العطار أحمد بن محمد بن علي الحسني البغدادي العطار: فقيه إمامي، من أهل بغداد، انتقل إلى النجف. من كتبه (التحقيق) في أصول الفقه، مجلدان، و (رياض الجنان في أعمال شهر رمضان - ط) و (ديوان شعر) في مديح الأئمة، و (الرائق) مختارات من أشعار العرب.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 244
السيد أحمد بن محمد بن علي ابن سيف الدين الحسني
البغدادي الشهير بالسيد أحمد العطار.
كان حيا سنة 1145 وتوفي سنة 1215 في النجف الأشرف ودفن في الطارمة الكبيرة فيكون عمره قد تجاوز السبعين، وأرخ وفاته الحاج محمد رضا الآزري بقوله من قصيدة:
ولما نحا دار المقامة أرخوا | له مقعد في محفل الخلد أحمد |
سعى إلى الحج فنال قصده | وللعهود السالفات جدد |
وزار مثوى المصطفى الطهر الذي | من زار مثواه الشريف يسعد |
فليحمد الله تعالى حيث قد | وفقه للعود فهو أحمد |
ومذ أتى أرخت حج ثانيا | وزار جده الرسول أحمد |
احمد من أيد دين أحمدا | بآله ومن بهم قد اقتدى |
وأشرف الصلاة والسلام | على النبي أصدق الأنام |
وآله موضع سر الباري | خزان علم المصطفى المختار |
ثم على من اقتفى آثارهم | لا سيما من قد رووا أخبارهم |
من كل ثبت ثقة ذي ورع | مستحفظ لسرهم مستودع |
من رفعوا قواعد الأحكام | ومهدوا شرائع الإسلام |
أي طرف منا يبيت قريرا | لم تفجر أنهاره تفجيرا |
أي قلب يستر من بعد من كان | لقلب الهادي النبي سرورا |
آه واحسرتا عليه وقد اخرج | عن دار جده مقهورا |
كاتبوه فجاءهم يقطع البيداء | يطوي سهولها والوعورا |
اخلفوه ما عاهدوا الله من قبل | وجاءوا إذا ذاك ظلما وزورا |
أخلفوا الوعد أبدلوا الود خانوا | العهد جاروا عتوا عتوا كبيرا |
فأتاهم محذرا ونذيرا | فأبى الظالمون إلا كفورا |
وأصروا واستكبروا ونسوا يوما | عبوسا على الورى قمطريرا |
لست أنسى إذ قام في صحبه | ينثر من فيه لؤلؤا منثورا |
قائلا ليس للعدى بغية غيري | ولا بد أن أردى عفيرا |
اذهبوا فالدجى ستير وما الوقت | هجيرا ولا السبيل خطيرا |
فأجابوه حاش لله بل نفديك | والموت فيك ليس كثيرا |
لا سلمنا إذن إذا نحن أسلمناك | وترا بين العدى موتورا |
أنخليك في العدو وحيدا | ونولي الأدبار عنك نفورا |
لا أرانا الإله ذلك واختاروا | بدار البقاء ملكا كبيرا |
بذلوا الجهد في جهاد الأعادي | وغدا بعضهم لبعض ظهيرا |
ورموا حزب آل حرب بحرب | مأزق كان شره مستطيرا |
كم أراقوا منهم دما وكاي | من كمي قد دمروا تدميرا |
فدعاهم داعي المنون فسروا | فكان المنون جاءت بشيرا |
فأجابوه مسرعين إلى القتل | وقد كان حظهم موفورا |
فلئن عانقوا السيوف ففي | مقعد صدق يعانقون الحورا |
ولئن غودروا على الترب صرعى | فسيجزون جنة وحريرا |
وغدا يشربون كأسا دهاقا | ويلقون نضرة وسرورا |
كان هذا لهم جزاء من الله | وقد كان سعيهم مشكورا |
فغدا السبط بعدهم في عراص | الطف يبغي من العدو نصيرا |
كان غوثا للعاملين فأمسى | مستغيثا يا للورى مستجيرا |
فاتاه سهم مشوم به انقض | جديلا على الصعيد عفيرا |
