محمد بن علي بن إسماعيل القفال الكبير الشاشى الإمام الجليل أحد أئمة الدهر ذو الباع الواسع في العلوم واليد الباسطة والجلالة التامة والعظمة الوافرة
كان إماما في التفسير إماما في الحديث إماما في الكلام إماما في الأصول إماما في الفروع إماما في الزهد والورع إماما في اللغة والشعر ذاكرا للعلوم محققا لما يورده حسن التصرف فيما عنده فردا من أفراد الزمان
قال فيه أبو عاصم العبادى هو أفصح الأصحاب قلما وأثبتهم في دقائق العلوم قدما وأسرعهم بيانا وأثبتهم جنانا وأعلاهم إسنادا وأرفعهم عمادا
وقال الحليمى كان شيخنا القفال أعلم من لقيته من علماء عصره
وقال في كتابه شعب الإيمان في الشعبة السادسة والعشرين في الجهاد إمامنا الذى هو أعلى من لقينا من علماء عصرنا صاحب الأصول والجدل وحافظ الفروع والعلل وناصر الدين بالسيف والقلم والموفى بالفضل في العلم على كل علم أبو بكر محمد بن على الشاشى
وقال الحاكم أبو عبد الله هو الفقيه الأديب إمام عصره بما وراء النهر للشافعيين وأعلمهم بالأصول وأكثرهم رحلة في طلب الحديث
وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازى كان إماما وله مصنفات كثيرة ليس لأحد مثلها وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء وله كتاب في أصول الفقه وله شرح الرسالة وعنه انتشر فقه الشافعي بما وراء النهر
وقال ابن الصلاح القفال الكبير علم من أعلام المذهب رفيع ومجمع علوم هو بها عليم ولها جموع
قلت سمع القفال من ابن خزيمة وابن جرير وعبد الله المدائنى ومحمد بن محمد الباغندى وأبى القاسم البغوى وأبي عروبة الحرانى وطبقتهم
روى عنه أبو عبد الله الحاكم وقال ورد نيسابور مرة على ابن خزيمة ثم ثانيا عند منصرفه من العراق ثم وردها على كبر السن وكتبنا عنه غير مرة ثم اجتمعنا ببخارى غير مرة فكتبت عنه وكتب عنى بخط يده
وروى أيضا عنه أبو عبد الرحمن السلمى وأبو عبد الله الحليمى وابن مندة وأبو نصر عمر بن قتادة وغيرهم
وذكر الشيخ أبو إسحاق أنه درس على ابن سريج
قال ابن الصلاح والأظهر عندنا أنه لم يدركه
وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر بلغنى أنه كان مائلا عن الاعتدال قائلا بالاعتزال في أول مرة ثم رجع إلى مذهب الأشعرى
قلت وهذه فائدة جليلة انفرجت بها كربة عظيمة وحسيكة في الصدر جسيمة وذلك أن مذاهب تحكى عن هذا الإمام في الأصول لا تصح إلا على قواعد المعتزلة وطالما وقع البحث في ذلك حتى توهم أنه معتزلى واستند المتوهم إلى ما نقل أن أبا الحسن الصفار قال سمعت أبا سهل الصعلوكى وسئل عن تفسير الإمام أبى بكر القفال فقال قدسه من وجه ودنسه من وجه أى دنسه من جهة نصرة مذهب الاعتزال
قلت وقد انكشفت الكربة بما حكاه ابن عساكر وتبين لنا بها أن ما كان من هذا القبيل كقوله يجب العمل بالقياس عقلا وبخبر الواحد عقلا وأنحاء ذلك فالذى نراه أنه لما ذهب إليه كان على ذلك المذهب فلما رجع لابد أن يكون قد رجع عنه فاضبط هذا
وقد كنت أغتبط بكلام رأيته للقاضى أبى بكر في التقريب والإرشاد وللأستاذ أبى إسحاق الإسفراينى في تعليقه في أصول الفقه في مسألة شكر المنعم وهو أنهما لما حكيا القول بالوجوب عقلا عن بعض فقهاء الشافعية من الأشعرية قالا اعلم أن هذه الطائفة من أصحابنا ابن سريج وغيره كانوا قد برعوا في الفقه ولم يكن لهم قدم راسخ في الكلام وطالعوا على الكبر كتب المعتزلة فاستحسنوا عباراتهم وقولهم يجب شكر المنعم عقلا فذهبوا إلى ذلك غير عالمين بما تؤدى إليه هذه المقالة من قبيح المذهب
وكنت أسمع الشيخ الإمام رحمه الله يحكى ما أقوله عن الأستاذ أبى إسحاق مغتبطا به فأقول له يا سيدى قد قاله أيضا القاضى أبو بكر ولكن ذلك إنما يقال في حق ابن سريج وأبى على بن خيران والإصطخرى وغيرهم من الفقهاء الذاهبين إلى ذلك الذين ليس لهم في الكلام قدم راسخ أما مثل القفال الكبير الذى كان أستاذا في علم الكلام وقال فيه الحاكم إنه أعلم الشافعيين بما وراء النهر بالأصول فكيف يحسن الاعتذار عنه بهذا
فلما وقفت على ما حكاه ابن عساكر انشرحت نفسى له وأوقع الله فيها أن هذه الأمور أشياء كان يذهب إليها عند ذهابه إلى مذهب القوم ولا لوم عليه في ذلك بعد الرجوع
وفى شرح الرسالة للشيخ أبى محمد الجوينى أن أصحابنا اعتذروا عن القفال نفسه حيث أوجب شكر المنعم بأنه لم يكن مندوبا في الكلام وأصوله
قلت وهذا عندى غير مقبول لما ذكرت
وقد ذكر الشيخ أبو محمد بعد ذلك في هذا الكتاب أن القفال أخذ علم الكلام عن الأشعرى وأن الأشعرى كان يقرأ عليه الفقه كما كان هو يقرأ عليه الكلام وهذه
الحكاية كما تدل على معرفته بعلم الكلام وذلك لا شك فيه كذلك تدل على أنه أشعرى وكأنه لما رجع عن الاعتزال وأخذ في تلقى علم الكلام عن الأشعري فقرأ عليه على كبر السن لعلى رتبة الأشعرى ورسوخ قدمه في الكلام وقراءة الأشعرى الفقه عليه تدل على علو مرتبته أعنى مرتبة القفال وقت قراءته على الأشعرى وأنه كان بحيث يحمل عنه العلم
قال الشيخ أبو إسحاق مات القفال سنة ست وثلاثين وثلاثمائة
قال ابن الصلاح وهو وهم قطعا
قلت أرخ الحاكم أبو عبد الله وفاته في آخر سنة خمس وستين وثلاثمائة بالشاش وهو الصواب
ومولده فيما ذكره ابن السمعانى سنة إحدى وتسعين ومائتين فيكون عمره حين توفى ابن سريج سبع سنين ويكون قد جاوز العشرين يوم موت الأشعرى بسنوات على الخلاف في وفاة الأشعرى
ومن الرواية عنه
حدثنى الحافظ أبو سعيد خليل بن كيكلدى العلائى من لفظه بالقدس الشريف أخبرنا القاسم بن المظفر عن محمود بن إبراهيم أخبرنا محمد بن أحمد المقدر أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب أخبرنا أبى الحافظ محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن على الشاشى حدثنا ابن أبى داود حدثنا إسحاق عن شاذان حدثنا سعيد عن الحسن بن عمارة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن المسيب عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول وأنا رديف أبى طلحة (لبيك بحجة وعمرة معا
