محمد بن علي بن إسماعيل القفال الكبير الشاشى الإمام الجليل أحد أئمة الدهر ذو الباع الواسع في العلوم واليد الباسطة والجلالة التامة والعظمة الوافرة
كان إماما في التفسير إماما في الحديث إماما في الكلام إماما في الأصول إماما في الفروع إماما في الزهد والورع إماما في اللغة والشعر ذاكرا للعلوم محققا لما يورده حسن التصرف فيما عنده فردا من أفراد الزمان
قال فيه أبو عاصم العبادى هو أفصح الأصحاب قلما وأثبتهم في دقائق العلوم قدما وأسرعهم بيانا وأثبتهم جنانا وأعلاهم إسنادا وأرفعهم عمادا
وقال الحليمى كان شيخنا القفال أعلم من لقيته من علماء عصره
وقال في كتابه شعب الإيمان في الشعبة السادسة والعشرين في الجهاد إمامنا الذى هو أعلى من لقينا من علماء عصرنا صاحب الأصول والجدل وحافظ الفروع والعلل وناصر الدين بالسيف والقلم والموفى بالفضل في العلم على كل علم أبو بكر محمد بن على الشاشى
وقال الحاكم أبو عبد الله هو الفقيه الأديب إمام عصره بما وراء النهر للشافعيين وأعلمهم بالأصول وأكثرهم رحلة في طلب الحديث
وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازى كان إماما وله مصنفات كثيرة ليس لأحد مثلها وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء وله كتاب في أصول الفقه وله شرح الرسالة وعنه انتشر فقه الشافعي بما وراء النهر
وقال ابن الصلاح القفال الكبير علم من أعلام المذهب رفيع ومجمع علوم هو بها عليم ولها جموع
قلت سمع القفال من ابن خزيمة وابن جرير وعبد الله المدائنى ومحمد بن محمد الباغندى وأبى القاسم البغوى وأبي عروبة الحرانى وطبقتهم
روى عنه أبو عبد الله الحاكم وقال ورد نيسابور مرة على ابن خزيمة ثم ثانيا عند منصرفه من العراق ثم وردها على كبر السن وكتبنا عنه غير مرة ثم اجتمعنا ببخارى غير مرة فكتبت عنه وكتب عنى بخط يده
وروى أيضا عنه أبو عبد الرحمن السلمى وأبو عبد الله الحليمى وابن مندة وأبو نصر عمر بن قتادة وغيرهم
وذكر الشيخ أبو إسحاق أنه درس على ابن سريج
قال ابن الصلاح والأظهر عندنا أنه لم يدركه
وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر بلغنى أنه كان مائلا عن الاعتدال قائلا بالاعتزال في أول مرة ثم رجع إلى مذهب الأشعرى
قلت وهذه فائدة جليلة انفرجت بها كربة عظيمة وحسيكة في الصدر جسيمة وذلك أن مذاهب تحكى عن هذا الإمام في الأصول لا تصح إلا على قواعد المعتزلة وطالما وقع البحث في ذلك حتى توهم أنه معتزلى واستند المتوهم إلى ما نقل أن أبا الحسن الصفار قال سمعت أبا سهل الصعلوكى وسئل عن تفسير الإمام أبى بكر القفال فقال قدسه من وجه ودنسه من وجه أى دنسه من جهة نصرة مذهب الاعتزال
قلت وقد انكشفت الكربة بما حكاه ابن عساكر وتبين لنا بها أن ما كان من هذا القبيل كقوله يجب العمل بالقياس عقلا وبخبر الواحد عقلا وأنحاء ذلك فالذى نراه أنه لما ذهب إليه كان على ذلك المذهب فلما رجع لابد أن يكون قد رجع عنه فاضبط هذا