فأصاب الفؤاد منه لقد | أخطأ من قد رماه خطا كبيرا |
فاتاه شمر وشمر عن ساعد | أحقاد صدره تشميرا |
وارتقى صدره اجتراء على الله | وكان الخب اللئيم جسورا |
وحسين يقول أن كنت من يجهل | قدري فأسال بذاك خبيرا |
فبرى رأسه الشريف وعلاه | على الرمح وهو يشرق نورا |
ذبح العلم والتقى إذ براه | وغدا الحق بعده مقهورا |
عجبا كيف يذبح السيف من قد | كان سيفا على العدى مشهورا |
عجبا كيف تلفح الشمس شمسا | ليس ينفك ضوءها مستنيرا |
عجبا للسماء كيف استقرت | ولبدر السماء يبدو منيرا |
كيف من بعده يضيء أليس | البدر من نور وجهه مستعيرا |
غادروه على الثرى وهو ظل الله | في أرضه يقاسي الحرورا |
ثم رضوا بالعاديات صدورا | لأناس في الناس كانوا صدورا |
قرعوا ويلهم ثغور رجال | بهم ذو الجلال يحمي الثغورا |
هجروا في الهجير أشلاء قوم | أصبح الذكر بعدهم مهجورا |
أظلم الكون بعدهم حيث قد | كانوا مصابيح للورى وبدورا |
استباحوا ذاك الجناب الذي قد | كان حصنا للمستجير وسورا |
أضرموا في الخيام نارا تلظى | فسيصلون في الجحيم سعيرا |
بعد أن ابرزوا النساء سبايا | نأدبات ولا يجدن مجيرا |
مبديات الأسى على من بسيف | الظلم قد بات نحره منحورا |
من يعد الحنوط من يتولى | غسل قوم قد طهروا تطهيرا |
من يصلي على المصلين من يدفن | تحت التراب تلك البدورا |
من يقيم العزاء حزنا على من | رزؤهم احزن البشير النذيرا |
من لأسد قد جزروا كالأضاحي | يشتكون الظمأ وكانوا بحورا |
من لزين العباد إذ صفدوه | بقيود وأوثقوه أسيرا |
عجبا تجتري العبيد على من | كان للناس سيدا وأميرا |
من لطود هوى وكان عظيما | من لغصن ذوى وكان نضيرا |
من لبدر أضحى له اللحد برجا | من لشمس قد كورت تكويرا |
من لجسم في الترب بات تريبا | من لرأس فوق السنان أديرا |
وجباه ما عفرت لسوى الله | غدت بعد ساكنيها دثورا |
يا له فادحا تضعضع ركن | الدين من عظمه ورزءا خطيرا |
ومصابا ساء النبي ومولانا | عليا وشبرا وشبيرا |
وخطوبا يطوى الجديد ولا يفتأ | في الناس حزنها منشورا |
أو يقوم المهدي حامي حمى الإسلام | ساقي الأعداء كأسا مريرا |
رب بلغه ما يؤمله وافتح | له من لدنك فتحا يسيرا |
ليت شعري متى نرى داعي | الله إلى الحق والسراج المنيرا |
أو ما إن أن يرى ظاهرا في | يده سيف جده مشهورا |
أ وما إن أن يرى ولواء | النصر من فوق رأسه منشورا |
أو ما إن أن يحور فيستأصل | من كان ظن أن لا يحورا |
أ وما إن أن يعود به الإسلام | بعد الخمول غضا نضيرا |
أ وما إن أن نروح ونغدو | في ابتهاج والعيش يغدو قريرا |
أ وما إن أن ينادي مناديه | عن الله في الأنام بشيرا |
ذاك يوم للمؤمنين سرور | وعلى الكافرين كان عسيرا |
يا بني الوحي والألى فيهم قد | أنزل الله هل أتى والطورا |
دونكم من سليلكم أحمد | درا نظيما ولؤلؤا منثورا |
يبتغي منكم به جنة لم | ير فيها شمسا ولا زمهريرا |
خسر المادحون غيركم | والمدح فيكم تجارة لن تبورا |
وعليكم من ربكم صلوات | عطر الكون نشرها تعطيرا |
