السفرجلاني مصطفى بن محمد بن عمر السفرجلانى: فاضل. من أهل دمشق. ولد بها، وتوفى بالقسطنطينية. له نظم، نثره خير منه، ورسائل في (المنطق) و (الكلام) و (الحكمة).

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 7- ص: 241

مصطفى السفرجلاني ابن محمد بن عمر بن إبراهيم المعروف بالسفرجلاني الحنفي الدمشقي نزيل قسطنطينية وأحد المدرسين بها آية الله في العلوم العقلية ونادرة الدوران وبهجة وجه الزمان كان من أعاظم الأفاضل عالما مدققا كثير الفضل جم الفضائل عجيب المطارحة صاحب نكت ولطائف له الراحة العليا في تحقيق العبارات مع الأدب والحذق والذكاء التام ولد بدمشق وبها نشا وقرأ على أشياخ عصره وبرع وتنبل وأشرق بدره المنير وبزغت شمس معارفه وعوارفه وكان مفرط الذكاء والفطنة له جسارة في التكلم والمصادرة مع مهارة في اللغة الفارسية والتركية وناهيك بالعربية غير أن علمه كان أكثر من ديانته والسوداء تمكنت منه لأجل ذلك تظهر في تكلماته ظواهر وخوافيه وارتحل إلى دار الخلافة في الروم قسطنطينية وتصدى للامتحان عند شيخ الاسلام إذ ذاك مفتي الدولة المولى السيد مصطفى ولازمه على قاعدة المدرسين والموالي الرومية وتنقل بالمدارس على طريقتهم ودرس في مدرسة والد المذكور شيخ الاسلام المولى السيد فيض الله الشهيد وأقرأ في جامع السلطان محمد وفي غيره ولزمه الطلاب واشتهر فضله بين أبناء الروم وأخبرت أنه كان يحضر درسه ويجتمع فيه ما ينوف عن المائتين من الرجال وعظم قدره لدى صدور الدولة وعلمائها وكانوا يبجلونه وله عندهم مزيد الرفعة لتحقيقه وتدقيقه وفضله الذي على مثله الخناصر تعقد وكان مع ذلك يذمهم ويتكلم في حقهم ولا يهاب كبيرهم ولا صغيرهم وعلمه ساتر منه كل عيب وتكرر عوده إلى دمشق في أثناء إقامته هناك وآخرا توفي في تلك الديار وحين توفي كان منفصلا عن رتبة الالتمشلي المتعارفة بينهم وكان رحمه الله إذا تكلم أسكت وإذا حاور بكت لم يزل يبدي إلى منزع تعريض واستطالة في طويل وعريض وكان يأكل البرش ويبتلى به في سائر أوقاته ولما كانت العادة في دار السلطنة قسطنطينية في شهر رمضان يدخلون في كل يوم من المدرسين العلماء جملة أنفار لأجل الاقراء في حضرة السلطان للسرايا السلطانية كان المترجم من مشاهير أفاضل المدرسين فأدخل مع البقية فلما كانوا في حضرة السلطان مصطفى خان قرر المترجم وأبدى الافادة ثم تخلص من ذلك وشكا حال أخيه عبد الكريم السفرجلاني وكان في ذلك الوقت محبوسا في دار السلطنة غب قتل والي دمشق وأمير الحاج الوزير أسعد باشا المعظم ونسب في ذلك لبعض أشياء هو خال عنها وتكلم المترجم بالرجاء بإخراج أخيه واستخلاصه من هذه المادة ولم يصدعه في الحضرة السلطانية مرد ولا تخوف وكان له رسائل مفيدة في المنطق والفلسفة والكلام والحكمة وغير ذلك اطلعت على بعضها بخطه وله تحريرات وأشعار وشعره مقبول ونثره حسن ومن شعره ما مدح به المولى خليل الصديقي الدمشقي حين ولي قضاء دمشق وهو قوله

هذا منتحل من قول الوأواء الدمشقي
وقد أنشدني قاضي دمشق المولى العالم الفاضل الماهر السيد محمد طاهر الرومي في المعنى للملك الأشرف وهو من الدوبيت
عودا لاتمام القصيدة المقدمة
وللمترجم أيضا
وله أيضا
ومن نثره الفائق قوله ملغزا وكتب به إلى بعض الأفاضل