ومن نظم القفال وقد اختصر شيخنا الذهبى وأكثر من ترجمة على قوله فيما رواه البيهقى عن عمر بن قتادة أنه قال أنشدنا أبو بكر القفال لنفسه
أوسع رحلى على من نزل | وزادى مباح على من أكل |
نقدم حاضر ما عندنا | وإن لم يكن غير بقل وخل |
فأما الكريم فيرضى به | وأما البخيل فمن لم أبل |
من الملك الطهر المسيحى رسالة | إلى قائم بالملك من آل هاشم |
أما سمعت أذناك ما أنا صانع | بلى فعداك العجز عن فعل حازم |
فإن تك عما قد تقلدت نائما | فإنى عما همنى غير نائم |
ثغوركم لم يبق فيها لوهنكم | وضعفكم إلا رسوم المعالم |
فتحنا ثغور الأرمنية كلها | بفتيان صدق كالليوث الضراغم |
ونحن جلبنا الخيل تعلك لجمها | ويلعب منها بعضها بالشكائم |
إلى كل ثغر بالجزيرة آهل | إلى جند قنسرينكم والعواصم |
وملطى مع سميساط من بعد كركر | وفى البحر أصناف الفتوح القواصم |
وبالحدث البيضاء جالت عساكرى | وكيسوم بعد الجعفرى المعالم |
ومرعش أذللنا أعزة أهلها | فصارت لنا من بين عبد وخادم |
وسل بسروج إذ خرجنا بجمعه | تميد به تعلو على كل قائم |
وأهل الرها لاذوا بنا وتحزموا | بمنديل مولى جل عن وصف آدم |
وصبح رأس العين منا بطارق | ببيض عدوناها بضرب الجماجم |
ودارا وميافارقين وأردنا | صبحناهم بالخيل مثل الضراغم |
وملنا على طرسوس ميلة غابن | أذقناهم فيها بحز الحلاقم |
وإأقريطش مالت إليها مراكبى | على ظهر بحر مزبد متلاطم |
فحزناهم أسرا وسيقت نساؤهم | ذوات الشعور المسبلات الفواحم |
هناك فتحنا عين زربة عنوة | بهم فأبدنا كل طاغ وظالم |
نعم وفتحنا كل حصن ممنع | فسكانه نهب النسور القشاعم |
إلى حلب حتى استبحنا حريمها | وهدم منها سورها كل هادم |
وكم ذات خدر حرة علوية | منعمة الأطراف غرثى المعاصم |
سبينا وسقنا خاضعات حواسرا | بغير مهور لا ولا حكم حاكم |
وكم من قتيل قد تركنا مجندلا | يصب دما بين اللها واللهازم |
وكم وقعة في الدرب ذاقت كماتكم | فسقناكم سوقا كسوق البهائم |
وملنا إلى أرتاحكم وحريمها | بمعجزة تحت العجاج السوالم |
فأهوت أعاليها وبدل رسمها | من الأنس وحشا بعد بيض نواعم |
إذا صاح فيها البوم جاوبه الصدى | وأسعده في النوح نوح الحمائم |
وأنطاك لم تبعد على وإننى | سألحقها يوما بنزوة حازم |
ومسكن آبائى دمشق وإنه | سيرجع فيها ملكها تحت خاتمى |
أياقطنى الرملات ويحكم ارجعوا | إلى أرض صنعاكم وأرض التهائم |
ومصر سأفتحها بسيفى عنوة | وأحرز أموالا بها في غنائمى |
وكافور أغزوه بما يستحقه | بمشط ومقراض ومص المحاجم |
ألا شمروا يا آل حران ويلكم | أتتكم جيوش الروم مثل الغمائم |
فإن تهربوا تنجوا كراما أعفة | من الملك المغرى بترك المسالم |
ألا شمروا يا آل بغداد ويلكم | فملككم مستضعف غير دائم |
رضيتم بأن الديلمى خليفة | فصرتم عبيدا للعبيد الديالم |
فعودوا إلى أرض الحجاز أذلة | وخلوا بلاد الروم أهل المكارم |
سألقى بجيشى نحو بغداد سالما | إلى باب طاق ثم كرخ القماقم |
فأحرق أعلاها وأهدم سورها | وأسبى ذراريها على رغم راغم |
ومنها إلى شيراز والرى فاعلموا | خراسان قصدى بالجيوش الصوارم |
فأسرع منها نحو مكة سائرا | أجر جيوشا كالليالي السواجم |
فأملكها دهرا سليما مسلما | وأنصب كرسيا لأفضل عالم |
وأغزو يمانا أو بلاد يمامة | وصنعاءها مع صعدة والتهائم |
وأتركها قفرا يبابا بلاقعا | خلاء من الأهلين أرض المعالم |
وأسرى إلى القدس التى شرفت لنا | عزيزا مكينا ثابتا للدعائم |
ملكنا عليكم حين جار قويكم | وعاملتم بالمنكرات العظائم |
قضاتكم باعوا جهارا قضاءهم | كبيع ابن يعقوب ببخس دراهم |
شيوخكم بالزور طرا تشاهدوا | وبالبز والبرطيل في كل عالم |
سأفتح أرض الشرق طرا ومغربا | وأنشر دين الصلب نشر العمائم |
أتانى مقال لامرئ غير عالم | بطرق مجارى القول عند التخاصم |
تخرص ألقابا له جد كاذب | وعدد أثارا له جد واهم |
وأفرط إرعادا بما لا يطيقه | وأدلى ببرهان له غير لازم |
تسمى بطهر وهو أنجس مشرك | مدنسة أثوابه بالمداسم |
وقال مسيحى وليس كذاكم | أخو قسوة لا يحتذى فعل راحم |
وليس مسيحيا جهولا مثلثا | يقول لعيسى جل عن وصف آدم |
وما الملك الطهر المسيحى غادرا | ولا فاجرا ركانة للمظالم |
تثبت هداك الله إن كنت طالبا | لحق فليس الخبط فعل المقاسم |
ولا تتكبر بالذى أنت لم تنل | كلابس ثوب الزور وسط المقاوم |
تعدد أياما أتت لوقوعها | سنون مضت من دهرنا المتقادم |
سبقت بها دهرا وأنت تعدها | لنفسك لا ترضى بشرك المساهم |
وما قدر أرتاح ودارا فيذكرا | فخارا إذا عدت مساعى القماقم |
وما الفخر في ركض على أهل غرة | وهل ذاك إلا من مخافة هازم |
وهل نلت إلا صقع طرسوس بعد أن | تسلمتها من أهلها كالمسالم |
ومصيصة بالغدر قتلت أهلها | وذلك في الأديان إحدى العظائم |
ترى نحن لم نوقع بكم وبلادكم | وقائع يثنى ذكرها في المواسم |
مئين ثلاثا من سنين تتابعت | ندوس الذرى من هامكم بالمناسم |
ولم تفتح الأقطار شرقا ومغربا | فتوحا تناهت في جميع الأقالم |
أتذكر هذا أم فؤادك هائم | فليس بناس كل ذا غير هائم |
ومن شر يوم للفتى هيمانه | فيا هائما بل نائما شر نائم |
ولو كان حقا كل ما قلت لم يكن | علينا لكم فضل وفخر مكارم |
فمنكم أخذنا كل ما قد أخذتم | وأضعاف أضعاف له بالصماصم |
طردناكم قهرا إلى أرض رومكم | فطرتم من السامات طرد النعائم |
لجأتم إليها كالقنافذ جثما | أدلاهم عن حتفه كل حاطم |
ولولا وصايا للنبى محمد | بكم لم تنالوا أمن تلك المجاثم |
فأنتم على خسر وإن عاد برهة | إليكم حواشيها لغفلة قائم |
ونحن على فضل بما في أكفنا | وفخر عليكم بالأصول الجسائم |
ونرجو وشيكا أن يسهل ربنا | لرد خوافى الريش تحت القوادم |