وقد كنت أغتبط بكلام رأيته للقاضى أبى بكر في التقريب والإرشاد وللأستاذ أبى إسحاق الإسفراينى في تعليقه في أصول الفقه في مسألة شكر المنعم وهو أنهما لما حكيا القول بالوجوب عقلا عن بعض فقهاء الشافعية من الأشعرية قالا اعلم أن هذه الطائفة من أصحابنا ابن سريج وغيره كانوا قد برعوا في الفقه ولم يكن لهم قدم راسخ في الكلام وطالعوا على الكبر كتب المعتزلة فاستحسنوا عباراتهم وقولهم يجب شكر المنعم عقلا فذهبوا إلى ذلك غير عالمين بما تؤدى إليه هذه المقالة من قبيح المذهب
وكنت أسمع الشيخ الإمام رحمه الله يحكى ما أقوله عن الأستاذ أبى إسحاق مغتبطا به فأقول له يا سيدى قد قاله أيضا القاضى أبو بكر ولكن ذلك إنما يقال في حق ابن سريج وأبى على بن خيران والإصطخرى وغيرهم من الفقهاء الذاهبين إلى ذلك الذين ليس لهم في الكلام قدم راسخ أما مثل القفال الكبير الذى كان أستاذا في علم الكلام وقال فيه الحاكم إنه أعلم الشافعيين بما وراء النهر بالأصول فكيف يحسن الاعتذار عنه بهذا
فلما وقفت على ما حكاه ابن عساكر انشرحت نفسى له وأوقع الله فيها أن هذه الأمور أشياء كان يذهب إليها عند ذهابه إلى مذهب القوم ولا لوم عليه في ذلك بعد الرجوع
وفى شرح الرسالة للشيخ أبى محمد الجوينى أن أصحابنا اعتذروا عن القفال نفسه حيث أوجب شكر المنعم بأنه لم يكن مندوبا في الكلام وأصوله
قلت وهذا عندى غير مقبول لما ذكرت
وقد ذكر الشيخ أبو محمد بعد ذلك في هذا الكتاب أن القفال أخذ علم الكلام عن الأشعرى وأن الأشعرى كان يقرأ عليه الفقه كما كان هو يقرأ عليه الكلام وهذه
الحكاية كما تدل على معرفته بعلم الكلام وذلك لا شك فيه كذلك تدل على أنه أشعرى وكأنه لما رجع عن الاعتزال وأخذ في تلقى علم الكلام عن الأشعري فقرأ عليه على كبر السن لعلى رتبة الأشعرى ورسوخ قدمه في الكلام وقراءة الأشعرى الفقه عليه تدل على علو مرتبته أعنى مرتبة القفال وقت قراءته على الأشعرى وأنه كان بحيث يحمل عنه العلم
قال الشيخ أبو إسحاق مات القفال سنة ست وثلاثين وثلاثمائة
قال ابن الصلاح وهو وهم قطعا
قلت أرخ الحاكم أبو عبد الله وفاته في آخر سنة خمس وستين وثلاثمائة بالشاش وهو الصواب
ومولده فيما ذكره ابن السمعانى سنة إحدى وتسعين ومائتين فيكون عمره حين توفى ابن سريج سبع سنين ويكون قد جاوز العشرين يوم موت الأشعرى بسنوات على الخلاف في وفاة الأشعرى
ومن الرواية عنه
حدثنى الحافظ أبو سعيد خليل بن كيكلدى العلائى من لفظه بالقدس الشريف أخبرنا القاسم بن المظفر عن محمود بن إبراهيم أخبرنا محمد بن أحمد المقدر أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب أخبرنا أبى الحافظ محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن على الشاشى حدثنا ابن أبى داود حدثنا إسحاق عن شاذان حدثنا سعيد عن الحسن بن عمارة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن المسيب عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول وأنا رديف أبى طلحة (لبيك بحجة وعمرة معا
ومن نظم القفال وقد اختصر شيخنا الذهبى وأكثر من ترجمة على قوله فيما رواه البيهقى عن عمر بن قتادة أنه قال أنشدنا أبو بكر القفال لنفسه