أف لدهر ما رعى | حرمة آل المصطفى |
ينفث سهم غدره | يقصد آساد الشري |
يا سعد قم فابك على | شرع النبي المصطفى |
قد صدعت لما نأى | المهدي أركان الهدى |
ما هاج حزني بعد الدار والوطن | ولا الوقوف على الآثار والدمن |
ولا تذكر جيران بذي سلم | ولا سرى طيف من أهوى فارقني |
ولم ارق في الهوى دمعا على طلل | بال ولا مربع خال ولا سكن |
نعم بكائي لمن أبكى السماء فلا | تزال تنهل منها أدمع المزن |
كأنني بحسين يستغيث فلا | يغاث إلا بوقع البيض واللدن |
وذمة لرعاة الحق ما رعيت | وحرمة لرسول الله لم تصن |
أعظم بها محنة جلت رزيتها | يرى لديها حقيرا أعظم المحن |
يا باب حطة يا سفن النجاة ويا | كنز العفاة ويا كهفي ومرتكني |
يا عصمة الجار يا من ليس لي أمل | إلا ولاه إذا أدرجت في كفني |
هل نظرة منك عين الله تلحظني | بها وهل عطفة لي منك تدركني |
إن لم تكن آخذا من ورطتي بيدي | ومنجدي في غدي يا سيدي فمن |
وكيف تبرأ مني في المعاد وقد | محضت ودك في سري وفي علني |
أم كيف يعرض يوم العرض عني من | بغير دين هواه القلب لم يدن |
وهل يضام معاذ الله أحمدكم | ما هكذا الظن فيكم يا ذوي المنن |
إليكم سادتي حسناء فائقة | في حسن بهجتها من سيد حسني |
عليكم صلوات الله ما ضحكت | حديقة لبكاء العارض الهتن |
شرفت نظمك يا شريف بمدح من | فيه تشرف محكم الآيات |
فغدوت فيه سيد الشعراء | قاطبة وقائدهم إلى الجنات |
وغدا قريضك سيدا لقريضهم | إذ كنت مادح سيد السادات |
تحن إليكم حيث كنتم جوانحي | وتطوى على جمر الفراق جوارحي |
وها أنا من برح بكم غير بارح | احمل شكوى شوقكم كل رائح |
سلوا قلبكم عن حال قلب محبكم | فذلكم أدرى بأحوال صبكم |
أهيم اشتياقا كل يوم لقربكم | واستقبل النوق اللواتي بركبكم |
أعلل نفسي باللوى والمحصب | وأنتم منى قلبي وغاية مطلبي |
ولولاكم ما كنت مما ألم بي | أهش لهام من حماك مقطب |
وأرقب طرف النجم فيكم إذا سجى | فازداد من فرط الغرام بكم شجا |
ويوحشني الليل البهيم إذا دجى | ويؤنسني سجع الحمائم في الدجى |
أفي كل يوم فادح يتجدد | ولاعج وجد ناره تتوقد |
وهم مقيم للأنام ومقعد | وغم مقيم في الكرام مؤبد |
وأمضى حسام للرزايا مجرد | وانفذ سهم للمنايا مسدد |
وفي كل حين للمنية مصيد | يصاد على رغم العلى فيه اصيد |
أأحمد دهرا فيه يقصد أحمد | بسهم الردى عدو أو بالسوء يقصد |
أما ولآلي أدمع قد تناثرت | يجود بها طرف الفخار المسهد |
لئن ذاب جسمي لوعة واستحال من | جوى الحزن دمعا هاميا ليس يجمد |
لكان قليلا في رزية أحمد | بل الموت وجدا بعد أحمد احمد |
فتى كرمت أخلاقه وعلا به | إلى الغاية القصوى علاء وسؤدد |
قضى العمر في كسب المكارم لم يكن | ليشغله عن كسب مكرمة دد |
على مثله فليبك من كان باكيا | فان البكا في مثل أحمد يحمد |
ينفذ كلا حزننا بعد من له | مآثر حمد ذكرها ليس ينفد |
لئن فقدته عيننا فجميله | مدى الدهر باق في الورى ليس يفقد |
به فتكت أيدي المنون وانه | لصارم عزم في الخطوب مجرد |