وعظمت من أمر النساء وعندنا | لكم ألف ألف من إماء وخادم |
ولكن كرمنا إذ ظفرنا وأنتم | ظفرتم فكنتم قدوة للألائم |
وقلت ملكناكم بجور قضاتكم | وبيعهم أحكامهم بالدراهم |
وفى ذاك إقرارا بصحة ديننا | وأنا ظلمنا فابتلينا بظالم |
وعددت بلدانا تريد افتتاحها | وتلك أمان ساقها حلم حالم |
ومن رام فتح الشرق والغرب ناشرا | لدين صليب فهو أخبث رائم |
ومن دان للصلبان يبغى به الهدى | فذاك حمار وسمه في الخراطم |
وليس وليا للمسيح مثلث | فيرجوه نقفور لمحو المآثم |
وعيسى رسول الله مولود مريم | غذته كما قد غذيت بالمطاعم |
وأما الذى فوق السموات عرشه | فخالق عيسى وهو محيى الرمائم |
وما يوسف النجار بعلا لمريم | كما زعموا أكذب به قول زاعم |
وإنجيلهم فيه بيان لقولنا | وبشرى بآت بعد للرسل خاتم |
وسماه بارقليط يأتى بكشف ما | أتاهم به من حمله غير كاتم |
وكان يسمى بابن داود فيهم | بحيث إذا يدعى به في التكالم |
وهل أمسك المنديل إلا لحاجة | وهل حاجة إلا لعبد وخادم |
وإن كان قد مات النبى محمد | فأسوة كل الأنبياء الأعاظم |
وعيسى له في الموت وقت مؤجل | يموت له كالرسل من آل آدم |
فإن دفعوا هذا فقد عجلوا له | وفاة بصلب وارتكاب صيالم |
صيالم من إكليل شوك وأحبل | يجر بها نحو الصليب ولاطم |
وإن يك أولاد لأحمد جرعوا | شدائد من أسر وجز جماجم |
فعيسى على ما تزعمون مجرع | من القتل طعما مثل طعم العلاقم |
ويحيى وزكريا وخلق سواهما | أكارم عند الله نجل أكارم |
تولتهم أيدى الطغاة فلم تنل | قضاياهم من ذاك وصمة واصم |
فمن مبلغ نقفور عنى مقالتى | جوابا لما أبداه من نظم ناظم |
لئن كان بعض العرب طارت قلوبهم | أو ارتد منهم حشوة كالبهائم |
لقد أسلمت بالشرق هند وسندها | وصين وأتراك الرجال الأعاجم |
بتدبير منصور بن نوح وجنده | وأشياخه أهل النهى والعزائم |
وإن تك بغداد أصيبت بملكها | وصارت عبيدا للعبيد الديالم |
فللحق أنصار ولله صفوة | يذودون عنه بالسيوف الصوارم |
فمن عرب غلب ملوك بغالب | ومن عجم صيد ملوك بهازم |
فبالدين منهم قائم أى قائم | وللملك منهم هاشم أى هاشم |
جزى الله سيف الدولة الخير باقيا | وأكرمه بالفاضلات الكرائم |
وألبس منصور بن نوح سلامة | تدوم له ما عاش أدوم دائم |
هما أمنا الإسلام من كل هاضم | وصانا بناء الدين عن كل هادم |
ومن مبلغ نقفور عنى نصيحة | بتقدمة قدام عض الأباهم |
أتتك خراسان تجر خيولها | مسومة مثل الجراد السوائم |
كهول وشبان حماة أحامس | ميامن في الهيجاء غير مشائم |
غزاة شروا أرواحهم من إلاههم | بجناته والله أوفى مساوم |
فإن تعرضوا فالحق أبلج واضح | معالمه مشهورة كالمعالم |
تعالوا نحاكمكم ليحكم بيننا | إلى السيف أن السيف أعدل حاكم |
سيجرى بنا والله كاف وعاصم | لنا خير واف للعباد وعاصم |
ونرجو بفضل الله فتحا معجلا | ننال بقسطنطين ذات المحارم |
هناك ترى نقفور والله قادر | ينادى عليه قائما في المقاسم |
ويجرى لنا في الروم طرا وأهلها | وأموالها جمعا سهام المغانم |
فيضحك منا سن جذلان باسم | ويقرع منه سن خزيان نادم |
وإن تسلموا فالسلم فيه سلامة | وأهنا عيش للفتى عيش سالم |
من المحتمى بالله رب العوالم | ودين رسول الله من آل هاشم |
محمد الهادى إلى الله بالتقى | وبالرشد والإسلام أفضل قائم |
عليه من الله السلام مرددا | إلى أن يوافى البعث كل العوالم |
إلى قائل بالإفك جهلا وضلة | على النقفور المنبرى في الأعاجم |
دعوت إماما ليس من أمر آله | بكفيه إلا كالرسوم الطواسم |
دهته الدواهى في خلافته كما | دهت قبله الأملاك دهم الدواهم |
ولا عجب من نكبة أو ملمة | تصيب الكريم الحر وابن الأكارم |
ولا عجب من نكبة أو ملمة | تصيب الكريم الحر وابن الأكارم |
ولو أنه في حال ماضى جدوده | لجرعتم منه سموم الأراقم |
عسى عطفة لله في أهل دينه | تجدد منهم دارسات المعالم |
فخرتم بما لو كان فهم يريكم | حقائق دين الله أحكم حاكم |
إذن لعرتكم خجلة عند ذكره | وأخرس منكم كل قيل مخاصم |
سلبناكم دهرا ففزتم بكرة | من الدهر أفعال الضعاف العزائم |
فطرتم سرورا عند ذاك ونخوة | كفعل المهين الناقص المتعاظم |
وما ذاك إلا في تضاعيف غفلة | عرتنا وصرف الدهر جم الملاحم |
ولما تنازعنا الأمور تخاذلا | ودالت لأهل الجهل دولة ظالم |
وقد شغلت فينا الخلائف فتنة | لعبدانهم من تركهم والديالم |
بكفر أياديهم وجحد حقوقهم | لمن رفعوه من حضيض البهائم |
وثبتم على أطرافنا عند ذلكم | وثوب لصوص عند غفلة نائم |
ألم ننتزع منكم بأيد وقوة | جميع بلاد الشام ضربة لازم |
ومصر وأرض القيروان بأسرها | وأندلسا قسرا بضرب الجماجم |
ألم تنتصف منكم على ضعف حالها | صقلية في بحرها المتلاطم |
أحلت بقسطنطينة كل نكبة | وسامتكم سوء العذاب الملازم |
مشاهد تقديساتكم وبيوتها | لنا وبأيدينا على رغم راغم |
أما بيت لحم والقمامة بعدها | بأيدى رجال المسلمين الأعاظم |
وكرسيكم في أرض إسكندرية | وكرسيكم في القدس في أورشالم |
ضممناهم قسرا برغم أنوفكم | كما ضمت الساقين سود الأداهم |
وكرسى أنطاكية كان برهة | ودهرا بأيدينا وبذل الملاغم |
فليس سوى كرسى رومة فيكم | وكرسى قسطنطينة في المقادم |
ولابد من عود الجميع بأسره | إلينا بعزم قاهر متعاظم |
أليس يزيد حل وسط دياركم | على باب قسطنطينة بالصوارم |
ومسلمة قد داسها بعد ذاكم | بجيش لهام كالليوث الضراغم |
وأخدمكم بالذل مسجدنا الذى | بنى فيكم في عصرنا المتقادم |
إلى جنب قصر الملك في أرض ملككم | ألا هذه حقا صريمة صارم |
وأدى لهارون الرشيد مليككم | إتاوة مغلوب وجزية غارم |
سلبناكم مسرى شهورا بقوة | حبانا بها الرحمن أرحم راحم |
إلى أرض يعقوب وأرياف دومة | إلى لجة البحر البعيد المحارم |
فهل سرتم في أرضنا قط جمعة | أبى الله ذاكم يا بقاة الهزائم |
فما لكم إلا الأمانى وحدها | بضائع نوكى تلك أضغاث حالم |