يا صور الكمال ويا غرر الجمال ويا طوالع الاقبال ويا أصحاب مقال أصفى من الزلال وأحلى من السلسال وأبهى من اللآل وأمضى من النصال وأسرى من الخيال ما قولكم فيما فيه يقال إن مشى فهو بشر وإن شئت قلت فهو بشار وإن طال فهي حية تسعى وإن قصر فهو عقرب تلسع وإن رضع بكى وإن فطم قعد عن البكا وله أحوال وأطوار منها إنه رفيع مقام من العيان الأعلام إن مد مدده فالبحر المحيط من رشحاته وأن أطال يده فالكوكب الدري من ملتقطاته ومن كان في خدمته وقام في رسم خدمته فاز بالقدح المعلي وحاز قصب السبق في مضمار العلي وله كلام درى النظام مطابق للمقام وهو
وله غرة كوجه القمر وطلعة كعين اليقين وجبهة كواسطة العقد وبلغ فيما بلغ حتى بلغ غاية الكرم وأقصى الهمم ونهاية العظم وقصارى الشيم فمن قائل إنه أبو المسك كافور وأخوه سيف الدولة ومن مدعي إنه من بني العباس وأخوه السفاح ومن معتقد أنه ذو القرنين خاض الظلمات وشرب ماء الحيات وبنى السد الذي لو أبصرته لرأيت سدا من حديد سائر فوق الفرات مع إنه عبد رق ما رق يوما لعتق
ومن أحواله أنه بليغ انشاء إن مد أطناب الأطناب رد المسن إلى اقتبال الشباب وهو للصاحب صاحب وللعماد عماد وله الصابي صابي ولقد أصاب مع إنه مغري بضعف التأليف والتعقيد وممنو بسقطات ما عليها من مزيد إن سكت ألفا نطق خلفا وإن أعطى مقولا حرم معقولا فهو كصرير باب أو طنين ذباب ومن أحواله إنه صرفي يحول الأصل الواحد إلى أمثال مختلفة لمعان مقصودة لا تحصل إلا بها ويرى إن الأجوف الناقص غير معتل وإنه بصري إن أعرب فمضارع الماضي المشتمل على حرف جازم المجزوم بحذف آخره لديه ليس بفعل ومن أحواله أنه متكلم يسند المعتز لي أعماله خلقا إلى الباري المصور ويضاهي قلب المؤمن لكنه كافر أن قيل إن هذه الآثار فانية مع بقاء المؤثر الفاعل
فعنده قول هذا القائل كلمة حق أريد بها باطل ومن أحواله إنه فارس ميدان يثير النقع في أرض بارق ويذكر مجر العوالي ومجرى السوابق إذا أبصرت عامله أبصرت عامله أو أفعاله فأفعى له أو أقواله فأقوى له أو أعماله فليس أهلا أعمى له لكنه يقول
ومن أحواله إنه خليع عذار خد مشى فيه الدجى فتحير وبالغ في لثم كافور الترائب حتى لاح فيه وفاح العنبر ونشر مسك الليل على كافور الصباح وستر وجوه هاتيك الملاح مع إنه خصى ألوط من دب وفي بياض النهار يدب يكمل بالنقصان ويغبر في وجوه الحسان ويخسف الأقمار ويولج الليل في النهار ومن أحواله إنه رفيق رقيق طبع يسير في روضة يطلب للضيق منها مخرجا لترقرق مائها الصافي تحت ظلها الضافي كطرة صبح تحت أذيال الدجى يتكسر النهر فيها على صفحات الحدائق ونثر لازوردي البنفسج على لجين الماء الرائق وفيها يقول
مع إنه غريب قد أخذت منه الغربة بنصيب حتى غدا أخا جوع وليس بصائم وعريانا وليس بمحرم بحال أرق من الشكوى وأوجى من النوى وليس له من كثرة الترداد ملل لقوله أنا الغريق فما خوفي من البلل وقد كان هجر العراق وله إلى الشرق اشتياق
وما ذاك إلا لتتلقاه الملوك بأيدي القبول وهذا غاية الفوز ونهاية الوصول
فكتب إليه الجواب بقوله
