مكثر بن عيسى مكثر بن عيسى بن فليتة بن قاسم بن محمد بن جعفر الهاشمي الحسني: آخر الاشراف امراء مكة من بني فليتة (كما بسميهم اليافعي) او الهواشم (كما يسميهم ابن ظهرة) كان ابوه قد عهد بالامارة إلى اخيه (داود بن عيسى) ووليها داود سنة 570هـ ، وعزله الناصر العباسي سنة 571 وولى مكثرا، ثم اعيد داود. وظلت الامارة تتراوح بينهما إلى ان توفى داود (سنة 589) مصروفا عن الامارة تتراوح بينهما إلى ان توفى داود (سنة 589) مصروفا عن الامارة، فانفرد بها مكثر إلى سنة 597 وانتزعها منه الشريف قتادة بن ادريس، لعكوف بني فليتة على اللهو وتبسطهم في الظلم واعراضهم عن العدل (كما يقول ابن زيني دحلان) وقال: كان الخطيب يدعو في خطبته للخليفة العباسي ثم لمكثر ثم للسلطان صلاح الدين. وبه انقرضت دولة بني فليتة (الهواشم) بعد معارك بينه وبين رجال قتادة، انخذل بها مكثر فلجأ إلى وادي نخلة. وقال القلقشندي: كان جليل القدر وهو الذي بنى القلعة على جبل ابي قبيس.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 7- ص: 284

مكثر بن عيسى بن فليتة بن قاسم بن محمد بن جعفر الحسني المكي:
وبقية نسبه تقدم في ترجمة جده الأعلى محمد بن جعفر، المعروف بابن أبي هاشم: أمير مكة.
كانت ولاية مكثر لمكة مدة سنين، وكان يتداول إمرتها هو وأخوه داود السابق ذكره، وقد خفى علينا مقدار مدة ولاية كل منهما، مع كثير من حالهما، وكانت إمرة مكة فيه وفي أخيه داود، نحو ثلاثين سنة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى ذكره، مع شيء من حالهما، وبمكثر انقضت ولاية الهواشم من مكة، ووليها بعده أبو عزيز قتادة ابن إدريس الحسني المعروف بالنابغة، صاحب مكة المقدم ذكره، وذلك في سنة سبع وتسعين وخمسمائة، على ما ذكره الميورقي، نقلا عن عثمان بن عبد الواحد العسقلاني المكي، أو في سنة ثمان وتسعين، كما ذكر الذهبي في «العبر»، أو في سنة تسع وتسعين وخمسمائة، كما ذكر ابن محفوظ.
وأما ابتداء ولاية مكثر على مكة، في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وذلك أنى وجدت بخط بعض المكيين، أنه لما مات عيسى بن فليتة في شعبان سنة سبعين وخمسمائة، ولى إمرة مكة بعده ابنه داود ولى عهده، فأحسن السيرة، وعدل في الرعية.
فلما كانت ليلة النصف من رجب، سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، خرجت خوارج على داود، ففارق منزله وسار في بقية ليلته إلى وادى نخلة، وولى أخوه مكثر عوضه في الحال، ولم يتغير عليه أحد بشيء، فلما كان ليلة النصف من شعبان، قدم من اليمن إلى مكة شمس الدولة توران شاه بن أيوب، أخو صلاح الدين يوسف بن أيوب، قاصدا بلاد الشام، فاجتمع به الأمير داود والأمير مكثر بالزاهر ظاهر مكة، وأصلح بينهما.
فلما كان السابع من ذي الحجة سنة إحدى وسبعين، وصل الخبر إلى مكة بأن أمير
الحاج طاشتكين، وصل بعسكر كثير وسلاح وعدد من المنجنيقات والنفاطين وغير ذلك، فجمع الأمير مكثر الشرف والعرب على قدر وسعه لضيق الوقت.
ولم يحج مكة إلا القليل، وبات الحاج بعرفة، ولم يبت بمزدلفة، ولم يرم إلا جمرة العقبة، ولم ينزل منى، ولا بات بها إلا ليلة، ونزل الأبطح، وقاتل في نزوله الأبطح في بقية يوم النحر، وفي اليوم الثاني والثالث، وقوى القتال على أهل مكة، وأحرقت من دورها عدة دور، ونهبت الدور التي على أطراف البلد من ناحية المعلاة.
وفى اليوم الرابع، خرج مكثر من مكة، بعد أن سلم الحصن - يعنى الذي بناه على أبي قبيس - لأمير الحاج، وسلمت مكة إلى الأمير قاسم بن مهنا أمير المدينة، وكان وصل صحبة أمير الحاج، لأنه كان سافر في هذه السنة إلى [ ..... ] وإلى العراق، وأقامت مكة بيد الأمير قاسم ثلاثة أيام، ثم سلمت للأمير داود، بعد أن أخذ عليه ألا يغير شيئا مما شرط عليه، من إسقاط المكوس وغير ذلك من الأرفاق، وأمر أمير الحاج بهدم الحصن المشار إليه. انتهى بالمعنى.