وأعجب شيء أن تنال يد الردى | أبيا له فوق السماكين مقعد |
فلا كان يوم قام ناعيه أنه | لأشام يوم في الزمان وأنكد |
نعى العلم والمجد المؤثل إذ نعى | فتى كله علم وحلم وسؤدد |
أجد لآل الطهر أحمد حزنهم | برزء على مر الجديد يجدد |
أملحده في الترب هل أنت عالم | بأنك للشمس المنيرة ملحد |
فيا طالب المعروف ويك اتئد فقد | تعطل نجد المكرمات المعبد |
ويا طامعا في الرشد اقصر فقد قضى | الذي هو هاد للبرايا ومرشد |
فلله خطب حزنه شمل الورى | وطول جوى يطوي المدى وهو سرمد |
تداعى بناء المجد من عظم هوله | وهد له طود العلاء الموطد |
واظلم نادي الفخر بعد ضيائه | وأقوى طراف المكرمات الممدد |
وقد ثلمت في الدين أعظم ثلمة | وأصبح منه الشمل وهو مبدد |
ولو لم نسل النفس عنه بولده | لأودى بها عب ء الأسى المتكئد |
فإنهم أحيوا مآثر مجده | الأثيل وما قد كان أسس شيدوا |
فأكرم بهم من أهل بيت أكارم | إذا مات منهم سيد قام سيد |
أمهدي أهل البيت يا من أقامه | الإله منارا للعباد ليهتدوا |
ويا ابن الرضي المرتضى علم الهدى | ومن جده هادي الأنام محمد |
تعز وان عز العزاء لمثله | وكن صابرا في الله فالصبر احمد |
فما مات من قد قمت أنت بأمره | وان كان من تحت الصفائح يلحد |
ولا يتمت أولاده بعده وهل | تعد يتامى من لها أنت مرفد |
فإنك أحنى من أبيهم عليهم | على أنه ذاك الأب المتودد |
أدام لهم ذو العرش ظلك ما آوى | إلى البدر نجم نوره يتوقد |
أحمد أهل البيت يا من بفضله | أعاديه فضلا عن مواليه تشهد |
ويا غائبا عين المكارم لم تزل | تطلع من شوق إليه وترصد |
إلى كم نرجي العود منك فعد به | علينا حنانا منك فالعود احمد |
ويا خير مفقود بكته العلى دما | وأصبح منها الجفن وهو مسهد |
لئن كنت قد فارقت دنيا نعيمها | يزول وعيشا ليس يفتا ينكد |
فإنك قد جاورت ربك خالدا | بمقعد صدق لا يدانيه مقعد |
لذلك قد أنشأت فيك مؤرخا | مقامك عند الله في الخلد احمد |
لله حظب جلل من عظمه | قلوبنا باتت على جمر الغضا |
ونكبة عم الأنام حزنها | إذ خص فيها آل بيت المرتضى |
ويا له فرط جوى أثر في | العين قذي وفي الفؤاد مرضا |
كم ذا نعاني في الزمان نوبا | وكم نقاسي للخطوب مضضا |
كيف القرار لامرئ مقتله | أمسى لأسهم الرزايا غرضا |
إني لعين قد تغشاها القذي | إذ غاب عنها نورها أن تغمضا |
وكيف بالصبر لمن غودر من | تراكم الهم عليه حرضا |
أينقضي الوجد لمولى رزؤه | كذكره الجميل ما له انقضا |
ندب له أمسى مباح النوم | محظورا ومكروه الأسى مفترضا |
أجرى عقيق دمع عيني ذكره | لا ذكر جيران العقيق فالغضا |
لله كم أوهن عظما كربه | وكم قوى هد وطهرا انقضا |
صوح روض الإنس بعده وقد | كان بفيض جوده مروضا |
فاغبرت الغبراء والخضراء إذ | قضى وضاق بعده رحب الفضا |
من كان عن ذنب الصديق مغضيا | وعن إساءة الصديق مغمضا |
ما خفر الأل على علاته | يوما ولا ذمة عهد نقضا |
لم انس أياما زهت بقربه | ومحفلا بأنسه قد أروضا |