ووقفت له أنا على قصيدة طنانة وكلمة بديعة شأنها عجيب وأنا موردها إن شاء الله
أخبرنا يونس بن إبراهيم بن عبد القوى الدبابيسى إجازة قال أخبرنا أبو الحسن على بن أبي عبد الله بن المقير كتابة عن الحافظ أبى الفضل ابن ناصر قال كتب إلى أبو عبد الله محمد بن أبي نصر بن عبد الله الحميدى أخبرنا الشيخ أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم بن منصور الشاشى قدم علينا بغداد ونحن بها قراءة عليه أخبرنا الحافظ أبو طاهر محمد بن علي بن محمد بن بويه الزراد قراءة عليه وأنا حاضر أسمع ببنج ده مروالروذ في مدرسة مرست قال سمعت الشيخ الإمام أبا عبد الله الحسين بن الحسن الحليمى يقول أخبرنى عبد الملك بن محمد الشاعر أنه كان فيمن غزا الروم من أهل خراسان وما وراء النهر عام النفير وفيهم يومئذ أبو بكر محمد بن على ابن إسماعيل القفال إمام المسلمين فوردت من نقفور عظيم الروم على المسلمين قصيدة ساءتهم وشقت عليهم لما كان اللعين أجرى إليهم فيها من التثريب والتعيير
وضروب الوعيد والتهديد وكان في ذلك الجمع غير واحد من الأدباء والفصحاء والشعراء من كور خراسان وبلاد الشام ومدائن العراق فلم يكمل لجوابها من بينهم إلا الشيخ أبو بكر القفال وأخبر عبد الملك هذا أنه أسر بعد وصول جواب الشيخ إليهم فلما بلغ قسطنطينية اجتمع أحبارهم عليه يسألونه عن الشيخ من هو ومن أى بلد هو ويتعجبون من قصيدته ويقولون ما علمنا أن في الإسلام رجلا مثله وأن الواردة من نقفور عليه لعائن الله تعالى كانت باسم الفضل الإمام المطيع الله أمير المؤمنين رحمه الله وهى
ثم ذكر ثلاثة أبيات لم أستجز حكايتها
فأجاب الشيخ الإمام القفال الشاشى رحمه الله قائلا
وقول القفال في جوابه إن نقفور تشبع بما لم يعط صحيح فإنه افتخر بأخذهم سروج والآخذ لها غيره من الروم وكذلك جزيرة إقريطش إنما أخذها ملك الروم أرمانوس بن قسطنطين وكل ذلك قبل سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة وإنما تملك نقفور اللعين سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة
ونقفور هو الدمستق فتح المصيصة بالسيف ثم سار إلى طرسوس فطلب أهلها الأمان ودخلها وجعل الجامع اصطبلا لدوابه وصارت بأيديهم فيما أحسب إلى سنة إحدى وستين وسبعمائة فتحها الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمى حال نيابته بحلب أحسن الله جزاءه
وأما سيف الدولة بن حمدان فقد كانت له الآثار الجميلة إذ ذاك وغزا الروم في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة في ثلاثين ألفا وفتح حصونا عديدة وقتل وسبى وغنم ثم أخذ الروم عليه الدرب واستولوا على عسكره قتلا وأسرا وله معهم حروب يطول شرحها
والمنديل المشار إليه كان من آثار عيسى بن مريم عليه السلام عند أهل الرها يتبركون به فحاصرها إلى أن صالحوه وسلموه إليه
وقد وقفت للفقيه أبى محمد ابن حزم الظاهرى على جواب عن هذه القصيدة الملعونة أجاد فيه وكأنه لم يبلغه جواب القفال
فمن جواب أبى محمد
ذكر نخب وفوائد ومسائل وغرائب عن القفال الكبير
... ... ... ...

  • دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 3- ص: 200

محمد بن علي بن إسماعيل الإمام أبو بكر الشاشي الفقيه الشافعي المعروف بالقفال الكبير. أحد أعلام المذهب، وأئمة المسلمين.
ولد سنة إحدى وتسعين ومائتين، ومات بالشاش سنة خمس وستين، وقيل سنة ست وستين وثلاثمائة.
وسمع من أبي بكر بن خزيمة، ومحمد بن جرير، وأبي القاسم البغوي، وأبي عروبة الحراني، وعبد الله المدائني، ومحمد بن محمد الباغندي، وطبقتهم.
قال الشيخ أبو إسحاق: درس على ابن سريج، وجرى عليه الرافعي في «التذنيب» قال ابن الصلاح: الأظهر عندنا أنه لم يدرك ابن سريج، وهو الذي ذكره المطوعي في كتابه، يعني أن ابن سريج مات قبل دخوله بغداد.
وإنما أخذ عن أبي الليث الشالوسي، عن ابن سريج.
كان إمام عصره بما وراء النهر، فقيها، محدثا، مفسرا، أصوليا، لغويا، شاعرا، لم يكن للشافعية بما وراء النهر مثله في وقته.
رحل إلى خراسان والعراق والشام، وسار ذكره، واشتهر اسمه.
صنف في القرآن «التفسير الكبير»، و «دلائل النبوة»، و «محاسن الشريعة»، و «أدب القضاء» جزء كبير، وله «كتاب حسن في أصول الفقه»، وله «شرح الرسالة».
قال الحاكم: كان أعلم أهل ماوراء النهر بالأصول، وأكثرهم رحلة في طلب الحديث.
وقال الشيخ أبو إسحاق: له مصنفات كثيرة ليس لأحد مثلها، وهو أول من صنف الجدل من الفقهاء، وعنه انتشر فقه الشافعي بما وراء النهر.
وقال النووي: القفال هذا هو الكبير، يتكرر ذكره في التفسير، والحديث، والأصول، والكلام، بخلاف القفال الصغير المروزي، فإنه يتكرر في الفقه خاصة.
وقال الذهبي: سئل أبو سهل الصعلوكي عن تفسير أبي بكر القفال، فقال: قدسه من وجه ودنسه من وجه، أي دنسه من جهة نصرة مذهب الاعتزال.
روى عنه الحاكم، وابن منده، والحليمي، وأبو عبد الرحمن السلمي وجماعة.
ونقل عنه الإمام الرازي في «تفسيره» كثيرا مما يوافق مذهب المعتزلة.
وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: بلغني أنه كان مائلا عن الاعتدال قائلا بالاعتزال في أول مرة، ثم رجع إلى مذهب الأشعري.
قال الشيخ تاج الدين السبكي في «الطبقات الكبرى»: وهذه فائدة جليلة، انفرجت بها كربة عظيمة، وحسيكة في الصدر جسيمة؛ وذلك أن مذاهب تحكى عنه في الأصول، لا تصح إلا على قواعد المعتزلة، وطالما وقع البحث في ذلك حتى توهم أنه معتزلي، واستند المتوهم إلى ما نقل أن أبا الحسن الصفار، قال: سمعت أبا سهل الصعلوكي، سئل عن تفسير القفال، فقال ما حكاه ابن عساكر، وتبين لنا بها أن ما كان من هذا القبيل، كقوله: يجب العمل بالقياس عقلا، وبخبر الواحد عقلا، وأنحاء ذلك، فالذي نراه أنه لما ذهب إليه كان على ذلك المذهب، فلما رجع لا بد أن يكون قد رجع عنه، فاضبط ذلك.
قال: وقد ذكر الشيخ أبو محمد في «شرح الرسالة» أن القفال أخذ علم الكلام عن الأشعري، وأن الأشعري كان يقرأ عليه الفقه، كما كان هو يقرأ عليه الكلام، وذلك لا شك فيه، كذلك ويدل على أنه أشعري، وكأنه لما رجع عن الاعتزال، أخذ في تلقي علم الكلام عن الأشعري، فقرأ عليه على كبر السن، لعلي رتبة الأشعري، ورسوخ قدمه في الكلام.
ومن نظم القفال فيما رواه البيهقي عن عمر بن قتادة، قال: أنشدنا أبو بكر القفال لنفسه:

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 0( 0000) , ج: 2- ص: 198

محمد بن علي بن إسماعيل الإمام أبو بكر الشاشي الفقيه الشافعي المعروف بالقفال الكبير كان إمام عصره بما وراء النهر فقيها محدثا مفسرا أصوليا لغويا شاعرا لم يكن للشافعية بما وراء النهر مثله في وقته
كان مولده سنة إحدى وتسعين ومائتين ورحل إلى خراسان والعراق والشام وسار ذكره واشتهر إسمه صنف في التفسير والأصول والفقه
قال الحاكم كان أعلم ما وراء النهر بالأصول وأكثرهم رحلة في طلب الحديث سمع ابن خزيمة وابن جرير وأبا القاسم البغوي وأبا عروبة الحراني
وقال الشيخ أبو إسحاق له مصنفات كثيرة ليس لأحد مثلها وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء وله كتاب
في أصول الفقه وله شرح الرسالة وعنه انتشر فقه الشافعي فيما وراء النهر
وقال السمعاني من مصنفاته دلائل النبوة ومحاسن الشريعة وقال النووي القفال هذا هو الكبير يتكرر ذكره في التفسير والحديث والأصول والكلام بخلاف القفال الصغير المروزي فإنه يتكرر في الفقه خاصة
وقال الذهبي سئل أبو سهل الصعلوكي عن تفسير أبي بكر القفال فقال قدسه من وجه ودنسه من وجه أي دنسه من جهة نصره مذهب الاعتزال
روى عنه الحاكم وابن منده والحليمي وأبو عبد الرحمن السلمي وجماعة
وكانت وفاته سنة ست وستين وثلاثمائة

  • مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 79

علم من أعلام المذهب رفيع، ومجمع علوم هو بها عليم ولها جموع.