ن والقلم وما يسطرون ما هاروت ونفثه وبحثه عما يفرق به وحثه يلعب بالعقول من البيان وبيانه للعيان فإنه صعب المركب ممنع المفرد والمركب ودون افتراع بكره وصدق سن بكره تخيلات وعرة المسلك شامخة العرنين عن أن تسلك بل دون مناله خرط القتاد وتفتت أكباد وتقطع أكتاد إلا لمن ذلل الله له جوامح أزمته وأودعه سجية برمته وأوسعه ما يعجز ومنحه ما يطنب به ويوجز فتعلق شأوه بمناط الأثير بمحسنات البديع من النظيم والنثير وقد وجم عن ادراكه كثير من الفحول وجم عن منهج الفضل لا يحول ولله در من مد إليه باعه فاقتاده ونقد سوانحه بفكرته الوقادة واقتطف من باكورة الفصاحة نضيرها واهتصر من البلاغة غضيرها من إذا شبب أطرب وإذا أعرب أغرب وإذا تكلم أصمى الأغراض وأظهر بون ما بين الجواهر والأعراض وإذا أجاب حير وإذا استرسل على أي حال لم يتغير فهو نسيج وحده في حله وعقده فلقد شنف سمعي وقرط وأودع ما يروق وما فرط فأقبلت عليه بكلي لا ببعضي وتصديت إليه بابرامي ونقضي فيالك فاضلا تقف الآراء عند تخيلاته وتتحير العقول بكنه استعمالاته وإليك ألقي بالمقاليد في طارف الكمال والتليد وأنا أقسم بمن أودعك ما أودعك ومنحك ما حلى به طرفك ومسمعك لأنت النابغة بل النادرة والنكتة التي للافهام متبادرة فأعيذ مرأى ذاتك وأحمى بديع صفاتك ما هذه القلائد المنتثرة والفوائد المنتشرة التي أتيت بها بالعجاب وأبرزتها للعيان من دون حجاب وأفرغتها في قالب الاختراع وافترعت بها هضاب البلاغة أي افتراع وضمنتها نكات هي عن سواك بمعزل وأنزلتها في القلوب أرفع منزل وأفحمت وأوجزت وأفعمت وأنجزت ورتجت المغفل وفتحت المقفل وتحاميت التعقيد والغرابة وتحاشيت التنافر واغرابه وجئتنا سائلا وأوردت بحر الأدب سائلا عن شيء يضع ويرفع ويضر وينفع ويجري على وفق الارادة من سعادة إلى شقاوة ومن شقاوة إلى سعادة فلا شك إنه اطلع على اللوح المحفوظ وعلم كل معنى ملفوظ وشارك باريه بالتصوير وأعانه على توقيع التدبير حجبه ظاهرة البرهان تراه كل حين هو في شأن فإذا التجئ إليه والتفت الأنامل عليه ابتدر بالحس لما في الخاطر مبينا وأراك ما حصل في المخيلة يقينا له صوت يسمع ولا يفهم كأنه أبكم ولسانه إذا جز تكلم وأتى بالكلام المحكم وأعرب وأعجم يجري مع كل عدو وحميم ويجاري كل كريم ولئيم وإذا وشى ترك العقول حيارى وترى الناس من أجله سكارى وما هم بسكارى إذا قام في مقام الافتخار وشق من ذلك الميدان الغبار قال وضح النهار
وإذا انساب في مهمات الأمور أظهر ما تكنه النفوس وما تخفيه الصدور فيا طالما خاض الظلم وظلم وظلم وعجيب أن تعبه في الراحة منوط وأمره دائر بين المهمل والمنقوط يأخذ من كل من قصده باليمين إن كان يصدق أو يمين له تقلب الأحوال في الأدبار والأقبال مع إنه فارغ من الأشغال لا يقر في أطواره على حال كريم شحيح سقيم صحيح أشغل من ذات النحيين وأفضى من حجام ساباط دعى في النسب لا يعرف له أم ولا أب يستأثر بنقل الأخبار إذا نأت الديار من الديار ينكس الأعلام وله اليد الطولى في النقض والابرام أغاليطه كثيرة وسقطاته شهيرة لم يزل في نحيب ودمعه في صبيب حتى إذا بلغ الغرض جف وأعرض وقال بلغ السيل الربى والشوط الأنتها فنهجه قويم إلا أن مشيه غير مستقيم يخطر مثل السرطان إن شاء ألف بين الأنس والجان عارف بأنواع المدح والهجاء وبمواقع معارك الهيجاء علي المقدار حديد شبا المنقار يجمع بين الضدين بل بين الأمرين المختلفين تطيعه كل ملة ويفرق بين المعلول والعلة فأما الملة اليهودية فهو حبرها في تفصيل قضاياها والمرجع إليه في نسخ أحكامها ومزاياها وأما المسيحية فله فيها الباع الطويل وهو المعين على ما فيها من التغيير والتبديل وأما