زالت زوال الظل حتى خلتها | حلما مضى أو لمع برق أو مضا |
لأقر عيش قر بعدها ولا | قرت عيون طمعت أن نغمضا |
أعزز به من راحل لم يرتحل | عنا وإن قوض فيمن قوضا |
قضى حميد الذكر مرتضى كما | قضى كذاك عمره الذي انقضى |
قد كان في الله تعالى فانيا | وعن جميع ما سواه معرضا |
وصابرا على البلاء شاكرا | مسلما لأمره مفوضا |
ما مات مولى ناب عنه معشر | قد خلفوه بجميل إذ مضى |
وهل يموت من ولي عهده | من بالعلوم يافعا قد نهضا |
مهدي أهل الحق والقائم بالدين | الذي له المهيمن ارتضى |
ومن له مهابة يغضى لها | لم يعطها الليث الذي قد غيضا |
وعزمة ثاقبة يكاد لا | يجري بغير ما جرت به القضا |
أمضى من السيف ولو أعيرها السيف | لما احتاج إلى أن ينتضى |
وحدس فهم كم به أوضح | من دقائق العلوم ما قد غمضا |
وعصمة يوشك أن تقضي له | بأنه مهدي آل المرتضى |
يا أيها المهدي يا بقية الصفوة | يا سلوة من منهم مضى |
تعز في الله فان فيه عما | فات أو ما سيفوت عوضا |
واعلم يقينا أنه لم يرتحل | عن رحله كرها ولكن عن رضا |
إذ كانت الدنيا على نضرتها | اكره شيء عنده وأبغضا |
رأى لدى السياق ما أعده | الله له فصار يسعى مفوضا |
وحين حط بالحسين رحله | نال به شفاعة لن تدحضا |
وأعطى الفردوس مقصى عن لظى | تاريخه نال النعيم المرتضى |
وحيث لم يلق عذابا أرخوا | جوار مولانا الحسين المرتضى |
وحين لم يلق آثاما أرخوا | قل لك عند الله مأوى مرتضى |
الوجد وافى والمسرة أنتات | إذ قال من أرخ مات مرتضى |
ليغتبط وليهنه أن قد أتى | تاريخه حاز من الله الرضا |
عز على الأشراف فقدان من | عزت فعز الصبر من بعدها |
هد قوى الفخر أساها وقد | برح بالمجد جوى وجدها |
وكيف لا وهي ابنة المرتضى | واحد آل المرتضى فردها |
شقيقة المهدي مهدي | الحق هاديها إلى رشدها |
ومن هو الغرة من جبهة | العلياء والدرة من عقدها |
قد حكم الله بخير لها | وزادها سعدا إلى سعدها |
إذ حطت الرحل باحمى حمى | به أنيلت منتهى قصدها |
وحين حلت في حمى المرتضى | أرخت لاذت بحمى جدها |
لبينكم يا نازلين على نجد | جرى مدمعي وجدا وسال على الخد |
وألبسني ثوب النحول تذكري | منازل ليلى العامرية أو هند |
احن إلى الوادي الذي تسكنونه | حنين المطايا الصاديات إلى الورد |
وأصبو لمعتل النسيم إذا سرى | وإن كان لا يشفي الغليل ولا يجدي |
واهفو إذا غنى على الدوح صادح | يذكرني ظل الاراكة والرند |
ولي مهجة ذابت غداة ترحلت | ظعونكم عني وركب الهوى نجدي |
رحلتم وخلفتم فؤادا متيما | أخا زفرات لا يفيق من الوجد |
بكيت دما لما استقل فريقكم | وأم به الحادي إلى ساحة البعد |
وقلت لصبري يوم بنتم: هنيهة | فلم يتلبث ساعة بعدكم عندي |
ولم يبق عندي غير تذكار دمنة | عفاها البلى قدما وغيرها بعدي |
اسائل كثبان النقا عن ظعونكم | عسى خبر ممن ألم به يبدي |
واستخبر البرق اللموع عسى به | لكم خبر يا ساكني العلم الفرد |
أيا برق أن جزت المنازل فأبلغن | أهيل النقى إني مقيم على العهد |