رويدا يعد نحو الخلافة نورها | ويكشف مغبر الوجوه السواهم |
وحينئذ تدرون كيف فراركم | إذا صدمتكم خيل جيش مصادم |
على سلف العادات منا ومنكم | ليالى أنتم في عداد الغنائم |
سبيتم سبايا ليس يكثر عدها | وسبيكم فينا كقطر الغمائم |
فلو رام خلق عدها رام معجزا | وأنى بتعداد لريش الحمائم |
بأبناء حمدان وكافور صلتم | أراذل أنجاس قصار المعاصم |
دعى وحجام أتوكم فتهتم | وما قدر مصاص دماء المحاجم |
ليالى قدناكم كما اقتاد جازر | جماعة أتياس لحز الحلاقم |
وسقنا على رسل بنات ملوككم | سبايا كما سيقت ظباء الصرائم |
ولكن سلوا عنا هرقلا ومن خلا | لكم من ملوك مكرمين قماقم |
يخبركم عنا المتوج منكم | وقيصركم عن سبينا كل آيم |
وعما فتحنا من منيع بلادكم | وعما أقمنا فيكم من مسالم |
ودع كل نذل منتم لا تعده | إماما ولا من محكمات الدعائم |
فهيهات سامرا وتكريت منكم | إلى جبل تلكم أمانى هائم |
متى يتمناها الضعيف ودونها | تطاير هامات وحز الغلاصم |
ومن دون بغداد سيوف حديدة | ميسرة للحرب من آل هاشم |
محلة أهل الزهد والخير والتقى | ومنزلة محتلها كل عالم |
دعوا الرملة الغراء عنكم ودونها | من المسلمين الصيد كل ملازم |
ودون دمشق كل جيش كأنه | سحائب طير تنتحى بالقوادم |
وضرب يلقى الروم كل مذلة | كما ضرب الضراب بيض الدراهم |
ومن دون أكناف الحجاز جحافل | كقطر الغيوث الهاملات السواجم |
بها من بنى عدنان كل سميذع | ومن حى قحطان كرام العمائم |
ولو قد لقيتم من قضاعة عصبة | لقيتم ضراما في يبيس الهشائم |
إذا صبحوكم ذكروكم بما خلا | لهم معكم من مأزق متلاحم |
زمان يقودون الصوافن نحوكم | ليبغوا يسارا منكم في المغانم |
سيأتيكم منهم قريبا عصائب | تنسيكم تذكار أخذ العواصم |
وأموالكم فئ لهم ودماؤكم | بها يشتفى حر النفوس الحوائم |
وأرضكم حقا سيقتسمونها | كما فعلوا دهرا بعدل المقاسم |
ولو طرقتكم من خراسان عصبة | وشيراز والرى القلاع القوائم |
لما كان منكم عند ذلك غير ما | عهدنا لكم ذل وعض الأباهم |
فقد طال ما زاروكم في بلادكم | مسيرة عام بالخيول الصلادم |
وأما سجستان وكرمان والألى | بكابل حلوا في ديار البراهم |
فمغزاهم في الهند لا يعرفونكم | بغير أحاديث لذكر التهازم |
وفي فارس والسوس جمع عرموم | وفي أصبهان كل أروع عازم |
فلو قد أتاكم جمعهم لغدوتم | فرائس للآساد مثل البهائم |
وبالبصرة الزهراء والكوفة التى | سمت وبأدنى واسط كالكظائم |
جموع تسامى الرمل جم عديدهم | فما أحد ينوى لقاهم بسالم |
ومن دون بيت الله مكة والتى | حباها بمجد للثريا ملازم |
محل جميع الأرض منها تيقنا | محلة سفل الخف من فص خاتم |
دفاع من الرحمن عنها بحقها | فما هو عما كر طرف برائم |
بها دفع الأحبوش عنها وقبلهم | بحصباء طير من ذرا الجو حائم |
وجمع كموج البحر ماض عرمرم | حمى سرة البطحاء ذات المحارم |
ومن دون قبر المصطفى وسط طيبة | جموع كمسود من الليل فاحم |
يقودهم جيش الملائكة العلا | كفاحا ودفعا عن مصل وصائم |
فلو قد لقيناكم لعدتم رمائما | بمن في أعالى نجدنا والحضارم |
وباليمن الممنوع فتيان غارة | إذا ما لقوكم كنتم كالمطاعم |
وفى حلتى أرض اليمامة عصبة | مغاور أنجاد طوال البراجم |
سنفنيكم والقرمطيين دولم | يعود لميمون النقيبة حازم |
خليفة حق ينصر الدين حكمة | ولا يتقى في الله لومة لائم |
إلى ولد العباس تنمى جدوده | بفخر عميم أو لزهر العباشم |
ملوك جرى بالنصر طائر سعدهم | فأهلا بماض منهم وبقادم |
محلتهم في مجلس القدس أو لدى | منازل بغداد محل الأكارم |
وإن كان من عليا عدى وتيمها | ومن أسد أهل الصلاح الحضارم |
فأهلا وسهلا ثم نعمى ومرحبا | بهم من خيار سالفين أقادم |
هم نصروا الإسلام نصرا مؤزرا | وهم فتحوا البلدان فتح المراغم |
رويدا فوعد الله بالصدق وارد | بتجريع أهل الكفر طعم العلاقم |
سنفتح قسطنطينة وذواتها | ونجعلكم قوت النسور القشاعم |
ونملك أقصى أرضكم وبلادكم | ونلزمكم ذلك الجزى والمغارم |
ونفتح أرض الصين والهند عنوة | بجيش بأرض الترك والخزر حاطم |
مواعيد للرحمن فينا صحيحة | وليست كأمثال العقول السقائم |
إلى أن يرى الإسلام قد عم حكمه | جميع البلاد بالجيوش الصوارم |
أتقرن يا مخذول دين مثلث | بعيد عن المعقول بادى المآثم |
تدين لمخلوق يدين عبادة | فيا لك سحقا ليس يخفى لكاتم |
أنا جيلكم مصنوعة بتكاذب | كلام الألى فيما أتوا بالعظائم |
وعود صليب لا تزالون سجدا | له يا عقول الهاملات السوائم |
تدينون تضلالا بصلب إلهكم | بأيدى يهود أرذلين ألائم |
إلى ملة الإسلام توحيد ربنا | فما دين ذى دين لنا بمقاوم |
وصدق رسالات الذى جاء بالهدى | محمد الآتى برفع المظالم |
وأذعنت الأملاك طوعا لدينه | ببرهان صدق ظاهر في المواسم |
كما دان في صنعاء يا لك دولة | وأهل عمان حيث رهط الجهاضم |
وسائر أملاك اليمانين أسلموا | ومن بلد البحرين قوم اللهازم |
أجابوا لدين الله دون مخافة | ولا رغبة تحظى بها كف عادم |
فحلوا عرى التيجان طوعا ورغبة | لحق يقين بالبراهين ناجم |
وحاباه بالنصر المليك إلاهه | وصير من عاداه تحت المناسم |
فقير وحيد لم تعنه عشيرة | ولا دفعوا عنه شتيمة شاتم |
ولا عنده مال عتيد لناصر | ولا دفع مرهوب ولا لمسالم |
ولا وعد الأنصار دنيا تخصهم | بلى كان معصوما لأعظم عاصم |
فلم تمتهنه قط هوة آسر | ولا مكنت من جسمه يد لاطم |
كما يفترى زورا وإفكا وضلة | على وجه عيسى منكم كل آثم |
على أنكم قد قلتم هو ربكم | فيالضلال في الحماقة جاثم |
أبى الله أن يدعى له ابن وصاحب | ستلقى دعاة الكفر حالة نادم |
ولكنه عبد نبى مكرم | من الناس مخلوق ولا قول زاعم |
أيلطم وجه الرب تبا لجهلكم | لقد فقتم في جهلكم كل ظالم |
وكم آية أبدى النبى محمد | وكم علم أبداه للشرك حاطم |
تساوى جميع الناس في نصر حقه | فللكل من إعظامه حال خادم |
