وإن جوزناه فيشبه أن يأتي في صحته إذا أمكن الإجبار على القسمة احتمال ولكن الشيخ الإمام رحمه الله ضعف هذا وذكر أنه يصح وقفه مسجدا قال وتكون الصلاة فيه أكثر أجرا من موضع كله غير مسجد
والقول بالصحة هو ما أفتى به ابن الصلاح إلا أنه قال ثم تجب القسمة والشيخ الإمام خالفه في وجوب القسمة
ومن تفاريع الصحة أنه يحرم المكث فيه على الجنب
كذا أفتى به ابن الصلاح ووافقه الشيخ الإمام تغليبا للمنع وذكر أن القاضي شرف الدين بن البارزي أفتى بجواز المكث كما يجوز للجنب حمل حمل المصحف مع أمتعة قال الشيخ الإمام رحمه الله وهذا ليس بصحيح لأن محل جواز حمل المصحف إذا كان المقصود هو الأمتعة ونظير مسألتنا أن يكون كل منهما مقصودا
وفي فتاوي ابن الصباغ يستحب الوضوء لمن قص شاربه
وفيها أن ابن الصباغ ذكر في كتابه الكامل أنه إذا قال بعتك إذا قبلت لا يصح البيع لتعليق الإيجاب
قلت وقد يخرج فيه الخلاف في بعتك إن شئت والأصح ثم الصحة
وفيها إذا دفع ثوبا إلى خياط فقال إن كان يقطع قميصا فاقطعه فلما قطعه لم يكفه قال الشيخ يعني ابن الصباغ يحتمل أن يضمن ويحتمل ألا يضمن وحكى عن أبي ثور أنه لا يضمن
قلت المجزوم به في الرافعي والروضة وغيرهما الضمان في هذه الصورة بخلاف ما إذا قال هل يكفيني قميصا فقال نعم فقال اقطعه فقطعه فلم يكف فإنه لا ضمان لأن الإذن مطلق
وفيها إذا قال أنت طالق ثلاثا على سائر المذاهب قال القاضي أبو منصور
لم أجدها مسطورة فسألت شيخنا يعني ابن الصباغ فقال يقع في الحال
قال القاضي أبو منصور وسمعت من رجل ثقة كان يحضر عند القاضي أبي الطيب أن القاضي قال لا يقع لأنه لا يكون أوقع ذلك على المذاهب كلها
قال القاضي أبو منصور ولا بأس بهذا القول لأن الطلاق يصح تعليقه على الشروط الصحيحة والفاسدة ولو قال أنت طالق على مذهب فلان وفلان يعتد بخلافه ينبغي أن يقال يقع في الحال ولا أظن ذلك لأن الرجل لم يوقع طلاقه بل علقه
استشكل ابن الصباغ قول الأصحاب إن من نذر صوما لزمه صوم يوم قائلا لا ينبغي أن يكتفى بصوم يوم إذا حملنا النذر على واجب الشرع فإن أقل ما وجب بالشرع ثلاثة أيام والاستشكال معروف به وقد سبقه إليه الماوردي فقال ولو قيل يلزمه صوم ثلاثة أيام كان مذهبا لأنه أقل صوم ورد في الشرع نصا وحكاه عنه الروياني في البحر ساكتا عليه واحترز بقوله نصا عما وجب بسبب من المكلف كصوم يوم في جزاء الصيد وعند إفاقة المجنون وبلوغ الصبي قبل طلوع فجر آخر يوم من رمضان
وحاول ابن الرفعة دفع هذا الإشكال فقال لا نسلم أن أقل صوم وجب بالشرع ثلاثة أيام ابتداء ولئن سلمنا أن ذلك يشمل ما وجب بإيجاب الشرع ابتداء أو بسبب من المكلف فصوم يوم فقط يجب بالشرع في جزاء الصيد وعند إفاقة المجنون وبلوغ الصبي قبل طلوع فجر آخر يوم من رمضان
ثم حكى كلام الماوردي وقال احترز بقوله نصا عما ذكرناه
قلت وعجبت من المعترض والمجيب فإن أقل صوم وجب بالشرع ابتداء نصا صوم
يوم فإن رمضان عندنا معاشر الشافعية ثلاثون عبادة وهو أصل بيننا وبين المالكية قال أصحابنا هو ثلاثون عبادة كل منها مستقل بنفسه وخالفهم المالكية فقالوا بل صوم رمضان كله عبادة واحدة وخرج على الخلاف وجوب النية عندنا لكل يوم والاكتفاء عندهم بنية واحدة لجميع الشهر واحتج أصحابنا بأنه لا يجب التتابع في قضائه ومن يقول هذا الأصل فكيف ينكر أن أقل صوم وجب بالشرع ابتداء صوم يوم فعجبت من خفاء هذا على الماوردي وابن الصباغ ثم عجبت من عدم اعتراض ابن الرفعة به
قال الأصحاب يشترط في القاسم إذا كان منصوبا من جهة القاضي أن يكون حرا بالغا عاقلا عدلا عالما بالقسمة ولا يشترط في منصوب الشركاء العدالة والحرية فإنه وكيل من جهتهم