سمع - فيما حكاه الحاكم - الحديث بخراسان من: الإمام أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة وأقرانه، وبالعراق من: عبد الله بن إسحاق المدائني، ومحمد بن جرير الطبري، وأبي بكر الباغندي، في آخرين من طبقة تقع قبل طبقة البغوي وأقرانه، وبالجزيرة من أبي عروبة وأقرانه، وبالشام من أبي الجهم وأقرانه، وبالكوفة من عبد الله بن ريذان وأقرانه، وحدث.

روى عنه الحاكم وغيره، وكان ورد نيسابور أولا على الإمام أبي بكر ابن خزيمة، ثم توجه إلى العراق وقد مات أبو العباس ابن سريج، فأخذ عن أقرانه وبعض أصحابه.

وذكر الشيخ أبو إسحاق عنه أنه درس على أبي العباس ابن سريج، والأظهر عندنا أنه لم يدرك ابن سريج، وهو الذي ذكره المطوعي في كتابه، توفي - رحمه الله - بالشاش، في ذي الحجة، سنة خمس وستين وثلاث مئة، حكاه الحاكم.

وقال الشيخ أبو إسحاق: مات سنة ست وثلاثين وثلاث مئة، وهو وهم قطعا.

  • دار البشائر الإسلامية - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 1- ص: 228