فعرب وأحبوش وترك وبربر | وفرس بهم قد فاز قدح المساهم |
وقبط وأنباط وخزر وديلم | وروم رموكم دونه بالقواصم |
أبوا كفر أسلاف لهم فتحنفوا | فآبوا بحظ في السعادة جاثم |
به دخلوا في ملة الحق كلهم | ودانوا لأحكام الإله اللوازم |
به صح تفسير المنام الذى أتى | به دانيال قبله ختم خاتم |
وسند وهند أسلموا وتدينوا | بدين الهدى في رفض دين الأعاجم |
وشق لنا بدر السموات آية | وأشبع من صاع له كل طاعم |
وسالت عيون الماء في وسط كفه | فأروى به جيشا كثير القماقم |
وجاء بما تقضى العقول بصدقه | ولا كدعاو غير ذات قوائم |
عليه سلام الله ما ذر شارق | تعاقبه ظلماء أسحم عاتم |
براهينه كالشمس لا مثل قولكم | وتخليطكم في جوهر وأقانم |
لنا كل علم من قديم ومحدث | وأنتم حمير ذاهبات المحازم |
أتيتم بشعر بارد متخاذل | ضعيف معانى النظم جم البلاغم |
فدونكها كالعقد فيه زمرد | ودر وياقوت بإحكام حاكم |
دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 3- ص: 200
محمد بن علي بن إسماعيل الإمام أبو بكر الشاشي الفقيه الشافعي المعروف بالقفال الكبير. أحد أعلام المذهب، وأئمة المسلمين.
ولد سنة إحدى وتسعين ومائتين، ومات بالشاش سنة خمس وستين، وقيل سنة ست وستين وثلاثمائة.
وسمع من أبي بكر بن خزيمة، ومحمد بن جرير، وأبي القاسم البغوي، وأبي عروبة الحراني، وعبد الله المدائني، ومحمد بن محمد الباغندي، وطبقتهم.
قال الشيخ أبو إسحاق: درس على ابن سريج، وجرى عليه الرافعي في «التذنيب» قال ابن الصلاح: الأظهر عندنا أنه لم يدرك ابن سريج، وهو الذي ذكره المطوعي في كتابه، يعني أن ابن سريج مات قبل دخوله بغداد.
وإنما أخذ عن أبي الليث الشالوسي، عن ابن سريج.
كان إمام عصره بما وراء النهر، فقيها، محدثا، مفسرا، أصوليا، لغويا، شاعرا، لم يكن للشافعية بما وراء النهر مثله في وقته.
رحل إلى خراسان والعراق والشام، وسار ذكره، واشتهر اسمه.
صنف في القرآن «التفسير الكبير»، و «دلائل النبوة»، و «محاسن الشريعة»، و «أدب القضاء» جزء كبير، وله «كتاب حسن في أصول الفقه»، وله «شرح الرسالة».
قال الحاكم: كان أعلم أهل ماوراء النهر بالأصول، وأكثرهم رحلة في طلب الحديث.
وقال الشيخ أبو إسحاق: له مصنفات كثيرة ليس لأحد مثلها، وهو أول من صنف الجدل من الفقهاء، وعنه انتشر فقه الشافعي بما وراء النهر.
وقال النووي: القفال هذا هو الكبير، يتكرر ذكره في التفسير، والحديث، والأصول، والكلام، بخلاف القفال الصغير المروزي، فإنه يتكرر في الفقه خاصة.
وقال الذهبي: سئل أبو سهل الصعلوكي عن تفسير أبي بكر القفال، فقال: قدسه من وجه ودنسه من وجه، أي دنسه من جهة نصرة مذهب الاعتزال.
روى عنه الحاكم، وابن منده، والحليمي، وأبو عبد الرحمن السلمي وجماعة.
ونقل عنه الإمام الرازي في «تفسيره» كثيرا مما يوافق مذهب المعتزلة.
وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: بلغني أنه كان مائلا عن الاعتدال قائلا بالاعتزال في أول مرة، ثم رجع إلى مذهب الأشعري.
قال الشيخ تاج الدين السبكي في «الطبقات الكبرى»: وهذه فائدة جليلة، انفرجت بها كربة عظيمة، وحسيكة في الصدر جسيمة؛ وذلك أن مذاهب تحكى عنه في الأصول، لا تصح إلا على قواعد المعتزلة، وطالما وقع البحث في ذلك حتى توهم أنه معتزلي، واستند المتوهم إلى ما نقل أن أبا الحسن الصفار، قال: سمعت أبا سهل الصعلوكي، سئل عن تفسير القفال، فقال ما حكاه ابن عساكر، وتبين لنا بها أن ما كان من هذا القبيل، كقوله: يجب العمل بالقياس عقلا، وبخبر الواحد عقلا، وأنحاء ذلك، فالذي نراه أنه لما ذهب إليه كان على ذلك المذهب، فلما رجع لا بد أن يكون قد رجع عنه، فاضبط ذلك.
قال: وقد ذكر الشيخ أبو محمد في «شرح الرسالة» أن القفال أخذ علم الكلام عن الأشعري، وأن الأشعري كان يقرأ عليه الفقه، كما كان هو يقرأ عليه الكلام، وذلك لا شك فيه، كذلك ويدل على أنه أشعري، وكأنه لما رجع عن الاعتزال، أخذ في تلقي علم الكلام عن الأشعري، فقرأ عليه على كبر السن، لعلي رتبة الأشعري، ورسوخ قدمه في الكلام.
ومن نظم القفال فيما رواه البيهقي عن عمر بن قتادة، قال: أنشدنا أبو بكر القفال لنفسه:
أوسع رحلي على منزلي | وزادي مباح على من أكل |
نقدم حاضر ما عندنا | وإن لم يكن غير بقل وخل |
فأما الكريم فيرضى به | وأما البخيل فمن لم أبل |
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 0( 0000) , ج: 2- ص: 198
محمد بن علي بن إسماعيل الإمام أبو بكر الشاشي الفقيه الشافعي المعروف بالقفال الكبير كان إمام عصره بما وراء النهر فقيها محدثا مفسرا أصوليا لغويا شاعرا لم يكن للشافعية بما وراء النهر مثله في وقته
كان مولده سنة إحدى وتسعين ومائتين ورحل إلى خراسان والعراق والشام وسار ذكره واشتهر إسمه صنف في التفسير والأصول والفقه
قال الحاكم كان أعلم ما وراء النهر بالأصول وأكثرهم رحلة في طلب الحديث سمع ابن خزيمة وابن جرير وأبا القاسم البغوي وأبا عروبة الحراني
وقال الشيخ أبو إسحاق له مصنفات كثيرة ليس لأحد مثلها وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء وله كتاب
في أصول الفقه وله شرح الرسالة وعنه انتشر فقه الشافعي فيما وراء النهر
وقال السمعاني من مصنفاته دلائل النبوة ومحاسن الشريعة وقال النووي القفال هذا هو الكبير يتكرر ذكره في التفسير والحديث والأصول والكلام بخلاف القفال الصغير المروزي فإنه يتكرر في الفقه خاصة
وقال الذهبي سئل أبو سهل الصعلوكي عن تفسير أبي بكر القفال فقال قدسه من وجه ودنسه من وجه أي دنسه من جهة نصره مذهب الاعتزال
روى عنه الحاكم وابن منده والحليمي وأبو عبد الرحمن السلمي وجماعة
وكانت وفاته سنة ست وستين وثلاثمائة
مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 79
علم من أعلام المذهب رفيع، ومجمع علوم هو بها عليم ولها جموع.