وذكر ابن الأثير شيئا من خبر الفتنة التي بين أمير الحاج ومكثر المشار إليهما، لأنه قال في أخبار سنة إحدى وسبعين وخمسمائة: في هذه السنة في ذي الحجة، كان بمكة حرب شديدة بين أمير الحاج طاشتكين، وبين الأمير مكثر بن عيسى أمير مكة، وكان الخليفة قد أمر أمير الحاج بعزل مكثر وإقامة داود مقامه، وسبب ذلك، أنه كان قد بنى قلعة على جبل أبي قبيس، فلما سار الحاج من عرفات، لم يبيتوا بالمزدلفة، وإنما اجتازوا بها، ولم يرموا الجمار، إنما رمى بعضهم وهو سائر، ونزلوا الأبطح، فخرج إليهم ناس من أهل مكة فحاربوهم، وقتل من الفريقين جماعة، وصاح الناس: الفرار إلى مكة، وهجموا عليها، فهرب أمير مكة مكثر، فصعد إلى القلعة التي بناها على جبل أبي قبيس، فحصروه بها، ففارقها وسار عن مكة، وولى أخوه داود الإمارة بها، ونهب كثير من الحجاج بمكة، وأخذوا من أموال التجار المقيمين بها شيئا كثيرا، وأحرقوا دورا كثيرة.
ومن أعجب ما جرى، أن إنسانا زراقا، ضرب دارا فيها بقارورة نفط فأحرقها، وكانت لأيتام، فأحرق ما فيها، ثم أخذ قارورة أخرى، فأتاه حجر فأصاب القارورة فكسرها، فاحترق هو بها، فبقى ثلاثة أيام يتعذب بالحريق، ثم مات.
وذكر ابن جبير في «رحلته» شيئا من حال مكثر هذا، فمن ذلك: أن خطيب مكة
كان يدعو لمكثر بعد الخليفة الناصر العباسي، وقبل صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب الديار المصرية والشامية، وذكر أن مكثرا ممن يعمل غير صالح، ونال منه بسبب المكس الذي كان يؤخذ من الحجاج بجدة، إن لم يسلموا بعيذاب، وذكر أن هذا المكس كان سبعة دنانير ونصف دينار مصرية، يؤخذ ذلك من كل إنسان بعيذاب، فإن عجز عنه عوقب بأليم العذاب، وربما اخترع له من أنواع العذاب التعليق بالأنثيين، وغير ذلك. قال: وكان بجدة أمثال هذا التنكيل وأضعافه، لمن لم يؤد مكسه بعيذاب، ووصل اسمه غير معلم عليه علامة الأداء، وكان ذلك مدة دولة العبيديين، فمحا السلطان صلاح الدين هذا الرسم اللعين، وكان لأمير مكة والمدينة، وعوض أمير مكة ألفى دينار، وألفى أردب قمح، وإقطاعات بصعيد مصر، وجهة اليمن.
وذكر ابن جبير أيضا: أنهم لما وصلوا إلى جدة، أمسكوا حتى ورد أمر مكثر بأن يضمن الحاج بعضهم بعضا، ويدخلوا إلى حرم الله تعالى، فإن ورد المال والطعام اللذان برسمه من قبل صلاح الدين، وإلا فهو لا يترك ماله عند الحجاج. انتهى.
وكان زوال هذه البدعة القبيحة، على يد السلطان صلاح الدين، في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، على ما ذكر أبو شامة «فى الروضتين في أخبار الدولتين الصلاحية والنورية».
ووجدت بخط بعض أهل العصر، مثال كتاب كتبه السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب، إلى الأمير مكثر هذا، ينهاه فيه عن الجور، ونص الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم، اعلم أيها الأمير الشريف، أنه ما أزال نعمة عن أماكنها، وأبرز الهمم عن مكامنها، وأثار سهم النوائب عن كنانتها، كالظلم الذي لا يعفو الله عن فاعله، والجور الذي لا يفرق في الإثم بين قائله وقابله، فإما رهبت ذلك الحرم الشريف، وأجللت ذلك المقام المنيف، وإلا قوينا العزائم، وأطلقنا الشكائم، وكان الجواب ما تراه لا ما تقرأه، وغير ذلك، فإنا نهضنا إلى ثغر مكة المحروسة في شهر جمادى الأخرى، طالبين الأولى والأخرى، في جيش قد ملأ السهل والجبل، وكظم على أنفاس الرياح، فلم يتسلسل بين الأسل، وذلك لكثرة الجيوش، وسعادة الجموع، وقد صارت عوامل الرماح تعطى في بحار الدر» انتهى.
وتوفى مكثر في سنة ستمائة، على ما ذكر ابن محفوظ، لأنه ذكر أن في سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وصل حنظلة بن قتادة إلى مكة، وخرج إلى نخلة، وأقام بنخلة إلى أن مات في سنة ستمائة.
وذكر بعضهم أنه مات سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وذكر بعضهم أنه مات سنة تسعين وخمسمائة، وكلا القولين وهم، والذي مات في هذا التاريخ أخوه داود. والله أعلم. انتهى.
ومن أولاد مكثر: أحمد، ومحمد، وهنيدة، وحسنة، وكرانة، وشميل.

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1998) , ج: 6- ص: 1