المعز الفاطمي معد (المعز لدين الله) بن اسماعيل (المنصور) بن القائم بن المهدي عبيدالله الفاطمي العبيدي، ابو تميم: صاحب مصر وافريقية، واحد الخلفاء في هذه الدولة. ولد بالمهدية (في المغر) وبويع له بالخلافة في (المنصورية) بعد وفاة ابيه (سنة341هـ) فجهز وزيره القائد جوهرا واصحبه بجيش كثيف ليفتح ما استعصى عليه من بلاد المغرب فسار إلى فاس وسجلماسة ففتحهما. وانقادت له بلاد افريقية كلها، ماعدا (سبتة) فانها بقيت لبني امية (اصحاب الاندلس) وجاءت الانباء بموت كافور الاخشيدي (صاحب مصر) فاشار إلى القائد جوهر بالسير إلى مصر، فقصدها، ودخل فاتحا (سنة358) واختط مدينة القاهرة سنة359-361هـ ، وسماها (القاهرة المعزية) واقام الدعوة للمعز، بمصر والشام والحجاز. وفي اواخر سنة361 استخلف المعز على افريقية (بلكين بن زيري) الصنهاجي، وخرج من المنصورية (دار ملكه بالمغرب) فنزل بسردانية يتهيأ للرحلة إلى مصر، ثم رحل عنها في5صفر 362فمر ببرقة ودخل الاسكندرية يوم 6 شعبان 362هـ ، ودخل القاهرة يوم 5 رمضان فكانت مقر ملكه وملك الفاطميين إلى اخر ايامهم. وكان عاقلا حازما شجاعا اديبا ينسب اليه شعر رقيق. وهو ممدوح ابن هانئ الاندلسي. ولابراهيم جلال (المعز الفاطمي-ط) رسالة في سيرته.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 7- ص: 265
المعز هو المعز لدين الله، أبو تميم معد بن المنصور إسماعيل بن القائم العبيدي المهدوي المغربي الذي بنيت القاهرة المعزية له كان صاحب المغرب وكان ولي عهد أبيه.
ولي سنة إحدى وأربعين وثلاث مائة، وسار في نواحي إفريقية يمهد ملكه فذلل الخارجين عليه واستعمل مماليكه على المدن واستخدم الجند وأنفق الأموال وجهز مملوكه جوهر القائد في الجيوش. فسار فافتتح سجلماسة، وسار إلى أن وصل إلى البحر الأعظم، وصيد له من سمكه، وافتتح مدينة فاس وأسر صاحبها وصاحب سبتة وبعث بهما إلى أستاذه. وقيل: لم يقدر على سبتة وكانت لصاحب الأندلس المرواني.
قال القفطي: عزم المعز على بعث جيشه إلى مصر فسألته أمه أن يؤخر ذلك لتحج خفية فأجابها، وحجت فأحس بقدومها الأستاذ كافور -يعني صاحب مصر- فحضر إليها وخدمها وحمل إليها تحفا وبعث في خدمتها أجنادا فلما رجعت منعت ابنها من قصد مصر فلما مات كافور بعث المعز جيشه فأخذوا مصر.
قلت: قدم عليهم جوهرا فجنى ما على البربر من الضرائب فكان ذلك خمس مائة ألف دينار، وعمد المعز إلى خزائن آبائه فبذل منها خمس مائة حمل من المال وساروا في أول سنة ثمان وخمسين في أهبة عظيمة.
وكانت مصر في القحط فأخذها جوهر وأخذ الشام والحجاز ونفذ يعرف مولاه بانتظام الأمر.
وضربت السكة على الدينار بمصر وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله علي خير الوصيين، والوجه الآخر اسم المعز والتاريخ وأعلن الأذان بحي على خير العمل ونودي من مات، عن بنت وأخ أو أخت فالمال كله للبنت فهذا رأي هؤلاء.
ثم جهز جوهر هدية إلى المعز، وهي عشرون كجاوة منها واحدة مرصعة بالجواهر وخمسون فرسا كاملة العدة وخمس وخمسون ناقة مزينة وثلاث مائة وخمسون جملا بخاتي، وعدة أحمال من نفائس المتاع وطيور في أقفاص سار بها جعفر ولد جوهر ومعه عدة
أمراء إخشيدية تحت الحوطة مكرمين واعتقل أبناء الملك علي بن الإخشيد في رفاهية وأحسن إلى الرعية وتصدق بمال عظيم.
وأخذت الرملة بالسيف وأسر صاحبها الحسن بن أخي الإخشيد وأمراؤه وبعثوا إلى المغرب.
وأمر الأعيان بأن يعولوا المساكين لشدة الغلاء.
فتهيأ المعز واستناب على المغرب بلكين الصنهاجي، وسار بخزائنه وتوابيت آبائه. وكان دخوله إلى الإسكندرية في شعبان سنة اثنتين وستين وثلاث مائة وتلقاه قاضي مصر الذهلي وأعيانها فأكرمهم وطال حديثه معهم وعرفهم أن قصده الحق والجهاد، وأن يختم عمره بالأعمال الصالحة، وأن يقيم أوامر جده رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ووعظ وذكر حتى أعجبهم وبكى بعضهم ثم خلع عليهم. وقال للقاضي أبي الطاهر الذهلي: من رأيت من الخلفاء؟ فقال: واحدا. قال: من هو؟ قال مولانا، فأعجبه ذلك.
ثم إنه سار حتى خيم بالجيزة فأخذ عسكره في التعدية إلى الفسطاط ثم دخل القاهرة وقد بني له بها قصر الإمارة وزينت مصر، فاستوى على سرير ملكه وصلى ركعتين.