سمع - فيما حكاه الحاكم - الحديث بخراسان من: الإمام أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة وأقرانه، وبالعراق من: عبد الله بن إسحاق المدائني، ومحمد بن جرير الطبري، وأبي بكر الباغندي، في آخرين من طبقة تقع قبل طبقة البغوي وأقرانه، وبالجزيرة من أبي عروبة وأقرانه، وبالشام من أبي الجهم وأقرانه، وبالكوفة من عبد الله بن ريذان وأقرانه، وحدث.
روى عنه الحاكم وغيره، وكان ورد نيسابور أولا على الإمام أبي بكر ابن خزيمة، ثم توجه إلى العراق وقد مات أبو العباس ابن سريج، فأخذ عن أقرانه وبعض أصحابه.
وذكر الشيخ أبو إسحاق عنه أنه درس على أبي العباس ابن سريج، والأظهر عندنا أنه لم يدرك ابن سريج، وهو الذي ذكره المطوعي في كتابه، توفي - رحمه الله - بالشاش، في ذي الحجة، سنة خمس وستين وثلاث مئة، حكاه الحاكم.
وقال الشيخ أبو إسحاق: مات سنة ست وثلاثين وثلاث مئة، وهو وهم قطعا.
دار البشائر الإسلامية - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 1- ص: 228
محمد بن علي بن إسماعيل، أبو بكر، الشاشي، القفال الكبير، الفقيه الشافعي.
سمع: أبا الجهم بن طلاب، وأبا عروبة، وأبا بكر بن خزيمة، وعبد الله بن إسحاق المدائني، ومحمد بن جرير الطبري، وأبا بكر الباغندي، وعبد الله بن زيدان الكوفي، وأبا بكر بن دريد، وعمر بن محمد البجيري السمرقندي، ويحيى بن محمد بن صاعد، وإسحاق بن محمد بن إسحاق الرسعني - رأس العين - وأبا بكر بن أبي داود، وأبا بكر الصيرفي، وغيرهم.
وعنه: أبو عبد الله الحاكم - في ’’مستدركه’’ ووصفه بالفقيه الإمام - وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو عبد الله الحسن بن محمد الزنجاني، وأبو عبد الله بن مندة، وأبو عبد الله غنجار، وأبو حسان المزكي النيسابوري، وأبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان، وأبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي، وإسماعيل بن إبراهيم النصرآباذي، وأبو علي الحسين بن شعيب السنجي الفقيه - وقيل: إنه أكبر تلامذته، وأنه أول من جمع بين طريقتي العراقيين والخراسانيين - وأبو حامد محمد بن عبد الواحد الواعظ، وأبو سعد الإدريسي، وأبو نصر بن قتادة، وأبو عبد الله الحليمي، وابنه أبو القاسم بن أبي بكر القفال، وأبو زرعة عبد الله بن الحسين الفقيه، وغيرهم.
قال الحاكم في ’’تاريخه’’: الفقيه الأديب أبو بكر الشاشي، إمام عصره بما وراء النهر للشافعيين، وأعلمهم بالأصول، وأكثرهم رحلة في طلب الحديث، سمع بخراسان، وبالعراق، وبالجزيرة، وبالشام، كتبت عنه، وكتب عني بخط يده، وسمعته يقول: دخلت على أبي بكر بن خزيمة عند ورودي نيسابور وأنا غلام أيفع، فتكلمت بين يديه في مسألة فقال لي: يا بني على من درست الفقه؟ فسميت له أبا الليث، فقال: على من درس؟
فقلت: على ابن سريج، فقال: وهل أخذ ابن سريج إلا من كتب مستعاة؟ فقال بعض من حضره: أبو الليث هذا مهجور بالشاش، فإن البلد للحنابلة، فقال أبو بكر: وهل كان ابن حنبل إلا غلاماً من غلمان الشافعي.
وكان أبو بكر القفال الشاشي يقول: لولا الأمير أبو الحسن لما استقر لي وطني بالشاش.
وقال أبو عاصم العبادي في ’’طبقاته’’: هو أفصح الأصحاب قلماً، وأثبتهم في دقائق العلوم قدماً، وأسرعهم بياناً، وأثبتهم جناناً، وأعلاهم إسناداً، وأرفعهم عماداً. وقال الحليمي: كان شيخنا القفال أعلم من لقيته من علماء عصره. وقال في كتابه ’’شعب الإيمان’’: الذي هو أعلم من لقينا من علماء عصرنا، صاحب الأصول والجدل، وحافظ الفروع والعلل، وناصر الدين بالسيف والقلم، والموفي بالفضل في العلم على كل علم، أبو بكر محمد بن علي الشاشي. وقال أبو إسحاق الشيرازي في ’’طبقاته’’: درس على أبي العباس بن سريج، وكان إماماً، وله مصنفات كثيرة ليس لأحد مثلها، وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء، وله ’’كتاب في أصول الفقه’’، وله ’’شرح الرسالة’’ وعنه انتشر فقه الشافعي بما وراء النهر. قال ابن الصلاح: الأظهر عندنا أنه لم يدرك ابن سريج. وقال الذهبي: وذكر أبو إسحاق أنه تفقه على ابن سريج، وهذا وهم؛ لأن ابن سريج مات قبل قدوم القفال بثلاث سنين، فإنه رحل من الشاش سنة تسع وثلاثمائة، وأبو العباس مات سنة ست وثلاثمائة. وقال أبو الحسن الصفار: سمعت أبا سهل الصعلوكي وسئل عن ’’تفسير أبي بكر القفال’’ فقال: قدسه من وجه، ودنسه من وجهٍ، أي: دنسه من جهة نصر مذهب الاعتزال. قال الذهبي في ’’النبلاء’’: قلت: قد مر موته، والكمال عزيز، وإنما يمدح العالم بكثرة ما له من الفضائل، فلا تدفن المحاسن لورطة، ولعله رجع عنها، وقد يغفر له باستفراغه الوسع في طلب الحق ولا قوة إلا بالله. وقال ابن الملقن في ’’العقد المذهب’’: ومن تصانيفه تفسير كبير قيل ينصر فيه ما يوافق المعتزلة، فلهذا قال الصعلوكي فيه: إنه دفنه في وقته. وقال ابن عساكر في ’’التبيين’’: بلغني أنه كان في أول أمره مائلاً عن الاعتدال قائلاً بمذاهب أئمة الاعتزال، والله أعلم. قال السبكي: قلت: وهذا فائدة جليلة، انفرجت بها كربة عظيمة، وحسيكة في الصدر جسيمة؛ وذلك أن مذاهب تحكي عن هذا الإمام في الأصول، لا تصح إلا على قواعد المعتزلة، وطالما وقع البحث في ذلك حتى توهم أنه معتزلي.