محمد بن علي بن إسماعيل، أبو بكر، الشاشي، القفال الكبير، الفقيه الشافعي.
سمع: أبا الجهم بن طلاب، وأبا عروبة، وأبا بكر بن خزيمة، وعبد الله بن إسحاق المدائني، ومحمد بن جرير الطبري، وأبا بكر الباغندي، وعبد الله بن زيدان الكوفي، وأبا بكر بن دريد، وعمر بن محمد البجيري السمرقندي، ويحيى بن محمد بن صاعد، وإسحاق بن محمد بن إسحاق الرسعني - رأس العين - وأبا بكر بن أبي داود، وأبا بكر الصيرفي، وغيرهم.
وعنه: أبو عبد الله الحاكم - في ’’مستدركه’’ ووصفه بالفقيه الإمام - وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو عبد الله الحسن بن محمد الزنجاني، وأبو عبد الله بن مندة، وأبو عبد الله غنجار، وأبو حسان المزكي النيسابوري، وأبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان، وأبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي، وإسماعيل بن إبراهيم النصرآباذي، وأبو علي الحسين بن شعيب السنجي الفقيه - وقيل: إنه أكبر تلامذته، وأنه أول من جمع بين طريقتي العراقيين والخراسانيين - وأبو حامد محمد بن عبد الواحد الواعظ، وأبو سعد الإدريسي، وأبو نصر بن قتادة، وأبو عبد الله الحليمي، وابنه أبو القاسم بن أبي بكر القفال، وأبو زرعة عبد الله بن الحسين الفقيه، وغيرهم.
قال الحاكم في ’’تاريخه’’: الفقيه الأديب أبو بكر الشاشي، إمام عصره بما وراء النهر للشافعيين، وأعلمهم بالأصول، وأكثرهم رحلة في طلب الحديث، سمع بخراسان، وبالعراق، وبالجزيرة، وبالشام، كتبت عنه، وكتب عني بخط يده، وسمعته يقول: دخلت على أبي بكر بن خزيمة عند ورودي نيسابور وأنا غلام أيفع، فتكلمت بين يديه في مسألة فقال لي: يا بني على من درست الفقه؟ فسميت له أبا الليث، فقال: على من درس؟
فقلت: على ابن سريج، فقال: وهل أخذ ابن سريج إلا من كتب مستعاة؟ فقال بعض من حضره: أبو الليث هذا مهجور بالشاش، فإن البلد للحنابلة، فقال أبو بكر: وهل كان ابن حنبل إلا غلاماً من غلمان الشافعي.
وكان أبو بكر القفال الشاشي يقول: لولا الأمير أبو الحسن لما استقر لي وطني بالشاش.
وقال أبو عاصم العبادي في ’’طبقاته’’: هو أفصح الأصحاب قلماً، وأثبتهم في دقائق العلوم قدماً، وأسرعهم بياناً، وأثبتهم جناناً، وأعلاهم إسناداً، وأرفعهم عماداً. وقال الحليمي: كان شيخنا القفال أعلم من لقيته من علماء عصره. وقال في كتابه ’’شعب الإيمان’’: الذي هو أعلم من لقينا من علماء عصرنا، صاحب الأصول والجدل، وحافظ الفروع والعلل، وناصر الدين بالسيف والقلم، والموفي بالفضل في العلم على كل علم، أبو بكر محمد بن علي الشاشي. وقال أبو إسحاق الشيرازي في ’’طبقاته’’: درس على أبي العباس بن سريج، وكان إماماً، وله مصنفات كثيرة ليس لأحد مثلها، وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء، وله ’’كتاب في أصول الفقه’’، وله ’’شرح الرسالة’’ وعنه انتشر فقه الشافعي بما وراء النهر. قال ابن الصلاح: الأظهر عندنا أنه لم يدرك ابن سريج. وقال الذهبي: وذكر أبو إسحاق أنه تفقه على ابن سريج، وهذا وهم؛ لأن ابن سريج مات قبل قدوم القفال بثلاث سنين، فإنه رحل من الشاش سنة تسع وثلاثمائة، وأبو العباس مات سنة ست وثلاثمائة. وقال أبو الحسن الصفار: سمعت أبا سهل الصعلوكي وسئل عن ’’تفسير أبي بكر القفال’’ فقال: قدسه من وجه، ودنسه من وجهٍ، أي: دنسه من جهة نصر مذهب الاعتزال. قال الذهبي في ’’النبلاء’’: قلت: قد مر موته، والكمال عزيز، وإنما يمدح العالم بكثرة ما له من الفضائل، فلا تدفن المحاسن لورطة، ولعله رجع عنها، وقد يغفر له باستفراغه الوسع في طلب الحق ولا قوة إلا بالله. وقال ابن الملقن في ’’العقد المذهب’’: ومن تصانيفه تفسير كبير قيل ينصر فيه ما يوافق المعتزلة، فلهذا قال الصعلوكي فيه: إنه دفنه في وقته. وقال ابن عساكر في ’’التبيين’’: بلغني أنه كان في أول أمره مائلاً عن الاعتدال قائلاً بمذاهب أئمة الاعتزال، والله أعلم. قال السبكي: قلت: وهذا فائدة جليلة، انفرجت بها كربة عظيمة، وحسيكة في الصدر جسيمة؛ وذلك أن مذاهب تحكي عن هذا الإمام في الأصول، لا تصح إلا على قواعد المعتزلة، وطالما وقع البحث في ذلك حتى توهم أنه معتزلي.
وقال مرة: قلت: وقد انكشفت الكربة بما حكاه ابن عساكر، وقد ذكر الشيخ أبو محمد الجويني في ’’شرح الرسالة’’: أن القفال أخذ علم الكلام عن الأشعري، وأن الأشعري كان يقرأ عليه الفقه، كما كان هو يقرأ عليه الكلام، وهذه الحكاية تدل على معرفته بعلم الكلام، وذلك لا شك فيه، كذلك تدل على أنه أشعري، وكأنه لما رجع عن الاعتزال، وأخذ في تلقي علم الكلام عن الأشعري فقرأ عليه على كبر السن، لعلي رتبة الأشعري، ورسوخ قدمه في الكلام، وقراءة الأشعري الفقه عليه تدل على علو مرتبته أعني مرتبة القفال وقت قراءته على الأشعري، وأنه كان بحيث يحمل عنه العلم. وقال السمعاني: أحد أئمة الدنيا في التفسير والحديث والفقه واللغة. وقال مرة: إمام عصره بلا مدافعة، وكان إماماً أصولياً لغوياً محدثاً شاعراً، أفنى عمره في طلب العلم ونشره، وشاع ذكره في الشرق والغرب، وصنف التصانيف الحسان، منها: ’’دلائل النبوة’’، ومحاسن الشريعة، رحل إلى خراسان والعراق والحجاز والشام والثغور، وقيل فيه:

قال أبو حفص المطوعي: المنجبون من فقهاء أصحابنا أربعة: أبو بكر الإسماعيلي، وأبو سهل الصعلوكي، وأبو بكر القفال، حيث حظي من نسله بالولد النجيب الذي ينسب إليه كتاب ’’التقريب’’، وأبو جعفر الحناطي، ومن نظمه:
ومن نظمه - أيضاً - قصيدة طنانة، وكلمة بديعة رنانة، شأنها عجيب، رد فيها على قصيدة النقفور اللعين عظيم الروم، التي ساءت المسلمين، وشقت عليهم، لما كان فيها من التثريب والتعيير، وضروب الوعيد والتهديد، وقد ذكرها بطولها العلامة السبكي في ’’طبقاته’’، ولما تضمنته من العزة بهذا الدين، خاصة وأن زماننا قد أصبح شبيهاً بزمان ذلك النقفور اللعين، فهاكها:
ولم تفتح الأقطار شرقاً ومغرباً.. فتوحاً تناهت في جميع الأقالم
ولو كان حقاً كل ما قلت لم يكن.. علينا لكم فضل وفخر مكارم
ونحن على فضلٍ بما في أكفنا.. وفخرٍ عليكم بالأصول الجسائم
ونرجو وشيكاً أن يسهل ربنا.. لرد خوافي الريش تحت القوادم
وعظمت من أمر النساء وعندنا.. لكم ألف ألفٍ من إماءٍ وخادم
ولد في سنة إحدى وتسعين ومائتين، واختلف في وفاته فقيل: توفي سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وقيل: إنه توفي بالشاش، في ذي الحجة سنة خمس وستين وثلاثمائة، وهو قول الأكثر، وقيل: سنة ست وستين وثلاثمائة.
قلت: [أحد أئمة الدنيا في زمانه في الفقه والتفسير والحديث واللغة بلا مدافعة، ومجاهد غيور، ورأس في الكلام والجدل، في ’’تفسيره’’ مواضع تنصر مذهب الاعتزال، ولا يقدح ذلك في إمامته]
’’المستدرك’’ (1/ 123/ 215)، ’’مختصر تاريخ نيسابور’’ (52/ أ)، ’’الفهرست’’ (454)،’’طبقات الشيرازي’’ (120)، ’’الأنساب’’ (3/ 399)، (4/ 513)، ’’تاريخ دمشق’’ (54/ 245)، ’’التبيين’’ (182)، ’’معجم البلدان’’ (3/ 350)، ’’طبقات ابن الصلاح’’ (1/ 228)، ’’التمييز والفصل’’ (1/ 374)، ’’نزهة الناظر’’ (83)، ’’تهذيب الأسماء واللغات’’ (1/ 788)، ’’التدوين في أخبار قزوين’’ (1/ 457)، ’’وفيات الأعيان’’ (4/ 200)، ’’النبلاء’’ (16/ 283)، ’’تاريخ الإسلام’’ (26/ 345)، ’’العبر’’ (2/ 122) ’’دول الإسلام’’ (1/ 226)، ’’الإعلام’’ (1/ 250)، ’’الإشارة’’ (181)، ’’الوافي بالوفيات’’ (4/ 113)، ’’مرآة الجنان’’ (2/ 381)، ’’طبقات السبكي’’ (3/ 200)، والإسنوي (1/ 4)، وابن كثير (1/ 268)، ’’النجوم الزاهرة’’ (4/ 111)، ’’العقد المذهب’’ (117)، ’’الوفيات’’ لابن قنفذ (336)، ’’طبقات ابن قاضي شهبة’’ (1/ 148)، ’’طبقات المفسرين’’ للسيوطي (159)، والداوودي (2/ 198)، والأدنه وي (106)، ’’طبقات ابن هداية الله’’ (88)، ’’الشذرات’’ (4/ 345)، ’’التاج المكلل’’ (84).

  • دار العاصمة للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية-ط 1( 2011) , ج: 2- ص: 1