قال الرافعي كذا أطلقوه وينبغي أن يكون توكيل العبد في القسمة على الخلاف في توكيله في البيع والشراء ولو حكم الشركاء رجلا ليقسم بينهم قال أصحابنا العراقيون هو على القولين في التحكيم إن جوزناه فيكون الذي حكموه كمنصوب القاضي
انتهى
وفيه كلامان أحدهما قوله ينبغي أن يكون توكيل العبد في القسمة على الخلاف في توكيله في البيع والشراء فيه نظر فإن البيع والشراء تتعلق العهدة فيه بالوكيل ولا كذلك التوكيل فلا يلزم من منع التوكيل فيهما منعه في القسمة وبتقدير استوائهما فكان صواب العبارة أن يقول على الخلاف والتفصيل فإن الخلاف في توكيل العبد في البيع والشراء إنما هو فيما إذا كان بغير إذن السيد أما بإذنه فيجوز جزما فإن كانت القسمة مثلهما فينبغي أن يفصل هكذا
والثاني قوله في المحكم إنه على القول بجواز التحكيم كمنصوب القاضي وإن العراقيين ذكروا ذلك مراده بتخصيصهم بالذكر أن غيرهم ساكت عنه لا أن غيرهم مخالف ثم الجزم بأنه كمنصوب القاضي قد يستدرك بقول صاحب البيان ما نصه يجوز أن يكون الذي ينصبه الشريكان عبدا أو فاسقا لأنه وكيل لهما هكذا ذكره أكثر أصحابنا
وقال ابن الصباغ إذا نصب الشريكان قاسما فقسم بينهما لم تلزمه قسمته إلا بتراضيهما بقسمته بعد القرعة وجاز أن يكون عبدا أو فاسقا وإن حكما رجلا ليقسم بينهما فقسم فقولان كالقولين في التحكيم فإذا قلنا يلزم وجب أن يكون على الشرائط التي ذكرناها في قسم القاضي وإن قلنا لا تلزم قسمته إلا بتراضيهما بعد القرعة جاز أن يكون عبدا أو فاسقا ففرق بين النصب والتحكيم والطريق الأول أقيس
انتهى لفظ البيان
وخرج فيه أنه لا يتعين على القول بالتحكيم أن يكون كمنصوب القاضي بل وراءه شيء آخر وهو أن حكم المحكم هل يتوقف على التراضي فيصير منصوب القاضي شرط منه العدالة والحرية جزما ولا كذلك منصوبهما جزما أما محكمها فيشترط فيه ذلك إن قلنا إن حكمه يلزم وإن قلنا يتوقف على الرضا فهو كمنصوبهما غير أن عبارة ابن الصباغ في الشامل لا تقتضي أنه قال ذلك نقلا بل إنما قاله بحثا بعد أن اعترف بأن النقل خلافه وهذا لفظه قال في أول باب القاسم من الشامل وإذا حكموا رجلا ليقسم بينهم كان على القولين إذا حكموا رجلا ليحكم بينهم فإن قلنا يصح وجب أن يكون على الشرائط التي ذكرناها في قسم القاضي وإذا قسم وأقرع
فهل يلزمهما فيه وجهان وينبغي إذا قلنا لا يلزمهما إلا بتراضيهما ألا يشترط في الابتداء الحرية والعدالة
انتهى
وخرج منه أن منقول الرافعي صحيح ولم يفته إلا بحث لابن الصباغ وفي هذا البحث تطويل ينبغي اشتراطه وإن قلنا لا يلزم إلا بالتراضي فإنا سنبين توقفنا في عدم اشتراطه وإن كان منصوبا من جهتهم غير محكم فنقول كلام الرافعي أحسن من كلام صاحب البيان من الوجه الذي أبديناه فإن صاحب البيان نقل عن ابن الصباغ ما يوهم أنه قاله نقلا وإنما قاله بحثا وكلام البيان أحسن من كلام الرافعي من جهة أنه بين أن الأكثرين أطلقوا اشتراط العدالة والحرية في القاسم من غير تعرض إلى التفصيل بين منصوب القاضي ومنصوب الشركاء والأمر كذلك فإن الذي نص عليه الشافعي وذكره الجماهير إطلاق القول بأن القاسم شرطه العدالة وممن أطلق ذلك الماوردي وصاحب البحر وغيرهما وقيده ابن الصباغ وصاحب التهذيب بما إذا كان منصوب الحاكم وصرحا فيما إذا كان منصوب الشركاء بجواز كونه عبدا أو فاسقا وأما إذا كان محكما فلم يذكره صاحب التهذيب وذكره ابن الصباغ وقد أريناك كلامه وهو صريح أو كالصريح في أن المنقول فيه اشتراط العدالة والحرية وأن له بحثا أبداه فيه بناء على أن حكم المحكم لا يلزم إلا بالتراضي فجرى الرافعي على
منقوله دون بحثه فإنه أعرض عن ذكره إما لضعفه عنده أو لكونه مخرجا على ضعيف أو لغير ذلك