المحمدية فعنها يترجم وعلى مواردها يدل ويعلم ضئيل الجسم عالي النفس يروى حديث العشق عن أنس يحصى حسنات الأنام ومساويهم ويحتاج إلى عبيدهم ومواليهم تراه قيما غير ذي عوج مستكنا غير ذي هوج يعلم الناس السحر ويظهر عجائبه في البر والبحر ليس له حاسة بصيرة ولا ذوقية ولا سمعية أوله مثل آخره وآخره مثل أوله تتهاداه الركبان من مكان إلى مكان يطأ النواعم وهو على رأسه قائم يحفظ من النسيان ويخبر عما يكون وكان إن قلم ظفره انشبه وإذا انتسب أو صل إلى أول الخلق نسبه يضرب أسداسا بأخماس وأخماسا بأسداس فيجعل الثلاثة مئينا والمئين آلافا بل يضاعفها إلى ما فوق ذلك أضعافا اجرأ من ليث مع إن الشعرة لا تدعه يذهب إلى حيث خدم وخدم حتى صار أشهر من نار على علم يجمع بين المشرقين في خطوة وله في قيد كل شبر كبوة ومن العجب إنه ينطق بالضاد على بكمه ويمد المدود بفمه فإذا ذوى عوده وافت سعوده وإذا عب أتى بما أحب وإذا خاض للبحر لجه أقام أقوى دليل وأقوم حجه فيجعل الحديث الضعيف مسلسلا والمطلق مقيدا والعجز صدرا والكامل شطرا والمفهوم محسوسا والرئيس مرؤسا وله أطوار منها اللبيب يحار منها ما عنه اشتهر في البدو والحضر أنه يدع الصافي ويكرع الكدر ومنها إن له النهى والأمر مع أنه لم يزل في قبضة الأسر والقهر ومنها إنه كسيح إلا أنه يسعى سعي الصحيح ومنها إنه شديد البطش آثاره في الأرض ولدى العرش على أنه شخن لفلسفة لا يحتمل على رأسه دقة
ومنها إنه رفيع المقام إلا أنه مبتذل بين الخاص والعام ومنها إنه مؤنث مذكر إذا المرء في حاله تفكر ومنها إنه يريض نفسه في مرضاة الكبير والصغير وتحامى مسه البشير النذير ومنها إنه زاهد في ذوات الذوائب راغب في الفحول الأجانب ومنها إنه إذا شق العصا أطاع ربه وما عصى قروي الربع مدني الطبع يألف مجاني الربا في ابان شبابه حتى يرى أكلها متشابها وغير متشابه فإذا غنى العندليب وصفق النهر يرقص في الحلل النضرة لدى الزهر فهو في كل معنى يهيم ولا شك إنه من أصحاب الرقيم أخذ النقشبندية عن الأساتذة وأتقن أحكام الأحكام عن الجهابذة فإذا تخيل الرسوم بكى ولا يجديه كثرة البكا حركته قسرية أما مسلسلة وأما دورية كشاف الحقائق منقح الدقائق يضرب يمينا وشمالا فيحرم حراما ويحل حلالا حتى إذا بلغ نهاية خط الأستوا قال فألقت عصاها واستقر بها النوى فهو قائم على كل نفس بما كسبت إن سكنت أو اضطربت يختبط الظلماء حتى إذا نقع الظما اضطر إلى الماء فإذا نسبوه لمذهب الأشعري وجم وصد عن التحديث وألجم ثم اعتزى إلى المشائين وطورا إلى الرياضيين وأخرى للصوريين يثبت المنزلة بين المنزلتين ويقول بالرؤيا بالعين وهو للتناسخ سبب ولا عجب ويقر بالتجسيم ويذهب إلى زخرف الحكيم ويقول العالم قديم مع إنه ينطق بحدوث الصفات وإعادة الرسوم الدراسات وينتسب إلى النظامية إذ يقولون إن الأعراض جسوم وهو يعتقد إنها أشياء في حالها تقوم فآثاره في الطور وعليها الفلك يدور له خادمان لا يخلو منهما انسان جامد واجب الاشتقاق صعب مر المذاق خبير بطي الدفاتر على رأسه تدور الدوائر يحل الرموز ويستخرج ما في الكنوز وهو ممن يحرفون الكلم عن مواضعه ويشار إليه بالبنان في تواضعه إذا نقص اكتمل وإذا جير عليه اعتدل وإذا تكلم جمع بين الأروى والنعام أو سكت احترم المشعر الحرام ماهر بالتحرير جدلي بالتقرير لم يزل الحديد قائما