إذا مر لي ذكر العذيب ومائه | تذكرت في أيام قربكم وردي |
سقى منزلا بالسفح سفح مدامعي | وحيا الحيا ربعا خصيبا على نجد |
هي سامراء قد فاح شذاها | وتراءى نور أعلام هداها |
يا لها من بلدة طيبة | تربها مسك وياقوت حصاها |
حبذا عصر قضيناه بها | بلغت أنفسنا فيه مناها |
وربوع كمل الأنس لنا | والهنا فيها فسقيا لثراها |
وهوى قد شغف الناس هوى | وصبا ترجع للنفس صباها |
وأزاهير رياض أحدقت | بجنان غضة دان جناها |
ومياه صرح بلقيس حكت | بصفاها إذ جر ت فوق صفاها |
وهضاب زانها حصباؤها | مثلما زينت الشهب سماها |
صاح أن شاهدت أسمى قبة | لا يداني الفلك الأعلى علاها |
حضرة قد أشرقت أنوارها | بمصابيح الهدى من آل طاها |
حضرة تهوى سماوات العلى | إنها تصلح أرضا لسماها |
فاستلم أعتابها مستعبرا | باكيا مستنشقا طيب ثراها |
لائذا بالعسكريين التقيين | أوفى الخلق عند الله جاها |
خازني علم رسول الله من | قد أبى فضلهما أن يتناهى |
فرقدي أفق العلى بل قمري | فلك العلياء بل شمس ضحاها |
عيني الله تعالى لم يزل | بهما يرعى البرايا مذ رعاها |
ترجماني وحيه مستودعي | سره أصدق من بالصدق فاها |
عمدي سمك العلى من بهما | قامت الأفلاك في أوج علاها |
من بني فاطمة الغر الألى | بهم قد بأهل الله وباهى |
وإذا ما اكتحلت عيناك من | رؤية الميل وقد لاح تجاها |
فاخلعن نعليك تعظيما وسل | خاضعا تزدد به عزا وجاها |
واستجر بالقائم الذائد عن | حوزة الإسلام والحامي حماها |
حجة الله الذي قوم من | قنوات الدين من بعد التواها |
قطب آل الله بل قطب رحى | سائر الأكوان بل قطب سماها |
ذو النهى رب الحجى كهف الورى | بدر أفلاك العلى شمس هداها |
عصمة الدين ملاذ الشيعة | الغر منجى هلكها فلك نجاها |
منقذ الفرقة من أيدي العدى | مطلق الأمة من أسر عناها |
مدرك الأوتار ساقي واتري | عترة المختار كاسات رداها |
يا ولي الله هل من رجعة | تشرق الأرض بأنوار سناها |
ويعود الدين دينا واحدا | لا يرى فيه التباسا واشتباها |
ليت شعري أولم يان لما | نحن فيه من أسى أن يتناهى |
أيدوم في دار الفناء بقاء | أم هل يرام من الزمان وفاء |
أم كيف يؤمن فتك دنيا لم تزل | تعنو بها السادات والشرفاء |
ضحكت بوجهك فاغتررت وأنه | لا شك ضحك منك واستهزاء |
أودى الذي كانت بطلعة وجهه | تجلى الخطوب وتكشف الغماء |
لم انس إذ حمل الأعاظم نعشه | ولهم هنالك رنة وبكاء |
وترجل الكبراء إجلالا له | ولمثله يترجل الكبراء |
لو لم يكن تاجا لرأس الفخر ما | حملته فوق رؤوسها الرؤساء |
ومن العجيبة حمل طود شامخ | كادت تموج بفقده الغبراء |
لكنه لما ثوى في بطنها | سكنت فقرت فوقها الأشياء |
وله مقام في أعالي جنة | الفردوس يغبطه به السعداء |
أكرم بذلك منزلا ما بعده | بعد وليس وراء ذاك وراء |
لو تشهد الزهراء يوم وفاته | لبست عليه حدادها الزهراء |
يا أحلا لم يرتحل عنا وان | خلت المدارس منه والأنداء |
لو كانت الأموات مثلك لم تكن | فضلت على أمواتها الاحياء |