واعلم أن تجويز كونه فاسقا أو عبدا إذا كان منصوب الشركاء خلاف ظاهر إطلاقهم ودعوى الرافعي أنهم أطلقوا اشتراط العدالة والحرية في منصوب القاضي وأطلقوا عدم اشتراطهما في منصوب الشركاء مستدرك فإنهم لم يطلقوا عدم اشتراطهما في منصوب الشركاء وإنما أطلقوا اشتراطهما في القاسم فقيده ابن الصباغ والبغوي بمنصوب الحاكم فأحد الشقين مسلم للرافعي وأما الشق الثاني وهو دعواه إطلاقهم عدم اشتراطهما في منصوب الشركاء الذي بنى عليه بحثه المتقدم غير مسلم
وقد صرح صاحب البيان بخلافه كما رأيت وهو أنهم أطلقوا اشتراطهما في مطلق القاسم من غير تقييد بمنصوب الحاكم وأن الذي فصل إنما هو ابن الصباغ وأن طريق الإطلاق أقيس فخرج منه أنه يرجح تعميم الإطلاق واشتراط العدالة والحرية في كل قاسم سواء منصوب الشركاء وغيره وإذا كان هذا في منصوبهم وإن لم يكن محكما فما الظن بالمحكم فإن قلت هل لهذا من وجه فإن منصوب الشركاء وكيل وقد يوكل العبد والفاسق
قلت القاسم وإن كان منصوب الشركاء فليس هو وكيلا على الحقيقة فإن الوكيل لا يتولى الطرفين وهذا يتولى الطرفين فإنه يقسم لهذا ولهذا فيأخذ من هذا لهذا ما يأخذ في مقابلته من هذا لهذا أو يعين ثم يأخذ الشركاء بعد الإقراع لأن رضاهم لا بد منه بعد القرعة في هذه الصورة فكأن القسمة على كل حال فيها
نوع من الولاية التي لا يصلح لها العبيد ولذلك اختلف الأصحاب كما أشار إليه في الوسيط إلى أن منصبه منصب الحاكم أو الشاهد وإن كان لك أن تقول إن هذا إنما هو في منصوب الحاكم لكن يظهر أن يقال إنها لما ذكرناه ولاية وبالجملة ما تجويز كونه فاسقا أو عبدا وإن كان منصوب الشركاء مصرح به في كلام غير ابن الصباغ والبغوي ومن تبعهما حتى يقول الرافعي إن الأصحاب أطلقوا تجويزه بل إنما أطلقوا عدم تجويزه عند إطلاقهم لفظ القاسم ثم اختلف ابن الصباغ والبغوي والعمراني فقال الأولان إن اطلاقهم مقيد بغير منصوب الشركاء وقال الثالث إنه مطلق ولقوله اتجاه ما على الجملة
دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 5- ص: 122
عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد، أبو نصر بن الصباغ، الفقيه الشافعي.
حدث عن أبي الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان. حدث عنه أبو بكر بن عبد الباقي. أثنى عليه ابن النجار. توفي سنة سبع وسبعين وأربعمائة.
مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة صنعاء، اليمن-ط 1( 2011) , ج: 6- ص: 1
وشيخ الشافعية أبو نصر عبد السيد بن محمد بن الصباغ البغدادي
دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 137
عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد أبو نصر بن الصباغ.
صاحب ’’الشامل’’ و’’الكامل’’ و’’عدة العالم’’ و’’الطريق السالم’’ و’’كفاية السائل’’ وغيرها. كُفَّ بصره في آخر عمره قبل وفاته بسنتين، درس بالنظامية ببغداد أول ما فتحت سنة تسع وحمسين، وبناها نظام الملك لأجل الشيخ أبي إسحاق فتمنع ثم أجاب بعد عشرين يوماً فدرَّس بها فلما توفى أبو إسحاق وليها المتولى ثم عزل، وأعيد ابن الصباغ كما سلف في ترجمته، ثم صر سنة سبع وسبعين كما مضى أيضاً، ثم حمله أهلها على طلبها فخرج إلى أصبهان قاصداً حضرة ملاذ الفقهاء نظام الملك فأمر أن يبنى له غيرها، وعاد من أصبهان فمات بعد ثلاث أيام، سمع ابن الصباغ من أبي الحسن بن المفضل جدّ ابن عرفة، وحدث به وروى عنه الخطيب وهو أكبر منه وغيره، قال أبو الوفا ابن عقيل: كملت له شرائط الاجتهاد المطلق. ولد سنة سته وأربعمائة، ومات سنة سبع وسبعين وأربعمائة. قلت: وسلف ذكر والده، وابن أخيه أحمد سيأتي قريباً، وابن عمه محمد بن علي بن عبد الواحد أبو غالب تفقه على الإمام أبي نصر وحدث. مات سنة ست وتسعين وأربعمائة، والمبارك بن حمزة هو سبط عبد الواحد بن علي بن الصباغ ذكرته في الذيل.
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1