وقال مرة: قلت: وقد انكشفت الكربة بما حكاه ابن عساكر، وقد ذكر الشيخ أبو محمد الجويني في ’’شرح الرسالة’’: أن القفال أخذ علم الكلام عن الأشعري، وأن الأشعري كان يقرأ عليه الفقه، كما كان هو يقرأ عليه الكلام، وهذه الحكاية تدل على معرفته بعلم الكلام، وذلك لا شك فيه، كذلك تدل على أنه أشعري، وكأنه لما رجع عن الاعتزال، وأخذ في تلقي علم الكلام عن الأشعري فقرأ عليه على كبر السن، لعلي رتبة الأشعري، ورسوخ قدمه في الكلام، وقراءة الأشعري الفقه عليه تدل على علو مرتبته أعني مرتبة القفال وقت قراءته على الأشعري، وأنه كان بحيث يحمل عنه العلم. وقال السمعاني: أحد أئمة الدنيا في التفسير والحديث والفقه واللغة. وقال مرة: إمام عصره بلا مدافعة، وكان إماماً أصولياً لغوياً محدثاً شاعراً، أفنى عمره في طلب العلم ونشره، وشاع ذكره في الشرق والغرب، وصنف التصانيف الحسان، منها: ’’دلائل النبوة’’، ومحاسن الشريعة، رحل إلى خراسان والعراق والحجاز والشام والثغور، وقيل فيه:
هذا أبو بكر الفقيه القفال | يفتح بالفقه صعاب الأقفال وقال ابن الصلاح في ’’طبقاته’’: علم من أعلام المذهب رفيعٌ، ومجمع علوم هو بها عليمٌ، ولها جموعٌ. وقال الذهبي: الإمام العلامة الأصولي اللغوي، عالم خراسان، وإمام وقته بما وراء النهر، وصاحب التصانيف. وقال السبكي: الإمام الجليل، أحد أئمة الدهر، ذو الباع الواسع في العلو، واليد الباسطة، والجلالة التامة، والعظمة الوافرة، كان إماماً في التفسير، إماماً في الحديث، إماماً في الكلام، إماماً في الأصول، إماماً في الفروع، إماماً في الزهد والورع، إماماً في اللغة والشعر، ذاكراً للعلوم، محققاً لما يورده، حسن التصرف فيما عنده، فرداً من أفراد الزمان. وقال رشيد الدين العطار في ’’نزهة الناظر’’: أحد الأئمة الفقهاء، والاكابر العلماء، وشهرته تغني عن بسط القول في وصفه، رحل في طلب العلم إلى الأقطار البعيدة، وصنف التصانيف المفيدة، ومن جملتهما ’’تفسير القرآن العظيم’’، الذي لم يصنف مثله، روى عنه الأكابر من العلماء. وقال الرافعي في ’’التدوين’’: ورد قزوين سنة بضع وخمسين وثلاثمائة، وحضر مجلسه الكبار أبو منصور القطان وأقرانه، وكتبوا عنه. |
أوسع رحلي على من نزل | وزادي مباحٌ على من أكل |
تقدم حاضر ما عندنا | وإن لم يكن غير بقل وخل |
فأما الكريم فيرضى به | وأما البخيل فمن لم أبل |
أتاني مقالٌ لامرئٍ غير عالمٍ | بطرق مجاري القول عند التخاصم |
تخرص ألقاباً له جد كاذب | وعدد آثاراً له جد واهم |
وأفرط إرعاداً بما لا يطيقه | وأدلى ببرهانٍ له غير لازم |
تسمى بطهرٍ وهو أنجس مشركٍ | مدنسة أثوابه بالمداسم |
وقال مسيحي وليس كذاكم | أخوة قسوةٍ لا يحتذي فعل راحم |
وليس مسيحياً جهولاً مثلثاً | يقول لعيسى جل عن وصف آدم |
تثبت هداك الله إن كنت طالباً | لخقٍ فليس الخبط فعل المقاسم |
ولا تتكبر بالذي أنت لم تنل | كلابس ثوب الزور وسط المقاوم |
تعدد أياماً أتت لوقوعها | سنونٌ مضت من دهرنا المتقادم |
سبقت بها دهراً وأنت تعدها | لنفسك لا ترضى بشرك المساهم |
وما قدر أرتاح ودارا فيذكرا | فخاراً إذا عدت مساعي القماقم |
وما الفخر في ركضٍ على أهل غرةٍ | وهل ذاك إلا من مخافة هازم |
وهل نلت إلا صقع طرسوس بعد أن | تسلمتها من أهلها كالمسالم |
ومصيصةٍ بالغدر قتلت أهلها | وذلك في الأديان إحدى العظائم |
ترى نحن لم نوقع بكم وبلادكم | وقائع يثنى ذكرها في المواسم |
مئين ثلاثاً من سنينٍ تتابعت | تدوس الذرى من هامكم بالمناسم |
أتذكر هذا أم فؤادك هائم | فليس بناسٍ كل ذا غير هائم |
ومن شر يومٍ للفتى هيمانه | فيا هائماً بل نائماً شر نائم |
فمنكم أخذنا كل ما قد أخذتم | وأضعاف أضعافٍ له بالصماصم |
طردناكم قهراً إلى أرض رومكم | فطرتم من السامات طرد النعائم |
لجأتم إليها كالقنافذ جثماً | أدلاهم عن حتفه كل حاطم |
ولولا وصايا للنبي محمد | بكم لو تنالوا أمن تلك المجاثم |
فأنتم على خسر وإن عاد برهة | إليكم حواشيها لغفلة قائم |
ولكن كرمنا إذا ظفرنا وأنتم | ظفرتم فكنتم قدوة للالائم |
وقلت ملكناكم بجور قضاتكم | وبيعهم أحكامهم بالدراهم |
وفي ذاك إقرار بصحة ديينا | وألا ظلمنا فابتلينا بظالم |
وعددت بلدانا تريد افتتاحها | وتلك أمانٍ ساقها حلم حالم |
ومن رام فتح الشرق والغرب ناشراً | لدين صليبٍ فهو أخبث رائم |
ومن دان للصلبان يبغي به الهدى | فذاك حمارٌ وسمه في الخراطم |
وليس ولياً للمسيح مثلثٌ | فيرجوه نقفورٌ لمحو المآثم |
وعيسى رسول الله مولود مريمٍ | غذته كما قد غذيت بالمطاعم |
وأما الذي فوق السموات عرشه | فخالق عيسى وهو محي الرمائم |
وما يوسف النجار بعلاً لمريم | كما زعموا كذب به قول زاعم |
وإنجيلهم فيه بيانٌ لقولنا | وبشرى بآتٍ بعد للرسل خاتم |
وسماه بارقليط يأتي بكشف ما | أتاهم به من حمله غير كاتم |
وكان يسمى بابن داود فيهم | بحيث إذا يدعى به في التكالم |
وهل أمسك المنديل إلا لحاجةٍ | وهل حاجةٌ إلا لعبد وخادم |
وإن كان قد مات النبي محمدٌ | فأسوة كل الأنبيا والأعاظم |
وعيسى له في الموت وقتٌ مؤجلٌ | يموت له كالرسل من آل آدم |
فإن دفعوا هذا فقد عجلوا له | وفاة بصلبٍ وارتكاب صيالم |
صيالم من إكليل شوكٍ وأحبل | يجر بها نحو الصليب ولاطم |
وإن يك أولادٌ لأحمد جرعوا | شدائد من أسرٍ وجز جماجم |
فعيسى على ما تزعمون مجرعٌ | من القتل طعماً مثل طعم العلاقم |
ويحيى وزكريا وخلقٌ سواهما | أكارم عند الله نجل أكارم |
تولتهم أيدي الطغاة فلم تنل | قضاياهم من ذاك وصمة واصم |
فمن مبلغٌ نقفور عني مقالتي | جواباً لما أبداه من نظم ناظم |