وكان عاقلا لبيبا حازما ذا أدب وعلم ومعرفة وجلالة وكرم يرجع في الجملة إلى عدل وإنصاف ولولا بدعته ورفضه لكان من خيار الملوك.
قيل: إن زوجة صاحب مصر الإخشيد لما زالت دولتهم أودعت عند يهودي بغلطاقا من جوهر ثم إنها طلبته منه فأنكره وصمم فبذلت له كمه فأصر فما زالت حتى قالت: خذه وهات كما منه فما فعل فأتت القصر فأذن المعز لها فحدثته بأمرها فأحضر اليهودي وقرره فلم يقر فنفذ إلى داره من أخرب حيطانها فوجدوا جرة فيها البغلطاق، فلما رآه المعز ابتهر من حسنه وقد نقصه اليهودي درتين باعهما بألف وست مائة دينار فسلمه إليها، فاجتهدت أن يأخذه هدية منها أو بثمن فأبى، فقالت: يا أمير المؤمنين! إنما كان يصلح لي إذ كنا أصحاب البلاد وأما اليوم فلا ثم أخذته ومضت.
قيل: إن المنجمين أخبروا المعز أن عليك قطعا فأشاروا أن يتخذ سربا يتوارى فيه سنة ففعل فلما طالت الغيبة ظن جنده المغاربة أنه رفع فكان الفارس منهم إذا رأى غمامة ترجل ويقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين! ثم إنه خرج بعد سنة فخرج فما عاش بعدها إلا يسيرا.
وللشعراء فيه مدائح.
ومن شعره:
أطلع الحسن من جبينك شمسا | فوق ورد من وجنتيك أطلا |
فكان الجمال خاف على الور | د ذبولا فمد بالشعر ظلا |
لله ما صنعت بنا | تلك المحاجر في المعاجر |
أمضى وأقضى في النفو | س من الخناجر في الحناجر |
ولقد تعبت ببينكم | تعب المهاجر في الهواجر |
في سنة ستين وثلاث مائة: وجد بالسوق | قد نسج فيه ’’المعز -عز وجل’’- فأحضر النساج إلى الجوهر فأنكر ذلك وصلب النساج ثم أطلق. |
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 11- ص: 428
ولى بعد أبيه وهو ابن اثنتين وعشرين سنة وقيل أربع وعشرين مولده بالمهدية سنة تسع عشرة وثلاثمائة وأقام من يوم وفاة أبيه وإفضاء الأمر إليه في تدبير الأمور إلى يوم الأحد سابع ذي الحجة من سنة إحدى وأربعين وفيه قعد للخاصة وكثير من العامة فسلموا عليه بالخلافة وتسمى بالمعز لدين الله ولم يظهر على أبيه حزنا وبعث إلى المهدية في عمومته وأهل بيته فوردوا عليه وبايعوا له وحضروا معه عيد الأضحى وخرج فصلى بالناس وخطب ونحر، وكان من أهل البيان والبلاغة والخطابة وله مع أبي القاسم محمد بن هاني الأندلسي زعيم شعرائه وقاصر أمداحه على غلو فيها عليه أنباء مذكورة وهو أحد ملوك بني عبيد الله العظماء
وساعده الحال فملك مصر دون كبير مشقة وانتقل إليها من إفريقية في آخر دولته في شعبان سنة 362 ولم تزل في يده وأيدي بنيه متصلة بإفريقية ومنقطعة منها نيفاً على مائتي سنة وآخرهم ملكا بها أبو محمد عبد الله العاضد وهو ابن يوسف بن عبد المجيد بن محمد ابن عم معد المستنصر بالله بن علي الطاهر بن منصور الحاكم ابن نزار العزيز بن معد المعز هذا
ولم يتقلد سلطانهم من أول قيام المهدي عبيد الله إلى حين انقراضه من أبوه غير خليفة إلا الحافظ والعاضد وكانت وفاته يوم السبت للنصف من جمادى الأولى سنة أربع وستين وخمسمائة في آخر خلافة المستنجد بالله أبي المظفر يوسف بن المقتفي بن المستظهر بن المقتدي بن محمد بن القائم بن القادر أبي العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر بن المعتضد بن الموفق بن المتوكل ابن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله ابن العباس رضي الله عنهم
وأغزى المعز جوهراً خادمه وكاتبه إلى المغرب ففتح عليه ثم أغزاه مصر فافتتحها في شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة بعد وفاة كافور الإخشيدي بسنة أو نحوها، وابتنى له القاهرة فانتقل المعز إليها في آخر شوال سنة إحدى وستين ووصل إلى الإسكندرية لست بقين من شعبان سنة اثنتين وستين واستقر بقصره بالقاهرة يوم الثلاثاء السابع رمضان وقيل الخامس منه
واستخلف على إفريقية أبا الفتوح يوسف بن زيري بن مناد الصنهاجي وهو الذي يقال له بلقين فوليها بعده ولده طائعين للعبيديين ومنتزين عليهم إلى أن تغلب الروم على المهدية في إمرة آخر هؤلاء الصنهاجيين وهو الحسن بن علي بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس بن المنصور بن أبي الفتوح المذكور وذلك في سنة أربع وأربعين وستمائة
ودام ملك المعز بعد استئثاره بملك مصر إلى أن توفي بالقاهرة يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة خمس وستين وثلاثمائة فكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وخمسة أشهر وعشرة أيام، وفي كتاب أبي إسحاق الرقيق أن خلافته كانت أربعا وعشرين سنة وأن عمره عند وفاته بلغ ثمانية وأربعين سنة مولده سنة ثمان عشرة وثلاثمائة"
دار المعارف، القاهرة - مصر-ط 2( 1985) , ج: 2- ص: 2