محمد بن علي بن إسماعيل الإمام أبو بكر الشاشي الفقيه الشافعي المعروف بالقفال الكبير.
كان إمام عصره، بما وراء النهر، فقيها، محدثاً، مفسراً، أصولياً، لغوياً، شاعراً.
لم يكن للشافعية بما وراء النهر مثله في وقته
رحل إلى خراسان والعراق والشام، وسار ذكره، واشتهر أسمه.
صنف في التفسير والأصول والفقه.
قال الحاكم: كان أعلم ما وراء النهر بالأصول، وأكثرهم رحلة في طلب الحديث.
سمع من ابن حزيمة وابن جرير، وأبي القاسم البغوي وأبي عروبة الحراني.
وقال الشيخ أبو إسحاق: له مصنفات كثيرة ليس لأحد مثلها، وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء وله كتاب في أصول الفقه وله شرح الرسالة وعنه انتشر فقه الشافعي فيما وراء النهر.
وقال ابن السمعاني: من مصنفاته دلائل النبوة ومحاسن الشريعة.
وقال النووي: القفال هذا هو الكبير، يتكرر ذكره في التفسير، والحديث والأصول، والكلام، بخلاف القفال الصغير المروزي فإنه يتكرر في الفقه خاصة.
وقال الذهبي: سئل أبو سهل الصعلوكي عن تفسير أبي بكر القفال فقال قدسه من وجه ودنسه من وجه أي دنسه من جهة نصرة الاعتزال.
روى عنه الحاكم، وابن مندة، والحليمي، وأبو عبد الرحمن السلمي وجماعة.
مولده سنة إحدى وتسعين ومائتين ومات سنة خمس وستين وثلاثمائة.
قلت نقل عنه الإمام الرازي في تفسيره كثيرا مما يوافق مذهب المعتزلة ونقلت عنه بعض مناسبات في كتابي أسرار التنزيل.

  • مكتبة وهبة - القاهرة-ط 1( 1976) , ج: 1- ص: 109

محمد بن علي بن إسماعيل أبو بكر الشاشى القفال الكبير.
أحد أعلام المذهب، سمع ابن خزيمة وغيره، وعنه الحاكم وخلق، وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء، قال الشيخ أبو إسحاق: ودرس على ابن سريج، ومات سنة ست وثلاث ثلاثمائة كذا قال وهو وهم وصوابه سنة خمس وستين كما ذكره الحاكم، ونبه علمه ابن الصلاح، واختلف في كلام السمعاني في الأنساب. فقال في ترجمة القفال ما ذكرناه، وقال فيه في ترجمة الشاشى وفى الذيل سنة ست وستين، وذكر الرافعي أيضاً في تزنيبه: أنه أخذ الفقه عن ابن سريج. قال ابن الصلاح: والأظهر عندنا أنه لم يدرك ابن سريج وإنما أخذ الفقه عن أقرانه وبعض أصحابه. وهو الذي ذكره المطوعي في كتابه، وكان مولده سنة إحدى وتسعين ومائتين. ومن تصانيفه ’’أصول الفقه’’، و’’أدب القضاء’’ و’’شرح الرسالة’’، و’’دلائل النبوة’’، و’’محاسن الشريعة’’. وقال الشيخ أبو إسحاق: ومصنفاته كثيرة ليس لأحد مثلها. وعنه انتشر فقه الشافعي فيما وراء النهر، قال أبو حفص المطوعى: المنجبون من فقهاء أصحابنا أربعة: أبو بكر الإسماعيلى حيث ولد ابنه أبا سعد، والإمام أبو سهل حيث ولد الإمام ابن الإمام، والكمال ابن التمام، وأبو بكر القفال حيث حظى من نسله بالولد النجيب الذي ينسب إليه كتاب ’’التقريب’’، وأبو جعفر الحناطى حيث رزق مثل الشيخ أبي عبد اللَّه، وكذا رضينا نجلاء، وكذا قال النووي في ’’تهذيبه’’، وإذا ذكر القفال الشاشى فالمراد هذا، وإذا ورد القفال المروزي فهو القفال الصغير الذي كان بعد الأربعمائة، ومن غرائب صاحب الترجمة: أن الكبير يعق عن نفسه، ومن تصانيفه تفسير كبير قيل ينصر فيه ما يوافق المعتزلة، فلهذا قال الصعلوكى فيه أنه دفنه من وقته، وقال ابن عساكر: بلغنى أنه كان مائلا عن الاعتزال قائلاً بالاعتزال في أول أمره ثم رجع إلى مذهب الأشعري أي ممن قوله الأول: يجب العمل بالقياس عقلاً وبخبر الواحد عقلاً وغير ذلك، وقال القاضي أبو بكر في ’’التقريب والإرشاد’’: والأستاذ أبو إسحاق في ’’تعليقه في الأصول’’ لما حكى هذه المذاهب: اعلم أن هذه الطائفة من أصحابنا ابن سريج وغيره، كانوا قد برعوا في الفقه وتوغلوا فيه، ولم يكن لهم قدم راسخ في الكلام وطالعوا على الكبر كتب المعتزلة فاستحسنوا عباراتهم، وقولهم يجب شكر المنعم عقلاً فذهبوا إلى ذلك غير عالمين بما يؤدى إليه هذه المقالة من قبيح القول.

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1