لئن كان بعض العرب طارت قلوبهم | أو أرتد منهم حشوةٌ كالبهائم |
لقد أسلمت بالشرق هندٌ وسندها | وضينٌ وأتراك الرجال الأعاجم |
بتدبير منصور بن نوح وجنده | وأشياخه أهل النهى والعزائم |
وإن تك بغدادٌ أصيبت بملكها | وصارت عبيداً للعبيد الديالم |
فللحق أنصارٌ ولله صفوةٌ | يذودون عنه بالسيوف الصوارم |
فمن عربٍ غلبٍ ملوكٍ بغالبٍ | ومن عجيم صيدٍ ملوك بهازم |
فالبدين منهم قائمٌ أي قائم | وللملك منهم هاشمٌ أي هاشم |
جزى الله سيف الدولة الخير باقياً | وأكرمه بالفاضلات الكرائم |
وألبس منصور بن نوح سلامةً | تدوم له ما عاش أدوم دائم |
هما أمنا الإسلام من كل هاضمٍ | وصانا بناء الدين عن كل هادم |
ومن مبلغٌ نقفور عني نصيحة | بتقدمةٍ قدام عض الأباهم |
أتتك خراسان تجر خيولها | مسومة مثل الجراد السوائم |
كهولٌ وشبانٌ حماةٌ أحامسٌ | ميامن في الهيجاء غيرمشائم |
غزاةٌ شروا أرواحهم من إلاههم | بجناته والله أوفى مساوم |
فإن تعرضوا فالحق أبلج واضحٌ | معالمه مشهورةٌ كالمعالم |
تعالوا نحاكمكم ليحكم بيننا | إلى السيف إن السيف أعدل حاكم |
سيجرى بنا والله كافٍ وعاصمٌ | لنا خير وافٍ للعباد وعاصم |
ونرجوا بفضل الله فتحاً معجلاً | ننال بقسطنطين ذات المحارم |
هناك ترى نقفور والله قادرٌ | ينادى عليه قائماً في المقاسم |
ويجرى لنا في الروم طراً وأهلها | وأموالها جمعاً سهام المغانم |
فيضحك منا سن جدلان باسم | ويقرع منه سن خزيان نادم |
وإن تسلموا فالسلم فيه سلامة | وأهنأ عيشٍ للفتى عيش سالم |
دار العاصمة للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية-ط 1( 2011) , ج: 2- ص: 1
محمد بن علي بن إسماعيل الإمام أبو بكر الشاشي الفقيه الشافعي المعروف بالقفال الكبير.
كان إمام عصره، بما وراء النهر، فقيها، محدثاً، مفسراً، أصولياً، لغوياً، شاعراً.
لم يكن للشافعية بما وراء النهر مثله في وقته
رحل إلى خراسان والعراق والشام، وسار ذكره، واشتهر أسمه.
صنف في التفسير والأصول والفقه.
قال الحاكم: كان أعلم ما وراء النهر بالأصول، وأكثرهم رحلة في طلب الحديث.
سمع من ابن حزيمة وابن جرير، وأبي القاسم البغوي وأبي عروبة الحراني.
وقال الشيخ أبو إسحاق: له مصنفات كثيرة ليس لأحد مثلها، وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء وله كتاب في أصول الفقه وله شرح الرسالة وعنه انتشر فقه الشافعي فيما وراء النهر.
وقال ابن السمعاني: من مصنفاته دلائل النبوة ومحاسن الشريعة.
وقال النووي: القفال هذا هو الكبير، يتكرر ذكره في التفسير، والحديث والأصول، والكلام، بخلاف القفال الصغير المروزي فإنه يتكرر في الفقه خاصة.
وقال الذهبي: سئل أبو سهل الصعلوكي عن تفسير أبي بكر القفال فقال قدسه من وجه ودنسه من وجه أي دنسه من جهة نصرة الاعتزال.
روى عنه الحاكم، وابن مندة، والحليمي، وأبو عبد الرحمن السلمي وجماعة.
مولده سنة إحدى وتسعين ومائتين ومات سنة خمس وستين وثلاثمائة.
قلت نقل عنه الإمام الرازي في تفسيره كثيرا مما يوافق مذهب المعتزلة ونقلت عنه بعض مناسبات في كتابي أسرار التنزيل.
مكتبة وهبة - القاهرة-ط 1( 1976) , ج: 1- ص: 109
محمد بن علي بن إسماعيل أبو بكر الشاشى القفال الكبير.
أحد أعلام المذهب، سمع ابن خزيمة وغيره، وعنه الحاكم وخلق، وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء، قال الشيخ أبو إسحاق: ودرس على ابن سريج، ومات سنة ست وثلاث ثلاثمائة كذا قال وهو وهم وصوابه سنة خمس وستين كما ذكره الحاكم، ونبه علمه ابن الصلاح، واختلف في كلام السمعاني في الأنساب. فقال في ترجمة القفال ما ذكرناه، وقال فيه في ترجمة الشاشى وفى الذيل سنة ست وستين، وذكر الرافعي أيضاً في تزنيبه: أنه أخذ الفقه عن ابن سريج. قال ابن الصلاح: والأظهر عندنا أنه لم يدرك ابن سريج وإنما أخذ الفقه عن أقرانه وبعض أصحابه. وهو الذي ذكره المطوعي في كتابه، وكان مولده سنة إحدى وتسعين ومائتين. ومن تصانيفه ’’أصول الفقه’’، و’’أدب القضاء’’ و’’شرح الرسالة’’، و’’دلائل النبوة’’، و’’محاسن الشريعة’’. وقال الشيخ أبو إسحاق: ومصنفاته كثيرة ليس لأحد مثلها. وعنه انتشر فقه الشافعي فيما وراء النهر، قال أبو حفص المطوعى: المنجبون من فقهاء أصحابنا أربعة: أبو بكر الإسماعيلى حيث ولد ابنه أبا سعد، والإمام أبو سهل حيث ولد الإمام ابن الإمام، والكمال ابن التمام، وأبو بكر القفال حيث حظى من نسله بالولد النجيب الذي ينسب إليه كتاب ’’التقريب’’، وأبو جعفر الحناطى حيث رزق مثل الشيخ أبي عبد اللَّه، وكذا رضينا نجلاء، وكذا قال النووي في ’’تهذيبه’’، وإذا ذكر القفال الشاشى فالمراد هذا، وإذا ورد القفال المروزي فهو القفال الصغير الذي كان بعد الأربعمائة، ومن غرائب صاحب الترجمة: أن الكبير يعق عن نفسه، ومن تصانيفه تفسير كبير قيل ينصر فيه ما يوافق المعتزلة، فلهذا قال الصعلوكى فيه أنه دفنه من وقته، وقال ابن عساكر: بلغنى أنه كان مائلا عن الاعتزال قائلاً بالاعتزال في أول أمره ثم رجع إلى مذهب الأشعري أي ممن قوله الأول: يجب العمل بالقياس عقلاً وبخبر الواحد عقلاً وغير ذلك، وقال القاضي أبو بكر في ’’التقريب والإرشاد’’: والأستاذ أبو إسحاق في ’’تعليقه في الأصول’’ لما حكى هذه المذاهب: اعلم أن هذه الطائفة من أصحابنا ابن سريج وغيره، كانوا قد برعوا في الفقه وتوغلوا فيه، ولم يكن لهم قدم راسخ في الكلام وطالعوا على الكبر كتب المعتزلة فاستحسنوا عباراتهم، وقولهم يجب شكر المنعم عقلاً فذهبوا إلى ذلك غير عالمين بما يؤدى إليه هذه المقالة من قبيح القول.
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1