على رأسه حتى يقده إلى أضراسه فينشط من عقده وقد أثر الحديد في جسده يطرف في المنادمة ويبيح بالمنى دمه رشحاتها تتلقاها الصدور وتقيدها في رق منشور يتصفح من الأوراق بطونها ويملي عن قلبه شروحها ومتونها ومعربها وملحونها فإذا اخترع أبدع وإن هز عامله رصع ووشع وإذا أخذ في التحديث فمن البحر اغترافه وحازت قصب السبق أوصافه فهو طبيب مغرم بالتركيب إلا أنه تارة يخطي وطورا يصيب فإذا رفعته الأيدي حملته ما لا يطيق وإن وضعته زجته في مسالك الضيق كله سواء في الخلقة مفرد الرقة تتفجر من قلبه ينابيع الحكمة فيعرف من أراده حده ورسمه إن شاء أسهب وأطنب وإن شاء اقتصر واختصر يمشي على استحياء ميت بين الأحياء فإذا أنشأ أحكم الانشاء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فعلم الحرف يؤخذ منه والتصرف فيه يروى عنه وعلم الكاف ألقى إليه بالمقاليد وصيره من جملة العبيد فإذا بالسواد تعمم وأخذ يتكلم نسج حبرا وجرى في كل فن بما جرى ورد المشيب شبابا وخلد المحاسن أحقابا وجاد بكف سائل لا تنقطع منه الرسائل
وله في كل مقام مقال وفي كل مقال مقام لم يدع فكرة إلا نقدها أو انتقدها أو اعتقدها وربما طلب منه المراد فعثر ويقل ذلك منه بل يكثر يزين الصفحات الغرر كما تزين الجباه بالطرر والعيون بالحور والخدود بالعذار الأخضر وله عين صادية وريقة مسكية وذابل عامل وعامل ذابل تلقاه إن بان عذاره بدت أعذاره يحجل بالأدهم فيريك انسلال الأرقم فإذا استقبل مهب الهوى أقلع عما إليه هوى وإذا ضرب على قرنه ومات أحيا العظام الرفات يتولى تقاليد الملوك مع إنه فقير صعلوك ويطبع الأشكال على منوال وغير منوال لم يزل من تكليم موسى على وجل ومن القاء الواحد في خجل وله المنشآت المشحونة بالبدائع التي ذكرها شائع ذائع فلو أقسم أنه من القرآن لما حنث في الايمان فإذا اشتد القر وتجهم وجه العبد والحر وأنشد
يحامي عن اللمس أو أن يشار إليه بالأنامل الخمس مع سلبه الاختيار ما دام الفلك الدوار فطالما قال وهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى أما واسطار سطرن سطرا أنف في الماء واست في السماء إذا تذكرته أقبل عليك وقبل بالخضوع راحتيك وإذا أغضيت عنه قلاك ونسى ما هناك وادعى العجز عن النهوض عن القيام بالسنن والفروض يقبل الرشوى وليس هو من أمة الدعوى إذا سرى دب دبيب الكرى ربته الأيدي حتى مهر وأتى بما به فأصمت به مواقع أغراضها وذبت بشباته عن أعراضها فإذا ارتفع انتصب وإذا انتصب ارتفع وإذا طال وصف القلم والله بذلك أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وللمترجم في الهجو
وكان أحد بحار دمشق ويعرف بابن شحاده وعد المترجم بشيء من العود ثم ماطله به فأرسل للمترجم بعض أصحابه شيئا من العود وكان اسم المرسل سعيدا فنظم هذين البيتين مبكتا على ابن شحاده وهما قوله
وله غير ذلك أشياء كثيرة وكانت وفاته بقسطنطينية في صفر سنة تسع وسبعين ومائة وألف وأكبر أولاده محمد جاد الله كان بدمشق أحد المدرسين بها وكان ذا عفة وحياء وسكون وخصاله التي كان منطويا عليها لم تكن في أبيه وتوفي بدمشق في سنة احدى وتسعين ومائة وألف ومن الاتفاق إن والده ولد بدمشق وتوفي بقسطنطينية وهو ولد بقسطنطينية وتوفي بدمشق رحمهما الله تعالى.

  • دار البشائر الإسلامية / دار ابن حزم-ط 3( 1988) , ج: 4- ص: 209