لا خير بعدك في الحياة وإنها | لذميمة فعلى الحياة عفاء |
قد أظلمت سبل الرشاد وطالما | كشفت بغرة وجهك الظلماء |
وغداة عم مصابه أرخت قد | فدحت برزء الصادق العلماء |
عزيز على المهدي فقد سميه | أجل وعلى هادي الأنام إلى الرشد |
فقدناه فقد الأرض صوب عهادها | وفقد السما للبدر والنحر للعقد |
صيب به الإسلام حزنا فأرخوا | أثار مصاب القائم السيد المهدي |
أسنا جبينك أم صباح مسفر | وشذا أريجك أم عبير أذفر |
أهلا بطلعتك التي ما أسفرت | إلا وليل الهم عنا يدبر |
بل عاد ذابل روض آمال الورى | غضا ولا عجب فإنك جعفر |
وتبسمت ارض الغري مسرة | بك بعد ما عبست فكادت تزهر |
ومدارس العلم استنارت مذ بدا | فيها محياك البهيج الأنوار |
كنا لفرقته بأعظم وحشة | وبعوده عاد السرور الأكبر |
فمثالنا كالروض جانبه الحيا | فذوي فعاوده فأصبح يزهر |
ومثاله كالشمس يغشى الليل أن | غابت ويبدو الصبح أن هي تسفر |
ولقد أقول لناشدي تاريخه | قد حج واعتمر الممجد جعفر |
كأنما شمعتنا إذ بدت | في شمعدان بهج المنظر |
ملك على تخت نضار وقد | كلله تاج من الجوهر |
بشرى فبدر سماء المجد قد طلعا | ونور شمس نهار السعد قد سطعا |
أهلا وسهلا بمولانا وسيدنا | صدر الأفاضل من في العلم قد برعا |
المرتضى المرتضى الأخلاق فخر بني | علي المرتضى أو في الورى ورعا |
أهلا بمن أشرقت ارض الغري به | وافتر مبسمها كالبرق إذ لمعا |
وقد تهلل منها الوجه مبتسما | إذ طالعت وجهه الميمون قد طلعا |
يا سعد خذ فرصة الأفراح منتهزا | فان طرف رقيب الدهر قد هجعا |
تلاف فائت لذات الصبا فلقد | أعيد شرخ شباب الأنس مرتجعا |
واطرب فاعطاف أغصان الهنا رقصت | وبلبل السعد في دوح المنى سجعا |
وارفل بثوب التهاني فالحبيب مع | الحبيب من بعد طول الفرقة اجتمعا |
ليهن سيدنا المهدي طلعته | التي بضوء سناها الكون قد سطعا |
وليبتهج وله البشرى برجعته | التي بها غائب الأفراح قد مرجعا |
قرت عيون البرايا حين أقبل بل | قرت عيون العلى والمكرمات معا |
إذ قر عينا مهدي به آل رسول | الله أصدع من بالحق قد صدعا |
عماد سمك العلى من قام كاهله | بحمل أعباء دين المصطفى يفعا |
يا من يحاول تاريخ اجتماعهما | بعد افتراق به خرق العلى اتسعا |
أيا تجد فأمل تاريخي عليه وقل | لجمع شملك شمل المجد قد جمعا |
أو قل إذا شئت تاريخ اجتماعهما | لجمع شملكما شمل العلى جمعا |
أو شئت آخر فاسمع ما نظمت وما | أرخت بدران في برج العلى اجتمعا |
مصاب تكاد الشم منه تميد | وتخبو له زهر النجوم وتخمد |
وغاشية ألقت على الدهر كل كلا | فزجت غماما بالصواعق تحشد |
وفاجأت الآراء منها بدهشة | أقارب من بعث الخلائق موعد |
أجل هي ما تدري بها مكفهرة | إذا جلجلت منها الشوامخ ترعد |
فهاتيكم الأعلام مورا كأنها | سفائن ماء عب بالريح مزبد |
مقاعد صدق عند ذي العرش مكنت | فلا ملكها يبلى ولا العيش ينفد |
ولما نحا دار المقامة أرخوا | له مقعد في محفل الخلد أحمد |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 3- ص: 130